هناك أربع خطوات لو تم اتخاذها لتحسن أداء القطاعات الخدمية كثيرا، وسنحاول في هذا المقال أن نستعرض هذه الخطوات الأربع.
الخطوة الأولى : إن أول خطوة يمكن اتخاذها لتحسين أداء القطاعات الخدمية عموما، وقطاعي الماء والكهرباء خصوصا، تتمثل في وضع معايير صارمة لاختيار من يدير تلك القطاعات الخدمية، وعلى رأس تلك المعايير الكفاءة والاستقامة والسيرة الوظيفية الناصعة، هذا فضلا عن التمكن من إعداد التصورات والبرامج، والقدرة على مواجهة التحديات والأزمات، وهذه المعايير الأخيرة مهمة لأنه قد يكون الموظف مستقيما في مساره الوظيفي، ولم تسجل ضده أي شبه فساد، ولكنه لا يمتلك القدرة على إعداد الخطط والبرامج، وليست لديه خبرة في مواجهة المشاكل والأزمات التي قد تحدث في قطاعه. هذا النوع من الموظفين الذي لا يمتلك هذه المؤهلات الأخيرة لن يستطيع أن ينجح في إدارة قطاع خدمي حتى ولو كان من أكثر الموظفين ابتعادا عن المال العام. كل هذه المعايير المذكورة آنفا يجب أن تتوفر وبمستويات مقبولة في كل من يتم اختياره لإدارة مؤسسة خدمية توفر يوميا خدمة أساسية للمواطن، كما هو الحال بالنسبة لشركتي الماء والكهرباء.
لقد بات من الضروري جدا تصنيف بعض الوظائف على أنها وظائف ذات حساسية عالية جدا، يجب وضع معايير صارمة عند اختيار من سيتولاها، والوظائف المقصودة هنا هي أولا تلك الوظائف المرتبطة بالقطاعات الخدمية وعلى رأسها شركتي الماء والكهرباء، وهي ثانيا الوظائف المرتبطة بالقطاعات الإنتاجية. فلندفع بخيرة الموظفين الموجودين حاليا في الإدارة إلى القطاعات الخدمية، ثم القطاعات الإنتاجية.
الخطوة الثانية: بعد فرز خيرة الموظفين لتولي إدارة وتسيير القطاعات الخدمية (الماء والكهرباء خصوصا)، فمن المهم بعد ذلك أن يتم منعهم بشكل كامل من ممارسة العمل السياسي خلال فترة توليهم لتلك القطاعات.
على هؤلاء الموظفين الذين يتولون إدارة وتسيير قطاعات حساسة توفر خدمات يومية وأساسية للمواطن أن يتفرغوا بشكل كامل لمهامهم الجسيمة التي كلفوا بها، وهم إن نجحوا في المهام الموكلة إليهم فإنهم بذلك يكونون قد خدموا النظام سياسيا بما لم يخدمه به سياسي آخر، وهم إن فشلوا في تلك المهام، فإنهم بذلك يكونون قد أضروا بالنظام وتسببوا في انهيار شعبيته، حتى وإن أطلقوا عشرات المبادرات السياسية، ونظموا مئات المهرجانات الداعمة.
إن ما يمكن أن يلعبه من يدير قطاعا خدميا واحدا يقدم خدمة أساسية للمواطن كتوفير الماء أو الكهرباء في تحسين صورة النظام والزيادة من شعبيته من خلال تقريب الخدمة التي يقدم من المواطن والتحسين من جودتها، إنما ما يمكن أن يلعبه من يدير قطاعا من ذلك النوع في تحسين صورة النظام والزيادة من شعبيته لا يمكن أن تلعبه الأغلبية في مجموعها حتى وإن أقامت عشرات المهرجانات الداعمة لفخامة الرئيس أمام الشعب الموريتاني كله بعد أن يُجمع لها كل الشعب على صعيد سياسي واحد. وفي المقابل فإن ما يمكن أن يتسبب فيه من يدير قطاعا خدميا واحدا من سخط على النظام ومن انحسار في شعبيته من خلال سوء الخدمة التي يقدم للمواطن لا يمكن أن تحققه المعارضة في مجموعها، حتى وإن أقامت عشرات المهرجانات التي تتحدث فيها عن عيوب النظام وأخطائه أمام الشعب كله بعد أن يُجمع لها كل الشعب على صعيد سياسي واحد.
ختاما لهذه الفقرة فقد يكون من المهم التنبيه إلى النقاط التالية:
1 ـ إن من يتولى إدارة قطاع خدمي حساس يقدم خدمة أساسية وضرورية للمواطن يجب عليه أن يتفرغ لقطاعه، وأن يبتعد عن العمل السياسي؛
2 ـ إن إبعاد من يتولى إدارة قطاع خدمي يقدم خدمة أساسية وضرورية للمواطن عن السياسة، سيساعد في تحسين تقديم تلك الخدمة بعد التفرغ لها، وسيساعد كذلك في التحسين من ديمقراطيتنا، فمثل هذه الخدمات الأساسية يجب أن تُبعد بشكل كامل عن التجاذبات السياسية، و أن لا يتم استغلالها سياسيا أثناء تقديمها؛
3 ـ لا يعني الكلام أعلاه منع الاستغلال السياسي لنتائج الأداء في أي قطاع خدمي (الحصيلة)، فالقطاعات الخدمية والمشاريع التنموية إذا كان لا يجوز استغلالها سياسيا، فإن نتائجها وثمارها يمكن أن تستغل سياسيا . إن الاستغلال السياسي لما تحقق من نتائج إيجابية في أي قطاع خدمي هو أمرٌ مطلوبٌ، وكما قلنا سابقا فإن ما يمكن أن يحققه من يدير قطاعا خدميا من خلال التحسين من جودة الخدمة التي يقدم وتقريبها من المواطن، ما يمكن أن يحققه سياسيا لصالح النظام لا يمكن أن تحققه الأغلبية في مجموعها، ولذا فالاستغلال السياسي لحسن الأداء هو أمرٌ مطلوب، والمكافأة السياسية لمن كان خلف ذلك التحسن في الأداء مطلوبة هي أيضا، بل وضرورية، حتى وإن كان من ستقدم له تلك المكافأة كان ممنوعا من ممارسة السياسية خلال أدائه لمهامه في القطاع الخدمي. في المقابل، فإذا كانت حصيلة القطاع الخدمي سيئة، فإن من الواجب أن يعاقب سياسيا من كان وراء تلك الحصيلة السيئة، إضافة إلى عقوبته الإدارية، وذلك لأنه أضر بالنظام سياسيا، أكثر مما أضرت به المعارضة.
الخطوة الثالثة: بعد اختيار من يتولون إدارة المؤسسات والوزارات الخدمية وفق معايير صارمة، وبعد إبعادهم عن ممارسة السياسية للتفرغ بشكل كامل للمهام الخدمية الجسيمة الموكلة إليهم، فإنه من الضروري بعد ذلك أن يتم منحهم الوقت الكافي لإحداث إصلاح حقيقي في القطاعات الخدمية التي يتولون إدارتها، وأن لا يتم فصلهم من قبل إكمال تلك الفترة إلا عند ارتكاب أخطاء جسيمة، ولا أظن أن من تم اختياره وفق معايير صارمة سيرتكب أخطاء جسيمة، وأسوأ ما يمكن أن نتوقعه منه هو أن لا يتمكن من تحقيق المستوى المطلوب من النجاح. إنه لمن المؤسف أن وزارتي الصحة والتعليم مثلا تعاقب على كل واحدة منهما أربعة وزراء خلال أربع سنوات فقط، أي بمعدل وزير كل سنة. إن عدم الاستقرار الوظيفي يحرمنا من إمكانية تقييم أداء الموظف العمومي، وبالتالي يحول دون مكافأته في حال النجاح في المهمة الموكلة إليه، ومعاقبته في حال الإخفاق فيها.
إن الإنجازات التي تحققت على مستوى التعليم والصحة خلال السنوات الأربع الماضية يمكن لكل وزير من الوزراء الأربع الذين تعاقبوا على إحدى الوزارتين أن يدعيها لنفسه، كما أنه بإمكان كل واحد منهم أن يتهرب من الإخفاقات التي تم تسجيلها في قطاعي التعليم والصحة خلال السنوات الأربع الماضية، وذلك بحجة أنه لم يمنح الوقت الكافي، وأن سنة واحدة لا تكفي لتصحيح الاختلالات أو منع حدوثها أصلا.
الخطوة الرابعة: الصرامة في المحاسبة في حالة الفشل. من يفشل في إدارة وزارة أو مؤسسة خدمية، يجب أن يحاسب حسابا عسيرا أشد من محاسبة من يتولى قطاعا آخر غير خدمي، لا صلة مباشرة له بالمواطن. وفي المقابل فإن من ينجح في إدارة وزارة أو مؤسسة خدمية يجب أن يكافأ مكافأة كبيرة لا يكافأ بها غيره.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق