أثار ملف الفساد الذي نشرت عنه منظمة الشفافية الشاملة ردود فعل متباينة صاحبها جدلا كبيرا، ومما زاد من حدة الجدل هو أن هذا الملف يتعلق بشركة تتبع لزين العابدين رئيس اتحاد أرباب العمل الموريتانيين، والذي هو في منافسة قوية مع رجل الأعمال محمد بوعماتو، والذي يُقال عنه أن له صلة ما بمنظمة الشفافية الشاملة، وأن المنظمة فتحت هذا الملف للإضرار برجل الأعمال زين العابدين.
هذا الإنحراف في النقاش كثيرا ما يحدث، وكثيرا ما يضر بمحاربة الفساد، ومن هنا تبرز أهمية وضع آليات للتعامل مع هذا النوع من الملفات المعقدة، والذي كثيرا ما ينحرف النقاش حوله إلى مواضيع أخرى تخدم الفساد وتحميه، وتفشل بالتالي كل محاولة يمكن أن تقوم بها أي جهة لكشف عملية فساد.
إنه من الضروري أن تكون لدينا معايير واضحة ومحددة نعتمد عليها للتعامل مع هذا النوع من الملفات، ومن تلك المعايير :
1- إن أول سؤال يجب علينا أن نجيب عليه هو : هل ما تم كشفه يتعلق بفساد حقيقي أم لا؟
هذا السؤال المفتاح علينا أن نجيب عليه من قبل أن نتخذ أي موقف، وبغض النظر عن حسن نية من كشف الملف أو سوء نيته ..لنبعد الهدف والقصد من كشف هذا الملف مؤقتا، ولنركز على محتوى الملف، فهل هناك فساد أم لا، فإن كان هناك فساد وقفنا بقوة مع من كشفه، وبغض النظر عن حسن نيته أو سوئها، فذلك هو ما تقتضيه المصلحة العليا للبلد، وإن كان ما في الملف مجرد تلفيق دون أدلة وقفنا مع الضحية، حتى وإن كنا ندرك أن لديه ملفات فساد أخرى.
تلخيصا لهذه الفقرة فإن ما يهمنا هو جوهر الملف وبغض النظر عن أي شيء آخر، فإن كان الملف يتعلق بفساد واضح طالبنا بمعاقبة المفسد مهما كان، وإن كان الملف يتعلق بتلفيق وتصفية حسابات غير مدعومة بأدلة طالبنا برد الاعتبار للضحية ومعاقبة الملفق ( نقطة نهاية).
2- لنفترض أن هذا الملف يتعلق بفساد حقيقي، ولكن من فتحه لم يفتحه لمصلحة وطنية، وإنما فتحه لتصفية حسابات مع خصم سياسي أو مع منافس في مجال الأعمال، أو لأي سبب آخر...حتى وإن تأكدنا من وجود استهداف للضحية فلا مشكلة ما دام الفساد تم إثباته بالأدلة..بل بالعكس علينا نحن ضحايا الفساد أن نشجع هذا النوع من تصفية الحسابات بين رجال الأعمال ما دام سيكشف لنا ملفات فساد جديدة لم تكن لدينا القدرة ولا الإمكانيات ولا الوسائل لكشفها.
3- إن تأكد للضحية أن كشف هذا الملف في هذا التوقيت بالذات يدخل في إطار تصفية حسابات مع رجل أعمال منافس، فالحل بسيط جدا، فعلى الضحية أن ينفق بعض أمواله ويستخدم بعض أتباعه لكشف بعض فساد خصمه ومنافسه، وهو إن كشف ملف فساد يتعلق بإحدى شركات خصمه، فإننا سنقف معه دون تردد حتى ولو أيقنا أنه لم يقم بذلك بحثا عن مصلحة عامة، وإنما قام به في إطار تصفية الحسابات مع منافس.
أن يكشف بعض رجال الأعمال فساد بعضهم الآخر فهذا أمر جيد وعلى ضحايا الفساد أن يرحبوا به ويشجعوه، خاصة وأن كشف الفساد وبالأدلة الدامغة يحتاج إلى جهد ووسائل قد لا تتوفر إلا لدى رجال الأعمال.
يتواصل .....
عندما تكتمل هذه الحلقات سيكون هناك بث مباشر بمضمونها إن شاء الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق