لم يجد الكاتب الأمريكي (مارك توين) ما يقوله، عندما علم بخبر وفاته المكذوب سوى القول وبسخريته المعهودة: هذا خبر مبالغ فيه..
وأعتقد بأن هذا الجملة الساخرة هي أفضل ما يمكن أن يعلق به المتابع للشأن المصري على كل هذا الكذب والدجل الذي نسمعه ليل نهار من الانقلابيين، ومن إعلامهم الكاذب الفاجر.
لقد بدأ انقلاب الثالث من يوليو بكذبة كبيرة، وهي كذبة جعلت من عدد لا يصل إلى مليون شخص، جعلت منه ثلاثين مليون شخص. ولقد أثبتت بعض التقارير الصحفية وبالأدلة القاطعة بأن الثلاثين مليونا لم تكن بثلاثين مليونا، وإنما كانت مجرد رقم عادي، تم تضخيمه كثيرا، وهو وفي أحسن الأحوال لم يكن إلا مليون متظاهر تنقص أو تزيد قليلا.
وبطبيعة الحال فلم يتوقف كذب الانقلابيين عند هذا الحد، ولن يتوقف أبدا، فقد سمعنا بعد ذلك من كذاب العصر ودجاله (السيسي) الكثير من الكذب. ولعلكم ما زلتم تتذكرون خطاب طلب التفويض وما جاء فيه من كذب بين، حيث تجرأ (السيسي) في ذلك الخطاب وذكر عددا من الشهود بأسمائهم وصفاتهم، ولكن أولئك الشهود الذين ذكرهم، لم يمهلوه، بل على العكس، فقد سارعوا جميعا إلى تكذيبه علنا.
والحقيقة أن (السيسي) يمتلك جرأة كبيرة على الكذب، يصعب أن نجد نظيرا لها عند غيره. ويكفي أن نتذكر أنه كان قد برر انقلاب الثالث من يوليو بأنه إنما جاء من أجل حقن الدماء، ومن أجل منع حدوث أي حرب أهلية في مصر .
وبالتأكيد فإن مصر لم يسل فيها من الدماء مثلما سال بعد الانقلاب، ولم تكن مهددة بحرب أهلية مثلما هي مهددة اليوم.ولم يستطع أن ينافس (السيسي) في كذبه إلا وزير الداخلية الذي قال أمام الملأ بأن الشرطة المصرية لم تطلق يوما أي رصاصة حية على أي مواطن مصري.
لقد سمعنا بعد الانقلاب الكثير من الأخبار الكاذبة والزائفة، ولم يعد أمامنا لمواجهة هذه الموجة العارمة من الكذب إلا أن نردد مع (مارك توين) : كل هذه الأخبار التي تأتينا من الإعلام المصري هي من الاخبار المبالغ فيها.
فعندما يقول لنا أحد أبواق الانقلاب بأن الإخوان هم من تسبب في سقوط الأندلس التي سقطت من قبل ظهور حركة الإخوان بقرون عديدة فحينها لا نملك إلا أن نقول: هذا إدعاء مبالغ فيه.وعندما يقول لنا آخر، أو تقول لنا أخرى بأن في عائلة (باراك أوبوما) من ينتمي لحركة الإخوان المسلمين، فلا نملك حينها ردا إلا أن نقول هذا قول مبالغ فيه.
وعندما يقال لنا بأن الرئيس المنقلب عليه كان يعمل على أخونة الدولة ومع ذلك يتم الانقلاب عليه بكل هذه البساطة، وبدعم من كل أجهزة الدولة (جيش ، شرطة، إعلام، قضاء..) فإنه ليس أمامنا إلا أن نقول : لقد بالغتم كثيرا عندما قلتم بأن (مرسي) قام بأخونة الدولة المصرية.
وعندما يقال لنا بأن الإخوان مدججون بالأسلحة الثقيلة، وبأن ميدان رابعة يكاد يلفظ الأسلحة لكثرة ما في مخازنه المزعومة من أسلحة خفيفة وثقيلة، فعندما يقال لنا كل ذلك، ومع ذلك نشاهد المعتصمين يقتلون بكل بساطة، دون أي ردة فعل، فحينها لا نملك إلا أن نقول للانقلابيين ولإعلامهم الكاذب : لقد بالغتم كثيرا عند حديثكم عن تسليح الإخوان.
وبالمناسبة فلو كان الإخوان يملكون كل هذا السلاح الذي ذكرتم لكان أول شيء يفكرون فيه، هو أن يذهبوا رأسا إلى الرئاسة لاستعادتها منكم و بقوة السلاح.
وعندما يقال لنا ليل نهار بأن قادة الإخوان يلقون بالبسطاء من الحركة إلى الاعتصامات والمظاهرات، وبأنهم يبخلون بأنفسهم وبأبنائهم عن الاعتصامات والتظاهر، ومع ذلك فإننا نسمع بعد كل مجزرة عن استشهاد أحد أبناء القادة فإنه حينها ليس أمامنا إلا أن نقول لكم: لقد بالغتم كثيرا عندما قلتم بأن قادة الإخوان يبخلون بأبنائهم عن الاعتصامات والمتظاهرات.
وعندما يقال لنا بأن الانقلاب لا يعارضه إلا الإخوان ومع ذلك تمتلئ شوارع المدن المصرية ومدنها بالمعتصمين والمتظاهرين فحينها لا نملك إلا أن نقول: لقد بالغتم في هذا القول. وعموما فإذا كان الإخوان بهذه الكثرة فأعلموا بأنه لن يكون بمقدوركم إقصاءهم. أما إذا كانوا قلة حسب ما تقولون في أحايين أخرى، فأعلموا في هذه الحالة بأن الانقلاب يعارضه غير الإخوان، لأنه بذلك وحده يمكننا أن نجيب على السؤال التالي : من أين جاءت كل هذه الحشود الكبيرة التي تتجمع يوميا في الشوارع والميادين المصرية ما دام الإخوان قلة؟
وعندما نشاهد الجيش المصري يقتل المواطنين العزل بهذه الوحشية الصادمة، وعندما نشاهده ينتهك حرمات المساجد، ويحرق الجثث، ويشعل النيران في المستشفيات الميدانية، ويمنع تسليم الجثث لذويها، وعندما نشاهد هذا الجيش يقتل المصريين بدم بارد فلا نملك عندها ما نقوله إلا أن نقول لكم لقد بالغتم كثيرا بقولكم بأن الجيش المصري هو جيش عظيم. فهذا الجيش ما هو إلا كبقية الجيوش العربية التي لا تظهر قوتها وجبروتها وشجاعتها وبسالتها إلا في معاركها التي تخوض ضد شعوبها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق