التهمت النيران كنوزا معرفية وثقافية لا تقدر
بثمن كانت موجودة في مكتبة "أحمد بابا" بتمبكتو، تلك المكتبة التي كانت
تحوي ـ من قبل حرقها ـ أكثر من 20 ألف
مخطوط، وكانت تلك فاجعة كبيرة لن نشفى من صدمتها إلا بفعل فاجعة أخرى، لن يطول
انتظارها، إذا ما ظل حالنا كما هو، أي ما دمنا لا نملك شيئا نفعله سوى : الصراخ
عند كل كارثة، والعويل مع كل فاجعة.
ولقد اتهمت فرنسا والسلطات المالية المتحالفة معها
الجماعات المسلحة بحرق المكتبة من قبل مغادرة المدينة. في حين أن هناك شهادات أخرى
تؤكد بأن المكتبة قد اشتعلت فيها النيران من بعد أن تركتها تلك الجماعات، أي أنها
ربما تكون قد تعرضت للقصف من طرف القوات الفرنسية، أو للتدمير من طرف ماليين
غاضبين في إطار العمليات الانتقامية ذات الطابع
العرقي التي شهدتها مدينة تمبكتو بعد دخولها من طرف القوات الفرنسية والمالية.
وحتى لا أدخل في هذا الجدل المثار حاليا، والذي قد يشغل
الكثيرين عن الموضوع الأهم، فأقول بأنه لاشيء يمنع فرنسا من حرق تلك المكتبة، ولن
استغرب ذلك إن تم تأكيده. كما أني لن أستغرب إن تأكد كذلك بأن الجماعات المسلحة هي
التي أشعلت النيران قي المكتبة.
فبإمكان فرنسا أن تقدم على مثل ذلك الفعل البشع،
وماضيها حافل بمثل تلك الأفعال البشعة، وبإمكان الجماعات المسلحة أن تقوم بمثل ذلك
الفعل البشع، وحاضرها مليء بمثل تلك الأفعال.
دعونا نترك مهمة البحث عن المرتكب الفعلي لتلك
الجريمة الوحشية للأيام القادمة، فهي قادرة على أن تميط اللثام عن وجهه البشع في
وقت قريب. ولكن ومن قبل ذلك دعونا نطرح هذا السؤال التالي: ما ذا قدمنا نحن (
شعوبا وحكومات) لمكتبة "أحمدبابا" من قبل أن تحترق، وما الذي فعلناه لحماية
هذا الكنز الثمين رغم أنه كان من الواضح جدا بأنه قد أصبح مهددا، وأن ضياعه إلى الأبد
يكاد أن يكون قد أصبح حتميا، إن لم نتحرك ـ وبسرعة ـ لحمايته؟
والجواب على هذا السؤال هو : أننا لم نفعل أي شيء
لحماية المكتبة، طبعا بكينا بمرارة عندما احترقت، وكانت مشاعرنا في تلك اللحظة
صادقة، لا شك في ذلك، ولكن بالله أخبروني فما فائدة العويل والصراخ بعد حصول
الفواجع.
المؤلم حقا هو أن هذه المكتبة كانت تشكل جزءا من معهد
تم تشييده بتمويل من جنوب إفريقيا، وهي دولة وإن كانت ذات أقلية مسلمة، إلا أنها
ليست دولة إسلامية.
ولا شك أن من حق جنوب إفريقيا أن تهتم وتحافظ على
التراث الإفريقي، إسلاميا كان أو غير إسلامي، لأنه تراث لقارة كاملة تريد أن تثبت
للعالم "المتحضر" بأنها لم تكن قارة متوحشة، كما يحاول أن يصورها الغرب،
بل هي قارة لها تاريخها وأمجادها، ولها مخطوطاتها وكتبها النفيسة، والتي كُتبت و
ألفت من قبل الغزو الاستعماري، وكانت مكتبة "أحمد بابا" تقدم الأدلة العلمية
على ذلك.
بالتأكيد لا تلام جنوب إفريقيا إن هي أنشأت معهدا للحفاظ
على تراث إسلامي نادر، بل إنها تستحق الشكر الكثير والكثير جدا على تلك المبادرة
المميزة والتي تعكس بعد نظر حكومة جنوب إفريقيا، الشيء الذي تفتقده ـ وللأسف
الشديد ـ كل حكومات عالمنا الإسلامي.
احترقت مكتبة " أحمد بابا" تلك المكتبة
النفيسة التي لم نقدمها لها أي شيء من قبل أن تحترق، ولم نفعل لها أي شيء لكي
نحميها من الكارثة التي حلت بها، وما حدث مع المكتبة هو ما يحدث مع مالي التي تركناها
للجماعات المسلحة وللفرنسيين يتصارعون لاحتلالها. وعندما تحترق مالي بشكل كامل فإن
فرنسا ستقول بأن الجماعة المسلحة هي التي ارتكبت الجريمة، وستقول الجماعات المسلحة
بأن فرنسا هي التي ارتكبت الجريمة، وستنقسم نخب العالم الإسلامي إلى فسطاطين :
فسطاط يصدق فرنسا ويناصرها، وفسطاط يصدق الجماعات المسلحة، وبالتأكيد فسيبكي
الجميع ـ باستثناء فرنسا والجماعات المسلحة ـ على خراب مالي الشقيقة.
لم نفعل أي شيء لحماية الكنوز الثمينة التي كانت
موجودة في مكتبة "أحمد بابا"، ولم نفعل أي شيء، ولن نفعله لحماية مالي
من خراب قادم لا محالة، فنحن أمة لم تعد تعرف إلا البكاء والعويل عند حصول
الفاجعة.
يبقى الشيء الذي يمكن أن نعلق عليه بصيص أمل في ظل
هذا التخاذل الحاصل على مستوى حكومات وشعوب المنطقة، هو أن تكون فرنسا عاقلة ولو
لمرة واحدة، وأن تفكر في مصلحتها بشكل رشيد. فمن مصلحة فرنسا، وأقول من مصلحة
فرنسا، أن تقف وبحزم ضد أي تصفيات ذات طابع عرقي، وأن تناصر الأزواديين في رفع
الظلم عنهم، وأن تضغط على الحكومة الوهمية في مالي حتى تقبل بحوار بناء مع الشمال
المالي تعقبه ديمقراطية حقيقية، وذلك وحده هو الذي سيمكن من هزيمة الجماعات
المسلحة.
لو فكرت فرنسا بتلك الطريقة فإنها ستكسب الحرب،
وستتمكن ـ بالتالي ـ من استغلال الثروات الموجودة في باطن إقليم أزواد. أما إذا
ظلت فرنسا تفكر بعقليتها الاستعمارية المتغطرسة، وإذا لم توقف وبشكل فوري عمليات
الانتقام، وإذا لم تفتح صفحة جديدة مع الأزواديين فإن ذلك سيؤدي حتما إلى أن
يتحالف الكثير من سكان الإقليم مع الجماعات المسلحة، وستجد فرنسا نفسها في وضعية
صعبة جدا، سيكون من نتائجها خسارة كبيرة لفرنسا، وللأزواديين، وللحكومة المالية،
ولن تسلم الدول المجاورة، وخاصة بلادنا من تجرع تلك الخسارة المريرة.
تصبحون على أخبار سارة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق