إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
الأحد، 28 نوفمبر 2010
خمسينية بلاد العجائب
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
خمسون عاما مرت على استقلال بلادنا..
خمسون عاما وثمانية رؤساء تعاقبوا..
صفقنا لهم بسذاجة..
زغردنا لهم بسذاجة..
هتفنا لهم بسذاجة..
ساندناهم بسذاجة..
قلنا لهم في شرق البلاد عندما زارونا بأننا بألف خير..
قلنا لهم في غربها بأننا بألف خير..
قلنا لهم في شمالها بأننا بألف خير..
قلنا لهم في جنوبها بأننا بألف خير..
وقلنا لهم في وسطها بأننا بألف ألف خير..
بلادنا عجيبة .. مدنها وقراها يختفي جوعاها عندما يزورها الرئيس ..
تختفي أحزانها ..
تنفرج همومها..
ترتفع ضحكات أهلها..
يزلزل التصفيق أرضها..
تضرب خيامها ..تبسط سجادها.. تفرش زرابيها.. يوم قدوم الرئيس..
يتآخى أبناء المدينة ..
يصطفون كأنهم في صلاة ..
يجاهدون لمصافحة الرئيس..
يكذب كل من في المدينة..
ويكذب كل من في القبيلة.. ويقول بأنه بألف ألف خير..
هكذا كان حال مدننا وقرانا وقبائلنا يوم زارها المنقلب الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها المصحح الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها المنقذ الأول ..
هكذا كان حالها يوم زارها المخلص الأول..
هكذا كان حالها يوم زارها الفقير الأول..
هكذا كان حالها في الذكرى العشرين..
هكذا كان حالها في الذكرى الخمسين..
في بلادنا نتنفس بتوجيهات من الرئيس..
نضحك بتوجيهات من الرئيس..
ننام بتوجيهات من الرئيس..
نستيقظ بتوجيهات من الرئيس..
نحيا بتوجيهات من الرئيس..
نموت بتعليمات من سيادة الرئيس..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا شعبها كالنمل يعمل ليل نهار..
منظماتها على شاشة التلفزيون تعمل ليل نهار..
أحزابها تناضل ليل نهار..
صحفها تتحدث ليل نهار..
جهود جبارة في كل وزارة..
جهود معتبرة في كل إدارة..
وفي بلادنا حديد كثير..
فيها نحاس كثير..
فيها ذهب كثير..
فيها نفط كثير..
فيها سمك كثير..
فيها أرض صالحة للزراعة..
فيها ثروة حيوانية هائلة..
حكومة بلادنا تتسول منذ خمسين سنة..
حكومة بلادنا تعمل ليل نهار منذ خمسين سنة..
ودولتنا العجيبة لا زالت في الذكرى الخمسين عاجزة أن تطعم حفنة من البشر..
عاجزة أن تعلم حفنة من البشر..
عاجزة أن توظف حفنة من البشر..
عاجزة أن تعالج حفنة من البشر..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
في بلادنا خضنا عشرات الحروب..
حاربنا الأمية فانتشرت الأمية..
حاربنا الفقر فزاد الفقر..
حاربنا السمنة ونحن نشكوا من سوء التغذية..
حاربنا القمامة فانتصرت علينا القمامة..
حاربنا الإرهاب فخلقنا الإرهاب..
حاربنا الفساد برموز الفساد..
ألف رصاصة مطاطية أطلقناها..
ألف قنبلة صوتية قذفناها ..
ألف خطبة حنجرية دوت في حروبنا العجيبة..
حروبنا العجيبة تزيد من قوة أعدائنا..
فليت رؤساءنا أعلنوا هدنة أبدية مع القمامة..
ليتهم تصالحوا مع الفقر..
ليتهم وقعوا معاهدة مع الفساد..
ليتهم وفروا الغذاء لتشجيع السمنة..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا كالبحر.. دررها في القاع..
وجِيَّف أسماكها تطفو على سطح التلفزيون..
تنظم الندوات..
تدير المهرجانات..
تتقاسم التعيينات..
توزع الصفقات..
وتنجح دائما في الانتخابات..
بلادنا صغراؤها أصبحوا كبارا..
وكبراؤها تقزموا فصاروا صغارا..
بلادنا العجيبة لن يصلح حالها إلا إذا أصبح عاليها سافلها..
وسافلها عاليها..
في بلادنا نصفق بلا خجل للصوص الكبار..
ونضرب بلا رحمة اللصوص الصغار..
تعدادنا في بلاد العجائب ثلاثة مليون مسلم ..
يُصَلون في كل يوم خمس مرات..
يسرقون بين الصلاة والصلاة..
يكذبون بين الصلاة والصلاة..
ينافقون بين الصلاة والصلاة..
يُزَوِرون بين الصلاة والصلاة..
يظلمون بين الصلاة والصلاة..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
للقبيلة في بلادنا أبناء وأبناء..
للأعراق فيها أحباء وأحباء..
للايدولوجيا كثير من الولاء..
للدول الشقيقة والمجاورة حلفاء وعملاء..
ونحن جميعا لوطننا أعداء..
ولاؤنا مشتت بين القبائل والأشقاء..
بلادنا بلا ولاء..
بلا أبناء..
بلا أحباء..
بلا أصدقاء..
بلادنا يسكنها ثلاثة مليون مهاجر.. كلهم لها أعداء..
في بلادنا ألف ألف سياسي..
وليس فيها سياسي مواطن..
في بلادنا ألف ألف شاعر..
وليس فيها شاعر مواطن..
في بلادنا ألف ألف مثقف..
وليس فيها مثقف مواطن..
في بلادنا ألف ألف تاجر..
وليس فيها تاجر مواطن..
في بلادنا ألف ألف لص..
وليس فيها لص مواطن..
في بلادنا ألف ألف من كل شيء..
وليس في بلادنا مواطن واحد..
نحن في بلادنا أنصار للوحدة العربية..
أنصار للوحدة الإسلامية..
أنصار للوحدة الإفريقية..
أنصار للوحدة الكورية..
في بلادنا نحن أنصار لكل وحدة ..إلا للوحدة الوطنية..
في بلادنا ناصريون..
فيها بعثيون..
فيها إسلاميون..
فيها كادحون..
فيها متطرفون ..
فيها انفصاليون..
فيها غوغائيون..
وليس في بلادنا وطنيون..
في بلادنا مغاربة..
فيها صحراويون..
فيها سنغاليون..
فيها جزائريون..
فيها ليبيون..
فيها صينيون..
فيها أفغان و شيشانيون..
في بلادنا كل أمم الأرض..
ولكن ليس في بلادنا موريتانيون..
في بلادنا ثلاثة مليون مهاجر.. كلهم لها أعداء..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا دستورها عجيب..
مادته السادسة تحير كل لبيب..
لم تعط للغة المستعمر أي نصيب..
ورغم ذلك فإدارتنا تتواصل بلغة المستعمر..
تتخاطب بلغة المستعمر..
مسابقات التوظيف بلغة المستعمر..
فواتير الكهرباء بلغة المستعمر..
فواتير الماء بلغة المستعمر..
وصفات الأطباء بلغة المستعمر..
وزير تعليمنا يعتذر عن كل إهانة للغة المستعمر..
وزير اتصالنا لا يتواصل مع موظفيه إلا بلغة المستعمر..
خمسون عاما وبلادنا العجيبة لا زالت تمجد لغة المستعمر..
لا زالت ترفض أن تتخلى عن لغة المستعمر..
ليت أطباءنا تخلوا عن لغة المستعمر.. وتشبهوا بأخلاق أطباء المستعمر..
ليتهم كانوا رحماء كأطباء المستعمر..
ليتهم كانوا بإنسانية أطباء المستعمر..
ليت قضاتنا كانوا بعدالة قضاة المستعمر..
ليت كل موظفينا كانوا كموظفي المستعمر..
لو كان كل موظفي دولتنا العجيبة من بلاد المستعمر..
لكانوا أقرب للمواطن..
أرحم بالمواطن..
مشكلتنا في البلاد العجيبة أن موظفينا ليسوا كموظفي المستعمر..
ومع ذلك فهم يدافعون عن لغة المستعمر..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا نصف شعبها بطونه جائعة..
والنصف الآخر قلوبه جائعة..
نصف شعبها جاهل..
والنصف الآخر يتصرف كالجاهل..
نصف شعبها فقير..
والنصف الآخر ينافس الفقراء في أرزاقهم..
نصف شعبها مفسد..
والنصف الآخر مشروع مفسد..
بلادنا عجيبة وأحوالها غريبة..
بلادنا استقلت في العام الستين ..
وزادت مقاطعاتها بواحدة في الذكرى الخمسين..
بلادنا العجيبة تطردنا كل يوم..
تظلمنا كل يوم..
تُحرجنا كل يوم..
تذلنا كل يوم..
تهيننا كل يوم..
تقتلنا كل يوم..
ولكن في بلادنا شيء عجيب يشدنا إليها كل يوم..
**********
فاصلة خارج النص..
شكرا لكل أولئك الذين رفعوا أعلاما على سياراتهم..
شكرا لكل أولئك الذين رفعوا ـ بمناسبة الخمسينية ـ أعلاما في أي مكان ..
شكرا لكل أولئك الذين سموا محلاتهم بتسميات لها علاقة بهذه الذكرى..
شكرا لصاحب سوق الاستقلال..
شكرا لصاحب بقالة 28 نوفمبر..
شكرا لمقهى الوفاء الذي جعل من العلم والنشيد الوطني واجهة لكل أجهزته..
شكرا لكل البسطاء الذين احتفلوا بطرقهم الخاصة بهذه الذكرى ..
شكرا للجالية الموريتانية التي تسكن في البلاد العجيبة والتي احتفلت بهذه الذكرى..
شكرا لكم جميعا..
شكرا لكم ..
فبكم ـ وبكم وحدكم ـ ستكون موريتانيا وطنا للموريتانيين..
وإلى الأحد القادم أقول لكم : تصبحون على وطن للموريتانيين..
نواكشوط 28 نوفمبر 2010م
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق