أمنيات مشاكسة..!!
لقد قررت في صبيحة هذا اليوم أن أتخذ قرارا شجاعا وجريئا..
حقا إنه لقرار جريء وشجاع..
أتدرون ما هو هذا القرار الشجاع
والجريء؟
لقد قررت بمحض إرادتي، ودون إكراه من
أي جهة خارجية، أن أذهب إلى قلب العاصمة مع العلم بأن لا أملك زورقا، ولم أتدرب من
قبل على السباحة.
أثناء اتخاذ هذا القرار الشجاع
والجريء تمنيتُ لو أن الحكومة بدورها اتخذت مثلي قرارات شجاعة وجريئة ما دامت
عاجزة تماما عن إنشاء شبكة للصرف الصحي بالعاصمة.
أتدرون ما هي القرارات الشجاعة
والجريئة التي تمنيتُ لو أن الحكومة اتخذتها في مثل هذه الأيام؟
تمنيت لو أن الحكومة قررت أن تؤسس ـ
وعلى وجه الاستعجال ـ معهدا لتدريب المواطنين القاطنين في العاصمة على السباحة
وعلى عبور البرك والمستنقعات.
وتمنيتُ أيضا لو أن الحكومة استوردت
عشرات الزوارق من جمهورية إيران، وأنها أسست بتلك الزوارق "الشركة العامة
للنقل البحري بين ولايات ومقاطعات العاصمة".
وتمنيت لو أن الرئاسة أعلنت عن مرسوم
يقضي بإنشاء وزارة خاصة بالصيد والسباحة في المياه العكرة.
وتمنيتُ لو أن وزارة السباحة في المياه العكرة، أو وزارة
السياحة إذا شئتم، قررت أن تستفيد من خصوصية عاصمتنا الفريدة من نوعها، فهي ربما
تكون العاصمة الوحيدة في هذا العالم التي لا تمتلك شبكة للصرف الصحي، فلماذا لا
نستفيد سياحيا من هذا التميز ومن هذه الخصوصية؟ ولماذا لا نقوم بدعاية كبرى
لعاصمتنا الفريدة من نوعها فيأتينا كل من أراد أن يتعرف ميدانيا على عاصمة بلا صرف
صحي في العام 2015.
ومن بعد الاعتذار
للشاعر الفرزدق ، ولكل الشعراء، فإني أقترح أن يكون شعار تلك الحملة هو:
هذه عاصمتي فجئني بمثلها.............. إذا جمعتنا يا جرير العواصم.
لم تتوقف أمنياتي المشاكسة عند هذا الحد، بل إني تمنيت لو أن
الرئيس اتخذ قرارا شجاعا وجريئا يقضي بتحويل مقر وزارة المياه والصرف الصحي إلى
إحدى البرك بمقاطعة السبخة، وإلى تحويل سكن الوزير إلى حي "سوكوجيم"،
وأن يفرض على الوزير أن يقطع المسافة بين سكنه ومكتبه، ذهابا وإيابا، دون استخدام
أي وسيلة من وسائل النقل البحري.
وتبقى أمنية أخيرة لعلها من أكثر
أمنياتي مشاكسة. لقد تمنيت أن يقرر عشرة مواطنين على الأقل تنظيم مسيرة بالسطل في
اتجاه القصر الرئاسي، فيأتي كل واحد منهم بسطل مملوء بماء متعفن من إحدى البرك في
حيه، ويفرغ ما في ذلك السطل من ماء متعفن أمام القصر الرئاسي كتعبير رمزي عن
استيائه من العيش في العام 2015 في عاصمة بلا صرف صحي.
ألا يستحق علينا الرئيس ذلك، وهو
الذي قضى ـ وحتى الآن ـ سبع سنوات كاملة يحكم فيها البلاد ويدير فيها شؤون العباد،
ومع ذلك فلم ينشئ أي شبكة للصرف الصحي، بل على العكس من ذلك فقد ألغى اتفاقية مع
شركة صينية كان من المفترض بها أن تكمل شبكة للصرف الصحي في مقاطعات (تفرغ زينه،
لكصر، الميناء والسبخه ) من قبل العام 2013، وذلك بحجة أن كلفة
المشروع كانت كبيرة، وكأن غياب شبكة للصرف الصحي، وكأن إقامة أي نوع من البنى
التحتية من قبل إقامة شبكة للصرف الصحي لن يتسبب في خسائر كبيرة للدولة
الموريتانية.
للرئيس الحق ـ كل الحق ـ في أن يلغي تلك الاتفاقية، وله الحق في أن يظل
يتجاهل مشكلة الصرف الصحي، وله الحق في أن يستفزنا بأن يذكرنا بالغدو والآصال بأنه
يمتلك فائضا كبيرا من الأموال، دون أن يخصص جزءا من ذلك الفائض لإنشاء شبكة للصرف الصحي
في عاصمتنا الفريدة من نوعها، والتي ربما تكون هي العاصمة الوحيدة في العالم التي
لا توجد بها شبكة للصرف الصحي في العام 2015.
إن من حقه أن يفعل ذلك، فنحن لا نستحق غير هذه العاصمة الفريدة
من نوعها، وهذه العاصمة لا تستحق غيرنا.
إن هذه العاصمة المليئة بالمستنقعات والبرك والقمامة والبعوض
والتي يتكرر فيها انقطاع الكهرباء لساعات طويلة لا تستحق أن يسكنها من البشر غيرنا،
و نحن بدورنا لا نستحق غير هذه العاصمة بالذات.
أذكر بأنه في خريف 2013 أطلقت مجموعة من النشطاء حملة فيسبوكية
كبرى للدعوة للاحتجاج أمام القصر الرئاسي ضد غياب الصرف الصحي، وفي اليوم الموعود
حضر ثلاثة محتجين وكنتُ أنا رابعهم. وأذكر أيضا بأنه تم إطلاق حملة في الأسابيع
الماضية للاحتجاج ضد القمامة، وتم الاتفاق على أن يأتي كل محتج بكيس من القمامة
ليرميه أمام مبنى المجموعة الحضرية كتعبير عن استيائه من انتشار القمامة في العاصمة. وفي
اليوم الموعود حضر ثلاثة أشخاص فقط، وكنتُ أنا ـ وللأسف الشديد ـ من بين الذين
وعدوا بالحضور، ولكنهم في النهاية لم يحضروا.
تنبيه : هذا المقال
كنتُ قد نشرته منذ ثلاث سنوات، وتعودت أن أعيد نشره مع كل موسم خريف، مع تعديلات بسيطة، وربما أعيد
نشره في خريف العام 2020 إن قدر لي أن أعيش حتى ذلك الوقت، فمن المؤكد، إن ظل
الحال على حاله، بأن العاصمة نواكشوط في خريف 2020 لن تختلف عن العاصمة نواكشوط في
خريف 2015، ستبقى العاصمة كما كانت دائما : عاصمة المستنقعات والبرك والقمامة والبعوض
والظلام ..
حفظ الله موريتانيا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق