عرفت بلادنا في السنوات
الأخيرة انفلاتا أمنيا غير مسبوق، ويبدو أن السلطات الحاكمة
غير مكترثة بهذا الانفلات الأمني، ويكفي أن نعرف بأن نسبة لافتة من الجرائم التي
تحدث يوميا في العاصمة وفي بقية المدن يتم ارتكابها في العادة من طرف أصحاب سوابق
ومجرمين كان يفترض بهم أن يكونوا في السجن لحظة ارتكابهم لتلك الجرائم.
فلماذا يتم إطلاق
سراح هؤلاء المجرمين؟ ولماذا يسمح لهم بارتكاب المزيد من الجرائم؟ ولماذا تترك
العصابات الإجرامية تصول وتجول في الشوارع وذلك على الرغم من أن عناصرها معروفة
لدى الجميع؟
وإذا ما تحدثنا عن
أبشع الجرائم التي تم تسجيلها في السنوات الماضية، وإذا ما اكتفينا بآخر جريمتين
بشعتين تم تسجيلهما في آخر شهر من العامين الماضيين، فسنجد بأنهما قد ارتكبتا من
طرف أصحاب سوابق ومجرمين كان من المفترض بهم بأن يكونوا في السجون لحظة ارتكابهم
لتلك الجرائم.
في آخر شهر من
العام 2014، وفي ضحى النهار تم اغتصاب الطفلة "زينب" في مقاطعة عرفات،
وتم حرقها من بعد ذلك من طرف أصحاب سوابق ينتمون إلى عصابة من الجرمين كانت تصول
وتجول في الحي وكانت معروفة لدى الكثير من سكان الحي.
وفي آخر شهر من
العام 2015، وفي قلب العاصمة نواكشوط، وتحديدا في سوقها المركزي تم قتل السيدة
"خدوج" وكان في سجل مرتكب تلك الجريمة البشعة الكثير من عمليات الإجرام،
وكان في كل مرة يخرج من السجن، حتى أنه وفي مطلع الشهر الذي ارتكب فيه جريمته
البشعة التي راجت ضحيتها المرحومة "خدوج"، حتى في مطلع ذلك الشهر، فسنجد
بأن المعني كانت قد تمت إحالته من طرف مفوضية السبخة رقم 2 مع محضر يتضمن عددا من
الأدلة التي تدينه بالسطو والحرابة وتعاطي المخدرات ومع ذلك فقد أفرج عنه القضاء
دون أي متابعة، ومكنه بذلك من أن يقتل المرحومة "خدوج" أمام دكانها في سوق
العاصمة المركزي.
ألم يكن القضاء
شريكا في هذه الجريمة البشعة؟ ألم يكن شريكا في جرائم كثيرة أخرى تم ارتكابها من
طرف مجرمين كان من المفترض بهم بأن يكونوا مقرنين بالأصفاد لحظة ارتكابهم لتلك
الجرائم؟
أليست المؤسسات
الأمنية مشاركة هي الأخرى في كثير من الجرائم، وذلك لتركها لعصابات الأشرار
والمجرمين تصول وتجول في الأحياء الشعبية مع أن تلك العصابات قد أصبحت معروفة
بالأسماء والصفات لدى الكثير من المواطنين؟ ألا يتكرر على مسامعنا في كل حين عن
وجود نوع من الشراكة والتعاون "المثمر" بين بعض العناصر الأمنية
والقضائية مع عدد من عتاة المجرمين؟ ألا يوفر عدد من العاملين في قطاع الأمن
والقضاء الحماية لعدد من العاملين في قطاع الإجرام، والذي أصبح من أهم القطاعات
المدرة للدخل في سنوات العسر هذه؟
هذا الانفلات
الأمني يشارك فيه العديد من الشركاء فبالإضافة إلى المجرمين وإلى قطاعي الأمن
والقضاء، فسنجد بأن المدرسة هي من بين الشركاء، وأن المجتمع يعد شريكا، وأن
القبيلة تمارس دورا فاعلا في تفشي الجريمة.
فكم من مراهق قتل
نفسا بريئة ومع ذلك تم طي الملف بعد صلح بين قبيلة الضحية وقبيلة مرتكب الجريمة.
خلال مشاركتي في موسم
الخريف الماضي في حملة "معا للحد من حوادث السير" اكتشفتُ ظاهرة مقلقة
لا تجد من يتحدث عنها. لقد اكتشفت بأن هناك مراهقين قد قتلوا عددا من الأنفس
البريئة في حوادث سير متفرقة، وكانوا في كل مرة يرتكبون فيها حادث سير ويقتلون
فيها نفسا بريئة تتدخل أسرهم وقبائلهم في عمليات صلح، يكون من نتائجها أن يفلت
القاتل المراهق من العقوبة، وأن تمنح له سيارة أخرى ليقتل نفسا بريئة أخرى.
إن تفشي جرائم
الاغتصاب والقتل والسطو في هذه البلاد، ولدرجة أصبح فيها خبر اغتصاب طفلة صغيرة
مجرد خبر عادي لا يصدم المجتمع، إن تفشي مثل هذه الجرائم يستوجب منا جميعا أن نطلق
صفارة إنذار، وأن نقف بقوة ـ أهالي وسلطات أمنية وقضائية ـ ضد إفلات الجاني أيا
كان من العقوبة، سواء كان ذلك الإفلات بسبب تقصير السلطات الأمنية أو القضائية أو كان
بسبب تدخل الأسر والقبائل.
لقد آن الأوان
لأن نقول جميعا: لا للتسامح مع المجرمين..لا للشفقة على المجرمين ( إن من يشفق على
مجرم عليه أن يعلم بأنه يقسو على ضحية، وبأنه بذلك يكون قد وضع الشفقة والقسوة في
غير محلهما) ..نعم لتطبيق القانون
والشريعة في كل من يرتكب جريمة في هذه البلاد.
إن ما يقوم بها
الآن أهالي التلميذ "يوسف ولد الناجي ولد الإمام" رحمه الله، والذي قتل
في جريمة نكراء وهو في طريقه إلى مدرسته صباح يوم السبت الماضي، إن ما يقوم به
أولئك الأهالي من تظاهر واحتجاج للمطالبة بعقوبة الجناة لهو جهد هام، ويستحق
التعاطف والتضامن والمشاركة والمؤازرة من
طرف الجميع. كما أن تصريح والد مرتكب الجريمة الذي نقله أكثر من موقع إخباري، وهو
التصريح الذي دعا فيه الوالد إلى تطبيق الشريعة اليوم لا غدا في ابنه ليستحق هو
أيضا الإشادة والتثمين.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق