(1)
لقد كثرت إعادة التدشينات في زيارة الحوضين بينما غابت
التدشينات، ولذلك فإنه يمكننا أن نطلق على هذه الزيارة: زيارة "إعادة
التدشين".
لقد شكلت هذه الزيارة زيارة لإعادة التدشين، وإعادة
التدشين لا نعني بها هنا فقط إعادة تدشين بعض المشاريع المتعثرة في الحوضين، وإنما
نعني بها أيضا إعادة تدشين منظومة من قيم النفاق والتطبيل والتصفيق كنا قد عرفناها
في الزيارات التي كان يقوم بها "ولد الطايع"، وتمت إعادة تدشينها مع الزيارة
الحالية للحوضين.
نحن نعلم بأن نظام "ولد الطايع" ما يزال
يحكمنا، وبأنه لم يسقط أبدا، ولكن قد يكون من الضروري جدا أن يتم تذكير الناس بذلك،
خاصة ونحن نقترب من الذكرى العاشرة للانقلاب على "ولد الطايع"، أو على
الأصح، الذكرى العاشرة لإعادة تدشين نظام ولد "الطايع".
(2)
قد يضطر بعض الرؤساء في بعض الأحيان إلى القيام بزيارات خارجية
غير معلنة الأهداف، ولكن من النادر جدا أن يقوم رئيس دولة بزيارة داخلية في بلده
وأن لا تكون أهداف تلك الزيارة معروفة ومعلنة، ولذلك فإن الزيارة الحالية للحوضين
قد أثارت جدلا واسعا، وقد اختلف الناس حول أهدافها اختلافا كبيرا.
لقد تم الحديث عن العديد من الأهداف المفترضة، ولكن
الناس نسوا أن يذكروا هدفا وجيها ومحتملا وله علاقة وثيقة بطبيعة هذه السلطة التي
تحكمنا، والتي لا خلاف على أنها قد أبدعت في تحصيل الأموال عن طريق الضرائب وبطرق
أخرى من بينها جمع أرباح هائلة من خلال الفارق الحاصل بين الأسعار المحلية
والأسعار العالمية للمحروقات. ولأن إبداع الحكومة في التحصيل لا حدود له فقد يكون
الهدف الأول من هذه الزيارة هو تحصيل مبالغ طائلة من خلال إجبار عدد كبير من ملاك
السيارات إلى الذهاب إلى الشرق، وإلى تتبع الرئيس في كل محطات زيارته للحوضين لمدة
عشرة أيام كاملة، ولكم أن تتخيلوا حجم ما سيتم استهلاكه من محروقات في أيام
الزيارة العشر، ولكم أن تتخيلوا أيضا حجم الأرباح التي ستجنيها السلطة مما تم
استهلاكه من محروقات في هذه الأيام العشر.
(3)
هناك أمور لا يمكن الجمع بينها، ولكن زيارة الحوضين قد
جمعت بينها، ومن بين تلك الأمور: أن يقف
مواطن ويشيد بإنجازات الرئيس العظيمة خلال السنوات الست الماضية ثم يقول بعد ذلك بأن
مقاطعته أو مدينته تعاني من العطش، ومن الظلام، ومن العزلة، ومن غياب التعليم، ومن
انعدام الخدمات الصحية!!
لقد أظهرت هذه الزيارة، وعلى لسان العديد من المواطنين
بأن كل مدن الحوضين تعاني من العطش، ومن نقص في الكهرباء، ومن تردي الخدمات الصحية
والتعليمية، ومع ذلك فلقد ظل الجميع يشيد بالإنجازات العظيمة التي تمت خلال السنوات
الست الماضية، فلماذا غاب أي أثر لتلك الإنجازات العظيمة عن مدن الشرق الموريتاني؟
وهناك أمران آخران لم أستطع أن أوفق بينهما، وهما أن
يعلن الرئيس في "لقاء الشعب"من مدينة النعمة في العام 2014 بأن برنامجه
الانتخابي كان قد اكتمل في بعض القطاعات بنسبة 100%، وفي بعض القطاعات بنسبة 80% أي
أنه كان قد اكتمل بمتوسط قدره 90%، ومع ذلك تظل مدن الحوضين تعاني مما تعاني منه.
فهل يعني ذلك بأن تنمية مدن الحوضين لم تكن أصلا ضمن برنامج الرئيس أم أن ذلك يعني
بأن 10% التي تبقت من برنامج الرئيس كانت كلها خاصة بمنطقة الحوضين دون غيرها من
مناطق البلاد؟
أيضا من الأمور التي لا يمكن الجمع بينها هو أن ينتقد
الرئيس القبلية في مدينة لعيون وذلك في وقت كان قد أظهر فيه اهتماما كبيرا
بالقبيلة خلال زيارته الحالية. ألم يقم الحزب الحاكم برعاية اجتماعات قبلية في
الحوضين؟ ألم يرحب الرئيس بالوفود القبلية؟ ألم يبارك رفع الشعارات القبلية؟ ألم
تشكر وزيرة التجارة والسياحة وعلى شاشة الموريتانية "قبائل النعمة" على
استقبالهم للرئيس؟ ألم تعد ذلك الشكر على نفس القناة؟ ألم تحاول أن تبرر ذكرها
للقبائل؟ ألم ينشر الناطق الرسمي للحكومة مقالا كان قد كتبه بلسان قبلي مبين؟
ما قاله الرئيس عزيز في مدينة لعيون عن القبلية ذكرني
بما كان قد قاله الرئيس معاوية عن الفساد ذات زيارة لمدينة كيفة ..كلاهما انتقد
ظاهرة كان هو من عمل على تجذيرها!!
(4)
لا يمكن لمن شاهد في الأيام الماضية مناظر البؤس في مدن
الحوضين إلا أن يتساءل عن متى حل الخراب بهذه المدن التي شهدت تطورا عمرانيا مذهلا
خلال السنوات الست الماضية؟
وإليكم بعض اللقطات السريعة من التطور العمراني الذي
عرفته بعض مدن الحوضين خلال السنوات الماضية، وهذه اللقطات أنقلها لكم على لسان
الرئيس الزائر. ففي يوم 28ـ 06 ـ 2010 خاطب الرئيس محمد ولد عبد العزيز أهلنا في مدينة النعمة قائلا : "وسنقوم بإذن الله بتوسيع شبكة الكهرباء وتحسين واجهة المدينة
ونحن عاكفون على حل مشكلة المياه فيها ضمن الالتزامات التي تعهدنا بها وسنفي بذلك بإذن
الله في أسرع وقت ممكن".
"هناك خطة لحل جميع المشاكل في مختلف القطاعات
بسرعة ودون ما اتسم به الماضي من ضياع الوقت وعدم الجدية والفساد وعدم الجدوائية".
وفي يوم 21 ـ 11ـ 2010 أكد الرئيس الزائر لأهلنا في
أنبيكت لحواش بأن "مدينة انبيكت لحواش ستكون من أفضل وأرقى المدن لأنها أنشئت
على أسس علمية ووفق مخططات عمرانية عصرية ومدروسة".
وفي يوم 22 ـ 11 ـ 2010 تعهد الرئيس الزائر لأهلنا
في "ترمسه" "بتوفير
مستلزمات الحياة الضرورية من تعليم، وصحة وكهرباء، ومياه، وغيرها، في فترة لا تقل
عن ستة أشهر، ولا تزيد عن ثمانية، هذا فضلا عن ربط هذه المدينة بطريق
"كوبني" أو طريق الأمل في فترة وجيزة."
تلكم كانت بعض التعهدات التي التزم بها الرئيس منذ
ما يقترب من خمس سنوات لثلاث مدن وقرى في الحوضين، وقد أكد في جميع تلك التعهدات
بأن التنفيذ سيكون سريعا، أو في فترة وجيزة، أو في أقل من ثمانية أشهر، وهو ما
يعني ـ إن صدقنا تلك التعهدات الرئاسية ـ بأن النعمة قد تحسنت واجهتها وقد حلت كل
مشاكلها في السنوات الماضية، وبأن أنبيكت لحواش قد أصبحت من أفضل وأرقى المدن، وبأن
الماء قد فاض في ترمسه. فما الذي حل بهذه المدن بعد ذلك؟ وهل أصابها خراب من بعد عمران؟
ولماذا تحولت واجهة النعمة إلى واجهة بائسة كالتي شاهدناها في أيام الزيارة؟
ولماذا شاخت أنبيكت لحواش وكثرت التجاعيد بوجهها رغم أنها ما تزال في عامها
الخامس؟ ولماذا أخرج العطش أهلنا في ترمسه من قبل أن يكتمل فطام مدينتهم؟
(5)
إذا ما أراد الرئيس أن يحول زيارته للحوضين من
زيارة فاشلة تماما إلى زيارة ناجحة جدا فما عليه إلا أن يتخذ قرارا يمنع كل من يوجد
الآن بالحوضين من مغادرة تلك المنطقة من قبل أن ينتهي فصل الصيف لهذا العام. إن
على كل أولئك الذين ادعوا بأنهم من أبناء المنطقة أن يبقوا هناك في فترة الصيف، وذلك
هو أقل ما يجب أن يقوموا به تضامنا مع أهلهم في هذا العام العصيب الذي يهدد فيه
الجفاف المنطقة بكاملها.
حفظ الله
موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق