من المعلوم بداهة بأن المعارضة الموريتانية تتحمل
هي الأخرى جزءا من المسؤولية فيما عرفته بلادنا في العقد الأخير من ضياع لفرص
التغيير، وحتى لا تتكرر الأخطاء، ولكي نستفيد من أخطاء الماضي فإنه على المنتدى
الوطني للديمقراطية والوحدة، والذي يعتبر أكبر تكتل سياسي معارض، أن يحتاط ومن
الآن إلى جملة من المخاطر والتحديات المحتملة، فتجاهل تلك المخاطر والتحديات قد تؤدي به إلى التفكك في لحظة سياسية حاسمة وقادمة
لا محالة، هذا إن لم يتم الاحتياط ـ ومن الآن ـ لتلك اللحظة القادمة. إن الفترة
الزمنية الممتدة من العام 2017 إلى العام 2019 لن تكون فترة سهلة، وهي في مجملها
ستكون فترة حاسمة وحرجة، وهي إما أن تكون بداية لتغيير حقيقي، أو أن تكون لا قدر
الله مرحلة لإلتهام ما تبقى من بقايا أمل في إمكانية حصول تغيير حقيقي في هذه
البلاد المتعطشة إلى التغيير.
إن الأخطاء السياسية كغيرها من الأخطاء تعظم
وتصغر حسب الزمان والمكان، ولذلك فعلى المعارضة الموريتانية أن تتجنب ارتكاب
الأخطاء في السنتين القادمتين، وعليها أن تدرك بأن الجمهور المعارض إذا كان قد غفر
لقادة المعارضة ولرموزها أخطاء الماضي، وذلك على الرغم من الكلفة الباهظة لتلك
الأخطاء، فإن هذا الجمهور لن يكون بإمكانه أن يغفر أخطاء المستقبل، وعلى من سيرتكب
تلك الأخطاء أن يعلم بأنه سيدفع ثمن تلك الأخطاء، سيدفعه كاملا غير منقوص.
إن من أخطاء المعارضة التي تكررت في السنوات الماضية، هو أن هذه
المعارضة كانت تصر دائما على تشكيل تكتلات سياسية هشة ظلت تحافظ على نوع من
الانسجام والتماسك الخادع في الظروف السياسية العادية، ولكن تلك التكتلات سرعان ما
تتفكك عند حدوث أول اختبار جدي، وفي لحظات سياسية حرجة، وكأمثلة على تلك الحالات فإنه يمكننا أن نذكر:
1 ـ تفكك الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية،
وجاء تفككها بعد الإعلان عن موعد لتنظيم انتخابات رئاسية، وكانت البداية بإعلان
حزب "تواصل" عن مشاركته في تلك الانتخابات بمرشح منفرد. يمكننا أن نسجل
هنا بأن هذه الحالة قد تتكرر في المستقبل، إن لم يتم الاحتياط لها من الآن، ذلك أن
الفترة القادمة ستشهد انتخابات رئاسية في العام 2019، وربما تكون هناك ضرورة ملحة للاتفاق
على مرشح موحد للمعارضة الموريتانية.
2 ـ تفكك منسقية المعارضة وذلك بسبب مشاركة حزب "تواصل"
في الانتخابات التشريعية التي تم تنظيمها في العام 2013، في حين قاطعت بقية أحزاب
المنسقية تلك الانتخابات. يمكننا أن نسجل هنا بأن هذه الحالة قد تتكرر في الفترة
القادمة، فهذه الفترة ستشهد انتخابات تشريعية وبلدية في العام 2017 أو في العام
2018، أو على أبعد تقدير في العام 2019.
3 ـ تفكك جزئي شهده المنتدى الوطني للديمقراطية
والوحدة بسبب انسحاب حزبي "التكتل" و"إيناد" قبيل آخر لقاء تم
تنظيمه بين رئيس المنتدى السابق والوزير الأمين العام للرئاسة. هنا كان سبب التفكك
الجزئي هو ملف الحوار، ويمكننا أن نسجل بأن هذه الحالة قد تتكرر في الفترة القادمة،
فليس من المستبعد أن تدعو السلطة إلى حوار جديد، بعد فشل حوارها السابق، وليس من
المستبعد أن تختلف الآراء حول الاستجابة لتلك الدعوة.
وبالنظر إلى هذه الأمثلة الثلاثة من حالات التفكك
فسنجد بأن تفكك الكتل المعارضة في موريتانيا في الفترات السابقة كان إما بسبب
الموقف من الانتخابات الرئاسية كما حدث مع الجبهة الوطنية للدفاع عن الديمقراطية،
وإما بسبب الموقف من الانتخابات التشريعية والبلدية كما حدث مع المنسقية، وإما
بسبب الموقف من الحوار كما حدث مع المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة. هذه
الأسباب الثلاثة للتفكك سيواجهها المنتدى منفردة أو مجتمعة في الفترة القادمة، ولذلك
فإنه على المنتدى أن يعد العدة وأن يحتاط من الآن لمواجهة عوامل التفكك هذه، والتي
لابد وأنها ستعترض طريقه ـ منفردة أو مجتمعة ـ في الفترة القادمة.
في كل حالات التفكك هذه كان التكتلات المعارضة
تفشل في اتخاذ قرار توافقي، وكان ذلك الفشل يؤدي إلى انسحاب الأقلية، وكانت
الأقلية تنسحب وهي ترفع حجة مقنعة في ظاهرها تقول بأن القرارات في هذه التكتلات لا
يمكن أن تأخذ إلا بالإجماع، وبما أن الإجماع قد تعذر، فإنه يبقى لها الحق في اتخاذ
القرار الذي تراه مناسبا.
إن آلية اتخاذ القرار يجب أن تتم مراجعتها، ويجب
أن لا تظل معلقة بالإجماع والتوافق، ففي الحالات التي لا يحصل فيها إجماع ولا
توافق على قرار معين، فإنه يكون من اللازم اللجوء إلى آلية للحسم تخضع فيها
الأقلية لموقف الأغلبية، فذلك هو ما تمليه الديمقراطية، وذلك هو ما تفرضه هذه
المرحلة السياسية الحرجة من تاريخ بلادنا.
فبالإضافة إلى أن هذه الآلية تفرضها أهمية
المرحلة القادمة، فإن هناك أسبابا أخرى تستوجب اعتمادها داخل هيئات المنتدى في
حالة تعذر حصول توافق وإجماع، ومن بين تلك الأسباب يمكننا أن نذكر:
1 ـ إن عدم استحداث هذه الآلية قد يؤدي في بعض
الأحيان إلى أن تخضع الأغلبية لدكتاتورية الأقلية، ولتوضيح ذلك، دعونا نفترض بأن
الحكومة تقدمت بدعوة جديدة للحوار، ودعونا نفترض بأن كل الأحزاب المنخرطة في
المنتدى قد قبلت بتلك الدعوة، وبأن هناك حزبا واحدا رفض تلك الدعوة، ولم تفلح كل النقاشات
والمشاورات في ثنيه عن موقفه الرافض. إن الذي سيحصل، ووفق الآليات المتاحة حاليا لاتخاذ
القرار داخل المنتدى، هو أن المنتدى سيرفض تلك الدعوة، وذلك لأنه لم يحصل إجماع في داخله على قبولها. هنا ستكون الأقلية في المنتدى
قد فرضت رأيها على الأغلبية، وما رست بالتالي دكتاتورية على الأغلبية. إن عدم
الاستجابة لتلك الدعوة هو في النهاية قرار سياسي،
وهو قرار سيتخذ حتما في حالة عدم اتخاذ قرار بقبول الدعوة، وهنا يكون
المنتدى قد اتخذ قرار الأقلية بمقاطعة الحوار ورفض بالتالي اتخاذ قرار الأغلبية
بالمشاركة فيه، وهو ما سيعني بأن الهروب من "دكتاتورية" الأغلبية سيؤدي حتما
إلى التفكك أو إلى الخضوع إلى دكتاتورية الأقلية.
2 ـ إن
اتخاذ قرار بالمشاركة في أي حوار أو
مقاطعة ذلك الحوار، وإن اتخاذ قرار آخر بالمشاركة في أي انتخابات أو مقاطعتها، إن
كل هذه القرارات ستبقى مجرد اجتهادات سياسية تحتمل الصواب والخطأ. ومهما يكن
القرار الذي سيتخذ في هذه الحالات فإنه سيكون صائبا إن أجمعت كل مكونات المنتدى
على تنفيذه، وسيكون خاطئا إن لم يحصل الإجماع على تنفيذه. بمعنى أنه عندما يقاطع
المنتدى بكامله أي حوار أو أي انتخابات قادمة فإن تلك المقاطعة ستكون إيجابية،
لأنها ستسحب المصداقية من ذلك الحوار وستربك تلك الانتخابات، وعندما يشارك المنتدى
بكامله في أي حوار قادم أو في أي انتخابات قادمة فإن تلك المشاركة ستكون أيضا
إيجابية، وذلك لأنها ستمكنه من أن يقطف للمعارضة أكبر الثمار من تلك المشاركة. إن
الخطأ سيحدث عندما تشارك بعض المكونات في حوار أو في انتخابات قادمة وتقاطع مكونات أخرى ذلك الحوار أو تلك
الانتخابات، فالذي سيحصل وقتها هو أن من شارك لن يحقق نتائج تذكر، ومن قاطع لن
يستطيع أن يسحب المصداقية بمقاطعته، ولا أن يربك العملية الانتخابية بتلك
المقاطعة. ومن هنا تبرز أهمية الإجماع عند تنفيذ القرار سواء تعلق ذلك القرار
بالمقاطعة أو بالمشاركة، ومن هنا تبرز أيضا أهمية وجود آلية لاتخاذ القرار الذي
يفرض على الجميع الانصياع له في حالة عدم حصول إجماع على قرار معين.
3 ـ إنه على الأحزاب السياسية أن تعلم بأن أهمية
المرحلة القادمة تستوجب أن تتنازل تلك
الأحزاب عن جزء يسير من سيادتها لصالح المنتدى ككيان سياسي جامع. إن القرار
بالمشاركة في أي حوار أو في أي انتخابات قادمة يجب أن تتركه هيئات الأحزاب
السياسية المكونة للمنتدى، أن تتركه للمنتدى كهيئة جامعة، وإلا فما معنى وجود هذا
التكتل السياسي إذا ظل غير قادر على اتخاذ أي قرار لم توافق عليه مسبقا كل الأحزاب
المشكلة له. إن من حق القطب السياسي في المنتدى أن ينفرد باتخاذ القرار السياسي،
وعلى بقية الأقطاب الأخرى أن تدعم القرارات السياسية التي يتخذها ذلك القطب، ولكن
يجب أن تكون هناك آلية لحسم القرارات داخل القطب السياسي في حالة عدم حصول الإجماع.
إن شرط الإجماع هو شرط معيق، ولذلك فإنه لا
توجد اليوم منظمة أكثر فشلا من الجامعة العربية وذلك لأن القرارات لديها تتطلب
الإجماع، في حين أن المنظمات الأكثر نجاحا كالاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي
والكثير من المنظمات الإقليمية والدولية الأخرى قد تجاوزت شرط الإجماع كآلية وحيدة
لاتخاذ القرارات.
ختاما
على المنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أن
يستفيد من أخطاء المعارضة في الماضي، وعليه أن يقوم الآن بإصلاحات جوهرية لكسب ثقة
الجمهور المعارض وللاستعداد بشكل جيد للمرحة القادمة، ومن بين تلك الإصلاحات
المطلوبة إحداث تغييرات في الهيكلة وفي آلية اتخاذ القرارات.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق