هناك أسئلة قد أصبح من الضروري جدا طرحها على
المعارضة التقليدية في موريتانيا، وذلك بعدما قررت هذه المعارضة أن تغيب عن الفعل
النضالي وبالتالي عن المشهد السياسي في واحدة من اللحظات السياسية الأكثر دقة
والأكثر أهمية.
غابت المعارضة التقليدية عن الفعل الاحتجاجي والنضالي،
وذلك بعد أن شهدت البلاد حدثين سياسيين بارزين يتعلق أولهما بإسقاط مجلس الشيوخ للتعديلات
الدستورية، ويتعلق الثاني بمقاطعة الشعب الموريتاني لاستفاء الخامس من أغسطس.
أسقط الشيوخ التعديلات الدستورية وقاطع الشعب
الموريتاني الاستفتاء، وكان على المعارضة الموريتانية أن تحمي وتدافع عن تصويت
الشيوخ وعن مقاطعة الشعب الموريتاني للاستفتاء، ولكنها لم تفعل.
الأخطر من ذلك كله هو أنها تركت السلطة تنفرد
بالشيوخ وتصفي الحساب معهم، في حين اكتفت هي بالتفرج، وفي أحسن الأحوال بإصدار بعض
البيانات أو تنظيم مؤتمرات صحفية، وكأن الأمر لا يتعلق بمنعرج سياسي حاسم وبمعركة
فاصلة ستحدد نتائجها اتجاه بوصلة المسار الديمقراطي ومستقبل هذه البلاد لسنوات
قادمة، بل وربما لعقود القادمة.
يختطف الشيخ محمد ولد غدة ليلا من منزله، ويرمى
به في السجن، ويمر على عملية الاختطاف والسجن شهر كامل ومع ذلك لم يسجل للمعارضة
الموريتانية أن نظمت وقفة احتجاجية واحدة للمطالبة بالإفراج عن هذا السيناتور الذي
لم يرتكب من ذنب سوى أنه كان على رأس الحربة في إسقاط التعديلات الدستورية من طرف
مجلس الشيوخ، وكان من أبرز الشيوخ الذين حاولوا كشف بعض ملفات الفساد، وترأس لجنة برلمانية
للتحقيق في ملفات فساد شائكة.
كانت الوقفة الأولى بدعوة من أقارب السيناتور محمد
ولد غدة وبمؤازرة من بعض النشطاء الشباب،
وغاب عنها قادة أحزاب المعارضة التقليدية كما غابت عنها قواعدهم، وكانت الوقفة
الثانية بدعوة من لجنة المؤازرة، وهنا غاب، وبشكل كامل، وأقول بشكل كامل، أكبر
حزبين معارضين، حيث لم يحضر أي من قادة "تواصل" و"التكتل"،
ولا أي مناضل يمكن أن يحسب من قريب أو من بعيد على أي من الحزبين.
يتم وضع أحد عشر شيخا تحت الرقابة القضائية، ويتم
استجلاب شيخ مقاطعة بابابي ينجه ولد أحمد شلَّ من طرف الشرطة إلى مبنى العدالة وهو
شيخ ثمانيني ويعاني من المرض ومع ذلك لا تتحرك المعارضة لمؤازرة هؤلاء الشيوخ
الذين كان ذنبهم الوحيد أنهم صوتوا ب"لا" على التعديلات الدستورية.
إذا ظلت الأمور تسير في هذا الاتجاه، وإذا ظلت
المعارضة التقليدية تمارس هواية التفرج، أو تكتفي في أحسن الأحوال بإصدار بيان من
حين لآخر، ودون أن تدفع ببعض مناضليها أو قادتها إلى السجن، فعليها أن تعلم في هذه
الحالة بأنها قد استقالت من مهامها، وبأنها قد تركت الصراع في لحظة سياسية فاصلة بين
السلطة والشيوخ، وبالمناسبة فإن أغلبية هؤلاء الشيوخ الذين تصفي معهم السلطة
الحساب ينحدرون في الأصل من الموالاة، حتى شيوخ "تواصل" فقد تعمدت
السلطة أن لا تجعلهم من بين المشمولين في الملف.
إذا ظلت الأمور تسير في هذا المنحى فإن الصراع
السياسي سيتحول إلى صراع بين السلطة والشيوخ، وربما يتحول في مرحلة لاحقة إلى صراع
بين الرئيس محمد ولد عبد العزيز ورجل الأعمال محمد ولد بوعماتو، وقد ظهرت بوادر
ذلك بتغيير اسم الملف (رقم 04 ـ2017 ) من ملف "ولد غدة وآخرون" إلى ملف "ولد
بوعماتو وآخرون".
على المعارضة التقليدية أن تنزل الآن إلى الميادين، وأن تدفع ببعض مناضليها
وقادتها إلى السجون، وإلا فعليها أن تصدر بيانا تعلن فيه عن استقالتها من مهامها وعن
اعتزالها للعمل السياسي وتسليم لواء النضال من بعد ذلك ل33 شيخا ورجل أعمال، ومعظم
هؤلاء ينتمي إلى الموالاة، وهو ما يعني بأن الصراع السياسي قد تحول إلى صراع بين
الموالاة والموالاة.
دعونا نقلها بصراحة، إن حال المعارضة التقليدية
من بعد استفتاء الخامس من أغسطس، لا بشر بخير..صحيح أننا نعيش فترة العطلة
الصيفية، وصحيح أن الحشد والتظاهر في هذه الفترة هو أمر في غاية الصعوبة، ولكن
الصحيح أيضا أن ترك الشيوخ يخوضون لوحدهم واحدة من أهم المعارك السياسية والنضالية
في تاريخ البلاد لهو أمر مشين، مشين، مشين.
كان بإمكان الشيوخ أن يقولوا لقد أدينا واجبنا بل
وأكثر من واجبنا، وذلك عندما صوتنا ب"لا" على التعديلات الدستورية، وإنه
علينا من بعد ذلك أن نريح وأن نستريح. ولهم الحق في أن يقولوا ذلك، فقد كان
تصويتهم ب"لا" في يوم السابع عشر من مارس هو أقوى ضربة سياسية يتلقاها
الرئيس محمد ولد عبد العزيز منذ وصوله إلى السلطة وحتى الآن.
كان بإمكان الشيوخ أن يقولوا لقد أدينا واجبنا
النضالي والسياسي في يوم السابع عشر من مارس، وعلينا أن نريح وأن نستريح، وكان
بإمكان السيناتور ولد غدة أن يذهب إلى إحدى العواصم الأوروبية ليقضي عطلة طويلة،
وسيظل الموريتانيون يذكرونه بخير لما قام به من دور مشهود في إسقاط التعديلات
الدستورية، ولكن السيناتور ولد غدة اختار أن يبقى هنا لكشف ملفات الفساد الأكثر
خطورة، وليكون في الصفوف الأولى في أي وقفة و في أي مسيرة احتجاجية تنظمها المعارضة
الموريتانية.
لقد اختار السيناتور محمد ولد غدة الطريق إلى
السجن، وذلك لما قرر أن يتحدث بجرأة عن بعض ملفات الفساد، ولما قرر أن يكون في
الصف الأول في أي وقفة أو مسيرة تنظمها المعارضة، ولما ألقي به في السجن قررت
المعارضة أن تتخلى عنه هو وصحبه، وأن تنشغل هي بقضاء عطلتها السنوية.
كان من المفترض بالمعارضة التقليدية أن لا تترك
النظام في راحة، وخاصة بعد أن وجه له الشعب الموريتاني صفعة قوية يوم الخامس من
أغسطس، جاءت من بعد صفعة قوية أخرى كان قد وجهها له الشيوخ في يوم السابع عشر من
مارس. وكان على المعارضة أن تفتعل معارك سياسية مع النظام من بعد الخامس من أغسطس،
وذلك حتى لا تعطيه فرصة ليرتب أوراقه من بعد زلزالي الخامس من أغسطس والسابع عشر
من مارس.
ذلك هو ما كان يفترض بالمعارضة التقليدية، ولكن
الغريب هو أن المعارضة لما أعطاها النظام فرصة ثمينة لمواصلة نضالها، وذلك باختطافه
للسناتور محمد ولد غدة من منزله وبوضعه لشيوخ آخرين تحت الرقابة القضائية، قررت هي
أن تنسحب من الميادين وأن تدخل في عطلتها السنوية، وأن تترك الشيوخ يتحركون
لوحدهم، وبالمناسبة فإن كتابة هذا المقال قد تزامنت مع وقفة ينظمها الآن عدد من الشيوخ
أمام المجلس، ستتبعها غدا وقفة في وادان تضامنا مع شيخ المقاطعة، وذلك بعد أن تم
تنظيم ثلاث وقفات في باسكنو تضامنا مع شيخ
دائرة المغرب العربي.
إن مثل هذا التصرف الخطير سيعطي انطباعا سيئا لكل
من سيفكر مستقبلا في النزول إلى ميادين النضال، وسيجعله يتساءل لماذا أنزل إلى
ميادين النضال مادامت المعارضة التقليدية، وهي المعنية الأولى بالنضال، ستتركني مكشوفا
أمام الأجهزة الأمنية والقضائية لسلطة باطشة؟
على المعارضة التقليدية أن تعلم بأنها قد ارتكبت
في الفترة الأخيرة أخطاء سياسية وأخلاقية شنيعة، وعليها أن تعترف بتلك الأخطاء وأن
تصححها في أسرع وقت، وإلا فعليها أن تقدم استقالتها، وأن تعلن عن اعتزالها للعمل
السياسي.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق