هناك أسئلة عديدة أثارها
الحكم المخفف الذي أصدرته استئنافية نواذيبو بتشكيلتها المغايرة، ومن بين تلك
الأسئلة:
أين كاتب المقال المسيء؟
هذا هو السؤال الأكثر
ترددا على ألسنة الناس في أيامنا هذه، فهناك من يقول بأن كاتب المقال المسيء لم
يعد في موريتانيا، وهناك من يقول بأنه لم يخرج من البلاد، ولكل من القولين وجاهته،
ولكل منهما نقاط ضعفه.
فيما يخص القول بأن كاتب
المقال المسيء لم يخرج من موريتانيا، فإن أقوى حجة لدى القائلين به تبقى منشورا
كتبه أحد مستشاري الرئيس على صفحته، وكلمات مختصرة جدا نشرتها رابطة العلماء على
موقعها وذكرت من خلالها بأن التظاهر يوم الجمعة 10 نوفمبر غير مرخص، هذا فضلا عن
تصريح لنائب رئيس منتدى العلماء قال فيه بأن السلطات العليا أكدت له بأن المسيء لن
يخرج من موريتانيا ما دامت هي تحكم البلاد، وبأن ملفه سيعرض من جديد على المحكمة
العليا، وسينال في النهاية ما يستحق من عقوبة. ولكن تبقى لأسئلة المطروحة هنا :
لماذا لم تظهر أي صورة من المسيء في مكان اعتقاله الجديد؟ ولماذا لم تتم الطمأنة
من خلال تصريح رسمي من الناطق الرسمي باسم الحكومة؟ ولماذا لم يتم الطعن بالنقض
الذي كانت النيابة العامة قد وعدت به بعد إصدار الحكم المخفف على المسيء؟ ولماذا
لم يندد محاميا كاتب المقال المسيء بالحبس التحكمي الممارس الآن في حق موكلهما؟
ولماذا لم نسمع عن أي تصريح من المنظمات الغربية المتعاطفة مع المسيء يندد بعدم
إطلاق سراح كاتب المقال المسيء بعد صدور حكم استئنافية نواذيبو؟
وتبقى تلك الأسئلة عالقة
وبحاجة إلى إجابة مقنعة، وذلك في حالة تصديق الرواية التي تقول بأن المسيء لم يخرج
من موريتانيا، أما إذا ما صدقنا بخروجه، فإن الأسئلة التي ستطرح هنا فهي : لماذا
لم تظهر أي إشارة من المسيء أو من أحد محاميه أو من المنظمات الداعمة له تؤكد
خروجه من موريتانيا؟ ولماذا هذا الوجوم الذي يخيم على أصدقاء وحلفاء المسيء؟
ولماذا لم يلوح أي واحد منهم بإشارة نصر ظلوا ينتظرونه لعدة سنوات؟
هناك فرضيات يمكن من
خلاها أن نجمع بين هذه الروايات المتناقضة، ومنها أن المسيء يوجد الآن في مكان ما
داخل موريتانيا ولكن لا يخضع لسيادتها، أو أنه لا يزال يوجد في موريتانيا ولكن مع
تعهد بتسليمه عندما تخفف الاحتجاجات، لذلك فلم يندد محامياه ولا المنظمات الداعمة
له بحبسه التحكمي، أو أنه قد خرج من موريتانيا، ولكن الحكومة الموريتانية قد أخذت
تعهدا بالتكتم على ذلك من طرف الجهة المستقبلة إلى أن تهدأ الاحتجاجات المنددة
بالحكم المخفف.
ومن قبل أن أختم هذه
الفقرة، فلابد من القول بأنه إذا كان كاتب المقال المسيء لم يخرج حتى الآن من
موريتانيا، فمن الراجح في هذه الحالة بأن الحكومة ستقدم ما يؤكد ذلك، اليوم أو
غدا، وذلك في سعي منها لإفشال احتجاجات "جمعة لبيك يا رسول الله".
هل القضاء مستقل؟
هذا السؤال تم طرحه كثيرا خلال كل مراحل التقاضي التي
مر بها ملف المسيء، ولعل اللافت هنا أن الأحكام انتقلت من الإعدام إلى الحكم
بسنتين وغرامة مالية لا تتجاوز 60 ألف أوقية، أي من أقسى حكم إلى الحكم الأكثر
تخفيفا، فلو أن حكم التشكيلة المغايرة حكمت بالسجن المؤبد أو بالسجن لمدة عشرين
عاما لكان الأمر مقبولا من الناحية المنطقية، أما أن ننتقل من إعدام المسيء إلى
إطلاق سراحه، فإن ذلك قد زاد الشكوك في استقلالية القضاء. اللافت في الأمر هنا أن
الحكم بالإعدام قد جاء في عهد كان يقول فيه الرئيس بأن موريتانيا ليست دولة
علمانية، وكان يرخص فيه لأنشطة النصرة. أما الحكم الثاني، أي الحكم بإطلاق سراح
المسيء فقد جاء في زمن لا يرخص فيه لتظاهرات النصرة، ويتم فيه التنكيل بوحشية بكل
من يخرج في أي نشاط من أنشطتها السلمية، كما أنه قد جاء في زمن أصبح فيه الرئيس
يصرح بتصريحات تدافع إلى حد ما عن المسيء باعتبار أن هذا المسيء لم يكن يدرك خطورة ما قام به.
إن هذا الانتقال من الحكم بالإعدام إلى إطلاق سراح
المسيء، والذي تناسب مع تقلبات مزاج الرئيس، ومع أساليب تعامل السلطات الإدارية
والأمنية مع أنشطة النصرة ليزيد من الشكوك حول استقلالية القضاء.
هل الرئيس منزعج من الحكم المخفف على المسيء؟
تحدث بعض ممتهني النطق باسم الرئيس بأن الرئيس قد
انزعج كثيرا من الحكم المخفف الذي أصدرته استئنافية نواذيبو بتشكيلتها المغايرة،
وقال هؤلاء بأن الرئيس قد أعطى أوامره للنيابة العامة لتعقب على الحكم، وبذلك يكون
ممتهنو النطق باسم الرئيس قد كشفوا عن عدم استقلالية القضاء الذي يتلقى الأوامر من
الرئيس.
وإذا ما تجاوزنا استقلالية القضاء، وإذا ما
افترضنا جدلا بأن الرئيس لم يطلع على الحكم المخفف إلا من بعد صدوره، وإذا ما
اعتبرنا بأن توقيع منطوق القرار بتاريخ يسبق الجلسة التي نطق فيها بالحكم كان مجرد
خطأ مطبعي، إذا ما تجاوزنا كل ذلك، واكتفينا بطرح السؤال : هل انزعج الرئيس من
الحكم المخفف الذي لم يأخذ به علما إلا من بعد النطق به؟
فإن الجواب الذي سيتبادر إلى الذهن يقول بأن
الرئيس لم ينزعج من هذا الحكم المخفف، بل إن كل الدلائل تشير بأنه كان يريد حكما
مخففا كهذا، وإذا كان الرئيس قد انزعج من أي شيء في الأيام الماضية فسيكون ذلك
الشيء هو الاحتجاجات الرافضة للحكم المسيء، والتي تم التعامل معها بالتنكيل
وبوحشية لم تسلم منها النساء اللواتي نظمن تظاهرة سلمية خاصة بهن، مساء الثلاثاء
الموافق 14 نوفمبر 2017.
لماذا الجرأة على الدستور والتحفظ من تغيير
القانون الجنائي؟
لما أسقط الشيوخ التعديلات الدستورية قرر الرئيس
ـ في انتهاك بين للدستور ـ أن يتجاوز مواد الدستور الخاصة بالتعديلات الدستورية وأن
يلجأ إلى المادة 38 لتمرير تعديلاته الدستورية.
هذه الجرأة على الدستور غابت عندما تعلق الأمر
بالقانون الجنائي وبالمادة 306، فلماذا لا يتم تغيير هذه المادة هذا إذا ما افترضنا
جدلا بأن إساءة ولد أمخيطير لا يمكن تكييفها على أنها زندقة، وأنه لا يمكن تعزيره؟
فلماذا لم تتقدم الحكومة بمشروع قانون أو يتقدم البرلمان بمقترح قانون ينص على
عقوبة أقسى لمن يسيء إلى المقدسات، خاصة وأننا نعيش في عهد تجرأ فيه كثيرون على
الإساءة إلى المقدسات؟
أين العلماء؟
هذا سؤال كثر طرحه في الأيام الأخيرة، فلم يكن من
المتوقع أن يغيب العلماء في مثل هذا الوقت بالذات. لقد غاب أكثر العلماء في أيام
كان عليهم فيها أن يتصدروا المشهد، إما بقيادة التظاهرات المنددة بالحكم المسيء
وترشيد هذه التظاهرات، أو بالإفتاء وتبيان أن الحكم الصادر عن التشكيلة المغايرة لم
يكن مخففا، وأن التظاهر للتنديد به لا يجوز شرعا.
غاب العلماء، وغاب أولئك الذين تعودنا منهم أن
ينتصروا للمذهب المالكي في كل كبيرة وصغيرة. لقد غابوا في زمن تفشى فيه الإلحاد
والإساءة، وباعت فيه استئنافية نواذيبو عرض الرسول صلى الله عليه وسلم ب 60 ألف
أوقية.
ما هو مصير شعار "رئيس العمل
الإسلامي"؟
لقد تم الاعتداء في عهد "رئيس العمل
الإسلامي" على المقدسات بشكل لم يحصل في عهد الرؤساء الذين سبقوه، فتم حرق
أمهات كتب الفقه المالكي برعاية رسمية وبتغطية من التلفزيون الرسمي، وتم حرق
المصحف، وتم التشكيك في عدالة النبي صلى الله عليه وسلم.
لقد كثرت الإساءات على المقدسات في زمن رفع شعار
"رئيس العمل الإسلامي"، ولقد ازداد الفقراء معاناة في زمن شعار
"رئيس الفقراء"، ولقد تفشى الفساد في زمن الحرب على الفساد، وازداد
التعليم انهيارا في سنة التعليم. إن كل ذلك سيوصلنا إلى استنتاج غريب مفاده أنه كل
ما تم الاهتمام رسميا بقطاع معين، وكلما رفعت الشعارات لصالح ذلك القطاع، فإن ذلك
سيعني المزيد من الانهيار لذلك القطاع، وحتى لا أظلم النظام الحالي، فلا بأس من
التذكير بأن نسبة القضاء على الأمية التي كانت شعارا في عهد ولد الطايع قد تراجعت
بعد تأسيس وزارة لمحو الأمية!!
أين شجاعتكم؟
من الظواهر اللافتة في مسار ملف المسيء أن هناك
من كان يقول بأنه لن يشارك في تظاهرات النصرة، وذلك لأن هذا الحراك تقوده زعامات
"مشبوهة"، وفي ذلك القول شيء من الوجاهة، ولكن اللافت هنا أنه لما أصبح
الحراك بلا قيادات في موسمه الحالي أصبح هؤلاء يقولون بأنهم لن يشاركوا في تظاهرات
النصرة لأنها بلا قيادات. نفس هؤلاء كانوا يقولون بأنهم لن يشاركوا في تظاهرات
النصرة، وذلك لأنها مرخصة وتحت رعاية رسمية، واليوم فإنهم يقولون بأنهم لن يشاركوا
في أنشطة النصرة وذلك لأنها غير مرخصة وقد تتسبب في الفوضى. بالأمس كانوا يقولون
بأنهم لن يشاركوا في أنشطة النصرة وذلك لعدم صمود المحتجين، ولما صمد المحتجون في
جمعة الغضب بدؤوا ينتقدون صمودهم بحجة أن صمودهم سيؤدي إلى دخول أطراف أخرى على
الخط وإلى حدوث فوضى.
هذه الطائفة عليها أن تكون أكثر شجاعة، وأن تقول
ـ وبصراحة ـ بأنها لن تشارك في أي نشاط للنصرة، مرخصا كان أو غير مرخص، له قيادات
أو بدون قيادات، صمد المشاركون فيه أو لم يصمدوا.
يبقى حراك النصرة هو الحراك الأكثر كشفا للأقنعة،
فبالإضافة إلى كشفه لحقيقة هذه الطائفة الأخيرة، فإن حراك النصرة قد فضح كلا من :
ـ صاحب العمامة الزرقاء وحامل لقب "رئيس
العمل الإسلامي"
ـ بعض الشخصيات الدينية والقانونية وبعض رجال
الأعمال الذين حاولوا أن يقودوا الحراك في فترة من الفترات.
ـ بعض العلماء الذين تعودنا منهم الانتصار للمذهب
المالكي ولأحكامه.
ـ بعض أولئك الذين تعودنا منهم الدفاع عن القضايا الإسلامية.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق