لم تعد البادية الموريتانية كالبادية التي عرفناها في زمن مضى، أشياء كثيرة تغيرت، ومن هذه الأشياء التي تغيرت هو أنه تم إبدال اللبن الساخن باللبن البارد، ففي الماضي كنا نسارع إلى شرب اللبن وهو لا يزال ساخنا وطازجا بل إننا كنا "نسخن التاديت" بوضع بعض الجمرات في داخلها، أو بوضعها هي مقلوبة على جمرات حتى تسخن، وكنا في أحيان أخرى نضع حجارة ملتهبة تم تركها لدقائق في قعر نار مشتعلة، نضعها في قدح من اللبن لكي يزداد سخونة من قبل شُربه، أما اليوم فقد أصبحنا نضع "باك من أكلاص" في قدح اللبن بدلا من حجارة ملتهبة.
في زمن مضى، لم يكن من الممكن أن نشاهد "باك من اكلاص" في البادية، ولا أن نشاهد حزمة من النعناع، ولا قطعة خبز ، أما اليوم فقد أصبح أكلاص والنعناع والانترنت وشحن الهواتف من المفردات العادية التي لا يثير استخدامها في البادية أي استنكار ولا أي استغراب.
بالأمس وقفت على جبل كنتُ عندما أقف عليه، في سنوات خلت، لا أرى إلا خياما بيضاء متناثرة هنا وهناك، أما اليوم فلم أشاهد ولا خيمة واحدة، وإنما شاهدت أعرشة ودورا وكثيرا من السيارات.
في الماضي كانت هناك سيارات معدودة هي التي تمر بعد طول انتظار من باديتنا، أما اليوم فلم يعد أصوات الشاحنات والسيارات العابرة للطريق الرابط بين لعيون وكبني ومالي ليتركنا لننام ساعة من ليل لا نسمع فيها ضجيجا.
في الماضي كنا نطرب عندما نسمع بعد أسبوع أو بعد شهر صوت محرك سيارة، أما اليوم فقد أصبح يزعجنا ذلك الصوت الذي لا ينقطع عن مسامعنا أبدا.
بين الأمس واليوم تغيرت اشياء كثيرة..
بين الأمس واليوم تغيرت اشياء كثيرة..
حتى سكان البادية قد تغيروا شيئا كثيرا، فبالأمس وعندما كانوا يرتوون من اللبن الساخن كانوا أكثر حيوية ونشاطا، أما اليوم وبعد تعودهم على شرب اللبن البارد فقد أصبحوا أكثر خمولا وكسلا..
تصوروا أنه في أيامنا هذه قد ينادي المنادي "لعجول أتراظعو" ومع ذلك فلا يخرج أحدا بعد ذلك النداء، ربما بسبب الانشغال بالهواتف والانترنت، وربما بسبب الخمول الناتج عن شرب اللبن الذي أذيبت فيه حجارة من ثلج!!
بالأمس كان ذلك النداء كفيلا بإخراج كل الرجال و كل الأطفال، وحتى النساء في بعض الاحيان من تحت الخيام، أما اليوم فلم يعد ذلك النداء يعني شيئا.
بين باك أكلاص والحجارة الملتهبة تغيرت أشياء كثيرة في حياتنا، وهي أشياء ربما أعود إليها في أوقات أخرى إن تحسنت الشبكة في بدايتنا!!!!!!!!!!!!!!!!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق