هذه
صورة لبعض الحمالين وهم يطفئون بعض العجلات المشتعلة، وذلك لكي يؤكدوا للجميع بأن
احتجاجاتهم ستبقى سلمية، حتى وإن حاول البعض أن ينحرف بها عن مسارها، أو حاول
البعض الآخر أن يقدمها على غير حقيقتها لمن يهمه الأمر.
أتمنى
أن تصل هذه الصورة إلى الرئيس، كما أتمنى أيضا أن تصله هذه الرسالة المفتوحة التي
كنت قد كتبتها منذ ثلاثة أعوام، وذلك من قبل أن أوقف كتابة الرسائل المفتوحة. وهذه
الرسالة التي أعيد نشرها اليوم مع قليل من التصرف، كنت قد كتبتها على لسان حمّال، وفي
مناسبة لا تختلف كثيرا عن هذه المناسبة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من
حمَّال إلى رئيس الجمهورية
سيدي
الرئيس،
لقد وجدتني مضطرا لأن أكتب لكم في أقل من أسبوع
رسالة مفتوحة أخرى وذلك لأسمعكم شيئا قليلا من أنين حَمَّالٍ يستيقظ باكرا في كل
يوم، ويقطع المسافات الطويلة في كل يوم، ويحمل الأثقال في كل يوم، بثمن بخس، لكي
يخفف ـ ولو قليلا ـ من أعباء الحياة، ومن همومها الثقيلة.
إنه في كل يوم يحمل الأثقال على كاهله من أجل أن
يخفف من أثقال الحياة، وحلم هذا الحمَّال هو أن يجد في كل يوم بضائع وسلعا يحملها،
وعندما لا يحالفه الحظ في يوم من الأيام، ولا يجد ما يحمله، فإنه يعيش يومه ذلك
كئيبا، مهموما، محبطا، حزينا وبائسا. لذلك فهو عندما يقرر بمحض إرادته أن يتوقف عن
حمل الأثقال، دون أن يكون المرض هو سبب ذلك التوقف، فذلك يعني أن في الأمر شيئا ما
يستحق التأمل. وبطبيعة الحال فإن إرسال قوات الأمن إلى الميناء، وإطلاق القنابل
المسيلة للدموع لن يكون هو الطريقة الأنسب لتأمل وفهم حقيقة معاناة الحمالين.
وبالتأكيد
فسيكون هناك دائما من يقدم لكم ـ يا سيادة
الرئيس ـ التفسيرات المبسطة، والتهم الجاهزة، لأنه لا يريدكم أن تهتموا بهموم
الفقراء الذين انتخبوكم، والذين لهم عليكم حقان : حق التصويت لكم، وحق الاحتياج،
فهم الأحوج للاهتمام لأنهم ظُلموا كثيرا، وعانوا كثيرا، وتجاهلهم الرؤساء كثيرا،
عهدا بعد عهد، ورئيسا بعد رئيس، وتغييرا بعد تغيير.
وقد
يقول لكم بعض مستشاريكم، ومقربيكم، بأن الأمر لا يتعدى كونه مجرد محاولة مشبوهة،
من جهات سياسية معارضة، لخلق قلاقل وأزمات في البلد، وسيقولون لكم بأن الحل الأمني
هو الوسيلة المناسبة للتعامل مع مثل هذا النوع من الأزمات المفتعلة.
والحقيقة
أن تلك هي أسوأ طريقة للتعامل مع مثل هذا النوع من القضايا، فهي تمثل أساليب
قديمة، جُربت من قبل، واستخدام نفس الأساليب يؤدي ـ دائما ـ إلى نفس النتائج.
إن الأسئلة التي يجب علينا أن نطرحها في هذا
المقام، وأن نبحث لها عن أجوبة وحلول عادلة ومنصفة للجميع، يجب أن تكون أسئلة من
نوع آخر: فهل الحمالون يستحقون ـ سواء تظاهروا أم لم يتظاهروا ـ أن تسمعهم
الحكومة، وأن تفكر معهم من أجل البحث عن حلول عادلة لمشاكلهم المطروحة منذ مدة
طويلة ؟
سيدي
الرئيس،
إنكم
كثيرا ما تتركون بعض القضايا التي كان يمكن أن يتم علاجها بفاتورة زهيدة، تتركوها تتفاقم،
و تتأزم، وتزداد تعقيدا.حدث هذا مع الحمالين، وقد يحدث مع حملة الشهادات العاطلين
عن العمل.
إن "التغيير
البناء" ـ في اعتقادي ـ يتطلب تغييرا في طريقة التفكير، وتغييرا في أساليب
الحكم، وفي أنماطه. لقد كان بإمكانكم ـ تفاديا لاحتجاجات الحمالين ـ أن توجهوا
دعوة للعشرات من هؤلاء الحمالين لحضور حفل عشاء في القصر، بمناسبة فاتح مايو، وتستمعوا
لمعاناتهم وأنينهم دون وسيط، فهم أولى من غيرهم للتحدث عن معاناتهم، ولقد كان
بالإمكان أن تجدوا حلا لبعض مطالبهم العادلة، وأن تعتذروا لهم عن البعض الآخر من
المطالب التي قد يصعب تحقيقها في الوقت الحالي.
سيدي
الرئيس،
إن
هؤلاء أولى بأن يُستمع لهم دون وسيط، وهم أولى أيضا بعشاء فاخر في القصر الرئاسي،
ولو لمرة واحدة في العمر، من أولئك الذين تتكرر دعوتهم ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ
رغم أنهم هم من رشف المحيط بكل حيتانه، وابتلع النفط بكل مشتقاته، وأكل الحديد بكل
شوائبه، ونهب الزراعة بكل محاصيلها.
حفظ
الله موريتانيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق