تعيش بلادنا ـ ومنذ فترة ليست بالقصيرة ـ
أزمة سياسية عميقة، وهي الأزمة التي لا يبدو في الأفق أنها ستجد حلا قريبا، وذلك
لأنها أزمة بوجهين. ويكفي لمعرفة مدى عمق هذه الأزمة، أن نذكر بأن اللاعبيْن
الرئيسيين في المشهد السياسي ليسا بالمؤهلين أصلا لتجاوز هذه الأزمة، أو بعبارة
أدق، ليست لهما الرغبة في تجاوز هذه الأزمة، وذلك بسبب شعور خادع، جعل كلا منهما
يتوهم بأنه صاحب حظ عظيم، وبأنه يعيش في نعيم مقيم لن ينقطع أبدا.
وهذا الشعور المخادع هو الذي جعل الرئيس عزيز
يتوهم بأنه هو الرئيس الأكثر حظا من بين كل الرؤساء في العالم، وذلك بعد أن أنعم
الله عليه بهذه المعارضة العاجزة التائهة، والتي أثبتت أكثر من مرة، وفي أكثر من
مناسبة، بأنها غير قادرة على استغلال ما يُتاح لها من فرص كثيرة لتحقيق مكاسب
سياسية ملموسة، أو لانتزاع انتصارات منه، حتى
ولو كانت مجرد انتصارات بسيطة ومحدودة.
وهذا الشعور المخادع هو الذي جعل المعارضة
تعتقد أيضا بأنها هي المعارضة الأكثر حظا في العالم، وذلك لأن الله أنعم عليها
برئيس كالرئيس محمد ولد عبد العزيز والذي يرتكب في كل وقت وفي كل حين أخطاء شنيعة
بالجملة وبالمفرد، يكفي كل واحد منها ـ إن وجد من يستغله ـ لأن يُسقط عشرة رؤساء دفعة واحدة.
إن هذا الشعور المخادع هو الذي جعل السلطة والمعارضة
يتبادلان الأدوار بغير قصد طبعا، فأصبح الرئيس عزيز يلعب دور المعارضة، ويعمل
جاهدا لإسقاط نظامه، وذلك من خلال ارتكاب أعظم الأخطاء وأشنعها.
أما المعارضة فهي تعمل جاهدة لتثبيت أركان
النظام القائم، والعمل على بقائه قائما، وذلك من خلال إظهار ضعفها وعجزها للشعب الموريتاني، والذي أصبح
واثقا بفعل الجهود الجبارة التي بذلتها المعارضة في هذا المقام، بان هذه المعارضة
غير قادرة عمليا على إسقاط النظام، حتى وإن رفعت شعار الرحيل، وأنها في حقيقتها لا
تختلف عن النظام القائم في أي شيء، حتى من حيث عدد رموز الفساد الذين التحقوا بها،
والذين لم يكن عددهم بأقل من رموز الفساد الذين اختاروا البقاء في فسطاط النظام.
فليفرح الرئيس عزيز بحسن حظه، وبهذه المعارضة
العاجزة والتائهة، والتي لم يعد لديها ما تفعله سوى مواصلة التفرج والانتظار.
ولتفرح المعارضة بحسن حظها، وبهذا الرئيس
الذي منحه الله لها، والذي لا تكاد تشرق فيه شمسٌ إلا وأشرقت على فضيحة جديدة من
فضائحه التي لا تنتهي أبدا.
فلتفرح المعارضة بحسن حظها، وليفرح الرئيس
عزيز بحسن حظه، أما الشعب الموريتاني فما عليه إلا أن يندب حظه الذي جمع له، وفي
وقت واحد، بمعارضة كالمعارضة الحالية، وبرئيس كالرئيس عزيز.
فأن يبتلى شعبٌ برئيس كالرئيس عزيز، أو بمعارضة
كالمعارضة الحالية، فذلك بلاء مبين، أما أن يبتلى بهما معا، وفي وقت واحد، فذلك
بلاء عظيم نسأل الله تعالى أن يرفعه عنا، وفي وقت قريب.
يروى أن أبا
جعفر المنصور خاطب ـ في يوم من الأيام ـ بعض أهل الشام قائلا: ألا تحمدون الله
تعالى، إذ رفع عنكم الطاعون منذ وُلِّينا عليكم؟ فردَّ عليه أحدهم، وكان يُدعى "جعونة":
إن الله أعدل من أن يجمعك علينا والطاعون!
حفظ الله
موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق