إذا ما تتبعنا المراحل التي مر بها مشروع العلم
الجديد، فسنجد بأن كل مرحلة من هذه المراحل تصيب شرعية
هذا العلم الجديد في مقتل.
(1)
من المعلوم بداهة بأن أي
تغيير للرموز الوطنية يجب أن يتم في ظروف وأجواء توافقية، وأن لا تتم عملية
التغيير هذه في ظل الأزمات والانقسامات السياسية الحادة. الملاحظ هنا أن التوافق
والإجماع كان غائبا، وأن الحوار الذي كان من نتائجه تغيير العلم الوطني قد غاب عنه
طيف واسع من المعارضة الموريتانية، هذا إن لم أقل بأنه قد غابت عنه كل المعارضة
الموريتانية. هنا تظهر نقطة الضعف الأولى، وهي أن مشروع تغيير العلم لم يكن
توافقيا ولا مجمعا عليه عند الإعلان عنه.
(2)
وإذا ما تجاوزنا مسألة
التوافق والحوار الذي يشارك فيه الجميع وهي مسائل ضرورية لتغيير الرموز الوطنية،
وإذا ما اكتفينا بالشق القانوني والدستوري في تغيير العلم الوطني، فسنجد بأن مشروع
العلم الجديد قد تم إسقاطه من الناحية القانونية والدستورية من طرف مجلس الشيوخ في
يوم الجمعة 17 مارس 2017. في هذا اليوم كان يجب أن يتوقف ـ وبشكل نهائي ـ مشروع تغيير العلم، ولكن عناد الرئيس حال دون
ذلك. هنا تظهر نقطة الضعف الثانية وهي أن مشروع تغيير العلم ساقط من الناحية
القانونية والدستورية منذ مساء الجمعة الموافق 17 مارس 2017.
(3)
وإذا ما واصلنا عمليات
التجاوز هذه، وإذا ما تجاوزنا الأجواء التوافقية التي غابت عند الإعلان عن مشروع
تغيير العلم الوطني، وإذا ما تجاوزنا تصويت الشيوخ، إذا ما تجاوزنا كل ذلك فسنجد
بأن تغيير العلم الوطني قد تم رفضه شعبيا من بعد ذلك، وظهر ذلك من خلال المقاطعة
الشعبية الواسعة وغير المسبوقة التي شهدها استفتاء 5 أغسطس. هنا تظهر نقطة الضعف
الثالثة وهي أن مشروع تغيير العلم الوطني قد تم إسقاطه شعبيا.
(4)
دعونا نستمر في تتبع
عناد السلطة وفي عمليات هروبها إلى الأمام، ودعونا ننسى بشكل كامل بأن مشروع تغيير
العلم الوطني قد تم طرحه في ظل أجواء غير توافقية، وأنه قد تم إسقاطه دستوريا في
يوم 17 مارس 2017، وتم إسقاطه من بعد ذلك شعبيا في يوم 5 أغسطس 2017، دعونا ننسى
كل ذلك، ودعونا نلهث خلف المحاولة الأخيرة، أي فرض تغيير العلم، وإجبار المواطنين
على تقبله كأمر واقع.
هنا أيضا سنجد بأن هذه
المحاولة لم تنجح بعد إصدار الأحزاب المنخرطة في المنتدى زائد اللقاء والتكتل
بيانات ترفض الأمر الواقع، هذا بالإضافة إلى المسيرات التي انطلقت ليلة الاستقلال
والتي رفع خلالها علم الاستقلال، والتي لقيت تجاوبا شعبيا واسعا.
هناك رفض شعبي صريح
للأمر الواقع، ويظهر ذلك من خلال عزوف المواطنين عن شراء العلم الجديد، وعدم رفعه
على أسطح منازلهم، أو على سياراتهم، كما كانوا يفعلون في الاحتفالات المخلدة لذكرى
الاستقلال في السنوات الماضية.
صحيح أن العلم الجديد قد
رفع فوق كل الإدارات والمؤسسات العمومية، ولكن الصحيح أيضا أن المواطنين لم يرفعوه
على أسطح منازلهم كما كانوا يفعلون في السنوات الماضية بمناسبة الاحتفال بعيد
الاستقلال، ويعني ذلك بأن المواطنين قد جددوا رفضهم للعلم الجديد، ولم يقبلوا بفرض
الأمر الواقع. هذه هي نقطة الضعف الرابعة في شرعية العلم الجديد.
(5)
حتى إذا ما اقتصرنا على
الجانب الرسمي فسنجد بأن عملية رفع العلم الجديد يوم الاستقلال لم تمر بسلام، فقد
شهد وسط البلاد (ألاك) وشرقها (النعمة) وشمالها (أكجوجت) وجنوبها (كيهيدي) بعض
الأحداث اللافتة خلال عمليات رفع العلم، ومثل هذه الأحداث سيتم في العادة تأويله
وتفسيره شعبيا بأساليب وطرق لن تكون في صالح العلم الجديد، وهذه هي نقطة الضعف
الخامسة.
قد يقول قائل بأن علم
الاستقلال يشترك مع العلم الجديد في بعض نقاط الضعف هذه، وخاصة في النقطة المتعلقة
بغياب التوافق والإجماع، فعلم الاستقلال قد تم الإعلان عنه من طرف أفراد قلة ودون
أي استشارة للشعب. للرد على هذا القول فلا بد من التذكير بأن الإعلان عن علم الاستقلال
قد تم في اللحظات الأولى من الإعلان عن الدولة الموريتانية الشيء الذي منع من
اتخاذ الإجراءات الطبيعية، ولكن وعلى الرغم من ذلك فقد حصل إجماع شعبي على علم
الاستقلال، حيث أننا لم نسمع خلال كل العقود الماضية أي موريتاني يطالب بتغيير
العلم، هذا إذا ما استثنينا العلم الذي رفعته حركة "أفلام"، والذي لا يمكن
الاستدلال به في هذا المقام. ثم إن الشعب الموريتاني قد صادق من بعد ذلك وبشكل
واسع على علم الاستقلال، وذلك من خلال تصويته المكثف في العام 1991 على الدستور
الموريتاني الذي تتحدث مادته الثمانية عن علم الاستقلال وعن مواصفاته.
ختاما
إن العلم الوطني هو في
نهاية الأمر مجرد قطعة قماش قد لا يصل ثمنها إلى مائتي أوقية بالحساب القديم أو عشرين
أوقية بالحساب الجديد، ووقاكم الله من شر كل جديد، فقيمة هذا العلم هي في النهاية قيمة
رمزية ومعنوية، ومثل هذه القيمة لا يمكن أن تأتي بالإكراه ولا بإجبار، ومن هنا
فستبقى تلك القيمة الرمزية والمعنوية للعلم الجديد غائبة عند الكثير من
الموريتانيين.
صحيح أن العلم الجديد قد
أصبح هو العلم الرسمي للجمهورية الإسلامية الموريتانية، وسيبقى كذلك ما بقي محمد
ولد عبد العزيز رئيسا للبلاد، ولكن، وعلى الرغم من ذلك فستبقى شرعية هذا العلم محل
نظر، وستبقى علاقة الكثير من الموريتانيين بهذا العلم الجديد علاقة باردة وفاترة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق