الخميس، 16 يناير 2025

الحرائق في أمريكا والدقة في اختيار ساحة المعركة!

تحدثت في مقالي السابق، والذي كان تحت عنوان : " كيف خططت الحرائق لحربها المشتعلة في أمريكا؟"
عن دقة الحرائق في اختيار التوقيت الأمثل، والمكان الأنسب، لحربها المشتعلة حاليا في أمريكا.

وفي هذه السطور المكملة سأعود بتفصيل أكثر إلى دقة الحرائق في اختيارها للمكان الأنسب ليكون ساحةً لحربها في أمريكا، فاختيار ولاية كاليفورنيا بالذات، ومدينة لوس انجلوس بشكل خاص، زاد من حجم خسائر الحرائق بشكل رهيب وفظيع، فولاية كاليفورنيا هي الولاية الوحيدة في أمريكا، بل وفي العالم كله، التي يعيش فيها 1000000(مليون) مليونيرا، و186 مليارديرا، وإذا ما افترضنا أن هذه الولاية انفصلت عن أمريكا، وشكلت دولة لوحدها،  فإنها اقتصاديا ستصبح الدولة  الخامسة عالميا، وفي هذه الولاية يوجد وادي السيليكون، والذي يعتبر المركز العالمي للتكنولوجيا والابتكار، وذلك لاحتضانه  كبريات شركات التكنولوجيا الرقمية في العالم : آبل، كوكل، ميتا (فيسبوك)، نتفليكس، ميكروسوفت....إلخ، وتوجد بها كذلك هوليوود والتي تعدُّ امبراطورية صناعة السينما في العالم.

ولمعرفة دقة الحرائق في اختيار ساحة معركتها، فيكفينا أن نعلم أن عداد الخسائر وصل في أيام معدودة إلى أرقام فلكية لا يمكن تخيلها، فحسب آخر التقديرات فإن الخسائر التي تسببت فيها الحرائق وصلت إلى 275 مليار دولار خلال 10 أيام فقط، ومع ذلك فعداد الخسائر ما زال يشتغل، وقد يزيد تسارعه مع الزيادة المتوقعة في سرعة الرياح.

يعني هذا الرقم الضخم، بلغة المتوسطات الإحصائية، أن كلفة الحرائق في أمريكا تصل في اليوم الواحد إلى  27.5 مليار دولار، وهذا الرقم ـ ولكي تدركون حجمه ـ يساوي قيمة مجموع  الدعم العسكري والاقتصادي الذي قدمته أمريكا للعدو الصهيوني  في حرب الإبادة التي خاضها في غزة خلال الخمسة عشر شهرا الماضية، فمجموع ذلك الدعم  يقدر ب28 مليار دولار، ويعني أيضا أن الحرائق كانت تكبد أمريكا في كل ساعة من الأيام العشرة الماضية 1.14 مليار دولار، وتكبدها في الدقيقة الواحدة 19 مليون دولار.

وبمقارنة أخرى، ودائما لتبيان ضخامة هذا المبلغ، فلكم أن تعلموا أن حجم خسائر الحرائق خلال ثلاثة أيام فقط، وبالاعتماد على المتوسط اليومي، و صل إلى  82.5 مليار دولار، أي أنه زاد ب 15.5 مليار دولار على مجموع ما تكَلَّفهُ العدو الصهيوني خلال 15 شهرا من  حرب الإبادة في غزة،  فكلفة حرب الإبادة تقدر ب 67 مليار دولار.

والآن، هل أدركتم حجم الخسائر الضخمة التي تتكبدها أمريكا بسبب حرب الحرائق المشتعلة في ولاية كاليفورنيا؟
"المصيبة الأكبر" أن هذه الخسائر الضخمة تكبدتها أمريكا أياما قليلة قبيل تنصيب الرئيس ترامب، والذي يعني له المال الشيء الكثير والكثير جدا، وربما كان يتمنى أن تكون  خسائر الحرائق  في الأنفس لا في الأموال، أي أن يموت عدد كبير من الأمريكيين بدلا من خسارة 275 مليار دولار في 10 أيام فقط.

وإذا ما ابتعدنا قليلا عن المال، فيمكن القول بأن حرائق كاليفورنيا قد استهدفت ثلاث جهات يمكن تصنيفها على أنها هي الجهات الأمريكية الأكثر مناصرة للعدو الصهيوني، والأشد عداءً لفلسطين، وهذه الجهات الثلاث هي:

1 ـ هوليود، والتي زيفت الحقائق في أفلامها، فجعلت المجرم الصهيوني بريئا وصاحب مظلمة وقضية عادلة، وجعلت الضحية الفلسطيني مجرما وإرهابيا لا يستحق إلا القتل والتهجير من أرضه؛

2 ـ كبريات شركات التكنولوجيا الرقمية، وهي داعمة للعدو، وعلى رأس تلك الشركات شركة الفيسبوك التي تحاصر المحتوى المناصر لفلسطين وتحظره بكل وقاحة؛

3 ـ رجال الأعمال بغض النظار عن مجال أنشطتهم، فغالبية رجال الأعمال في أمريكا يتبرعون للعدو الصهيوني بمبالغ مالية ضخمة، وبسخاء كبير.

هكذا يتضح أن الحرائق قد استهدفت الاقتصاد الأمريكي، كما استهدفت كذلك أهم داعمي العدو الصهيوني في أمريكا، فهل يمكن أن يكون كل ذلك صدفة؟

جوابي على هذا السؤال تجدونه في المقال السابق، والذي ستجدون رابطه في خاتمة هذا المقال.

لقد قلتُ في هذا المقال إن هناك بالفعل احتمالا لأن يقرأ  ترامب رسائل الحرائق الموجهة إليه، ولكني قلتُ أن ذلك الاحتمال سيبقى ضعيفا، واليوم أقول بأن هذا الاحتمال لن يكون بذلك الضعف الذي تحدثتُ عنه في المقال السابق، فمن الصعب جدا أن يقبل ترامب أن يتحمل في وقت واحد خسائر الحرائق الضخمة وكلفة دعم إسرائيل في حروبها الوحشية، ولذا فقد أجبر حكومة العدو على التوقيع على اتفاق إطلاق النار، وهو الشيء الذي فشل فيه سلفه غير الصالح، والذي كان يتسول لنتنياهو، بينما أعطى ترامب أوامره الصارمة لنتياهو بتوقيع الاتفاق، مع أن الاتفاق لم يتغير كثيرا في الحالتين، حسب المتداول إعلاميا.

كل شيء يمكن أن نتوقعه من ترامب خلال فترة رئاسته القادمة، وهذا هو أحسن ما فيه، وهو أيضا أسوأ ما فيه، فمن يدري، فربما تغلب على ترامب عقلية التاجر الذي لا يفكر إلا في المال فقط، فيطلب من حكومة العدو أن تدفع له فاتورة حماية أمريكا لها، وإن لم تدفع، فيهددها بوقف دعمها عسكريا ودبلوماسيا.

لا شيء يمكن أن نستغربه في فترة رئاسة ترامب القادمة، فالرئيس ترامب  الذي هدد دولا صديقة بضمها إلى أمريكا، يمكنه ـ وبكل بساطة ـ أن يهدد دولة أخرى بوقف دعمها العسكري والاقتصادي ـ وربما الدبلوماسي ـ  إذا لم تسدد فاتورة ذلك الدعم كاملة غير منقوصة.

حفظ الله بلاد العرب والمسلمين..

لمطالعة المقال السابق اضغط على الرابط التالي:

كيف خططت الحرائق لحربها المشتعلة في أمريكا؟


الثلاثاء، 14 يناير 2025

كيف خططت الحرائق لحربها المشتعلة في أمريكا؟


أظهرت الأيام الماضية أن أمريكا بكل قوتها وجبروتها غير قادرة حتى الآن على حسم حرب الحرائق لصالحها، فلم تستطع خلال أسبوع كامل أن توقف اشتعال تلك الحرائق وتمددها في ولاية كاليفورنيا، بل على العكس من ذلك، فقد أظهرت عجزا بينا في مواجهتها، واللافت في الأمر أن هذه الحرائق قد اختارت ـ وبمنتهى الذكاء ـ التوقيت الأكثر إحراجا لإعلان حربها على أمريكا، واختارت كذلك المكان الأكثر استفزازا لتجعل منه منطلقا وساحة لحربها.

فعلى مستوى التوقيت فقد اختارت الحرائق الساعة صفر الأمثل، فبدأت في الاشتعال في فترة "رخوة سلطويا"، انتهى فيها تقريبا حكم الرئيس السابق، ولم يبدأ فيها عمليا حكم الرئيس الجديد، ليس هذا فقط، بل إنها إضافة إلى ذلك فقد اختارت اللحظة الأكثر إحراجا للرئيس القادم (ترامب)، فردت على تهديده الذي وعد فيه بجحيم في الشرق الأوسط، بشكل سريع وقوي، فما كاد ترامب المتغطرس ينهي تهديده ذاك، حتى اشتعلت الحرائق في لوس انجلوس، وكأنها أرادت أن تقوله له : يا هذا عليك أولا أن تطفئ الحرائق التي اشتعلت في بلدك من قبل أن تهدد بإشعال الحرائق في الشرق الأوسط.

لم تتوقف دقة اختيار التوقيت عند هذا الحد، فعلى مستوى المناخ، اختارت الحرائق أن تشتعل في التوقيت "الأمثل مناخيا"، أي بعد أن طال توقف الأمطار، واشتد الجفاف، وتعاظم هبوب الرياح الحارة، وزادت سرعتها.

فهل كان اختيار الحرائق لهذا التوقيت بالذات لإشعال حربها في أمريكا مصادفة؟

لن أجيب على سؤال التوقيت، ولكني في المقابل سأطرح سؤال المكان.

لقد اختارت الحرائق ساحة معركتها بذكاء شديد، لا يقل عن ذكائها في اختيار التوقيت، فاختيارها للمكان كان اختيارا استراتيجيا، وبكل ما تحمله الكلمة من معنى،  فمن المعروف أن الرئيس ترامب رئيس يعبد المال ويقدسه، وهو في العادة لا يحسب الخسائر إلا بالمال، ففقدان مليارات الدولارات قد يكون أشد وقعا وتأثيرا في نفسه من موت عشرات الأمريكيين، ولذا فقد اختارت الحرائق ـ وبذكاء تحسد عليه ـ  أن تجعل من المكان الذي  يوجد فيه أثرياء أمريكا، وتوجد فيه أغلى العقارات، ساحة لمعركتها، فطافت على بعض مساكن أثرياء أمريكا فدمرتها تدميرا، وتركتها قاعا صفصفا، وهو ما يعني حسابيا، وحسب آخر التقديرات، أن أمريكا ستخسر ما بين 130 إلى 150 مليار دولار في أقل من أسبوع، وهذا الرقم الضخم قابل للزيادة في الأيام القادمة.

لا يتوقف الذكاء في اختيار المكان عند هذا الحد، فتدمير الحرائق للبقعة التي شيدت عليها المنازل الأغلى في أمريكا، وربما الأغلى في العالم، قد أتاح لهواة التصوير ومحترفيه أن يلتقطوا صورا لتلك البقعة التي كانت ـ وإلى وقت قريب ـ جنة في الأرض، فإذا بها وقد أصبحت كالصريم، أن يلتقطوا لها صورا  تذكر ـ وفي أدق تفاصيلها ـ  كل من رآها بصور غزة التي دمرتها أمريكا بشراكة  مع العدو الصهيوني ( بالنسبة لي فإن المسؤول الأول عن حرب الإبادة في غزة هو أمريكا ومن بعد ذلك تأتي مسؤولية العدو الصهيوني).

لقد أرادت أمريكا وشريكتها في الإجرام (إسرائيل) أن تجعلا من غزة المكان الأكثر خرابا ودمارا في العالم، بل أن تجعلا منها مكانا غير صالح للسكن إطلاقا، فإذا بما فعلته أمريكا وإسرائيل في غزة بعد أكثر من عام من حرب الإبادة الأكثر وحشية في التاريخ الحديث، تفعله الحرائق في ساعات معدودة في لوس انجلوس، وتحديدا في مناطقها الأغلى،  حيث كان يسكن الأثرياء و"علية القوم" في أمريكا.

لقد فرضت الحرائق على الأمريكيين وعلى غيرهم أن يقارنوا بين  صور الدمار الذي حل بغزة بعد أكثر من عام من حرب الإبادة، والدمار الذي حل بمنطقة الأثرياء في لوس انجلوس بعد ساعات معدودة من الحرائق، وعندما يُقارنوا بين الصور هنا وهناك، سيجدون تشابها كبيرا، إن لم أقل تطابقا تاما، وهذا التشابه الكبير بين "الخرابين" هو الذي جعل الرئيس بايدن، وصورة دمار غزة حاضرة في ذهنه، حتى وإن لم يذكرها  بالاسم، يصف ما حدث في بلده بأنه : "بمثابة مسرح حرب".

فهل كان اختيار الحرائق لهذا البقعة بالذات من لوس أنجلوس مصادفة؟

هذا سؤال ثان لن أجيب عليه، ولكني في المقابل سأحاول أن أجيب على سؤال ثالث سأطرحه الآن، وهو السؤال الذي يقول : هل من دروس وعبر من حرب الحرائق المشتعلة حاليا في أمريكا؟

لقد أبرقت حرائق أمريكا بعدة برقيات ورسائل إلى صناديق بريد متعددة، ولكن المشكلة أن تلك الرسائل والبرقيات قد لا تجد من يقرؤها بتأمل، فيستفيد مما بين سطورها ـ عفوا مما بين رمادها ـ  من دروس وعبر.

أهم تلك الرسائل وُجهت ـ وبلغة عنيفة وخشنة ـ  إلى جهات عديدة داخل أمريكا، وعلى رأس تلك الجهات يأتي الرئيس ترامب، والذي تقول له رسالته بأن أمريكا ومهما بلغت قوتها وعظمتها فإنها قد تهزم من طرف "عدو ضعيف" أعلن الحرب ضدها، وهو ما زال مجرد شرر من نار يتطاير هنا وهناك، وذلك من قبل أن يتحول إلى حريق لا يبقي ولا يذر. فهل سيُحْسِن ترامب قراءة الرسالة التي أرسلتها له الحرائق قبيل تسلمه للرئاسة رسميا؟ الراجح أن ترامب لن يحسن قراءة تلك الرسالة، ومع ذلك فسيبقى هناك احتمال، حتى ولو كان ضعيفا، أن يحسن قراءتها، ومن مؤشرات ذلك ما تناقلته بعض وسائل الإعلام من أن ترامب طلب من حكومة العدو الهدوء في الشرق الأوسط، وعلى مختلف الجبهات، وذلك حتى يتمكن من التركيز على قضايا بلده الداخلية.

كان على أمريكا أن تأخذ الدرس في وقت سابق من جائحة كورنا، من ذلك  الفيروس الصغير الذي لا يرى بالعين، والذي هزها بقوة، وهز معها العالم كله، فأغْلِقَتْ الحدود، وتعطلت حركة الطيران، وانهارت اقتصاديات بعض الدول، وخلال تلك الجائحة وجدت أمريكا نفسها ـ كغيرها من بلدان العالم ـ عاجزة عن توفير الكمامات لمواطنيها، وهو ما ألجأها إلى القرصنة حتى على أصدقائها، فقرصنت كميات كبيرة من الكمامات كانت في طريقها إلى ألمانيا وفرنسا قادمة من الصين، فمن كان يتصور في تلك الفترة أن أمريكا بكل قوتها وجبروتها ستعجز عن توفير كمامات من قماش لمواطنيها؟

واليوم تجد أمريكا نفسها عاجزة عن وقف حرائق تلتهم كلما يقع في طريقها، فلا ماء لديها يكفي لإطفاء الحرائق، ولا رجال إطفاء قادرون على إخماد كل هذه النيران، وهكذا بدت أمريكا الخبيرة في إشعال الحرائق، والتي أحرقت العديد من المدن في العقود الأخيرة، بدت عاجزة تماما عن إطفاء الحرائق التي اشتعلت في واحدة من أهم مدنها.

أليس في ذلك الكثير من الدروس والعبر لمن يحسن قراءة ما يكتبه الآن رماد الحرائق في أمريكا؟

هناك دروس وعبر أخرى اختارت الحرائق أن تبرقها في رسائل غير مشفرة، وأن ترسلها عبر البريد المضمون والسريع، وأن تضعها مباشرة ـ ودون وسيط ـ  في منازل "كبار القوم" في أمريكا، من مشاهير السينما، وصناع السياسة، ورجال الأعمال، فمن المعروف أن هؤلاء هم صُنَّاع القرار في أمريكا، وأنهم هم الذين كانوا ـ وما زالوا ـ يزيفون الحقائق، ويفشون الكذب، ويجعلون من المجرم في إسرائيل ضحية، ومن الضحية في فلسطين مجرما وإرهابيا وآكلا للحوم البشر، ومصاصا لدماء الأبرياء.

نعم، لقد زيف أولئك الذين احترقت منازلهم الفاخرة في لوس انجلوس حقائق التاريخ والجغرافيا، وكان صناع السينما يتصدرون لائحة مزيفي تلك الحقائق، ولكن الحرائق ـ وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبرـ  باغتتهم جميعا، بكتابة قصة عنيفة، وإعداد سيناريو أكثر عنفا، وتصوير وإخراج فيلم في منتهى العنف، وكانت مشاهد العنف  في ذلك الفيلم حقيقية لا خيالا، وهي حقيقة تفوق خيال كل  مخرجي أفلام العنف في أمريكا.

لقد كان ضحايا العنف هذه المرة هم صناع مشاهد العنف في السينما الأمريكية، وفي ذلك مفارقة لافتة، وهم أيضا صناع الكذب والتلفيق، فهم الذين جعلوا من الضحية مجرما في أفلامهم، ومن المجرم  ضحية، فقلبوا الحقيقة رأسا على عقب، فهل سيأخذ هؤلاء العبرة بعد أن أصبحوا ضحايا للحرائق المشتعلة، وبعد أن رأوا في بث مباشر كيف كانت منازلهم التي شيدوها بملايين الدولارات تحترق وتتحول إلى خراب خلال ساعات، فهل سيجعلهم ذلك يشعرون بالظلم  القاسي الذي يتعرض له الفلسطينيون منذ ثمانين سنة تقريبا، لم يمر منها يوم واحد إلا ودُمِّر فيه منزل أو قُتِلت فيه امرأة مسالمة أو طفل صغير أو شيخ طاعن في السن؟

وهل سيقرأ المواطن الأمريكي العادي تلك الرسائل التي تطايرت مع النيران والرياح، والتي لاشك أنها وصلت لكل أمريكي أينما كان، وهي الرسائل التي تضمنت أسئلة بسيطة وعميقة في الوقت نفسه، أسئلة من قبيل : فبأي منطق يستمر المواطن الأمريكي في دفع الضرائب لتمويل حروب الإبادة في فلسطين؟ أليس الأولى أن توجه تلك الأموال لتعزيز قدرات الإطفاء في بلد فعلت به الحرائق ما فعلت، أو لتوفير الكمامات إن ظهرت جائحة جديدة؟

لا أظن أن "علية القوم" في أمريكا سيقرؤون تلك الرسائل قراءة فطنة، ولكن يبقى الأمل معقود في شباب أمريكا، وفي طلاب جامعاتها بشكل خاص، والذين ـ والحق يُقال ـ لم يقصروا خلال السنة الماضية في التعبير عن تنديدهم  بحرب الإبادة في فلسطين، والتي يمولها بلدهم من الضرائب التي يدفعون.

وتبقى هناك رسالة بسيطة وعميقة وجهتها تلك الحرائق للعرب والمسلمين، حكاما وشعوبا، وتقول تلك الرسالة بلغة فصيحة وصريحة، إن العالم لا يتحرك وفق إرادة أمريكا ومزاجها، فأمريكا أضعف من أن تحمي نفسها من الجوائح التي يتسبب فيها فيروس لا يُرى بالعين، والحرائق التي قد يتسبب فيها الشرر من النار.

لقد أصابت هذه الحرائق قوة أمريكا وجبروتها في مقتل، وعلى من كان يعبد الصنم الأمريكي من حكام العرب والمسلمين أن يلتقط الرسائل التي أبرقتها الحرائق المشتعلة أمريكا، وأن يستحضر في كل حين، أن لهذا العالم خالق واحد، ورب واحد، هو الذي يديره كيفما شاء، وما الريح والنار إلا جند من جنوده التي لا يعلم عددها إلا هو.

ويبقى أن أقول بأن السبب الذي جعلني لا أجيب على سُؤاليْ التوقيت والمكان، هو نظرا لكونها قد تمت صياغتهما بشكل خاطئ، كما هو الحال بالنسبة للعنوان أيضا، وكل ذلك كان لاستدراج بعض القراء لمواصلة القراءة، فالمسألة هنا لا تتعلق باقتناص الفرص لاختيار التوقيت والمكان المناسبين، كما أشير إلى ذلك في بداية المقال، وخالق هذا الكون لا ينتظر الفرص حاشاه، وهو إذا ما أراد للحرائق أن تكون مدمرة، خلق لها الظروف المناسبة لكي تكون مدمرة، فأوقف الأمطار، وزاد من حدة الجفاف، وسرَّع الريح، وكل تلك الأسباب تجعل الحرائق أسرع انتشارا، وأشد فتكا، وأقوى تدميرا.   

حفظ الله بلاد العرب والمسلمين..

محمد الأمين الفاضل

Elvadel@gmail.com 




الأحد، 12 يناير 2025

جبهة المواطنة والعدالة تتبنى ميثاق منتدى 24-29


 أعلن رئيس جبهة المواطنة والعدالة الأستاذ محمد جميل منصور عن تبنيهم في الجبهة لميثاق الشرف الخاص بمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة الذي أطلقه منتدى 24-29  لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية في وقت سابق، وأكد الرئيس محمد جميل منصور عن استعدادهم في الجبهة لتوقيع الميثاق في أي وقت.

 وكانت بعض الأحزاب الداعمة لرئيس الجمهورية قد تبنت الميثاق في وقت سابق، منها حزب الإصلاح وحزب حاتم، في حين أن هناك  أحزابا أخرى في طريقها للإعلان عن تبني الميثاق وتوقيعه، ويتضمن الميثاق ثلاثة بنود رئيسية، وهي :

1 ـ إعطاء مساحة واسعة لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة في الخطاب السياسي للأحزاب الموقعة على الميثاق؛

2 ـ عدم ترشيح من أدين بالفساد في أية انتخابات قادمة، وحرمانه من أي منصب قيادي حزبي؛

3 ـ العمل على تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها.

نشير في الأخير، إلى أن نسخة الميثاق الخاصة بالمجتمع المدني قد تم توقيعها حتى الآن من طرف عشرات منظمات المجتمع المدني.

نواكشوط : 12 - 01 - 2025

لجنة الاتصال بمنتدى 24-29  لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية. 




الأربعاء، 8 يناير 2025

هل تمكن عصرنة نواكشوط دون عصرنة ساكنتها؟


من المؤكد أن عصرنة مدينة نواكشوط ليست بالمهمة السهلة، خاصة وأن المدينة تقترب من عامها السبعين دون أن يكون فيها صرف صحي، وإنشاء صرف صحي بعد ما يُقارب سبعين سنة من تشييد العاصمة، سيتسبب حتما في إلحاق أضرار كبيرة ـ حتى وإن كانت مؤقتة ـ  بالكثير من الطرق والبنى التحتية الأخرى.

وحتى تمديد شبكات الماء والكهرباء والاتصالات في بعض أحياء العاصمة، كثيرا ما يتسبب  هو الآخر في إتلاف بعض الطرق والشوارع التي شيدت دون التنسيق مع الشركات المسؤولة عن تلك الخدمات، ولذلك فكثيرا ما تظهر حفر مستحدثة على الشوارع والطرق، والتي يكون بعضها قد تم تشييده حديثا، والمستفز في الأمر أن الشركات التي استحدثت تلك الحفر قد تتركها دون ترميم، وهو ما يتسبب في بعض الأحيان في حوادث سير مميته، وأرشيفنا في حملة معا للحد من حوادث السير، يمكن أن يقدم أدلة قوية على ذلك.

إن عصرنة مدينة نواكشوط بعد مرور سبعين عاما من العمل المنفرد ـ إن لم أقل المرتجل ـ  للشركات المعنية بالبنية التحتية، دون أي تنسيق أو تخطيط،  لهو أمر في غاية الصعوبة، وستكون له ـ وبلا شك ـ  كلفته الكبيرة.   

كما أن تشييد الجسور وشق الشوارع ذات المسارات المتعددة، له هو كذلك كلفته الكبيرة على أرزاق المواطنين وتنقلاتهم، ولكم أن تسألوا سكان ولايتي نواكشوط الشمالية والجنوبية عن المعاناة الصعبة التي عاشوها خلال السنوات الماضية بسبب زحمة حركة السير الناتجة عن استمرار إغلاق العديد من الطرق خلال فترة بناء الجسور وتشييد مسارات جديدة في طرق وشوارع حيوية ورئيسية.

إن لكل تغيير كلفته، وكلفته يجب أن تدفع مسبقا من قبل قطاف ثماره، وكلما كان التغيير كبيرا ومُهِمًّا ـ كما هو الحال بالنسبة لعصرنة مدينة نواكشوط ـ كانت الكلفة أكبر، ثم إن مقاومة التغيير قد تكون أقوى عند أكثر المستفيدين منه، وعصرنة مدينة نواكشوط لن تخرج عن تلك القاعدة، فأول من سيقاوم هذه العصرنة، وخصوصا في شقها المتعلق بتشييد الجسور وشق الطرق ذات المسارات المتعددة هم السائقون، والذين هم بالمناسبة أول مستفيد من تلك الشوارع والجسور.

إن عصرنة مدينة نواكشوط كانت وما تزال مطلبا ملحا، فليس من المقبول أن تبقى عاصمتنا تتميز عن كل العواصم في العالم بأنها العاصمة الوحيدة  في هذا العالم التي لا يوجد بها صرف صحي، ونحن لابد لنا أن ندفع كلفة هذه العصرنة، وبكل تأكيد فإننا سننسى تلك الكلفة الكبيرة التي دفعنا عندما نبدأ في قطف ثمار عصرنة عاصمتنا.

لا بد من عصرنة مدينة نواكشوط، مهما كان حجم الكلفة، ولم يعد من الممكن التأخر أكثر في عصرنتها وهي تخطو إلى عامها السبعين، ولو خرجت الحكومة الحالية بإنجاز واحد وهو عصرنة مدينة نواكشوط لكفاها ذلك، ولكن يبقى سؤال العصرنة مطروحا : هل يمكن عصرنة أي مدينة دون عصرنة ساكنتها؟

قطعا لا يمكن ذلك، فعصرنة المدينة، أية مدينة، لا يمكن أن تتحقق دون عصرنة ساكنة تلك المدينة، وتطوير البنية التحتية في أي مدينة لابد أن يُصاحبه، إن لم يسبقه، تطوير عقليات ساكنة تلك المدينة،  ويعني هذا الكلام، أن هناك تحديا آخر سيواجه الحكومة، بعد تطوير البنية التحتية للعاصمة، ألا وهو التحدي المتعلق بتغيير العقليات وعصرنة الساكنة. 

لا يمكن للعاصمة نواكشوط أن تحلق في فضاء المدن العصرية، دون تشغيل  جناحين في وقت متزامن، جناح سيشتغل تلقائيا إن تطورت البنية التحتية للمدينة، وجناح آخر سيشتغل  كذلك بشكل تلقائي إن تطورت عقلية ساكن نواكشوط، وبدون تشغيل الجناحين، فإن العاصمة نواكشوط ستبقى في مكانها، ولن تتمكن من التحليق في فضاء العصرنة.

لقد تعود ساكن مدينة نواكشوط، أميا كان أو متعلما، غنيا كان أو فقيرا، ومنذ أن فتح عينيه في مدينة الفوضى هذه، على أن يتوقف بسيارته أو بعربته التي يجرها حمار في الشارع متى شاء وكيفما شاء، وعلى أن يبيع بضاعته على حافة الشارع إن لم أقل في وسط الشارع، وهو لا يتردد في أن يستولي على أي ساحة عمومية تقع على طريقه، فيشيد عليها كوخا إن كان فقيرا، أو قصرا فخما إن كان غنيا، وعندما ينتزع كوخه أو يهدم قصره يبدأ في الاحتجاج والتظلم والشكوى، وكأنه يمتلك وثائق تؤكد أنه ورث تلك الساحة أبا عن جد.

لن يقبل السائق في مدينة نواكشوط إذا لم تتغير عقليته بموازاة مع عصرنة المدينة، أن يتجاوز المكان الذي يقصده، لأنه لم يجد فتحة في الشارع تمكنه من الوصول إلى ذلك المكان دون قطع مسافة إضافية للوصول إلى فتحة في الطريق تمكنه من العودة إلى المكان الذي كان يقصد.

لن يلتزم السائق في نواكشوط ـ وكما تعود دائما ـ بقواعد السلامة المرورية، وستكثر حوادث السير على الطرق المشيدة مؤخرا، وعلى الجسور، إذا لم يتغير سلوك السائق، ولكم في الحادث الأليم الذي وقع ظهر يوم الثلاثاء ( 07 يناير 2025) أمام "سوق ولد الحسن" خير دليل على ذلك. 

مساعد سائق شاحنة (آبرانتي كما نسميه) يقود شاحنة في النهار على شارع حيوي، فيتسبب في حادث سير، تكون حصيلته إصابة مواطن إصابة بليغة لا ذنب له إلا أنه كان يستظل بمحطة حافلة من حر الشمس، وكان ذلك في "التوقيت الخطأ" الذي ستمر فيه شاحنة بالمكان يقودها مساعد سائق، وكانت من حصيلة ذلك الحادث أيضا إتلاف إحدى محطات الحافلات على الشارع، وحتى من قبل أن تشغل، وكذلك إتلاف أجزاء من مقطع الشارع المجاور لها، هذا فضلا عن الأضرار التي لحقت بالشاحنة، والتي سيتكبدها مالك الشاحنة.

إن تغيير عقليات ساكنة نواكشوط أصبح ضرورة ملحة، ويتأكد الأمر بالنسبة للسائقين في المدينة، وبدون ذلك التغيير في العقليات والمسلكيات فإننا لن ننعم ـ ولو للحظة ـ  بالجسور ولا بالطرق ذات المسارات المتعددة، بعد أن يكتمل تشييدها، وتصبح سالكة.

 إن تغيير عقليات ساكنة نواكشوط عموما وسائقيها خصوصا يحتاج إلى :

1 ـ التوعية، ثم التوعية، ثم التوعية؛ 

2 ـ فرض قانون السير وتنفيذ العقوبات بصرامة على كل من يخالفه؛

3 ـ فرض القانون بشكل عام في كل المجالات، وعلى كل المستويات من أعلى إلى أسفل، فالتجارب تثبتُ أن فرض القانون في مجال ما وعلى طائفة ما من المواطنين دون الأخرى سيبقى أمرا عبثيا، فلن يكون بالإمكان أن ننجح في تطبيق القانون في الشارع على السائقين، وذلك في وقت نتهاون في تطبيقيه على الموظفين في مكاتبهم، أو على رجال الأعمال في شركاتهم ومؤسساتهم، أو على المدرسين وتلاميذهم في المدارس، وإلى غير ذلك من فئات المجتمع. 

تذكروا دائما، أن لعصرنة المدن شرطين، وهما تطوير البنية التحتية وتغيير العقليات، ولا يمكن أن تتحقق العصرنة دون أيٍّ من الشرطين.

حفظ الله موريتانيا..


الاثنين، 6 يناير 2025

عاشت التفاهة!


عندما تكتب كلاما، مجرد كلام، فستجد تفاعلا، ويزداد حجم التفاعل كلما زدت من حدة النقد، وكان نقدك جارحا، إن كان موقفك "ضد" ، أو زدت من حجم التثمين، وكان تثمينك مطبلا إن كان موقفك "مع".

وسيبلغ التفاعل ذروته إن "طعَّمت" منشورك بعبارات مسيئة أو بذيئة أو جارحة في حالة النقد، أو طعَّمته بعبارات تطبيلية تصفيقية تملقية في حالة التثمين.

ويغيب التفاعل، وينخفض إلى أدنى مستوى له إن جئت بفكرة أو مقترح لمعالجة الخلل الذي تتحدث عنه إن كنتَ منتقدا، أو لتعزيز المنجز الذي تكتب عنه إن كنتَ مثمنا.

ويغيب التفاعل بشكل شبه كامل إن تركت الكلام ونزلت إلى الميدان لفعل شيء ما لصالح هذا البلد.

موجبه أني أعرف أشخاصا نزلوا إلى الميدان لا يذكرهم ذاكر، وأعرف أسخاصا يكتبون كلاما أنيقا وعميقا لا يحصدون من الإعجاب إلا قليلا.

وأعرف آخرين ينشرون كلاما تافها، ويتحدثون بألفاظ تافهة وسخيفة، ومع ذلك ينالون من الإعجاب والتفاعل الشيء الكثير.

أسمع في كثير من الأحيان البعض في هذا الفضاء ينتقد الحكومة لأنها لا  تضع "الشخص المناسب في المكان المناسب". هؤلاء هم أيضا لا يضعون "الإعجاب المناسب على المنشور المناسب"، وهم لا يملكون في هذا الوقت إلا وضع الإعجابات، ولو ملكوا منح الوظائف لوضعوا الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، ولكانوا في هذا المجال أكثر ارتكابا للأخطاء من الحكومات التي ينتقدونها.

الخميس، 2 يناير 2025

هل الأغلبية أولى بمحاربة الفساد من المعارضة؟


قد يرى كثيرون أنه لا وجاهة لطرح هذا السؤال، ولكني على عكس الكثيرين، فإني أرى بوجاهة طرحه، وخاصة في بداية هذه المأمورية الثانية التي التزم فيها فخامة رئيس الجمهورية بمحاربة الفساد بشكل صارم.
فكما هو معلوم، فإن المفترض في الأحزاب السياسية الداعمة لأي رئيس، أن تعبر سياسيا وإعلاميا عن البرنامج الانتخابي للرئيس الذي تدعم، وأن تُعينَه ـ صدقا لا كذبا ـ على تحقيق أهم التزاماته الانتخابية التي نال بموجبها ثقة المصوتين له.
لقد التزم الرئيس محمد الشيخ الغزواني في برنامجه الانتخابي بمحاربة الفساد بشكل صارم، وفي اعتقادي الشخصي فإن الالتزام بمحاربة الفساد بشكل صارم كان هو الأكثر جذبا للمصوتين له، خاصة وأن الشعب الموريتاني لم يعد يحتمل الاستمرار في مهادنة الفساد والمفسدين، أو الاكتفاء في محاربته بشعارات ظلت تتكرر عهدا بعد عهد دون أن يسقط إلا القليل جدا جدا من الضحايا.
إن العقلاء في هذا البلد أصبحوا يدركون أن استقرار الدولة الموريتانية، إن لم أقل مصيرها بات مرهونا بمدى الجدية في محاربة الفساد والمفسدين، ولذا فقد قال رئيس الجمهورية في خطاب التنصيب بأن حربه على الفساد ستكون حربا مصيرية لا هوادة فيها، ونحن عندما نصف حربا ما في أي بلد من البلدان بأنها مصيرية، فذلك يعني أن مصير ذلك البلد سيكون مرتبطا بنتائج تلك الحرب.
نعم إن مصير بلدنا في السنوات القادمة سيكون مرتبطا بشكل كبير بمدى جديتنا ونجاحنا في حربنا على الفساد، ولن يكون أمامنا ـ إذا لم نكسب حربنا المصيرية على الفساد ـ إلا أن نقرأ الفاتحة على روح بلدنا الذي تحمل كثيرا ولعقود طويلة سوس الفساد، وهو ينخر أسس بنيانه وصموده، وصبر على ذلك أكثر مما يمكن أن يتحمل أي بلد آخر، وهو اليوم لم يعد قادرا على تحمل المزيد من نخر الفساد لما تبقى من مقومات بقائه وصموده.
 وبالعودة إلى السؤال العنوان، فيمكن القول بأن داعمي رئيس الجمهورية أولى من معارضيه بمحاربة الفساد، وذلك لجملة من الأسباب أذكر منها تحديدا:
1 ـ أن من يمارس الفساد هو طائفة من الأغلبية الداعمة للرئيس، فالمعارضة مع الاعتراف بأخطائها العديدة، إلا أنها ليست مسؤولة عن ما يقع من فساد، وذلك لأنها ـ وببساطة شديدة ـ ليست هي من يسير شؤون البلد. المسؤول عن الفساد أخلاقيا وقانونيا وسياسيا في أي بلد من بلدان العالم ـ وهذه حقيقة يجب أن تقال بصوت عالٍ ـ هو الأغلبيات الحاكمة التي تتولى تسيير شؤون الدول.
ولذا فما دام الفساد تُمارسه قلة من الأغلبية الداعمة للرئيس، فإن واجب محاربته يقع على الأكثرية الباقية من أغلبيته الداعمة؛
2 ـ أن محاربة الفساد تعتبر من أهم التزامات فخامة رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي (طموحي للوطن)، والعمل على تنفيذ هذا البرنامج تقع مسؤوليته على داعمي الرئيس لا على معارضيه؛
3 ـ أن من صوت على البرنامج الانتخابي لرئيس الجمهورية أصبح يتحمل ـ وبشكل تلقائي ـ المسؤولية الأخلاقية والسياسية، والإدارية بالنسبة لمن يشغل وظيفة إدارية، في تنفيذ واحد من أهم التزامات رئيس الجمهورية في برنامجه الانتخابي ( طموحي للوطن)، والالتزام المقصود هنا هو الرفع من مستوى الحرب على الفساد إلى أن تصبح حربا مصيرية لا هوادة فيها، كما قال فخامة الرئيس في خطاب التنصيب. 
إن من حق كل واحد من ال 56% التي صوتت للمرشح محمد ولد الشيخ الغزواني في الانتخابات الرئاسية الماضية، من حقه أن يفتخر بأنه شريك في كل ما سيتحقق من إنجازات من برنامج رئيس الجمهورية خلال المأمورية الحالية، وهذه الشراكة في شرف الإنجاز نالها بسبب تصويته للرئيس الذي حقق تلك الإنجازات. وفي المقابل، فإن ذلك المصوت يعتبر من جهة أخرى، مسؤولا بدرجة أو بأخرى عن كل إخفاق يقع ـ لا قدر الله ـ في تنفيذ أي التزام من التزامات الرئيس الذي صوت له في الانتخابات الماضية.
من هنا يظهر أن من صوتَ ودعمَ رئيس الجمهورية في الانتخابات الماضية أولى بمحاربة الفساد ممن لم يصوت له ، فكل ما سيتحقق من إنجازات في هذا المجال سيكون للمصوتين لرئيس الجمهورية نصيب منه، وكل إخفاق ـ لا قدر الله ـ سيكون لهم منه كذلك نصيب؛ 
4 ـ أن داعمي رئيس الجمهورية أولى من معارضيه بتلبية ندائه في خطاب التنصيب، وذلك عندما دعا الجميع إلى المشاركة في محاربة الفساد، وأكد أن هذه الحرب لن يحسم النصر فيها إلا بتضافر جهود الجميع.
وهم أولى أيضا بالاستجابة لطلبه الآخر المتعلق بالوقوف ضد مقاومة الإصلاح وإعاقته، حيث أكد فخامته في خطاب التنصيب أن ما تتطلبه الإصلاحات العميقة من تغيير في المقاربات، والعقليات، والمسلكيات، وآليات العمل، غالبا ما يصطدم بمقاومة اجتماعية وإدارية قوية، والجميع مطالب ـ وخاصة الداعمين ـ بالعمل على منع تلك المقاومة، وكبحها.
وقوفا ضد تلك المقاومة وكبحا لها، وتلبية لدعوة رئيس الجمهورية للجميع بالمشاركة في محاربة الفساد، وسعيا منا للمساهمة في تنفيذ برنامج طموحي للوطن على أحسن وجه، لكل ذلك، فقد تقدمنا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" إلى الأحزاب السياسية الداعمة بميثاق شرف لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة يتضمن ثلاثة بنود، وهي :
1 ـ إعطاء مساحة واسعة لمحاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة في الخطاب السياسي للأحزاب والمبادرات الداعمة للرئيس؛
2 ـ عدم ترشيح من أدين بالفساد في أي انتخابات قادمة، وحرمانه من أي منصب قيادي حزبي؛
3 ـ العمل على تعزيز البنية القانونية والتشريعية والقضائية في مجال محاربة الفساد وتعزيز قيم النزاهة، وذلك من خلال اقتراح القوانين ذات الصلة والتصويت عليها.  
سنوصل هذا الميثاق ـ إن شاء الله ـ إلى كل رؤساء أحزاب الأغلبية، ونرجو أن تتبناه تلك الأحزاب وتوقعه، وأن تعمل على تنفيذ بنوده، وبذلك تكون قد دعمت رئيس الجمهورية حقا.
حفظ الله موريتانيا...

الأربعاء، 1 يناير 2025

كيف تدير العام 2025 بفعالية؟




شغلتني منذ سنوات الكتابة في الشأن العام عن الكتابة في تنمية وتطوير الذات (مجال اهتمامي الأول)، ومع ذلك فقد حاولتُ في بعض السنوات الماضية أن أخصص آخر يوم من كل سنة من تلك السنوات لمقال عن إدارة الوقت، وفي مقال هذا العام سأقدم ـ وكما جرت بذلك العادة في السنوات الماضية ـ  سبع نصائح في إدارة الوقت، مع إضافة  نصيحة ثامنة في هذا العام، وهي نصيحة تتعلق بضرورة ضبط الساعة والبوصلة من أجل إدارة فعالة للعام 2025.

أشير بداية إلى أن هذا المقال ما هو إلا تفريغ لمحتوى ورشة تدريبية أقدمها في إدارة الوقت، وقدمتها من جديد، قبيل نشر هذا المقال، في آخر ساعات من العام 2024 لمجموعة من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي.

وقبل أن أستعرض النصائح السبع التي ستعين ـ بإذن الله ـ  كل من عمل بها على إدارة فعالة للعام 2025، فلا بأس من قبل ذلك، أن نتحدث قليلا عن قيمة الوقت وعن خصائصه، مع سرد حكاية رمزية تختزن كل ما أريد قوله في هذا المقال عن إدارة الوقت.

أولا / قيمة الوقت

إن الوقت هو أغلى وأنفس وأثمن ما نملك في هذه الحياة الدنيا، ولذا فعلينا أن ننفقه بحكمة، ولمعرفة قيمة الوقت فعلينا أن نتعرف أولا على قيمة أجزائه ووحداته.

فإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة العام فما عليكم إلا أن تسألوا طالبا رسب في الامتحان النهائي وأضطر لأن يعيد سنة دراسية كاملة؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الشهر، فما عليكم إلا أن تسألوا مدرسا علق راتبه لشهر؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الأسبوع،  فما عليكم إلا أن تسألوا رئيس تحرير جريدة أسبوعية قضى أسبوعا كاملا في العمل لإصدار عدد جديد من جريدته، وفي النهاية تم حظر صدور ذلك العدد؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة اليوم، فما عليكم إلا أن تسألوا عاملا أجيرا يعيل أسرة كبيرة أضاع يوما لم يعمل فيه، ولم يحصل بالتالي على أجر ذلك اليوم؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الساعة، فما عليكم إلا أن تسألوا مالك مصنع كبير عن حجم الخسارة التي يتكبدها إذا توقف مصنعه عن الإنتاج لساعة واحدة؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الدقيقة، فما عليكم إلا أن تسألوا مسافرا يجري مسرعا ليلتحق بالطائرة، ولكنه لم يصل إلا بعد دقيقة من إقلاع الطائرة؛

وإذا ما أردتم أن تعرفوا قيمة الثانية، فما عليكم إلا أن تسألوا مشاركا في إحدى المنافسات الرياضية الدولية، حالت بينه وبين الميدالية الذهبية ثانية واحدة؛

والآن إليكم هذه الحكاية الرمزية..

يُروى أن أستاذا حكيما جاء يوما إلى طلابه يحمل سطلا ومجموعة من الكرات الصغيرة المتفاوتة في الحجم، بعضها صغير جدا، وبعضها أكبر قليلا. أخذ الأستاذ الكرات الأكبر قليلا، ووضعها داخل السطل حتى امتلأ، وبعد ذلك التفت إلى طلابه وسألهم إن كان السطل قد امتلأ، فأجابوه بصوت واحد : نعم.

أخذ الأستاذ بعد ذلك بعض الكرات الصغيرة جدا، وأخذ يضع الواحدة منها تلو الأخرى، في الفراغات الموجودة بين الكرات الأكبر قليلا، ثم سأل طلابه من جديد إن كان السطل قد امتلأ فأجابوه جميعا ـ وللمرة الثانية ـ  بنعم.

بعد ذلك أخذ الأستاذ عدة حفنات من الحصى، ووضعها في السطل، ثم أخذ يرجه رجا، حتى اختفى الحصى كل الحصى داخل المنافذ والفراغات الصغيرة جدا التي بقت موجودة بين الكرات، وهكذا استطاع السطل أن يستوعب كل الحصى الذي وُضع بداخله، وذلك على الرغم من أنه كان قد امتلأ وللمرة الثانية، ولم يعد يتسع لأي شيء جديد، حسب إجابات الطلاب.

إن العبرة التي يمكن أن نخرج بها من تجربة السطل والكرات الصغيرة هي أن العام 2025، بل والعمر كله، هو مجرد وعاء كالسطل، وأن الكرات الصغيرة الأكبر حجما تمثل كل الأشياء الأهم في حياتنا (الأولويات)، بينما تمثل الكرات الأصغر الأمور المهمة في حياتنا، والتي تأتي في الترتيب، ومن حيث مستوى الأهمية، بعد الأمور الأهم، في حين تمثل الحصى في حياتنا كل الأشياء الأقل أهمية (الترفيه)، أو غير المهمة أصلا.

إن الدرس الثمين الذي يمكن أن نخرج به من هذه القصة هو أننا إذا ملأنا السطل (أعمارنا أو العام 2025 في هذا المقال) بالحصى أولا، أي بالأمور الأقل أهمية (الترفيه) أو غير المهمة إطلاقا، وهذا ما يفعله  للأسف أغلبنا، فإننا بذلك لن نترك فراغا في السطل للكرات الصغيرة بمختلف أحجامها، أي أننا لن نترك مساحة كافية في العام 2025 لإنجاز الأشياء المهمة والأشياء الأهم في حياتنا. ولكننا ـ في المقابل ـ إذا بدأنا بوضع الكرات أولا في السطل، والتزمنا بترتيب وضعها حسب الحجم، فإننا لا محالة سنجد  فراغات داخل السطل يمكننا أن نملأها بالحصى، أي أننا إذا بدأنا بالأولويات والأمور المهمة، فإننا لا محالة سنجد وقتا كافيا للأمور الأقل أهمية (الترفيه)، أو حتى للأمور غير المهمة إطلاقا.

لنخرج من هذه القصة بالخلاصة السريعة التالية:

إذا أديت الأولويات، والأمور المهمة في حياتك أولا،  فإنه يمكنك بعد ذلك أن تخصص بقية الوقت للترفيه وللأشياء التي قد لا تكون في منتهى الأهمية، والراجح أنك ستجد لها وقتا.

ثانيا / خصائص الوقت (التركيز على العام 2025)

الخاصية الأولى إن العام 2025 حاله ككل السنوات التي سبقته وتلك التي ستأتي بعده، سيكون عاما سريع الانقضاء، وتلك حقيقة يجب أن نتذكرها دائما، فمما لاشك فيه أن أيامه وأسابيعه وأشهره ستنقضي بسرعة كبيرة، وإذا لم نشد الأحزمة ونسارع في الإنجاز من فاتح يناير 2025، وبما يتناسب مع السرعة الرهيبة التي يسير بها الوقت، فإننا حتما سنجد أنفسنا على قارعة يوم 31 /12/ 2025 بلا إنجازات ولا نجاحات تذكر؛

الخاصية الثانية: إن مضى من الوقت لن يعود أبدا ولا تمكن استعادته إطلاقا، حتى ولو ندمنا كثيرا على تضييعه. ليس بإمكان أي واحد منا أن يستعيد اليوم، ثانية واحدة من العام 2024؛

الخاصية الثالثة : الوقت هو مقياس الحياة ووحداته هي وحدات قياس العمر، فنحن نقول مثلا مات فلان عن عمر ناهز كذا وكذا، ولا نقول مات فلان ووزنه 60 كيلو، أو مات فلان وطوله 1م و60 سم مثلا؛

الخاصية الرابعة: الوقت من الموارد التي لا يمكن زيادتها، هناك 24 ساعة ستمنح لكل واحد منا في كل يوم من أيام العام 2025 إن كُتبت له الحياة، لا يمكنه زيادتها بساعة واحدة ولا بدقيقة واحدة ولا حتى بثانية واحدة، ولا يعني هذا أنه لا يمكننا تمديد هذه الأربع والعشرين ساعة التي تمنح لنا يوميا، و زيادتها ضمنيا من خلال حسن إدارتها، وهذا ما سنبينه في فقرة قادمة إن شاء الله.

الخاصية الخامسة : الوقت من الموارد التي يجب إنفاقها بشكل فوري، ولا يمكن ادخارها، هناك 24 ساعة تمنح لكل واحد منا يوميا عليه أن ينفقها كاملة في كل يوم، وهو لا يستطيع أن يستبقي أو يدخر منها دقيقة واحدة ولا حتى ثانية واحدة ليوم غد أو لما بعد يوم غد. ليس فينا من تمكن من ادخار دقيقة واحدة في العام 2024 لينفقها في أوقات الشدة من العام 2025؛

الخاصية السادسة : الوقت هو المورد الوحيد على هذه الأرض الذي يوزع بين الناس بالتساوي التام في كل يوم، فالناس لا تمنح في نفس اليوم نفس القدر من الصحة، ولا تمنح في نفس اليوم نفس المبلغ من المال، ولكنها تمنح في كل يوم 24 ساعة، أي 1440 دقيقة، أي 86400 ثانية، لا يزيد أي واحد منا عن الآخر بثانية واحدة في اليوم. إننا سَنُمْنَحُ في كل يوم من العام 2025 نفس الوقت، ولكن الفرق بيننا يتمثل في أن بعضنا سيستغل ذلك الوقت بشكل جيد فيحقق بذلك المزيد من النجاح في العام 2025، وبعضنا الآخر سيضيعه في توافه الأمور فيخسر العام 2025 دنياً وآخرة، وكما خسر أعواما من قبله.

إن الفرق بيننا يكمن بالأساس في طريقة إدارتنا للوقت، فبعضنا يتمكن من السيطرة على وقته، ويستطيع بالتالي ترويضه وإدارته بشكل جيد وفعَّال، وبعضنا الآخر يتحكم فيه الوقت ويسيطر عليه، فيعيش أيامه ولياليه في فوضى عارمة خالية من أي إنجاز يذكر.

 

ويبقى السؤال : كيف نروض العام 2025 ونديره بشكل جيد؟               

ثالثا/ إدارة الوقت

إن إدارة الوقت عموما هي أن تعمل بطريقة أفضل وأكثر فعالية لا بمشقة أكبر.

وكما قلنا سابقا فإنه لا أحد يمكنه أن يمنحك دقيقة إضافية واحدة في العام 2025، وليست هناك طريقة سحرية لزيادة الأربع والعشرين ساعة التي ستمنح لكل واحد منا في كل يوم من العام 2025 إن كُتبت لنا الحياة.. تلك حقيقة علينا أن نتذكرها دائما، ولكن هناك حقيقة أخرى وهي أن الإدارة الجيدة للوقت ستمكننا من السيطرة على الوقت، أي السيطرة على العام 2025 بشكل جيد، وتمديده بشكل أفضل، مما يجعله يبدو وكأنه أطول. وسيتيح لنا ذلك أن نعمل بطريقة أكثر فعالية، ومن أجل إدارة جيدة للعام 2025 لخلق فائض من الوقت، فإليكم هذه النصائح السبع:

النصيحة الأولى : فتش عن أماكن هدر وقتك وضياعه في العام 2024 وأغلق المنافذ بشكل فوري في أول يوم من العام 2025، وإذا لم تستطع فعل ذلك، فعليك أن تتوقف الآن عن قراءة هذا المقال، فلا داعي لمواصلة القراءة، واعلم بأنه لا أمل لك في أن تكون من الذين سيديرون العام 2025 بشكل جيد.

بكلمة واحدة، إذا لم تتحكم في وقتك وتسد منافذ هدره، فاعلم أنك لست مؤهلا لإدارة العام 2025 بشكل جيد.

النصيحة الثانية: حدد بداية ونهاية لكل مهمة أو عمل تريد إنجازه

من المهم جدا أن تحدد وقت بداية ونهاية لكل عمل أو مهمة تريد إنجازها، ولا تترك وقت تنفيذ المهام وتأدية الأعمال مفتوحا على طول. إن من الأخطاء الكبيرة التي يقع فيها أغلبنا هو أننا ننشغل بمهام وأعمال دون أن نحدد لها وقت بداية أو نهاية فنُضيع بذلك أوقاتا ثمينة دون أن نبدأ في تلك المهام ودون أن ننهيها، وبالتالي دون أن يكون بإمكاننا أن نتفرغ لمهام أخرى، فتقع المهمة على المهمة، وتتداخل المهام دون أن ننجز أيا من تلك المهام، فندخل بذلك في فوضى عارمة من التخبط ومن تشتيت الجهد. لا يعني تحديد وقت بداية ونهاية لكل عمل أن لا تكون هناك مرونة في تغيير ذلك الوقت إذا ما استوجبت الظروف ذلك. لا بأس بشيء قليل من المرونة، ولا بأس بترك هامش قصير لتعديل توقيت البداية والنهاية حسب الضرورة، ولكن ذلك الهامش يجب أن يظل محدود المدة دائما.

النصيحة الثالثة: خصص أوقات ذروة عطائك للأولويات وللأهم ثم الأهم.

إن لكل واحد منا أوقات ذروة وأوقات صفاء ذهني تكون فيها قدرته على التركيز أكبر، ويكون فيها أكثر نشاطا، وأكثر قدرة على العطاء والإنجاز. كما أن لكل واحد منا أوقات خمول يكون فيها غير نشط، ويكون فيها حضوره الذهني وتركيزه في أدنى المستويات. إن ما يمكن أن ننجزه من أعمال في ساعة واحدة من ساعات أوقات الذروة قد لا نستطيع أن ننجزه في عدة ساعات من أوقات الخمول، ولذا فيجب أن نحرص دائما على أن نخصص أوقات الذروة للأولويات ولكل الأمور المهمة في حياتنا، على أن نترك أوقات الخمول للأمور غير المهمة في حياتنا. وأوقات الذروة في الغالب هي الساعات الأولى من الصباح، وقد تكون في المساء أو الليل بالنسبة للبعض، فعلى الطالب أن يخصصها للدراسة، وعلى الموظف أن يخصصها لإعداد التقارير، وعلى الأستاذ أن يخصصها للتحضير لدرسه، وعلى الباحث والمفكر والكاتب أن يخصصوها للإنتاج الفكري.

النصيحة الرابعة: ركز لتربح المزيد من الوقت

إننا نبدو في زمننا هذا في غاية الانشغال، وعندما تسأل أي واحد منا عن العمل وعن الانشغالات يقول لك إن المهام والانشغالات كثيرة وإن الوقت لا يكفي لتأديتها. على من يقول بذلك أن يركز في عمله ليخلق فائضا من الوقت، فعلى من يعمل مثلا لتسع ساعات في اليوم، ودون أن يتمكن من إنجاز ما كان يريد إنجازه أن يركز في عمله لست ساعات، وعندها سيجد بأنه قد أنجز في تلك الساعات الست ما كان عاجزا عن إنجازه في تسع ساعات. إن التركيز الجيد في العمل سيمكننا من ربح ساعات ثمينة ومن زيادة وقت الفراغ لمن يبحث عن وقت فراغ يخصصه للأمور الأقل أهمية.

النصيحة الخامسة : احذر لصوص الوقت

لقد تعودنا في هذه الحياة أن نحرس ممتلكاتنا وأموالنا، وأن لا نتركها عرضة للصوص، فهناك من يأتي إلى منزله بكاميرات مراقبة وبخزائن محصنة، ولكننا لم نتعود ـ في المقابل ـ حراسة أغلى وأنفس وأثمن ما نملك، أي أوقاتنا. إن وقتك ـ والذي هو أغلى وأنفس ما تملك ـ يحتاج هو أيضا لحراسة مشددة، فهناك لصوص كثر يتربصون بك ويريدون سرقة وقتك وعمرك، فلا تسمح لهم بذلك. ومن لصوص الوقت الهواتف المتصلة بشبكة الانترنت دائما، والدردشة في مواقع التواصل الاجتماعي ومتابعة المسلسلات ومباريات كرة القدم لساعات طوال، ومن لصوص الوقت كذلك الزيارات المفاجئة والاجتماعات العبثية التي لا تناقش شيئا مفيدا، وعدم القدرة على قول لا لمن يطلب منك تأدية عمل سيكون على حساب أولوياتك.

أخطر ما يقوم به لصوص الوقت هو أنهم لا يسرقون وقتك فقط، بل إنهم يسرقون معه تركيزك، ومن أجل استعادة تركيزك بعد كل عملية سرقة، فأنت بحاجة إلى وقت إضافي آخر حتى تستعيد من جديد تركيزك.

لكي تركز أكثر على أي عمل عليك أن تُبعد عنك كل لصوص الوقت خاصة الهاتف ..ضع الهاتف على الصامت وابتعد عن الانترنت حتى تنجز أعمالك المهمة.

النصيحة السادسة : لا تقم بعملين مهمين في نفس الوقت.. قد تعتقد مخطئا أن خلط عملين مهمين في وقت واحد يعدُّ استغلالا للوقت، ولكن، ما يجب أن تعلمه، هو أن ذلك الخلط سيأتي بنتائج سلبية عكسا لما أردت، وسيتسبب في ضياع وقت أكثر من الوقت الذي ستستهلكه إذا ما حاولت أن تنجز كل واحد منهما في وقت خاص به.. خلط الأعمال ينصح به فقط في الأوقات التي تقوم فيها بأعمال غير مهمة، فيمكنك مثلا أن تخلط بين متابعة مسلسل تلفزيوني والدردشة في الفيسبوك، بل إن خلط هذا النوع من الأعمال غير المهمة يعد من الأمور التي ينصح بها لإدارة الوقت بشكل جيد.

النصيحة السابعة : احذر من التسويف، وابدأ من الآن، والآن تعني الآن...إن مواجهة التسويف تحتاج لأن تستشعر قيمة المهمة التي تقوم بها. وتذكر دائما أن اللحظة التي تعيشها الآن هي أفضل وأنسب توقيت لتبدأ عمل الغد الذي تفكر فيه والذي  كان عليك أن تنجزه غدا. لن أكرر على مسامعك في هذا المقال النصيحة التقليدية في إدارة الوقت ، والتي تقول لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد، بل سأقدم لك "نصيحة ثورية" تقول لا تؤجل عمل الغد إلى اليوم، بل حاول دائما أن تنجز عمل الغد في الأمس، وخصص ـ بالتالي ـ اليوم لإنجاز المهام التي برمجتها لما بعد غد، فمن يدري فقد تأتي في الغد وما بعد الغد ظروف وطوارئ تعيق إنجاز المهام التي برمجتَ مسبقا أن تنجزها في الغد وفيما بعد الغد.

النصيحة الثامنة : اضبط اتجاه بوصلتك وتوقيت ساعتك بشكل صحيح ودقيق، ولكي نفهم أهمية ضبط الساعة والبوصلة فسأخصص لكل واحدة منهما فقرة خاصة بها.

1 ـ ضبط البوصلة

لنفترض أن شخصا ما في العاصمة نواكشوط قرر أن يسافر إلى روصو، فذهب إلى وكالة لتأجير السيارات، وأجر سيارة في وضعية جيدة جدا، ثم مر بمحطة البنزين وملأ الخزان، ثم انطلق بعد ذلك، ولكنه بدلا أن يسلك طريق روصو سلك طريق الأمل. ما سيحدث بعد ذلك معروف، فصاحبنا هذا سيفاجأ بعد ساعتين أو ثلاث أنه في مدينة ألاك لا في مدينة روصو، وهو ما يعني أن المسافة التي أصبحت تفصله عن روصو تضاعفت عما كانت عليه لحظة انطلاقه!!!

في هذا النوع من الأسفار تكون لجودة السيارة وسرعتها نتائج سلبية جدا، وذلك لأنها ستبعدك أكثر عن المكان الذي كنتَ تنوي الوصول إليه، وربما يكون الأفضل في سفر كهذا، أن تستخدم سيارة متهالكة، فتعطل السيارة في هذه الحالة سيأتي بنتائج إيجابية لأنه سيقلل من كلفة الرجوع.

ثم إن الاستمرار في مواصلة السفر، والاستمرار مطلوب دائما لتحقيق الأهداف، سيبعدك أكثر عن الهدف، فكلما واصلتَ السفر دون تحديد اتجاه البوصلة بشكل صحيح، فستزداد بعدا عن الهدف، ولذا فقد قيل إذا أخذت القطار الخطأ، فحاول أن تنزل في أول محطة.

في أي رحلة ستقوم بها للوصول إلى أي هدف من أهدافك في العام 2025، عليك أولا أن تضبط البوصلة في الاتجاه الصحيح، لأن عدم ضبطها في الاتجاه الصحيح سيبعدك عن الهدف مسافة أطول. لنفترض مثلا أن شابا ما حدد هدفا في العام 2025 يتمثل في تقوية بنيته الجسدية لينافس زملاءه في بعض ألعاب القوى، ولكنه بدلا من أن يوجه البوصلة في الاتجاه الصحيح نحو الأغذية الصحية وممارسة الرياضة وجهها في الاتجاه الخطأ، أي إلى الوجبات السريعة ومتابعة المباراة بعد المباراة دون أي ممارسة للرياضة ولو لدقائق معدودة.

مثل هذا الشاب سيجد نفسه في نهاية العام 2025 ببنية جسدية مترهلة، أسوأ مما كانت عليه في مطلع العام، وربما يجد نفسه وقد أصيب بالسكري، والحصيلة ستكون أنه ابتعد بمسافة أكثر عن هدفه الذي كان يسعى لتحقيقه في العام 2025.

ولنفترض كذلك أن شابا آخر قرر أن يطلق مشروعا تجاريا صغيرا في العام 2025، ولكنه لم يوجه بوصلته بشكل صحيح، فظل يستيقظ متأخرا في كل يوم، ولم يتعلم خلال السنة أية مهنة، ولم يذهب إلى السوق ولا ليوم واحد للتكسب، فمن أين سيحصل هذا الشاب على المال أو المهارة التي سيعتمد عليها في إطلاق مشروعه التجاري الخاص؟

2 ـ اضبط الساعة

 وهذا لا يقل أهمية عن ضبط البوصلة، فلنفترض مثلا أن شخصا ما أراد أن يسافر إلى بلد خارجي، فقطع تذكرة حُدد له فيها موعد إقلاع الطائرة، ولكنه تأخر عن الموعد، ولم يصل إلى المطار إلا بعد دقائق من إقلاع الطائرة.

هناك كثيرون في العام 2025 سيسددون ثمن التذاكر، وسيبذلون جهدا كبيرا ليكونوا في رحلة العام 2025، ولكن الرحلة ستفوتهم  في نهاية المطاف، لأنهم ـ وببساطة شديدة ـ لم يضبطوا توقيت ساعاتهم بشكل جيد على المواعيد التي لا يمكن التأخر عنها في العام 2025 لتحقيق إنجازاتهم في هذا العام.

ختاما

على كل واحد منا في العام 2025  أن يضبط بوصلته بشكل جيد في الاتجاه الصحيح، وذلك حتى لا يكتشف في نهاية العام أنه كان يسير في الاتجاه الخطأ، وأنه قد ازداد بعدا عن أهدافه التي كنتَ يسعى ـ أو يتمنى على الأصح ـ تحقيقها في هذا العام.

وعليه أيضا أن يضبط ساعته بشكل دقيق على كل المواعيد المهمة في خطته الشخصية للعام 2025، فإن لم يفعل ذلك فإنه لن يصل إلى المطار إلا بعد أن تكون رحلة 2025 قد أقلعت إلى الماضي السحيق، ولن يكون أمامه في هذه الحالة  إلا أن ينتظر رحلة العام 2026، والراجح أنه سيضيعها أيضا، كما ضيع رحلة العام 2025.

فعلى كل واحد منا أن يضبط ساعته وبوصلته بشكل جيد في العام 2025، وبذلك سنجعل من هذا العام عام  تحقيق الإنجازات على المستوى الشخصي.

حفظ الله موريتانيا...

محمد الأمين الفاضل

Elvadel@gmai.com

الصور من آخر دورة  أقدمها عن إدارة الوقت في العام الماضي ( مساء الثلاثاء 31 دجمبر 2024)