شكل تصويت 33 شيخا في
يوم السابع عشر من مارس ب "لا" على مشروع التعديلات الدستورية هزة قوية في أركان النظام الحاكم، وهي الهزة التي لا
تزال آثارها تتفاعل وتنخر جسم هذا النظام المتهالك، وشكلت من بعد ذلك الليلة
الوطنية التي نظمتها الشيخة والفنانة المعلومة بنت الميداح هزة أخرى في أركان هذا النظام المتهالك حتى وإن لم
تكن بقوة هزة السابع عشر من مارس.
الهزة الثانية، والتي
كان وراءها الشيوخ أيضا، لا شك أنها ستزيد من ارتباك النظام المرتبك أصلا، وستزيد
من تآكله من الداخل، وقد أحسن الشيوخ عندما أصروا على بقائهم في الموالاة الداعمة،
وأعلنوا في الوقت نفسه ـ وعلى لسان الشيخة الفنانة ـ بأنهم يعتبرون رفضهم للتعديلات الدستورية بأنه
كان موقفا مشرفا، وبأن مسار التعديلات الدستورية قد أصبح لاغيا من بعد ذلك الرفض.
كانت رسائل الليلة
الوطنية رسائل واضحة وقوية، حتى وإن خلت تلك الرسائل من حدة تمنى بعض المعارضين
سماعها، وكان في إصرار الشيوخ على البقاء في الموالاة مع رفضهم القوي للتعديلات
الدستورية، كان في ذلك الموقف الكثير من الذكاء والدهاء السياسي.
لقد عانت المعارضة الموريتانية
في السنوات الأخيرة من أحزاب ومن شخصيات تحمل لواء المعارضة، ولكنها تعمل عمل
الموالاة وتتخذ مواقفها السياسية بعقلية موالية، وكانت هذه المعارضة الموالية هي
من يبرر للنظام حواراته وانتخاباته، وهي من يبرر له اليوم الانقلاب على الدستور من
خلال الدبابة 38، عفوا من خلال المادة 38.
إن أحزاب التحالف
الشعبي التقدمي والتحالف الديمقراطي والوئام وكتلة المواطنة، والتي تصر على رفع
لواء المعارضة، وذلك على الرغم من أنها تعمل عمل الموالاة، وتفكر بعقلية موالية، إن
هذه الأحزاب التي لم تعد لها أي علاقة بالمعارضة، ومع ذلك تصر على الانتساب لها، هي
من يضر بالمعارضة وبالعمل المعارض، وهي من يبرر ويشرع سياسيا المسار الأحادي
للنظام، وذلك من خلال مشاركتها باسم المعارضة في هذا المسار الأحادي.
ومن أجل أن يكون هناك
رد من جنس العمل، فإن المعارضة بحاجة اليوم إلى موالاة معارضة، أي موالاة ترفض
التعديلات الدستورية، وتعمل من أجل إفشالها، ولكن من داخل الموالاة، وتحت راية
الموالاة، وهذا الدور هو ما يقوم الآن به الشيوخ وبكفاءة عالية.
إن الخطابات النارية
التي أطلقتها شيخة نواذيبو من داخل المهرجانات الداعمة للتعديلات الدستورية والتي
انتقدت فيها وبشكل لاذع الحزب الحاكم والحكومة لتستحق التقدير والتثمين، ولاشك أنها
قد تشكل هي الأخرى ضربة موجعة للنظام المتهالك تنضاف إلى الضربات الموجعة التي بدأ
الشيوخ في توجيهها للنظام منذ السابع عشر من مارس وحتى اليوم. إن ما يقوم به
الشيوخ من جهد نضالي كبير لإسقاط التعديلات الدستورية ليستحق التشجيع والتقدير من
الجميع، ومن المؤكد بأن هذا الجهد المقدر سيكون له بالغ الأثر في حاضر البلاد وفي
مستقبلها السياسي.
إن بقاء شيوخ الحزب
الحاكم الرافضين للتعديلات الدستورية في الموالاة، وإصرارهم على التذكير بموالاتهم
كلما كانت هناك ضرورة لذلك ليعد موقفا في غاية الذكاء السياسي، وربما يكون من
المهم أن يشكل الشيوخ في المستقبل نواة أو كتلة موالية تحتضن كل الموالين الرافضين
للتعديلات الدستورية من خارج مجلس الشيوخ، وإن تشكلت مثل هذه الكتلة الموالية
الرافضة للتعديلات الدستورية فإن تأثير أنشطتها قد يكون أشد إرباكا للنظام ولمسار
التعديلات الدستورية من كل أنشطة المعارضة.
وتبقى كلمة
لقد كانت الليلة
الوطنية، ليلة وطنية بحق، ففي هذه الليلة تم الحديث باللغات الوطنية فقط، ولم نسمع
أي كلمة تم إلقاؤها باللغة الفرنسية، ولا أخرى ترجمت إليها، ونادرا ما يحدث مثل
ذلك في هذه البلاد التي تعود ساستها ومثقفوها أن يتحدثوا بلغة غير دستورية، وغير
وطنية.
ومن الملاحظ كذلك
بأنه في هذه الليلة الوطنية لم نسمع حديثا ممجدا لجهة ما أو لقبيلة ما كما يحدث في المهرجانات الداعمة للتعديلات
الدستورية، وإنما سمعنا حديثا وأغنية يمجدان الدستور والشعب و الشيوخ والجيش
وللوطن.
حفظ الله
موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق