لا أجد فرقا كبيرا بين
الأسلوب الذي اعتمدته السلطة للسطو على الدستور، وذلك الأسلوب الذي اعتمده اللصوص
للسطو على أحد فروع البنك الموريتاني للتجارة الدولية. وإذا كان الرئيس قد وجد بعض
الفقهاء الدستوريين الذين لم يذكر أسماءهم برروا له عملية السطو على الدستور، فإن
اللصوص وجدوا هم أيضا من رجال القانون من قال بأن الدستور الموريتاني يكفل لهم حق
الخروج بمسروقاتهم.
السطو على الدستور
بالعودة إلى وثيقة التعديلات
الدستورية التي قدمها الحزب الحاكم في الحوار الأحادي الذي تم تنظيمه في الفترة ما
بين (29 سبتمبر إلى 20 أكتوبر 2016) فسنجد
بأن السلطة على قناعة بأنها تقوم الآن بعملية سطو وتلصص على الدستور، وبأنها تحاول
أن تنفذ عملية السطو هذه من خلال المادة 38 من الدستور الموريتاني.
في الوثيقة المذكورة سنجد أن
هناك فقرة تقول : "وفيما يتعلق بالباب الخاص بالمراجعة الدستورية، نقترح
استحداث فقرة تعطي لرئيس الجمهورية حق تقديم المشروع الذي يتخذ بشأنه مبادرة
اقتراح أي تعديل دستوري وتقديمه إلى الاستفتاء الشعبي مباشرة، وبذلك تتم إزالة
الغموض الذي كان يكتنف تأويل المادة 38 من الدستور، وذلك كما يلي: لرئيس الجمهورية
أن يعرض مباشرة عن طريق استفتاء مبادرته بتعديل الدستور."
إن القراءة الفطنة
والمتأنية لهذه الفقرة من الوثيقة لتؤكد بأن الحزب الحاكم كان على قناعة تامة بأن
الدستور الموريتاني لا يسمح لرئيس الجمهورية بتقديم أي مقترح مشروع لتعديل الدستور
إلى الاستفتاء الشعبي بشكل مباشر، ومن هنا وجد الحزب الحاكم بأن هناك ضرورة ملحة
لتقديم مقترح في وثيقته يزيل الغموض عن المادة 38، ويتيح بالتالي لرئيس الجمهورية
إمكانية العرض المباشر لمبادراته بتعديل الدستور على الاستفتاء الشعبي. أما العرض
غير المباشر لأي مبادرة من هذا النوع فيجب أن يمر ـ وكما هو معلوم لدى الجميع ـ بالباب الحادي عشر من الدستور الموريتاني، وهو
الباب المتعلق بالتعديلات الدستورية، والذي توجد به فقرة من المادة 99 تقول :
" لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء الجمعية
الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء". إن هذه
الفقرة واضحة وصريحة جدا، وهي تقول بأنه لا سبيل لتقديم أي مقترح لتعديل الدستور إلى
الاستفتاء الشعبي إلا إذا صادق عليه ثلثا أعضاء الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ. أما
إذا تم تقديمه إلى الاستفتاء الشعبي دون مصادقة (3/2) من أعضاء البرلمان
الموريتاني، فإننا في هذه الحالة نكون أمام عملية تلصص واضحة على الدستور
الموريتاني.
يبقى أن أقول بأن أساليب
الحراسة لدى البرلمان الموريتاني ضعيفة جدا، وبأنها لا تختلف عن أساليب الحراسة
التي كانت موجودة في البنك لحظة حدوث عملية
السطو. فلو كانت الحراسة قوية لدى البرلمان الموريتاني لاعتبرت الجمعية الوطنية
بأن تصويت 33 شيخا ب "لا" قد أصبح في نهاية المطاف تصويتا لها ولكل البرلمان
الموريتاني، وبأن عليها أن تدافع عن هذا
التصويت، وأن تقف إلى جانب مجلس الشيوخ لرفض أي استفتاء شعبي عن طريق المادة 38، لأن
تنظيم مثل ذلك الاستفتاء سيشكل إهانة للبرلمان الموريتاني وبغرفتيه، فتنظيم مثل
هذا الاستفتاء سيعني بأنه لم يعد هناك أي فرق بين قبول أو رفض البرلمان الموريتاني
للتعديلات الدستورية، فما دام الرئيس بإمكانه
أن يعرض تلك التعديلات الدستورية على استفتاء شعبي سواء رفضها البرلمان الموريتاني أو قبلها فما
هي أهمية عرضها أصلا على البرلمان؟
السطو على البنك
إن المنطق الذي
استخدمته السلطة للسطو على الدستور من خلال العودة إلى مادة عامة (المادة 38)،
وذلك بعد أن فشلت في تمرير التعديلات من
خلال المواد الموجودة في الباب الخاص بمراجعة الدستور، إن هذا المنطق يمكن أن
يستخدمه اللصوص الذين سطوا على البنك لتشريع خروجهم بمسروقاتهم من الأراضي
الموريتانية، وهو الشيء الذي أشار إليه المحامي " محمد المامي ولد مولاي اعل" في تدوينة له على صفحته
الشخصية في "الفيسبوك".
يمكن للصوص أن يعودوا إلى مادة عامة من الدستور
الموريتاني للخروج بمسروقاتهم كما عاد الرئيس الموريتاني إلى مادة عامة من الدستور
لتشريع الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية. تقول المادة العاشرة من الدستور
الموريتاني :" تضمن الدولة لكافة المواطنين الحريات العمومية والفردية وعلى وجه الخصوص: حرية التنقل والإقامة في جميع أجزاء تراب الجمهورية.حرية. دخول التراب الوطني وحرية الخروج منه..."
بالعودة إلى هذه المادة من الدستور الموريتاني فإنه يحق
للصوص الخروج من الأراضي الموريتانية متى أرادوا، ولكن عليهم أن يدفعوا الضريبة
على مسروقاتهم، فنحن نعيش تحت سلطة لا يهمها إلا تحصيل الأموال وجمع الضرائب،
ولذلك فلن يكون من الغريب أن تسمعوا في المستقبل عن استحداث ضريبة على المسروقات.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق