أثار الإعلان عن
زيارة ولي العهد السعودي لموريتانيا نقاشا وتباينا واختلافا كبيرا بين
الموريتانيين، فهناك من يعارض بقوة هذه الزيارة، بل وينظم الاحتجاج ضدها، وهناك من
أعلن عن ترحيبه بهذه الزيارة.
وبحثا عن مصالح موريتانيا،
وبعيدا عن لغة العواطف، ولغة الاستقطاب الحاصل الآن، فإن الإعلان عن هذه الزيارة
يفرض تسجيل جملة من الملاحظات لعل من أهمها:
1 ـ لا أعتقد بأن
هناك خلافا بين العقلاء حول سوء الطريقة التي يدير بها ولي العهد السعودي شؤون
الحكم في بلاده، ولا خلاف على أنه جلب لبلاده ولأمته ـ وخلال فترة قصيرة جدا ـ
الكثير من الأضرار والمصائب بسبب قراراته الطائشة : الحرب في اليمن؛ اختطاف رئيس
الوزراء اللبناني؛ حصار قطر؛ التقرب من العدو الصهيوني؛ فتح خزائن المملكة للرئيس
الأمريكي؛ سجن العلماء وعدد كبير من السعوديين، ثم قتل الصحفي جمال خاشقجي بوحشية،
وتقطيع جسده على أنغام الموسيقى داخل قنصلية السعودية في تركيا.
لا خلاف على أن طريقة
تسيير ولي العهد لشؤون بلاده جلبت ضررا كبيرا وخسائر فادحة للمملكة العربية
السعودية، وقد وصل الأمر إلى أن المملكة التي كان الكل يتجنب انتقادها ولو بشطر
كلمة، أصبحت انتقادها اليوم هو حديث الفضائيات والجرائد ومواقع التواصل الاجتماعي
في كل بقاع العالم.
2 ـ من المهم التذكير
بأن الوقوف والتضامن مع المملكة العربية السعودية لا يعني بالضرورة الوقوف
والتضامن مع ولي عهدها، والوقوف ضد ولي العهد السعودي لا يعني بالضرورة الوقوف ضد السعودية،
وربما يكون العكس هو الصحيح. هذا الخلط الحاصل عند البعض بين مصالح ولي العهد
السعودي ومصالح السعودية ليس بالسليم، نفس الشيء يمكن أن يقال عن بشار وسوريا، وعن
أي بلد عربي آخر وقيادته التي تحكمه، والتي لم تأت أصلا من خلال أصوات الناخبين،
وإنما جاءت بالتوريث، أو من خلال انقلاب. يعني هذا الكلام بأن الموريتانيين الذين
لم يرحبوا بزيارة ولي العهد السعودي ليسوا أعداءً للسعودية، بل هم أصحاب فطرة
سليمة، وذلك هو أقل ما يمكن أن يُقال عنهم. كما أن الموريتانيين الذين رحبوا بهذه
الزيارة ليسوا ـ بطبيعة الحال ـ هم الأكثر حرصا على مصلحة السعودية.
3 ـ إن المعني الأول
بمحاسبة ولي العهد السعودي على سياسته الفاشلة وعلى قراراته الطائشة هو الشعب
السعودي والأمراء من أبناء عمومته، وليس علينا نحن في موريتانيا ـ ولا في أي بلد
عربي آخر ـ أن نقوم بذلك الدور نيابة عن الشعب السعودي وعن أمرائه. إننا في
موريتانيا لسنا أوصياء على الآخرين، ولسنا شرطة أخلاق تحاسب قادة العالم، ثم إننا
في موريتانيا نحتاج إلى السعودية أكثر من حاجتها إلينا، فهي التي ظلت تدعمنا، ولذا
فليس من الإنصاف أن يطلب منا أن نحتج ضد زيارة ولي عهد لم يحتج ضده شعبه، ولم
يتحرك ضده أبناء عمومته من الأمراء، على الأقل علنيا.
صحيح أنه لو أنصف
الدهر لما احتجنا أصلا إلى المال السعودي، فنحن بلد غني بالخيرات وقليل السكان،
ولكن الواقع شيء آخر، ولذا فإنه ليس من الحكمة الاحتجاج ضد زيارة ولي العهد السعودي،
ما دام ذلك قد ينعكس سلبا على جاليتنا في السعودية، وعلى علاقتنا مع هذا البلد
الذي قدَّم لنا الكثير من المساعدات خلال العقود الخمس الماضية.
إنه علينا ـ ومن باب
ترتيب الأولويات ـ أن ندخر طاقاتنا الاحتجاجية لمشاكلنا وهمومنا الداخلية المتعددة
والمتشعبة، خاصة وأننا نمر بمرحلة حاسمة، ونقترب كثيرا من موعد انتخابي في غاية
الأهمية، لم نعد له العدة، ولم نحضر له بشكل جدي حتى الآن.
4 ـ لا يمكن الحديث
عن زيارة ولي العهد السعودي لموريتانيا دون الحديث عن علاقتنا التي قطعنها مع قطر
ببيان طائش ومتسرع من وزارة الخارجية، وقد تكون هذه مناسبة لتذكير أولئك الذين
أعلنوا عن ترحيبهم بزيارة ولي العهد السعودي، وطالبوا بإبعاد بلادنا عن الصراعات
والخلافات في الخليج وفي الشرق الأوسط، قد تكون هذه مناسبة لتذكيرهم بأن قطع
علاقتنا مع قطر قد جاء نتيجة لدخول بلادنا في تلك الصراعات والخلافات والتي لا
ناقة لنا فيها ولا جمل، ولذا فقد آن الأوان لأن نطالب معا بإعادة علاقتنا مع قطر،
والتي لم يكن هناك أي مبرر لقطعها.
لقد قطعنا علاقتنا مع
قطر يوما واحدا بعد إعلان السعودية والإمارات ومصر والبحرين عن قطع علاقاتها مع
قطر، وربما تضطر السعودية بسبب العزلة التي تعاني منها أن تُعيد علاقتها مع قطر،
فنجد نحن أنفسنا في موقف في غاية الإحراج.
على الذين يطالبون
الآن بإبعاد موريتانيا عن الصراعات الإقليمية، وبعدم الاحتجاج في وجه ولي العهد
السعودي، عليهم أن يطالبوا ـ وبصوت أعلى وللأسباب ذاتها ـ بإعادة العلاقات مع
الشقيقة قطر.
طالبوا بأعلى
أصواتكم بإعادة العلاقات مع قطر بشكل فوري،
وإلا فستكون مطالبتكم بعدم الاحتجاج في وجه ولي العهد السعودي، حتى تبقى موريتانيا
بعيدة عن صراعات المنطقة، مجرد نفاق وتطبيل لا صلة له بمصالح موريتانيا التي لا
تهمكم بقدر ما تهمكم عطايا ولي عهد أصبح يشعر بأنه يعيش في عزلة كبيرة.
حفظ الله موريتانيا..
حفظ الله السعودية..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق