لقد كان يؤلمني كثيرا ـ مثلي مثل ملايين المسلمين ـ أن لا أرى صورة أي رئيس مسلم واحد ترفع في أي مسيرة أو مظاهرة أو وقفة تنظم في أي دولة إسلامية، نصرة لقضية المسلمين الأولى، لأنه لم يكن ـ للأسف الشديد ـ من بين كل رؤساء الدول الإسلامية من يستحق أن ترفع صورته في تلك المسيرات والمظاهرات والوقفات التضامنية.
ولقد كان يؤلمني أكثر أن " تشافيز" كان هو الرئيس الوحيد الذي ظلت الجماهير المسلمة ترفع صوره في السنوات الأخيرة من " جاكرتا " إلى " نواكشوط " لأنه كان هو الوحيد الذي انحاز بجرأة وشجاعة لقضايانا العادلة.
لذلك فقد وجدتني ـ مثلي مثل ملايين المسلمين ـ أحس بشيء من العزة والافتخار، لم أشعر به من قبل وأنا أتابع مواقفكم الأخيرة التي جعلتكم تستحقون وبجدارة أن ترفع صوركم في كل مكان، خاصة بعد أن أعلنتم بصراحة وبوضوح شديدين بأنكم لن تديروا ظهركم لفلسطين حتى ولو أدار لها العالم كله ظهره.
فكم هو عظيم ذلك الوعد، وكم هو مخيف في نفس الوقت، مخيف لأنه لم تعد لنا القدرة على تحمل وامتصاص أي إحباط جديد، بعد سلسلة من الإحباطات المتراكمة التي تسبب فيها زعماء وقادة أطلقوا قبلكم وعودا كبيرة تبين في النهاية أنه لم تكن لهم القدرة على تحقيقها، أو لم تكن لهم الرغبة أصلا في تحقيقها.
والحقيقة أن هناك أسباب عديدة جعلتنا نتفاءل بوعودكم، رغم احباطاتنا السابقة، ومن هذه الأسباب:
1ـ كونكم قد استطعتم وفي مدة قصيرة أن تقدموا انجازات سياسية واقتصادية كبيرة لشعبكم فذلك يعطي مصداقية كبيرة لوعودكم،عكس زعمائنا الآخرين الذين كانوا يطلقون الوعود لصالح فلسطين، في الوقت الذي كانوا فيها عاجزين عن تحقيق أي تنمية لبلدانهم، لتبقى شعوبهم تعاني من الفقر والتخلف والظلم والاستبداد. إن من لم ينجز لشعبه شيئا مذكورا، لن ينجز لفلسطين شيئا مذكورا. أما أنتم فقد حققتم لبلدكم أشياء كثيرة لذلك فإنه يحق لنا أن نتوقع منكم أن تحققوا شيئا لصالح فلسطين.
2 ـ كونكم زعيما منتخبا يعطي لوعودكم مصداقية يفتقدها غيركم. كما أن تلك الميزة ستفقد العدو حجة كثيرا ما كان يتبجح بها، و يرددها على مسامع العالم " المتحضر"، وهي أنه بلد ديمقراطي فريد في المنطقة يصارع أنظمة دكتاتورية.
3 ـ شبكة العلاقات القوية التي تربط تركيا بالغرب، والتي تضاف إليهم قدرتكم الفائقة على استثمار تلك العلاقات، وتوجيهها بطريقة ذكية وفعالة، في مواجهة عدونا وعدوكم.
4 ـ شعوركم بالعبء التاريخي والأخلاقي والديني وحتى الإنساني الذي يفرض عليكم أن تلعبوا دورا في المنطقة، وذلك لمليء الفراغ الذي خلَّفه الموت السريري للرؤساء العرب، والذين لا تزال شعوبهم ـ لسبب أو لآخر ـ تؤخر "تشييعهم " ودفنهم، رغم أن فيهم من هو ميت منذ عقود من الزمن.
5 ـ مذهبكم السني الذي يميزكم عن إيران التي يعترض البعض على دورها الإقليمي، بحجة الوقوف أمام المد الشيعي.
هذه الأسباب من بين أخرى لا يتسع المقام لذكرها، هي التي جعلتنا نثق في وعودكم، وجعلتنا نحن بدورنا ( ونحن هنا تعني الملايين من المسلمين) نعدكم ـ كل بطريقته ـ بأننا لن ندير لكم ظهورنا حتى ولو أدار لكم العالم كله ظهره.
فالعالم ـ بالتأكيد ـ سيدير لكم ظهره، بل أنه سيحاربكم، لأن خصمكم في هذه المرة هو إسرائيل، الدولة المدللة ذات الأذرع الطويلة، والتي بدأت تشعر بأنها أصبحت تفقد شيئا كثيرا من دلالها، وتفقد كذلك شيئا كثيرا من قدرتها على البطش. ستحاربكم إسرائيل لأنكم أصبتموها في مقتل رغم أنكم لم تطلقوا رصاصة واحدة، وهذه واحدة من إبداعاتكم الكثيرة. ستحاربكم بشراسة وبعصبية وبكل أساليبها القذرة المعهودة. وسيحاربكم النظام الرسمي العربي ـ وهذه ربما تكون ضارة نافعة ـ لأنكم أهنتموه بكبريائكم . ولأنه اعتاد على أن لا يحارب إلا الأصدقاء والأشقاء.
سيحاربونكم جميعا ولكن شعوب العالم الإسلامي التي طال اشتياقها لميلاد زعيم مسلم ستكون في صفكم. وهي بالمناسبة أصبحت أكثر وعيا، وأكثر نضجا، وأكثر استعدادا لتحمل مسؤولياتها.
وفي اعتقادي ـ وهذا الكلام موجه للشعوب لا لكم ـ أنه على الشعوب في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة، من الصراع الإسلامي الإسرائيلي( هكذا يجب تسميته) أن تقود حملة مناصرة لتركيا ولقادتها وهذه الحملة يجب أن تركز على بعض الأمور لعل من أهمها:
1 ـ الدعم الشعبي للاقتصاد التركي الذي لابد وأن يتأثر سلبا، إذا لم تقم الشعوب بدورها في هذا المجال. وذلك من خلال اختيار السلع التركية عن غيرها كلما كانت البدائل موجودة، والخيار ممكنا. كما أنه يجب تشجيع السياحة إلى تركيا، وفي تركيا ما يغري، خاصة في هذا العام الذي يجب أن تكون فيه قبلة لكل السواح المسلمين، وذلك لتعويض الخسارة، بل ولمضاعفة دخل هذا القطاع الذي قد يتعرض لخسارة كبيرة بسبب توتر العلاقات التركية والإسرائيلية، إذا لم يتم دعمه إسلاميا.
2 ـ يجب أن يتواصل ما أسميته في مقال سابق بانتفاضة القوافل، كما يجب عولمة تلك الانتفاضة، وذلك حتى لا تشعر تركيا بأنها تركت وحيدة في هذه الحرب التي تقودها باسم المسلمين وباسم كل الأحرار في العالم، والتي ستكون في الأساس حربا قانونية وإعلامية ودبلوماسية وسياسية.
3 ـ من المؤكد أن البعض سينبش التاريخ وسيضخم أحداث معينة، وذلك من أجل إقناع الشعوب بسوء نوايا تركيا، بل ومن أجل إظهارها وكأنها هي العدو الأول والأخطر للعرب والذي تجب محاربته قبل محاربة إسرائيل.
لذلك فإنه يجب على المثقفين والكتاب والإعلاميين وكل أصحاب الرأي أن يطلقوا حملة استباقية، تظهر النقاط المضيئة في التاريخ العثماني وما أكثرها.
وهنا قد يكون من الضروري أن أقدم للقارئ مثالين: أحدهما بطله تركي عادي، والآخر بطله خليفة عثماني، وذلك لأقدم صورتين ناصعتين من التاريخ العثماني.
الصورة الأولى : ذكر "أورخان محمد علي" في كتابه "روائع من التاريخ العثماني" قصة أغرب اسم جامع في العالم،وهو جامع صغير في منطقة "فاتح" في اسطنبول اسمه باللغة التركية : "صانكي يدم" أي: "كأنني أكلت" أو "افترض أنني أكلت". ووراء هذا الاسم الغريب، قصة غريبة طريفة ، وفيها عبرة كبيرة. يقول "أورخان" : كان يعيش في منطقة "فاتح" شخص ورع، اسمه "خير الدين كججي أفندي" ، وكان صاحبنا هذا عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة ، أو لحم ، أو حلوى ، يقول في نفسه : صانكي يدم.. كأنني أكلت.. ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له، ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يسد رمقه فقط . وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفر القيام ببناء مسجد صغير في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، أطلقوا على الجامع اسم : جامع صانكي يدم، أي كأنني أكلت، أو أفترض أني أكلت وهذا الجامع لازال موجودا حتى الآن.
الصورة الثانية: حدثت في العام 1571م وبطلها الخليفة العثماني "نور الدين الشهيد"، المعروف بالصاعقة، والذي بينما كان منشغلا بالجهاد في أوربا الشرقية، علم بحصار أسطول برتغالي أسباني لجدة. وقد كان هدف ذلك الأسطول البغيض الهجوم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ جسده الطاهر وتعريضه لما لا يليق بمقام سيد البشرية.
توجه نور الدين فورا إلى جدة، وتمكن من إغراق الأسطول، وعزل الوالي، ثم مشى 70 كلم على الأقدام حتى وصل إلى مكة، بعد أن ثقب أذنه، ووضع فيها حلقة، وحلق رأسه كما كان يفعل العبيد في تلك الفترة، ثم أخذ مكنسة لتنظيف المسجد الحرام. وأطلق عليه الناس لقب خادم الحرمين الشريفين وكانت تلك هي أول مرة في التاريخ يطلق فيها ذلك اللقب.
لذلك فلن يكون غريبا على أمة أنجبت في الماضي أولئك الرجال أن تقدم لنا اليوم قائدا وشعبا ينتصر لفلسطين وللمسجد الأقصى. ولن يكون غريبا على تلك الأمة التي أنجبت في الماضي قائدا كان صاعقة على أعداء المسلمين أن تنجب اليوم قائدا صاعقة على إسرائيل وقادرا على أن يحاربها بأسلحة العصر القانونية والدبلوماسية والإعلامية والسياسية حتى يكشف قبحها لكل أحرار العالم.
عشت قائدا لا يدير ظهره لفلسطين...
وعشنا أنصارا لك لا ندير ظهورنا لك أبدا..
ولقد كان يؤلمني أكثر أن " تشافيز" كان هو الرئيس الوحيد الذي ظلت الجماهير المسلمة ترفع صوره في السنوات الأخيرة من " جاكرتا " إلى " نواكشوط " لأنه كان هو الوحيد الذي انحاز بجرأة وشجاعة لقضايانا العادلة.
لذلك فقد وجدتني ـ مثلي مثل ملايين المسلمين ـ أحس بشيء من العزة والافتخار، لم أشعر به من قبل وأنا أتابع مواقفكم الأخيرة التي جعلتكم تستحقون وبجدارة أن ترفع صوركم في كل مكان، خاصة بعد أن أعلنتم بصراحة وبوضوح شديدين بأنكم لن تديروا ظهركم لفلسطين حتى ولو أدار لها العالم كله ظهره.
فكم هو عظيم ذلك الوعد، وكم هو مخيف في نفس الوقت، مخيف لأنه لم تعد لنا القدرة على تحمل وامتصاص أي إحباط جديد، بعد سلسلة من الإحباطات المتراكمة التي تسبب فيها زعماء وقادة أطلقوا قبلكم وعودا كبيرة تبين في النهاية أنه لم تكن لهم القدرة على تحقيقها، أو لم تكن لهم الرغبة أصلا في تحقيقها.
والحقيقة أن هناك أسباب عديدة جعلتنا نتفاءل بوعودكم، رغم احباطاتنا السابقة، ومن هذه الأسباب:
1ـ كونكم قد استطعتم وفي مدة قصيرة أن تقدموا انجازات سياسية واقتصادية كبيرة لشعبكم فذلك يعطي مصداقية كبيرة لوعودكم،عكس زعمائنا الآخرين الذين كانوا يطلقون الوعود لصالح فلسطين، في الوقت الذي كانوا فيها عاجزين عن تحقيق أي تنمية لبلدانهم، لتبقى شعوبهم تعاني من الفقر والتخلف والظلم والاستبداد. إن من لم ينجز لشعبه شيئا مذكورا، لن ينجز لفلسطين شيئا مذكورا. أما أنتم فقد حققتم لبلدكم أشياء كثيرة لذلك فإنه يحق لنا أن نتوقع منكم أن تحققوا شيئا لصالح فلسطين.
2 ـ كونكم زعيما منتخبا يعطي لوعودكم مصداقية يفتقدها غيركم. كما أن تلك الميزة ستفقد العدو حجة كثيرا ما كان يتبجح بها، و يرددها على مسامع العالم " المتحضر"، وهي أنه بلد ديمقراطي فريد في المنطقة يصارع أنظمة دكتاتورية.
3 ـ شبكة العلاقات القوية التي تربط تركيا بالغرب، والتي تضاف إليهم قدرتكم الفائقة على استثمار تلك العلاقات، وتوجيهها بطريقة ذكية وفعالة، في مواجهة عدونا وعدوكم.
4 ـ شعوركم بالعبء التاريخي والأخلاقي والديني وحتى الإنساني الذي يفرض عليكم أن تلعبوا دورا في المنطقة، وذلك لمليء الفراغ الذي خلَّفه الموت السريري للرؤساء العرب، والذين لا تزال شعوبهم ـ لسبب أو لآخر ـ تؤخر "تشييعهم " ودفنهم، رغم أن فيهم من هو ميت منذ عقود من الزمن.
5 ـ مذهبكم السني الذي يميزكم عن إيران التي يعترض البعض على دورها الإقليمي، بحجة الوقوف أمام المد الشيعي.
هذه الأسباب من بين أخرى لا يتسع المقام لذكرها، هي التي جعلتنا نثق في وعودكم، وجعلتنا نحن بدورنا ( ونحن هنا تعني الملايين من المسلمين) نعدكم ـ كل بطريقته ـ بأننا لن ندير لكم ظهورنا حتى ولو أدار لكم العالم كله ظهره.
فالعالم ـ بالتأكيد ـ سيدير لكم ظهره، بل أنه سيحاربكم، لأن خصمكم في هذه المرة هو إسرائيل، الدولة المدللة ذات الأذرع الطويلة، والتي بدأت تشعر بأنها أصبحت تفقد شيئا كثيرا من دلالها، وتفقد كذلك شيئا كثيرا من قدرتها على البطش. ستحاربكم إسرائيل لأنكم أصبتموها في مقتل رغم أنكم لم تطلقوا رصاصة واحدة، وهذه واحدة من إبداعاتكم الكثيرة. ستحاربكم بشراسة وبعصبية وبكل أساليبها القذرة المعهودة. وسيحاربكم النظام الرسمي العربي ـ وهذه ربما تكون ضارة نافعة ـ لأنكم أهنتموه بكبريائكم . ولأنه اعتاد على أن لا يحارب إلا الأصدقاء والأشقاء.
سيحاربونكم جميعا ولكن شعوب العالم الإسلامي التي طال اشتياقها لميلاد زعيم مسلم ستكون في صفكم. وهي بالمناسبة أصبحت أكثر وعيا، وأكثر نضجا، وأكثر استعدادا لتحمل مسؤولياتها.
وفي اعتقادي ـ وهذا الكلام موجه للشعوب لا لكم ـ أنه على الشعوب في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة، من الصراع الإسلامي الإسرائيلي( هكذا يجب تسميته) أن تقود حملة مناصرة لتركيا ولقادتها وهذه الحملة يجب أن تركز على بعض الأمور لعل من أهمها:
1 ـ الدعم الشعبي للاقتصاد التركي الذي لابد وأن يتأثر سلبا، إذا لم تقم الشعوب بدورها في هذا المجال. وذلك من خلال اختيار السلع التركية عن غيرها كلما كانت البدائل موجودة، والخيار ممكنا. كما أنه يجب تشجيع السياحة إلى تركيا، وفي تركيا ما يغري، خاصة في هذا العام الذي يجب أن تكون فيه قبلة لكل السواح المسلمين، وذلك لتعويض الخسارة، بل ولمضاعفة دخل هذا القطاع الذي قد يتعرض لخسارة كبيرة بسبب توتر العلاقات التركية والإسرائيلية، إذا لم يتم دعمه إسلاميا.
2 ـ يجب أن يتواصل ما أسميته في مقال سابق بانتفاضة القوافل، كما يجب عولمة تلك الانتفاضة، وذلك حتى لا تشعر تركيا بأنها تركت وحيدة في هذه الحرب التي تقودها باسم المسلمين وباسم كل الأحرار في العالم، والتي ستكون في الأساس حربا قانونية وإعلامية ودبلوماسية وسياسية.
3 ـ من المؤكد أن البعض سينبش التاريخ وسيضخم أحداث معينة، وذلك من أجل إقناع الشعوب بسوء نوايا تركيا، بل ومن أجل إظهارها وكأنها هي العدو الأول والأخطر للعرب والذي تجب محاربته قبل محاربة إسرائيل.
لذلك فإنه يجب على المثقفين والكتاب والإعلاميين وكل أصحاب الرأي أن يطلقوا حملة استباقية، تظهر النقاط المضيئة في التاريخ العثماني وما أكثرها.
وهنا قد يكون من الضروري أن أقدم للقارئ مثالين: أحدهما بطله تركي عادي، والآخر بطله خليفة عثماني، وذلك لأقدم صورتين ناصعتين من التاريخ العثماني.
الصورة الأولى : ذكر "أورخان محمد علي" في كتابه "روائع من التاريخ العثماني" قصة أغرب اسم جامع في العالم،وهو جامع صغير في منطقة "فاتح" في اسطنبول اسمه باللغة التركية : "صانكي يدم" أي: "كأنني أكلت" أو "افترض أنني أكلت". ووراء هذا الاسم الغريب، قصة غريبة طريفة ، وفيها عبرة كبيرة. يقول "أورخان" : كان يعيش في منطقة "فاتح" شخص ورع، اسمه "خير الدين كججي أفندي" ، وكان صاحبنا هذا عندما يمشي في السوق ، وتتوق نفسه لشراء فاكهة ، أو لحم ، أو حلوى ، يقول في نفسه : صانكي يدم.. كأنني أكلت.. ثم يضع ثمن تلك الفاكهة أو اللحم أو الحلوى في صندوق له، ومضت الأشهر والسنوات ، وهو يكف نفسه عن كل لذائذ الأكل ، ويكتفي بما يسد رمقه فقط . وكانت النقود تزداد في صندوقه شيئا فشيئا ، حتى استطاع بهذا المبلغ الموفر القيام ببناء مسجد صغير في محلته ، ولما كان أهل المحلة يعرفون قصة هذا الشخص الورع الفقير، وكيف استطاع أن يبني هذا المسجد ، أطلقوا على الجامع اسم : جامع صانكي يدم، أي كأنني أكلت، أو أفترض أني أكلت وهذا الجامع لازال موجودا حتى الآن.
الصورة الثانية: حدثت في العام 1571م وبطلها الخليفة العثماني "نور الدين الشهيد"، المعروف بالصاعقة، والذي بينما كان منشغلا بالجهاد في أوربا الشرقية، علم بحصار أسطول برتغالي أسباني لجدة. وقد كان هدف ذلك الأسطول البغيض الهجوم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأخذ جسده الطاهر وتعريضه لما لا يليق بمقام سيد البشرية.
توجه نور الدين فورا إلى جدة، وتمكن من إغراق الأسطول، وعزل الوالي، ثم مشى 70 كلم على الأقدام حتى وصل إلى مكة، بعد أن ثقب أذنه، ووضع فيها حلقة، وحلق رأسه كما كان يفعل العبيد في تلك الفترة، ثم أخذ مكنسة لتنظيف المسجد الحرام. وأطلق عليه الناس لقب خادم الحرمين الشريفين وكانت تلك هي أول مرة في التاريخ يطلق فيها ذلك اللقب.
لذلك فلن يكون غريبا على أمة أنجبت في الماضي أولئك الرجال أن تقدم لنا اليوم قائدا وشعبا ينتصر لفلسطين وللمسجد الأقصى. ولن يكون غريبا على تلك الأمة التي أنجبت في الماضي قائدا كان صاعقة على أعداء المسلمين أن تنجب اليوم قائدا صاعقة على إسرائيل وقادرا على أن يحاربها بأسلحة العصر القانونية والدبلوماسية والإعلامية والسياسية حتى يكشف قبحها لكل أحرار العالم.
عشت قائدا لا يدير ظهره لفلسطين...
وعشنا أنصارا لك لا ندير ظهورنا لك أبدا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق