هذه بعض الملاحظات الحائرة، على بعض الأجوبة الحائرة، التي رد بها السيد الرئيس على بعض التساؤلات الحائرة، التي تم طرحها في اللقاء المفتوح بقصر المؤتمرات. وهذه الملاحظات الحائرة ما هي إلا امتداد للأسئلة الحائرة، التي كنت قد طرحتها في وقت سابق على الرئيس، وقبل لقاء الأربعاء بيومين.
لقد طرحت تلك الأسئلة الثمانية والأربعين، بعد أن حصلت على نصيبي كاملا غير منقوص من الحيرة التي وزعها الرئيس الحالي ـ وبشكل عادل ـ على كل الشعب الموريتاني. فكان بذلك أول رئيس أغرق الشعب كله بمفسديه ومصلحيه، بأغنيائه وفقرائه، بنخبه وعامته، بمعارضته وموالاته في بحر من الحيرة لا ساحل له.
فالكل حائر: الأغلبية حائرة حتى لو تظاهرت بعكس ذلك، والحكومة حائرة، والمعارضة حائرة، والفقراء حائرون، والمفسدون حائرون، والأميون حائرون، والمثقفون هم أشد خلق الله حيرة في بلد ربما يعيش خمس سنوات كاملة من الحيرة القابلة للتجديد.
إن للموالاة الحق في أن تقول ـ وهي حائرة ـ بأن البلد قد أنعم الله عليه ـ أخيرا ـ برئيس للفقراء يسلم على الفقراء، قبل الكبراء، يوم تنصيبه. ويحدثهم قبل غيرهم بمناسبة احتفاله بذكرى ذلك اليوم. فسلام على الفقراء يوم سلم عليهم رئيسهم في الملعب الأولمبي. وسلام عليهم يوم حدثهم في قصر المؤتمرات.
وللمعارضة الحق في أن تقول ـ وهي حائرة ـ بأن الفقراء قد جاعوا كثيرا، وعطشوا كثيرا، ومرضوا كثيرا، بين يوم التنصيب الذي سلم عليهم فيه رئيسهم بالملعب الأولمبي، وبين ذكرى ذلك اليوم الذي حدثهم فيه بقصر المؤتمرات. فسلام على الفقراء يوم حَلُموا فانتخبوا، وسلام عليهم يوم صُدِموا فصبروا، وسلام عليهم يوم شقت الطرق عن أيمانهم وعن شمائلهم وهم جائعون.
وسلام على كل مواطن حائر فكر مرة في أن يناصر"رئيس الفقراء" مناصرة لم يناصر بها رئيسا من قبله، ولن يناصر بها رئيسا من بعده، وذلك دعما لبعض الإنجازات والقرارات الثورية، التي لم يكن يحلم بها. وسلام على ذلك المواطن الحائر، عندما فكر مرة أخرى ـ وبنفس الحماس ـ في أن يعارض" رئيس العمل الإسلامي" معارضة لم يعارض بها رئيسا من قبله، ولن يعارض بها رئيسا من بعده، بسبب الإخفاقات الكثيرة، وبسبب تلك القرارات المؤجلة التي لم تتخذ في عام الحيرة، رغم أنه كان من المفترض أن يتم اتخاذها منذ زمن بعيد.
فسلام على ذلك المواطن الحائر، حينما فكر في مناصرة الرئيس. وسلام عليه حينما فكر في معارضته. وسلام عليه حينما لم يفكر في أي شيء.
وسلام عليه عندما تابع "لقاء الشعب"، فازداد حيرة على حيرة. حيرة بسبب كثرة النقاط المضيئة في ذلك اللقاء، وحيرة بسبب كثرة النقاط المظلمة فيه، فحار واحتار ولم يستطع ـ في المحصلة النهائية ـ أن يتخذ موقفا حاسما من ذلك اللقاء، كما فشل قبل ذلك في أن يتخذ موقفا حاسما من مبتدع ذلك اللقاء.
ولكي نَحُدَّ ـ ولو قليلا ـ من تلك الحيرة، كان لابد من تحديد النقاط المضيئة والنقاط المظلمة في ذلك اللقاء:
أولا : النقاط المضيئة :
1 ـ فكرة اللقاء في حد ذاتها كانت فكرة جريئة وثورية، وقد شكلت سابقة من نوعها، عربيا وربما إفريقيا. لذلك فهي تستحق الإشادة رغم كل الشوائب والأخطاء التي صاحبتها.
2 ـ لقد أجاب الرئيس بشكل صريح على سؤال غير بريء من المراسلة الفرنسية المشاركة في الندوة الرئاسية، وذلك عندما قال بأن اللغة العربية هي اللغة الرسمية لهذا البلد. وأن اللغة الفرنسية مرحب بها، كاللغة الانجليزية، وهي مجرد لغة عالمية ولغة انفتاح، لا أقل ولا أكثر. و تعلمها يعتبر أمرا مهما دون أن يعطيها ذلك منزلة تميزها عن غيرها من اللغات العالمية.
3ـ لقد كانت إجابات الرئيس واضحة أيضا فيما يتعلق بالعملية العسكرية الأخيرة، وبالحرب على الإرهاب بصفة عامة حيث أكد على أهمية تحقيق الأمن في كل شبر من أرضنا، وهو ما قد يستدعي في بعض الأحيان تنفيذ عمليات استباقية.
والمهم هنا أن الحرب على الإرهاب، خاصة في شقها الخشن ( العسكري)، يجب أن تلتزم ببعض الأساسيات التي ذكرها الرئيس ـ دون ترتيب ـ أثناء أجوبته، وتلك الأساسيات يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
ـ بما أننا نرفض أن نخوض حربا بالوكالة، علينا كذلك أن نرفض ـ وبنفس القوة ـ أن تخاض لنا حرب بالوكالة. فجيشنا عليه أن ينفذ عمليات ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ للانتقام لجنوده وللرعايا الأجانب الذين اختطفوا على أرضه. وهذه العمليات يجب أن يقودها وينفذها الجيش بنفسه، دون أن يعني ذلك رفض أي معونة استخباراتية أو لوجستية من الغير، بما في ذلك فرنسا أو أمريكا.
ـ هذه الحرب ليست حربا مفتوحة ضد تنظيم القاعدة، وإنما هي حرب ضد قلة استباحت أرضنا، وقتلت مواطنينا. وكل عملية ينفذها جيشنا في هذا المجال يجب أن لا تتجاوز حدود توازن الرعب، و الدفاع المناسب عن النفس، وهي ـ بالتأكيد ـ ليست ضد من لم يستبح أرضنا حتى ولو أراق دماء بريئة في أمكنة أخرى.
ـ هذه الحرب يجب أن لا تشرع لقواعد أجنبية في البلد. ولقد أعلن الرئيس ـ صراحة ـ بأن موريتانيا خالية من أي قواعد عسكرية أجنبية، وأنه على استعداد للمشاركة في قافلة تجوب البلاد شرقا وغربا وشمالا وجنوبا بحثا عن تلك القواعد المزعومة.
لقد تم التشويش كثيرا على تلك العملية، من خلال بعض المقالات والتحليلات التي شككت في أهداف تلك العملية ، و بخست من دور الجيش الموريتاني فيها، والذي تأكد اليوم ـ ووفق مصادر عالمية متخصصة ـ بأنه كان هو المخطط والمنفذ الأول لتلك العملية التي أعادت للجيش وللبلد شيئا من الهيبة والكرامة والثقة في النفس المفقودة.
ثانيا : النقاط المظلمة:
1ـ لقد قال الرئيس بأنه لن يشرك المعارضة في السلطة، وله الحق في أن يقول ذلك. وقال بأن المعارضة يجب أن تظل معارضة كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية، وله الحق ـ أيضا ـ في أن يقول ذلك.
ولكن الشيء الذي لم يقله الرئيس، هو أن الأغلبيات الحاكمة في الدول الديمقراطية لا تحتكر إلا الوظائف السياسية لأنصارها. أما الوظائف الإدارية الأخرى فهي مفتوحة أمام الجميع، معارضة وأغلبية، بحسب الكفاءة والخبرة والاستقامة.
وما لم يقله ـ أيضا ـ الرئيس هو أن الديمقراطيات المحترمة لا تستخدم وسائل الدولة لإغراء أنصار المعارضة. ولا تستخدم سياسة الترغيب والترهيب، من أجل فرض هجرة قسرية من المعارضة إلى الأغلبية. كما يحدث في بلدنا، والذي لا تحتاج نخبه السياسية لجهد كبير في هذا المجال. فهي معروفة ب"خفة الوزن"، وبالقدرة والسرعة الفائقة على الترحال من منتجع سياسي إلى منتجع آخر، كثيرا ما يكون منتجع الحزب الحاكم.
2 ــ لم يوفق الرئيس في حديثه عن الحوار. ولم تكن هناك ضرورة ملحة للتذكير بأن اتفاق "دكار" ليس قرآنا ولا دستورا. كان على الرئيس أن يتحدث عن الحوار بنفس النبرة الإيجابية التي تحدث بها أثناء لقائه برئيس حزب عادل، وبرئيس منسقية المعارضة، وبزعيمها الدستوري، وبنفس النبرة التي تحدث بها وزيره الأول أثناء استجوابه. لقد كانت المعارضة في ورطة قبل " لقاء الشعب" فهي كانت مجبرة ـ قبل ذلك اللقاء ـ للذهاب إلى الحوار الذي لم تكن ترغب فيه أصلا. أما اليوم فقد أصبح لديها عذرها: الرئيس لا يرغب ـ بشكل جدي ـ في الحوار، بعد أن نكص عن اتفاق "دكار" الذي كان قد وافق عليه هو ووزيره الأول كأساس للحوار، حسب ما تسرب وقتها عن لقاءات الرئيس بزعماء المعارضة.
3 ـ لقد أجاب الرئيس بطريقة غريبة عن فصل السلطات، عندما قال بأنه لن يعارض في المستقبل أي تعديل دستوري في هذا المجال. ولقد فات الرئيس بأن في الدستور الحالي ما يكفي نظريا لفصل السلطات، ولكن المشكلة هي عدم تطبيق ما في الدستور.
4 ـ لقد كانت إجابة الرئيس على سؤال شاب من كيهيدي إجابة غريبة حقا. لقد طالب ذلك الشاب بمكتبة في كيهيدي، بعد أن أغلقت المكتبة التي كانت موجودة في المدينة، كما أغلقت كل المكتبات في الولايات الأخرى.
الرئيس قال بأنه قد تم إهدار المليارات في مكتبات لم يكن يزرها زائر، وفي كتب لا يقرأها أحد. والسؤال الحائر الذي أضيفه لأرشيف الأسئلة الحائرة التي لم يجب ولن يجيب عليها الرئيس: أين هو الآن من بدد كل تلك المليارات في كتب الطبخ والحلاقة، يوم كان وزيرا للداخلية ؟؟؟ ذلك سؤال كان من المفترض أن يطرحه أحد الصحافيين المشاركين في اللقاء، بعد تلك الإجابة الرئاسية الغريبة.
5 ـ لقد تجاهل الرئيس سؤالا من مدينة لعيون ومن حي العرقوب تحديدا الذي زاره الرئيس قبل ذلك بيومين، ودشن فيه طريقا كان يراد له أن يفك العزلة فزاد من عزلة ذلك الحي بعد أن انحرف عن مساره الأصلي. وذلك بقرار من وزير خفي للتجهيز، يبدو أنه أكثر نفوذا من وزير التجهيز العلني، ومن السلطات الجهوية، ومن نواب الولاية الذين أكدوا جميعا بأن الطريق لن ينحرف عن مساره الطبيعي.
كانت الحجة التي استخدمها "الوزير الخفي للتجهيز" لتبرير حرمان سكان حي العرقوب من الطريق الذي انحرف غربا عن الكثافة السكانية للحي ، بأنه انحرف للمرور ببعض المرافق العمومية، والتي أهمها سوق صغير تم تشييده دون دراسة في مكان خال من السكان وقد تعرضت نوافذه وأبوابه للسرقة أكثر من مرة.
هذا السوق الذي تم استلامه من طرف البلدية منذ 2003 لم يفتح إلا في يوم واحد وهو يوم 02 أغسطس 2010 لساعات محدودة، أي يوم زيارة الرئيس للمدينة. ولقد أغلق السوق أبوابه من جديد، وإلى أجل غير مسمى، بعد أن أدى دوره، وتم استخدامه لتبرير انحراف طريق عن مسارها في بلد انحرف فيه كل شيء عن مساره الطبيعي.
المهم أن انحراف هذا الطريق حرم مرفقا عموميا آخر أكثر أهمية من أن يمر به الطريق، وهو المركز الصحي للعرقوب، والذي كان موضوع سؤال لأحد سكان الحي ممن استغرب مواصلة السلطات الجهوية والصحية لإغلاق هذا المركز الصحي الهام.
لم يكشف الرئيس عن السر وراء إغلاق ذلك المركز الصحي، بل أنه اختار ـ بدلا من أن يجيب ذلك المواطن البسيط الحائرـ أن يتحدث عن الصحة في "أطار" والتي لم تكن هي موضوع السؤال.
المحير في الأمر كله أن الرئيس الذي ابتدع " لقاء الشعب"، يوم الأربعاء الرابع من أغسطس للاستماع لهموم المواطنين. هو نفسه الرئيس الذي رفض يوم الاثنين الثاني من أغسطس أن يستمع لشكاوي المواطنين في حي العرقوب، الذين خرجوا عن بكرة آبائهم وأجدادهم وأعمامهم لاستقباله في ظهيرة يوم غائظ.
فلماذا لم يستمع الرئيس لشكاوي سكان العرقوب إذا كان يسعى فعلا لسماع هموم المواطنين؟ وهل كان " لقاء الشعب" مجرد لقطة دعائية و إعلانية، أم كان يهدف حقا للاستماع لهموم المواطنين؟؟ ولماذا سُمِح بحضور من تتبخر دائما مشاكله وتتحول إلى نعم كلما أتيحت له فرصة الظهور في التلفزيون؟ ولماذا جيء بالغارقين ـ نظريا ـ في نعم التصحيح ( اللهم لا حسد)، والذين لم تكن لديهم مشاكل يطرحونها في لقاء المصارحة والمكاشفة؟؟؟؟؟
تصبحون وأنتم أقل حيرة...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق