هناك قصة قصيرة لا
أدري متى قرأتها، ولا أين قرأتها، المهم أن تلك القصة تحدثت عن مجموعة من الركاب
كانت تسافر في حافلة إلى قرية أو مدينة ما.
وتقول القصة، على ما
أذكر، بأن انطلاق الرحلة كان قد تزامن مع
هطول أمطار، وكانت تلك الأمطار مصحوبة بصواعق كثيرة. الغريب أن تلك الصواعق كانت
تتوقف إذا ما توقفت الحافلة، وتعود إلى السقوط إذا ما عادت الحافلة إلى التحرك.
هذا الارتباط العجيب بين تحرك الحافلة وسقوط الصواعق هو الذي جعل شيخا كبيرا في الحافة
يقول للركاب بأن هناك مسافرا في الحافلة قد حان أجله، وقد قدر له أن يموت بصاعقة
في ذلك المكان من الأرض الذي كانت توجد به الحافلة، ولذلك فقد كانت الصواعق تتساقط
بكثرة إذا ما تحركت الحافلة، وتتوقف إذا ما توقفت.
هذا الشيخ الكبير
اقترح على الركاب أن ينزل الواحد منهم تلو الآخر، وأن يذهب كل واحد منهم إلى شجرة
غير بعيدة ويمضي وقتا قصيرا هناك فإن نزلت عليه صاعقة من السماء، فإن ذلك سيعني
بأنه هو الراكب الذي قد حان أجله، وبأنه هو الذي كان يتسبب في سقوط الصواعق كلما
تحركت الحافلة.
اقترح الشيخ الكبير
بأن يبدأ بنفسه، فإن مات فستتوقف الصواعق، وعلى الحافلة أن تنطلق، وإن لم يمت فعلى
مسافر آخر أن يذهب إلى الشجرة، وهكذا.
كتب الشيخ الكبير وصيته، وطلب من الركاب أن
يوصلوها إلى أهله إن هو مات، ثم ذهب إلى الشجرة وقضى وقتا ثم عاد دون أن تنزل عليه
صاعقة من السماء، ولما عاد هبط راكب آخر من الحافلة وذهب إلى الشجرة، ثم ثالث،
فرابع، فخامس ، فتاسع، وهكذا، إلى أن هبط جميع الركاب باستثناء راكب واحد ظل يشكك
في الأمر كله، وكان يرفض أن ينزل من الحافلة، ولكن، وبعد إلحاح بقية الركاب لم يكن
أمام ذلك الراكب إلا أن نزل من الحافلة خائفا يترقب. وما كاد أن يصل إلى الشجرة
حتى سقطت صاعقة قوية من السماء.
هنا سنأخذ فاصلا قصيرا
ثم نعود إلى بقية القصة.
ظهرت في موريتانيا في
الفترة الأخيرة موجة إلحادية غير مسبوقة، صاحبتها حملة مكثفة للإساءة على
المقدسات: فحُرقت الكتب الفقهية، وظهرت أغاني خليعة، ومقالات مسيئة، ثم وصل الأمر
إلى أن تم تمزيق مصاحف في مسجد بالعاصمة، وتوقع الناس أن تتخذ الحكومة إجراءات
فورية وعقوبات صارمة ضد أولئك الذين يقفون وراء هذه الإساءات المتكررة.
والآن لنعد إلى بقية
قصة الحافلة.
لاشك أنكم جميعا قد توقعتم
بأن الصاعقة قد سقطت على رأس الراكب الخائف، ولكن ذلك لم يحدث إطلاقا، فالصاعقة
كانت قد سقطت على الحافلة وقتلت جميع المسافرين، باستثناء مسافر واحد، وهو الراكب
الخائف الذي كان يوجد خارج الحافلة لحظة سقوط الصاعقة.
لقد كان الجميع يتوقع
أن تشن الحكومة حملة شرسة وقوية على من يقفون وراء هذه الإساءات المتكررة
لمقدساتنا فإذا بها تسجن إمام ومؤذن مسجد خالد بن الوليد مع بعض الطلاب، ثم تغلق من بعد ذلك جمعية المستقبل، ومركز النور الصحي،
والمعهد الإسلامي لتعليم البنات، ومدارس أطلس.
وكأن الذي حدث مساء
الأحد هو كالتالي:
قبيل صلاة العشاء،
توقفت سيارة أمام مسجد خالد بن الوليد، ونزلت منها جمعية المستقبل، ومركز النور
الصحي، ومعهد تعليم البنات بينما بقت مدارس الأطلس تمسك بمقود السيارة في انتظار
عودة الركاب الثلاثة الذين تولوا مهمة تمزيق المصاحف.
وتبقى كلمة أخيرة: في
بعض الأحيان أفكر في أن أسرع إلى الشجرة، وأن أترك الحافلة، وذلك من قبل أن تنزل
عليها صاعقة من السماء، لا قدر الله..
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق