نُثَمن وننتقد (2)
"إن خيروك بين أمرين، فاختر
ثالثهما".
الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي "إدغار موران"
يصرُّ البعض على أن يحشر الآخرين ضمن بدائل نمطية وخيارات
محددة سلفا، وهو ما يعني إجبارهم على التفكير من داخل الصندوق. في كثير من الأحيان
قد نكون بحاجة إلى التفكير من خارج الصندوق للخروج بأفكار غير تقليدية، وربما
إبداعية.
وإذا ما قمنا بتنزيل هذا الكلام على الواقع السياسي، فسيعني
ذلك أنه إذا خيرك أحدهم بين المعارضة والموالاة، فإنه يمكنك إن لم تكن راضيا عنهما
معا ـ كما هو الحال بالنسبة لي ـ أن تختار
بديلا ثالثا لهما، لا يمكن تصنيفه على أنه معارضة خالصة أو موالاة خالصة.
هذا البديل أو هذا الخيار الثالث هو ما أطلقتُ عليه في مقالي
السابق خيار: "نثمن وننتقد" أو "ننتقد ونثمن".
في اعتقادي الشخصي أن هذا الخيار هو الخيار الأمثل في هذه
الفترة من تاريخ البلاد. إننا بالفعل بحاجة ماسة إلى كتلة أو تجمع سياسي غير
تقليدي قادر على أن يدعم ويثمن ما يستحق الدعم والتثمين دون تطبيل ودون بحثِ عن أي
مصلحة ضيقة أو خاصة، وقادر في الوقت نفسه على أن يعارض وينتقد ليس من أجل إظهار
عيوب النظام وتعريته، وإنما سعيا للإصلاح وحثا للقائمين على الشأن العام على معالجة
ما يقع من خلل وتقصير.
إننا بحاجة بالفعل إلى مثل هذا التوجه السياسي غير التقليدي،
والذي لن ترضى عنه الموالاة التقليدية ولا المعارضة التقليدية ولا جيوش المثبطين
والسلبيين الذين لا ينتجون أفكارا ولا يقدمون أعمالا مفيدة للوطن، وإنما يكتفون
فقط بتثبيط الآخرين إن حاولوا خدمة وطنهم بما هو متاح من أفكار ومن وسائل محدودة.
إن مثل هذا الخيار السياسي غير التقليدي ستفتح عليه النيران
من كل جهة إن تم الإعلان عنه، سيتلقى طعنات قوية من الأصدقاء والخصوم على حد سواء،
وسيواجه طعنات أقوى أخرى من قبل السلبيين والمثبطين الذين لا يحاربون في العادة
إلا الأفكار الجادة والبناءة.
نعم سيواجه مثل هذا الخيار السياسي غير التقليدي خصومات بلا
أول ولا آخر إن هو أُطْلِقَ، ولكن مع ذلك فإن الظرف الزمني سيكون في صالحه، وكما
يقول "فيكتور هيغو" فإنه لا توجد قوة في الأرض يمكن أن تقف في وجه فكرة
حان وقتها.
وبطبيعة الحال فإن هذا الخيار السياسي غير التقليدي بحاجة إلى
أشخاص بمواصفات غير تقليدية، مواصفات كنتُ قد تحدثتُ عنها في مقالي السابق، وسأختم
بها هذا المقال :
ـ أن لا يكون في ماضيهم أي شبهة فساد أو
تزلف أو تطبيل؛
ـ أن لا يكون قد عُرِف عنهم أي نشاط قبلي أو جهوي أو شرائحي؛
ـ أن لا يكونوا من طائفة السلبيين العدميين أو المثبطين أو
المكتفين بالتفرج على ما يجري في البلد من أحداث دون أن تكون لهم أي ردة فعل؛
ـ أن يكونوا من المؤمنين بأهمية الإصلاح الآمن والمتدرج، وكذلك
من المقتنعين بأن إصلاح المجتمع يبدأ أولا بإصلاح النفس؛
ـ أن يكونوا على استعداد للتبرع بساعة على الأقل من كل أسبوع
للخدمة العامة.
حفظ الله موريتانيا...
ألا ترى أستاذ الفاظل أن الاشتغال بإصلاح النفس والعمل التطوعي كفيلان بملأ وقت الشخص بحيث لا يبقى له متسع ولا اهتمام ربما بالخوض في الشأن العام؟
ردحذفتحياتي من المغرب.