سنتحدث في هذه الحلقة
الثالثة من سلسلة "معا لمحاربة الفساد" عن الدور الذي يمكن أن يلعبه
ضحايا الفساد في محاربة الفساد، وذلك بعد أن تحدثنا في الحلقتين السابقتين عن دور
السلطة والمعارضة في محاربة الفساد.
بدءا لابد من القول
بأني من الذين يفضلون استخدام عبارة " الانتفاضة ضد الفساد" بدلا من عبارة
"الحرب على الفساد"، وقد بينتُ أسباب ذلك في أكثر من مقال نشرته في
السنوات الأولى من العشرية الماضية، ومع بداية رفع شعار "الحرب على
الفساد"، فالحرب على الفساد ليست حرب سلطة، ولا حرب معارضة، وإنما يجب أن
تكون حرب ضحايا الفساد، وأغلب الشعب ـ إن لم أقل الشعب كله ـ ضحية من ضحايا الفساد،
ولذا فالانتفاضة الشعبية ضد الفساد هي الأنسب. ثم إن الحرب على الفساد لها طابعها
الرسمي، أما الانتفاضة على الفساد فلها طابعها الشعبي، وهي تتيح لجميع أفراد الشعب
المشاركة من خلال استخدام كل ما هو متاح من أسلحة لضرب الفساد والمفسدين، عكس
الحرب التي تحتاج دائما لاستخدام أسلحة محددة قد لا يكون استخدامها متاحا للضحايا.
وحتى إذا سلمنا بمصطلح "الحرب على الفساد"، فإنه على الضحايا أن لا يقبلوا بأن تخاض هذه الحرب بالوكالة عنهم أو نيابة عنهم، فعليهم أن يكونوا على الخطوط الأمامية في المواجهة، لأن الحرب حربهم من قبل أن تكون حرب أي جهة أخرى، ولأنهم هم المستفيد الأول من كسب هذه الحرب.
إنه ليس من الحكمة أن
يتخلف الضحايا عن أي حرب تُخاض ضد الفساد والمفسدين، ولا أن يتخلفوا عن مؤازرة
لجنة التحقيق البرلمانية، والتي تخوض اليوم واحدة من أهم معارك الحرب على الفساد. إنها
معركة تكريس مبدأ المساءلة والمحاسبة للرؤساء السابقين ولكبار المسؤولين
الحكوميين.
يحاول البعض أن يبرر
تقاعسه عن دعم لجنة التحقيق البرلمانية بحجج غير متماسكة منها:
1 ـ أن بعض النواب في
البرلمان وفي اللجنة تحوم حوله شبهات فساد..فهل الحل في هذه الحالة هو أن نوقف
مبدأ المحاسبة والمساءلة حتى ننتحب برلمانا لا يوجد به نائب واحد تحوم حوله أي
شبهة فساد؟ وهل الحل في هذه الحالة هو أن ننتظر حتى نؤسس جهاز قضاء لا يوجد به قاض
أو كاتب ضبط تحوم حوله أي شبه فساد؟ وهل الحل هو أن نوقف أي تحرك ضد الفساد
والمفسدين حتى نستورد برلمانا وجهازا
قضائيا من "نيوزيلاندا" مثلا، والتي تربعت على مؤشـر مـدركات الفسـاد
للعـام ً 2019؟
2 ـ هناك من يحتج بأن
الملفات التي تم فتحها هي ملفات محدودة، فهل الحل هو أن نفتح كل ملفات الفساد دفعة
واحدة؟ وهل يمكن أصلا أن نفتح كل ملفات الفساد في وقت واحد؟
إن تحقيق اللجنة
البرلمانية يشمل أهم ملفات العشرية التي تحوم حولها شبهات الفساد، وهذا أمرٌ مهم،
أما من يطالب بفتح كل الملفات دفعة واحدة، فهو يُطالب بالمستحيل، وهو بشكل أو بآخر
يقف ضد القيام بالممكن في انتظار أن يتحقق المستحيل من تلقاء نفسه!
3 ـ هناك من يدفع
بحجة أن هذا التحقيق ليس الهدف منه محاربة الفساد، وإنما هو استهداف شخصي للرئيس
السابق. لنفترض جدلا صحة ذلك، ولكن ألا تشكل سنة التحقيق مع الرؤساء السابقين بعد
انتهاء مأمورياتهم سنة حسنة؟ ألن يجعل ذلك الرئيس الحالي ومن سيأتي من بعده من
الرؤساء يتوقع أن يتم التحقيق معه من بعد خروجه من السلطة الشيء الذي سيجعله يتجنب
ممارسة أي فساد قد يسأل عنه بعد حين.
يُقال بأن الفاشل هو
ذلك الشخص الذي يرفض القيام بالممكن بحجة أنه سيحقق المستحيل. إن أفضل طريفة
لتحقيق المستحيل هي البدء في إنجاز الممكن، والممكن في الوقت الحالي هو دعم لجنة
التحقيق البرلمانية، ودعم المحكمة السامية التي قد يتم تشكيلها خلال الأيام
القادمة.
على ضحايا الفساد أن
يدعموا لجنة التحقيق البرلمانية، وأن يكونوا على الخطوط الأمامية في هذه المعركة،
ولا بأس من بعد ذلك بالدخول في معارك أخرى وفي رفع شعارات أخرى من قبيل المطالبة
بالتحقيق في أي عملية فساد أخرى يتم كشفها، أو المطالبة بوقف تدوير المفسدين،
واعتماد معيار الكفاءة والاستقامة في التعيينات.
حفظ الله موريتانيا...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق