كان من الواضح جدا ـ وخاصة في الأيام الأخيرة ـ أن تحالف المعارضة الانتخابي
لن يتمكن من الوفاء بالتعهد الذي قطعه على نفسه، أي الاتفاق على مرشح رئيسي، وأسباب
ذلك الفشل كانت واضحة، وقد تحدثت عنها في مقالي السابق الذي كنتُ قد نشرته ساعات
قبيل إعلان تحالف المعارضة عن عدم اتفاقه على مرشح رئيسي، وكان المقال تحت عنوان: "هل
ستعجز المعارضة عن الوفاء بتعهداتها؟".
نعم عجزت المعارضة عن الوفاء بتعهداتها، ولاشك أن ذلك قد أوقعها في مشكلة
كبيرة، بل وفي أزمة حقيقية، الشيء الذي يستوجب منا طرح السؤال الذي يجب أن يُطرح عند
انفجار أي أزمة أو أي مشكلة مستعصية على الحل، يقول السؤال : كيف يمكننا أن نستثمر
إيجابيا الفشل في الاتفاق على مرشح رئيسي، وكيف لنا أن نحول هذا الفشل إلى فرصة
حقيقية تستفيد منها المعارضة في رئاسيات 2019؟
سأحاول أن أجيب على هذا السؤال، وسيكون ذلك من خلال استخدام نفس التقنيات
التي تستخدم عادة في الدورات التدريبية الخاصة باستثمار الفشل وبإدارة المشاكل
والأزمات.
لاستخدام هذه التقنية فإنه لابد لنا أن نذكر بأن من بين الأمور التي تميز
الناجح عن الفاشل، هو أن الناجح يرى حلا في كل مشكلة، والفاشل يرى مشكلة في كل حل.
إن في مشكلة عدم اتفاق المعارضة على مرشح رئيسي يوجد حلٌ ما، فما هو ذلك
الحل؟
لنذكر أيضا بحقيقة أخرى وهي أن في طيات كل أزمة توجد منحة ما، وبأنه في كل
مشكلة تختفي فرصة ما، فما هي الفرصة المخبأة في المشكلة الناتجة عن عدم اتفاق
المعارضة على مرشح رئيسي؟
إن عدم اتفاق المعارضة على مرشح رئيسي سيعني بأن المعارضة ستأخذ بخيار تعدد
المرشحين، فما هي الفرصة التي سيتيحها تعدد المرشحين؟ للإجابة على هذا السؤال
دعونا نتوقف مع الاسمين الأكثر تداولا على أنهما سيكونان من بين مرشحي المعارضة في
حالة تعدد مرشحيها.
الاسم الأول محمد ولد مولود : وهو يعدُّ من أهم زعامات المعارضة في الوقت
الحالي، وهو المعارض الأولى بالترشيح، وبترشيحه فإن المعارضة ستجد من يحمل خطابها خلال
الحملة الانتخابية، وهناك جمهور معارض أغلبه شباب لن يصوت إلا لمرشح كمحمد ولد
مولود، أي لمرشح من المعارضة قادر على حمل خطابها، هذا الجمهور بالذات لن يصوت إطلاقا
لسيدي محمد ولد بوبكر.
الاسم الثاني سيدي محمد ولد بوبكر : وهو يعدُّ من رجال الدولة الذين خدموها خلال عدة
فترات، وهو سيكون بلا شك مطمئنا لمن يحسبون على موريتانيا الأعماق، وكذلك للأطر
الذين لن ينخرطوا ـ لسبب أو لآخر ـ في حملة مرشح النظام.هناك طائفة من هذا الجمهور
لن تصوت إلا لمرشح من رجال الدولة، كما هو الحال بالنسبة لسيدي محمد ولد بوبكر،
هذه الطائفة لن تصوت إطلاقا لمحمد ولد مولود ولا أي معارض آخر قرر الترشح.
يمكننا أن نلاحظ بأن هناك جمهورا معارضا قد تكون نسبته الأكبر من الشباب لن
يصوت لسيدي محمد ولد بوبكر ولكنه سيصوت لمحمد ولد مولود إن ترشح، وهناك في المقابل
جمهورا مواليا لن يصوت لمحمد ولد مولود، ولكنه سيصوت لسيدي محمد ولد بوبكر إن
ترشح.
إن الخلاصة التي يمكن أن نخرج بها من هذه الملاحظة هي أن محمد ولد مولود
وسيدي محمد ولد بوبكر يكمل كل واحد منهما الآخر انتخابيا. إنهما يشكلان معا مرشح
رئيسي للمعارضة وبكل الأوصاف المطلوبة انتخابيا.
بهذه الطريقة الإبداعية في التعامل مع المشاكل والأزمات، فإنه سيكون بإمكان
المعارضة أن تحول فشلها في الاتفاق على مرشح رئيسي إلى فرصة حقيقية، ولكن على المعارضة
أن تعلم بأن عملية تحويل المشكلة إلى فرصة تتطلب جهدا كبيرا يبذل من أجل استعادة شيئ من
الثقة التي فقدتها المعارضة بسبب عدم وفائها لجمهورها بتعهدها المتعلق بالاتفاق
على مرشح رئيسي. وتحتاج استعادة الثقة إلى القيام بخطوات عملية لإقناع الجمهور
المعارض بأن المعارضة لم تفشل، وإنما انتقلت من خيار المرشح الرئيسي إلى خيار تعدد
المرشحين نظرا لإكراهات المرحلة. ومن الخطوات التي اقترحها في هذا المجال أن يكون
حفل إعلان ترشح محمد ولد مولود وسيدي محمد ولد بوبكر حفلا مشتركا بحضور كل الأحزاب
، كما اقترح أيضا التنسيق بين ولد مولود وولد بوبكر خلال الحملة الانتخابية في
حالة ترشحهما، مع تنظيم بعض المهرجانات المشتركة.
وعلى المعارضة أن تضع خطة محكمة تمكن من وقف الحرب الإعلامية المشتعلة بين
أنصار ترشيح محمد ولد مولود وأنصار ترشيح سيدي محمد ولد بوبكر. إن الذي سيحدث في
حالة عدم وجود تلك الخطة هو أن داعمي ترشيح محمد ولد مولود سيتفرغون للهجوم على
سيدي محمد ولد بوبكر، وداعمي ترشيح سيدي محمد ولد بوبكر سيتفرغون للهجوم على محمد
ولد مولود، وبذلك سيخرج مرشح السلطة سالما غانما، ولا شك أنه سيضحك كثيرا من سذاجة
أنصار منافسيه الذين انشغلوا عنه في معارك جانبية.
هذه الخطة لن تنجح إلا إذا استشعر مدونو المعارضة بحساسية اللحظة وبخطورة
الانشغال عن مرشح النظام بحروب تدوينية ساذجة لن يتضرر منها إلا منافسو مرشح النظام.
على مدوني المعارضة أن يعلموا بأن انتقادهم في هذه المرحلة لولد مولود أو لولد
بوبكر أو لأي مرشح آخر يحسب على المعارضة، إنما هو بمثابة خدمة مجانية لولد
غزواني. ومن الاقتراحات العملية التي يمكن تقديمها للمدونين لوقف هذه الحرب
التدوينية المشتعلة بين أنصار ترشيح ولد مولود وأنصار ترشيح ولد بوبكر هو أن يتم
الجمع بين صورتي ولد مولود وولد بوبكر في صورة واحدة يتم وضعها كصورة شخصية على
صفحات كل المهتمين بإيقاف هذه الحرب المشتعلة بين مدوني المعارضة والتي لا تخدم في
النهاية إلا مرشح النظام.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق