يُعد يوم
(12/12/12) يوما مميزا في التأريخ المسيحي، على الأقل من الناحية العددية، فهو لم يتكرر منذ ميلاد عيسى عليه السلام، بصيغته هذه،
إلا ثلاث مرات فقط ، وكان ذلك في العام 12م، والعام 1012، والعام 2012، وهو لن
يتكرر للمرة الرابعة، وبهذا الشكل، إلا بعد ألف عام من الآن، وتحديدا في العام
3012، هذا إن قُدِّر للبشرية أن تعيش حتى ذلك اليوم.
ولقد ارتبط
هذا اليوم الذي يتكرر فيه الرقم (12) ثلاث مرات، بالكثير من الخرافات التي تحدثت عن نهاية
العالم، بعضها تحدث عن 21/ 12 من هذا العام، والبعض الآخر تحدث عن 12/ 12. كما أن
هذا اليوم ولميزته الشكلية، قد يتحول إلى أشهر يوم في تاريخ البشرية، من حيث عدد
الزيجات المسجلة، وذلك بعد أن اختاره الكثير من شباب العالم كيوم للزواج، الشيء
الذي انعكس إيجابا على أصحاب صالات وقاعات الأفراح، والتي شهد سعر إيجارها ارتفاعا
ملحوظا في هذا اليوم، وفي كثير من مدن العالم.
أما عندنا في
موريتانيا فإن هذا اليوم يمتاز لكونه يصادف الذكرى الثامنة والعشرين لانقلاب 12/12
الذي أوصل معاوية إلى السلطة. ومع أن ذكرى 12/12 ظلت تمر منذ الإطاحة بمعاوية في
الثالث من أغسطس 2005، دون أي اهتمام يذكر، إلا أنها في هذا العام قد تثير جدلا
واسعا، وذلك بعد ظهور مبادرة "جيل معاوية ولد الطايع"، والتي كانت تعتزم
تنظيم احتفالية ثقافية كبرى في هذا اليوم تخليدا لما تسميه بأمجاد معاوية.
ولقد رفضت السلطات الترخيص للاحتفالية، وهو ما
تسبب في إلغائها، حسب بيان صحفي منشور في بعض المواقع، اعتذر فيه أصحاب المبادرة عن
إلغاء النشاط، كما شكروا من خلاله أنصار معاوية، والذين أعلنوا ـ حسب البيان ـ عن
استعدادهم للمشاركة في الأنشطة، بل إن بعض الأنصار ـ وحسب البيان دائما ـ كان قد وصل فعلا إلى العاصمة، قادما من الداخل
للمشاركة في الاحتفالية التي تم إلغاؤها.
كما اعتذر أصحاب
المبادرة للمثقفين وللسفراء الذي أعلنوا عن استعدادهم للحضور والمشاركة في
الاحتفالية، هذا فضلا عن الاعتذار لفنانين موريتانيين كانوا قد أعلنوا عن
استعدادهم لإنعاش التظاهرة فنيا.
وبطبيعة
الحال فأنا لست هنا لأنفي ما جاء في البيان المذكور، بل على العكس من ذلك، فإنه
يمكنني القول بأن الحنين لحكم معاوية قد أصبح يشكل ظاهرة لافتة ومتنامية، حتى أصبح
بإمكان البعض أن يفكر في الاحتفال بذكرى
(12/12)، بل وبتخليد أمجاد الرئيس معاوية، حتى ولو كان ذلك التخليد لا يزال يقتصر
ـ حسب المعلن ـ على الجانب الثقافي، والذي سيتحول في المستقبل إلى عمل سياسي، إن وجد
أصحاب المبادرة تفاعلا شعبيا مع أنشطتهم الثقافية.
وبكل تأكيد
فإن الحنين إلى نظام معاوية قد زاد، بعد سبع عجاف، أعقبت الانقلاب عليه ذات صبيحة
أربعاء مبارك، صادف الثالث من أغسطس من العام 2005. ولكن ذلك الأربعاء المبارك،
وهذا هو المؤلم حقا، لم تعقبه إلا أنظمة، لم تفعل من شيء يستحق أن يذكر، سوى أنها
دفعت طائفة من الموريتانيين ـ ليست بالقليلة ـ إلى الحنين إلى نظام معاوية، رغم أن
تلك الطائفة كانت قد فرحت فرحا شديدا يوم الانقلاب عليه.
إن هذا
الحنين المتنامي إلى نظام معاوية، أو ـ على الأصح ـ إلى شخصه، لأن نظامه لم يسقط
حتى اللحظة، ليس حنينا إلى شخص معاوية، بقدر ما هو إدانة لكل من حكم هذا البلد من بعده،
وهذا ما على مبادرة "جيل معاوية" أن تسمعه وأن تعيه، وذلك حتى لا تفسر
ذلك الحنين المتنامي تفسيرا خاطئا.
لن أتحدث في
هذا المقال عن أخطاء معاوية، لأنه ليس من الأخلاق أن أتحدث عنها الآن، خاصة أن
الرجل كان قد تركنا لحالنا ولإخفاقاتنا، ولن أتحدث عن تلك الأخطاء مستقبلا إلا إذا
كان ذلك في إطار نقاش عام، للحديث عن فترة حكم الرجل، وبشرط أن يشارك فيه الأنصار
والخصوم على حد سواء.
لن أتحدث
الآن عن أخطاء معاوية، لأن الحديث يجب أن يوجه إلى الرؤساء الذين حكموا من بعده،
والذين جعلوا بعض الموريتانيين يشتاقون إلى رئيس كان بالنسبة لهم، وحتى يوم سقوطه،
فاسدا ومفسدا.
ومما يؤسف له
أيضا هو أن الرؤساء الذين حكموا بعد معاوية ليسوا هم وحدهم من تسبب في ظهور هذا
الحنين المتنامي إلى نظام معاوية، بل إن المعارضة، وبأدائها الباهت ساهمت هي
بدورها في الزيادة من مستوى الحنين إلى نظام معاوية.
ولعل من
المبكيات المبكيات، ولا شيء في هذا البلد يدعو للضحك، حتى ولو كان ضحكا ساخرا، أن
المعارضة ستخلد يوم 12/12/ 12 وهي تحت قيادة رجل من أركان نظام معاوية، كان قد
تجرأ في وقت قريب لأن يقول ـ وبأعلى صوته ـ بأن الدولة في عهد معاوية كانت دولة
قانون ومؤسسات.
تصبحون وقد شُغلتم
عن الحنين إلى نظام معاوية....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق