سنحاول
في هذا المقال أن نتوقف مع بعض التناقضات اللافتة التي ظهرت في فسطاط النظام
الحاكم، وسنحاول أن نعقب على تلك التناقضات باستنتاجات سريعة.
فرح
زائف
يتظاهر
النظام الحاكم وأنصاره بفرح زائف، وذلك بمناسبة تمكنهم في ظرف قصير من تسجيل ما
يزيد على مليون ومائة ألف منتسب لحزبهم، وهو ما يعني بأن بقية الأحزاب في الموالاة
والمعارضة ستتنافس على الثلاثمائة ألف ناخب الباقية، فحسب نتائج الاستفتاء على
التعديلات الدستورية الأخيرة فإن عدد
المسجلين على اللوائح الانتخابية هو 1.389.092 مواطن.
وإذا
ما تحدثنا بلغة الأرقام فإن هذا يعني بأن الحزب الحاكم قد ضمن بمليون ومائة ألف
منتسب الفوز الكاسح على منافسيه في كل الاستحقاقات القادمة، ولن تكون نسبة فوزه أقل
من 80% .
هذا
هو ما تقوله في ظاهر الأمر لغة الأرقام، وهذا هو ما يقوله الفرح الزائف الذي عبر
عنه رئيس الحزب الحاكم من خلال حفل باذخ أقامه في قصر المؤتمرات لشكر القائمين على
عملية الانتساب.
لقد
تظاهر القوم بأنهم فرحون بأسطورة المليون ومائة ألف منتسب، ولو كان ذلك الفرح
صادقا لقبلوا بتشكيل لجنة انتخابية توافقية وذات مصداقية للإشراف على الاستحقاقات
القادمة التي سيخوضها حزبهم بمليون ومائة ألف منتسب وستخوضها بقية الأحزاب الأخرى
في المعارضة والموالاة بأقل من ثلاثمائة ألف ناخب، مما يعني بأننا سنكون أمام منافسة غير
متكافئة ومحسومة مسبقا لصالح الحزب الحاكم.
فلماذا
لم يقبل النظام الحاكم بتشكيل لجنة مستقلة للانتخابات ذات مصداقية حتى يكون فوزه
الكاسح والمؤكد في الاستحقاقات القادمة غير قابل للطعن ولا للتشكيك من أي جهة؟
ولماذا
أصر النظام على تشكيل لجنة انتخابية من الأقارب والأصهار تصنف على أنها اللجنة
الانتخابية الأقل مصداقية من بين كل اللجان الانتخابية التي تم تشكيلها في هذه
البلاد؟
إن
الجواب على هذا الأسئلة هو في غاية البساطة، فالنظام الحاكم لم يقتنع إطلاقا بأكذوبة
المليون ومائة ألف منتسب والتي أعطت للحزب الحاكم نسبة 30% من سكان موريتانيا، في
حين تتراوح نسبة المنتسبين إلى الأحزاب الحاكمة في بلدان العالم ما بين 1 إلى 2%
من سكان تلك الدول. فعلى سبيل المثال فإن عدد المنتسبين للحزب الحاكم في تونس (نداء
تونس) التي يصل عدد سكانها إلى 10 مليون لم يتجاوز 110000 منتسب، وفي جنوب إفريقيا
التي يصل عدد سكانها إلى 55 مليون نسمة فإن المؤتمر الوطني الإفريقي (الحزب الحاكم
هناك) لم يصل منتسبيه إلى 800 ألف منتسب، وفي لبرازيل التي يصل سكانها إلى 200
مليون نسمة فإن عدد المنتسبين للحزب الحاكم (الحزب الاشتراكي) لم يتجاوز 680 ألف
منتسب. وفي فرنسا التي يقترب سكانها من 50 مليون نسمة فإن عدد المنتسبين لحزب
الجمهورية إلى الأمام لم يتجاوز 400 ألف منتسب.
يعلم
النظام الحاكم بأن حكاية المليون ومائة ألف منتسب للحزب الحاكم هي مجرد مسخرة، ولذلك
فهو يعلم بأنه لن يستطيع تحقيق فوز معتبر في الاستحقاقات القادمة إن صدق تلك المسخرة،
وهو يعلم أيضا بأن التزوير هو الذي سيضمن له فوزا معتبرا في تلك الانتخابات، ولذلك
فقد جاء بلجنة من الأقارب والأصهار.
كذبة
الرفاه المشترك
في
الوقت الذي يتظاهر فيه سكان القرى والأرياف طلبا لجرعة ماء، ويوجه في المنمون
نداءات استغاثة متكررة طلبا للعلف، وفي الوقت الذي خرج فيه الطلاب وتجمع الدكاترة
العلميين والأطباء وتجار "شارع الرزق" وغيرهم في احتجاجات وإضرابات. في
مثل هذا الوقت الذي ساءت فيه أوضاع المواطنين كثيرا: فقراء كانوا أو أغنياء، مرضى
أو أطباء، سكان مدن أو أرياف، طلابا أو عاطلين عن العمل، شيوخا أو أطفالا، نساء أو
رجالا. في مثل هذا الوقت بالذات أطل علينا "العبد الفقير"، و"صاحب
الوزارتين"، و"مصلح الحزب الحاكم" وهو يتحدث من داخل الجمعية
الوطنية عن مشروع قانون توجيهي يتعلق بإستراتيجية النمو المتسارع والرفاه المشترك
وهي الإستراتيجية التي قال عنها صاحب الوزارتين بأنها قد تمت صياغتها في مجلدين،
وبأنها تراعي أجندتي 2030 و 2063 حول التنمية المستدامة.
إنه
لمن المستفز حقا أن يتحدث صاحب الوزارتين في مثل هذا الوقت العصيب عن نمو متسارع
وعن رفاه مشترك، وإذا كان لي من تعليق على النمو المتسارع والرفاه المشترك فسيكون من خلال التذكير بالمثل الشعبي السائر
الذي يقول بأن من أعجزته الدنيا قال بقدوم الآخرة .
هذا هو حال "حكومة الجفاف والضرائب" في أيامنا هذه، فهي عندما عجزت عن مواجهة مشاكل وتحديات العام 2018 فإذا بها تأتينا بمجلدات تتحدث عن النمو المتسارع والرفاه المشترك في العام 2030 والعام 2063.!!
هذا هو حال "حكومة الجفاف والضرائب" في أيامنا هذه، فهي عندما عجزت عن مواجهة مشاكل وتحديات العام 2018 فإذا بها تأتينا بمجلدات تتحدث عن النمو المتسارع والرفاه المشترك في العام 2030 والعام 2063.!!
دعاة
أم سياح؟
أصدرت
وزارة التوجيه الإسلامي لائحة بأسماء الفقهاء المستفيدين من المشاركة في البعثات
الرمضانية لهذا العام، وظهرت في هذه اللائحة أسماء 26 فقيها وداعية ستتوجه إلى
أسبانيا، وثلاثة إلى ساحل العاج، واثنين إلى مالي.
فلماذا
تم توجيه هذا العدد الكبير من الفقهاء والدعاة (26) إلى اسبانيا، وذلك في وقت لم
يتجاوز فيه نصيب ساحل العاج ومالي خمسة فقهاء؟ وهل الأمر يتعلق بمبلغ التعويضات،
أي أن العملية هي تجارة دنيوية من قبل أن تكون تجارة أخروية ؟ أليس الداخل
الموريتاني (القرى وآدوابه) أولى بمثل هذه البعثات؟
إن
تخصيص مثل هذا العدد الكبير لأسبانيا لوحدها ليوحي بأننا لسنا أمام عملية دعوية
فقط، فهناك تجارة وسياحة ومكاسب دنيوية أخرى. ولو أرادت وزارة التوجيه الإسلامي
وجه الله بهذه العملية لفعلت مثلما تفعل جماعة الدعوة والتبليغ التي لا تفرق في
دعوتها بين أسبانيا ومالي، والتي لا ينتظر دعاتها مخصصات مالية كبيرة أو صغيرة
للخروج في سبيل الله.
ضباط
أم ساسة؟
لستُ
ممن يحب أن يتحدث عن المؤسسة العسكرية إلا إذا كان ذلك في إطار الإشادة بجهودها.
ولقد كتبتُ مقالات عديدة في مدح هذه المؤسسة والتضامن معها خلال حربها على الإرهاب، ومن نلك المقالات : "الإرهاب
بالوكالة"، "شكرا للجيش" ، "الكلام المباح".
إن
من يسيء إلى الجيش وإلى المؤسسة العسكرية هم أولئك الضباط الكبار الذين يقحمون هذه
المؤسسة في وحل السياسية، ويجعلون منها
طرفا في الصراعات والتجاذبات بين الفاعلين السياسيين مما سينعكس سلبا على مكانتها.
في العهود
الماضية كان الأمر يقتصر على الوقوف في صف الأغلبية الحاكمة على حساب المعارضة،
وعلى الرغم من خطورة ذلك ومن انعكاساته السلبية على سمعة المؤسسة العسكرية، إلا
أنه كان أقل سوءا مما يحدث في أيامنا هذه حيث تم تقزيم المؤسسة العسكرية من طرف
بعض الضباط الذين أدخلوها في الدرك الأسفل من السياسية، وجعلوها مجرد جناح من
أجنحة الحزب الحاكم، فأصبحنا نسمع عن هزيمة جناح هذا الجنرال في الولاية كذا، وفوز
جناح ذلك الجنرال في الولاية كذا، وعن تمكن هذا الجنرال من كسب أكبر عدد من وحدات
الحزب الحاكم في المدينة كذا، وعجز ذلك
الجنرال عن تحقيق أي وحدة في المدينة كذا.
إن
من يسيء حقا إلى الجيش هم أولئك الضباط الذين يقزمونه ويجعلون منه مجرد جناح من
أجنحة الحزب الحاكم المتصارعة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق