في مطلع هذا
العام، وتحديدا في يوم 10 يناير 2017، نشرتُ مقالا تحت عنوان "حتى لا يتفكك
المنتدى في لحظة سياسية حرجة!"،
وقد تحدثت في ذلك المقال عن بعض الأخطاء التي ارتكبتها المعارضة في السنوات
الأخيرة، والتي كان من بينها أنها ظلت تصر
دائما على تشكيل تكتلات سياسية بإمكانها أن تحافظ على نوع من الانسجام والتماسك في
الظروف السياسية العادية، ولكن تلك التكتلات سرعان ما تتفكك عند حدوث أول اختبار
جدي، وفي لحظات سياسية حرجة، وقد تقدمتُ في ذلك المقال بعرض أمثلة محددة من حالات
التفكك.
وفي كل حالات التفكك تلك
كانت التكتلات المعارضة تفشل في اتخاذ قرار توافقي، وكان ذلك الفشل يؤدي إلى
انسحاب الأقلية، وكانت الأقلية تنسحب وهي ترفع حجة مقنعة في ظاهرها، تقول بأن
القرارات في هذه التكتلات لا يمكن أن تؤخذ إلا بالإجماع، وبما أن الإجماع قد تعذر،
فإنه يبقى لها الحق في اتخاذ القرار الذي تراه مناسبا.
لقد طالبتُ في ذلك
المقال بضرورة مراجعة آلية اتخاذ القرار، ولقد قلتُ بأن تلك الآلية يجب أن لا تظل
معلقة بالإجماع والتوافق، ففي الحالات التي لا يحصل فيها إجماع ولا توافق على قرار
أو موقف معين، فإنه يكون من اللازم اللجوء إلى آلية للحسم تخضع فيها الأقلية لموقف
الأغلبية، فذلك هو ما تمليه الديمقراطية، وذلك هو ما تفرضه هذه المرحلة السياسية
الحرجة من تاريخ بلادنا.
اليوم أكرر نفس
المطلب بعد أن تعذر حصول إجماع في قرار المنتدى المتعلق بمقاطعة الاستفتاء الذي
تعد السلطات بتنظيمه في الخامس من أغسطس، أي في يوم يقع بين ذكرى انقلابين: انقلاب
3 أغسطس 2005 وانقلاب 6 أغسطس 2008.
إن عدم تمكن المنتدى من اتخاذ موقف موحد من مقاطعة الاستفتاء ليؤكد مرة أخرى على أهمية
المطالبة بضرورة مراجعة آليات اتخاذ القرار داخل المنتدى، خاصة وأن البلاد مقبلة
على مرحلة سياسية حاسمة قد تشكل فرصة للتغيير، إن تم استغلالها أحسن استغلال، ولكن
ضرورة التذكير بأهمية مراجعة آليات اتخاذ القرار داخل المنتدى يجب أن لا تمنعنا من
التذكير بأمور مهمة أخرى قد يكون لبعضها جوانبه الإيجابية.
(1)
إذا كان المنتدى
بمقاطعته للاستفتاء المنتظر قد خسر حزبين مهمين، وهما حزب اللقاء الديمقراطي، والحركة
من أجل إعادة التأسيس، إلا أن هذه المقاطعة قد مكنته في المقابل من تشكيل تحالف
أوسع مع ستة أحزاب سياسية أخرى بالإضافة
إلى حركة وحراك : التكتل، إيناد، الصواب، الوطن، التحالف من أجل العدالة
والديمقراطية، القوى التقدمية للتغيير، إيرا، محال تغيير الدستور.
يعني هذا الكلام بأن
المعارضة ستخرج في تحالف أوسع مما كانت عليه، وأقول ذلك لأن البعض قد يركز على
تفكك المنتدى وخسرانه لحزبين مهمين، ويتناسى أو يتجاهل بأن التحالف الجديد قد مكن
المنتدى من التنسيق مع ستة أحزاب وحركتين، ويعني هذا بأن المعارضة ستخرج في تحالف
أوسع مما كانت عليه من قبل.
(2)
ستحاول السلطة عن
طريق عملائها في الإعلام والمعارضة أن تشعل حربا شرسة بين المعارضة المقاطعة للاستفتاء
ومن قرر المشاركة، وقد يساعدها في ذلك بأن خطاب المعارضة المقاطعة سيركز في
المرحلة القادمة على عدم دستورية الاستفتاء وعلى عبثيته وعلى أهمية عدم المشاركة
في هذا الاستفتاء، بينما سيركز الحزبان المشاركان على أهمية المشاركة في الاستفتاء
وضرورة التصويت ب"لا"، وفي اعتقادي فإن مؤسسات الإعلام الرسمي وملحقاته من الإعلام
الخاص ستفتح أبوابها في الأيام القادمة ـ وبشكل واسع ـ للحزبين المعارضين اللذين قررا المشاركة في الاستفتاء،
ولذلك فإنه من اللازم التنبيه على أهمية أن يتجنب الحزبان المعارضان المشاركان في
الاستفتاء أي انتقاد لموقف المعارضة المقاطعة، بل عليهما أن يثمنا ذلك الموقف كلما
أتيحت لهما الفرصة لذلك. كما أنه على المعارضة المقاطعة في المقابل وعلى المدونين
بشكل خاص أن يركزوا على عبثية الاستفتاء وعلى أهمية المقاطعة، ولكن دون التركيز
على ذكر وتخصيص الحزبين المعارضين اللذين قررا المشاركة.
(3)
هناك ما يسمى
باستثمار المشاكل والأزمات، وهو يعني أن نجعل من أزمة ما أو من مشكلة ما فرصة
لتحقيق المزيد من المكاسب والانتصارات. وفي حالتنا هذه فإنه يمكن أن نجعل من
مشاركة حزبين معارضين في الاستفتاء القادم فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب
السياسية، ويمكن أن يتم ذلك إذا ما حاولنا أن نجعل من الموقفين المتناقضين مواقف
متكاملة يكمل بعضها بعضا، بدلا من أن نجعل منها مناسبة للتصادم وللتراشق وللمواجهة
الإعلامية داخل فسطاط المعارضة.
إن هناك من المعارضين
ومن غير المعارضين من يرى بأهمية المشاركة في الاستفتاء والتصويت بلا على
التعديلات الدستورية، وهذا الطيف من الشعب الموريتاني وبغض النظر عن نسبته وعن
حجمه يحتاج لمن يمثله ولمن يعبر عنه، فِلمَ لا نتح للحزبين المعارضين المشاركين
الفرصة ليمثلا ذلك الطيف؟ ينضاف إلى ذلك بأن المعارضة بحاجة إلى كشف وتوثيق بعض
عمليات التزوير الواسعة التي ستقوم بها السلطة في الاستفتاء القادم، وهي عمليات
تزوير ستباركها المعارضة المحاورة لأنها في مصلحتها، فَلِم لا نتح للحزبين
المعارضين اللذين قررا المشاركة في الاستفتاء الفرصة لكشف وتوثيق ما يمكن كشفه
وتوثيقه من عمليات التزوير؟ بل أكثر من ذلك فإنه قد يكون من المهم أن توفر
المعارضة المقاطعة ما يمكن توفيره من كوادر وأطر، وأن تضع يوم الاستفتاء أولئك
الكوادر والأطر تحت تصرف الحزبين المعارضين اللذين قررا المشاركة ليساهموا في كشف
وتوثيق عمليات التزوير الواسعة، والتي من المؤكد بأنها ستتم في يوم الاستفتاء
المنتظر.
إن البحث عن تكامل في
الأدوار بين أغلبية المعارضة المقاطعة وأقليتها المشاركة سيمكن المعارضة من القول
بأنها قد قاطعت الاستفتاء، وذلك لأن أغلبيتها الكبيرة قد قاطعت، كما أنه سيمكنها
من كشف وتوثيق ما يمكن كشفه وتوثيقه من عمليات التزوير التي ستحدث في الاستفتاء
القادم إن تم تنظيمه، وهنا تكون المعارضة قد ضربت عصفورين بحجر واحد، وتكون بذلك قد
جمعت بين إيجابيات المقاطعة وإيجابيات المشاركة.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق