قد لا يلقى هذا المقترح حظا أفضل من المقترحات التي سبقته، ولكن ذلك لن يمنعني من مواصلة تقديم هذه المقترحات، فمن يدري، فربما يجد أحدها اهتماما من طرف الجهة التي وُجِّهَ إليها.
مقترحي إلى معالي وزيرة التربية وإصلاح النظام التعليمي يدخل في إطار الجهود التي نقوم بها في "منتدى 24 ـ 29" للتوعية حول مخاطر الفساد، وهي جهود ترمي في مجملها إلى خلق بيئة مجتمعية معادية ومناهضة للفساد، وبالمناسبة فإن خلق تلك البيئة يشكل الهدف الثاني من أهداف الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد والرشوة في موريتانيا، ومن المؤسف جدا أن هذه الاستراتيجية التي أطلقت في العام 2010، وجددت بعد ذلك، لم تُفَعَّل حتى اليوم، ولم يطلع عليها إلا عدد قليل جدا من الموريتانيين، بل أكثر من ذلك، فإن بعض الموظفين الكبار في وزارة الاقتصاد، وهي الوزارة المعنية بتنفيذ هذه الاستراتيجية ليسوا على اطلاع بمحتواها!!
يتعلق هذا المقترح بتخصيص أول درس في الافتتاح الدراسي في هذا العام لمخاطر الفساد، ويمكن في هذا الإطار أن يُعدَّ درسٌ نموذجي بمستويين (ابتدائي وثانوي) يتم تقديمه في السابع من أكتوبر من العام 2024 في عموم المدارس الابتدائية والمؤسسات الثانوية على أراضي الجمهورية الإسلامية الموريتانية.
يُعَدُّ الفساد من القضايا الشائكة التي يُجمع الموريتانيون على خطورتها، فالمعارضة الحزبية في بلادنا، ومنذ تأسيسها في بداية التسعينيات من القرن الماضي، جعلت من المطالبة بمحاربة الفساد أولوية من أولوياتها النضالية، وهي ما تزال وحتى اليوم تضعها على رأس مطالبها، والمواطن الموريتاني أينما كان يتضرر بشكل مباشر أو غير مباشر من تفشي الفساد في بلادنا.
والأغلبية الداعمة للرئيس يُفترض فيها أنها تضع محاربة الفساد على رأس أولوياتها، وذلك بعد أن جعل فخامة رئيس الجمهورية من محاربة الفساد مرتكزا أساسيا في برنامجه الانتخابي( طموحي للوطن)، وهو البرنامج الذي نال بموجبه أكثر من 56% من أصوات الشعب الموريتاني.
وحتى إن اقتصرنا على خطاب فخامة الرئيس في يوم التنصيب، فسنجد أن ما جاء في هذا الخطاب من مفردات يكفي لوحده لتقديم درس متكامل حول خطورة الفساد.
لقد صنف الرئيس في خطاب التنصيب الحرب على الفساد بأنها "حرب مصيرية"، ومن المعروف أن الحرب عندما تصنف في بلد ما بأنها حرب مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك البلد أصبح مرتبطا بنتائج تلك الحرب.
ويقول الرئيس في نفس الخطاب :" فلا تنمية، ولا عدل، ولا إنصاف مع الفساد، ومن ثم فلا تسامح معه مطلقا." وتعني هذه الفقرة من الخطاب بأن جهودنا في التنمية وإقامة دولة العدل والإنصاف ستبقى جهودا ضائعة، وعديمة الفائدة، إذا لم نحارب الفساد.
ويقول في فقرة أخرى من الخطاب نفسه بأن الحرب على الفساد هي حرب الجميع، وأنه لا سبيل للنصر فيها إلا بتضافر جهود الجميع، ومن المؤكد أن المدرسة وطواقم التدريس، وآباء التلاميذ، وكل من له صلة بالعملية التربوية، يدخل ضمن دائرة هذا "الجميع" الذي تحدث عنه الرئيس، والذي يعتبر الحرب على الفساد حربه، وهي الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها بشكل حاسم ـ حسب ما جاء في خطاب الرئيس ـ إلا بمشاركة هذا "الجميع".
إن أي درس تعليمي حول خطورة الفساد يتم تحضيره على أساس هذه المرتكزات الثلاثة التي جاءت في خطاب التنصيب سيكون درسا عميقا، فيكفي أن نقول في هذا الدرس أن الحرب على الفساد هي حرب مصيرية للبلد، وأنه لا تنمية ولا عدل في بلادنا من دون محاربة الفساد، وأنه لا بد من مشاركة الجميع لكسب هذه الحرب، فنحن عندما نقول ذلك لأبنائنا التلاميذ في المدارس الابتدائية والثانوية نكون قد قلنا لهم أهم ما يمكن أن يُقال حول مخاطر الفساد وضرورة محاربته.
لا تخفى أهمية تربية التلاميذ على مخاطر الفساد، فإذا كنا قد خسرنا الآباء في موريتانيا، والذين أصبحوا يمجدون الفساد والمفسدين، وينظرون إلى المفسد المعلوم الفساد بنظرات التقدير والاحترام، فإذا كنا قد خسرنا الآباء فعلينا أن لا نخسر الأبناء، وعلينا أن نبذل كل الجهود الممكنة لتنشئتهم على أن ممارسة الفساد تعدُّ من أرذل الأفعال وأقبحها وأسوئها، وأنها من أشد الجرائم حرمة في الشرع والقانون.
لا أريد أن أختم هذا المقال المقترح من قبل أن أقول بأني لا اتفق مع الذين يقولون بأننا في هذه البلاد قد خسرنا نهائيا الكبار في مجال التوعية حول خطورة الفساد، فأنا من الذين يؤمنون بأن مجتمعنا هو مجتمع سهل الانقياد إلى ما هو صالح وإلى ما هو فاسد، وهناك أمثلة على ذلك لا يتسع المقام لبسطها، فمجتمعنا عندما يظهر له أن هناك إرادة قوية وصارمة على أعلى مستوى لمحاربة الفساد والمفسدين، فإنه سيتحول تلقائيا ـ عن قناعة أو تماشيا مع الإرادة السياسية الصارمة ـ إلى مجتمع مناهض للفساد.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق