إذا ما أردنا أن نفهم الكثير من قرارات الرئيس محمد ولد عبد العزيز فإنه علينا أن نتذكر دائما بأن لهذا
الرئيس عقلية مغامرة ومخاطرة، وبأن أسلوبه في إدارة شؤون البلاد يعتمد في الأساس على
الارتجال وعلى المخاطرة، والشخص المخاطر إما أن يربح كل شيء أو يخسر كل شيء.
بهذه الروح المخاطرة أو المغامرة قبل الرئيس عزيز تنظيم القمة العربية في
موريتانيا، وذلك على الرغم من قصر الفترة الممنوحة للتحضير، وكذلك على الرغم من أن
موعد القمة كان قد اختير له أن يكون في موسم الخريف، وبالتأكيد فإن ذلك يشكل تحديا
كبيرا لعاصمة بلا صرف صحي.
يعلم الرئيس عزيز ـ أكثر من غيره ـ بأنه عندما تتهاطل أمطار عادية على العاصمة
نواكشوط ، وذلك احتمال وارد في أيام القمة، فإن هذه العاصمة ستتحول إلى عاصمة
للبرك والمستنقعات بدلا من أن تكون عاصمة للعرب، وبذلك فإننا حكومة وشعبا سنجد
أنفسنا في حرج شديد أمام ضيوفنا العرب. يعلم الرئيس عزيز ذلك، ومع ذلك فقد خاطر
بقبول تنظيم القمة في الموعد الذي حُدِّد لها، لقد قبل بالتحدي، وقال كلمته
الشهيرة بأن موريتانيا ستنظم القمة حتى ولو تحت الخيام.
إن الرئيس عزيز قد خاطر بقبول تنظيم القمة في مثل هذا الوقت الحرج، ومن المؤكد
بأنه كأي مغامر لن يخرج من هذا التحدي بنصف خسارة أو بنصف انتصار، فإما أن يخرج
بانتصار كبير إن لم يتكرر تهاطل الأمطار على العاصمة نواكشوط خلال أيام القمة،
وإما أن يخرج بخسارة كبيرة وثقيلة إن تكرر تهاطل الأمطار على العاصمة خلال أيام
القمة.
وليس القرار بقبول تنظيم القمة العربية في مثل هذا الموعد الحرج هو القرار
الوحيد الذي يعكس روح المخاطرة أو المغامرة لدى الرئيس عزيز، فهناك قرارات كثيرة
أخرى يمكننا أن نذكر منها:
1ـ لما تمت إقالة الجنرال عزيز من طرف الرئيس السابق في الثلث الأخير من الليل قرر الجنرال عزيز في صبيحة اليوم الموالي ـ وبعقليته المخاطرة ـ أن ينقلب على الرئيس الذي أقاله، وكان في ذلك القرار مخاطرة كبيرة. كسب الرئيس عزيز من تلك المخاطرة مكاسب كبيرة، فنجح انقلابه، وتمكن من بعد ذلك من تشريع ذلك الانقلاب المتعجرف باتفاق داكار، وبالانتخابات التي جاءت من بعد ذلك الاتفاق.
2 ـ في إطار تشريع الانقلاب قرر الرئيس عزيز أن يبتعد عن الرئاسة، وأن يسلمها
لرئيس مجلس الشيوخ، وقبِل من بعد ذلك بحكومة تضم عددا كبيرا من الوزراء المعارضين،
كان من بينهم وزير الداخلية الذي سيتولى الإشراف على العملية الانتخابية مع اللجنة
المستقلة للانتخابات، والتي كانت أيضا برئاسة شخصية معارضة، وكان في كل ذلك مخاطرة
كبيرة، ومع ذلك فقد فاز الرئيس عزيز في تلك الانتخابات، وفي شوطها الأول، وهو ما
سبب صدمة كبيرة لكل منافسيه.
3 ـ لما أصيب الرئيس عزيز في مساء السبت 13 أكتوبر 2012 بما بات يعرف بالرصاصات الصديقة، هنا أيضا خاطر الرئيس عزيز مخاطرة كبيرة كادت أن تفقده السلطة، وذلك لما أخفى أخبار صحته، بل إنه أخذ يسرب بعض الأخبار والصور التي توحي بأنه يمر بوضعية حرجة جدا، وبأنه لم يعد قادرا على إدارة البلاد. استمر ذلك الوضع الغريب لمدة شهر وزيادة، كانت فيها سلطة الرئيس عزيز معرضة للخطر في كل ساعة وفي كل يوم من تلك الفترة الطويلة التي قضاها الرئيس في فرنسا، ولا أحد ـ إذا ما استثنينا قائد الجيوش والدائرة الضيقة جدا من الأقارب ـ يعلم شيئا عن الرئيس إلا من خلال ما يتم تسريبه من صور ومن مكالمات هاتفية تثير الشك أكثر مما تطمئن. كان في اختفاء الرئيس مخاطرة كبيرة، وكان من المحتمل جدا أن يتم الانقلاب عليه في تلك الفترة، وكان ذلك هو الاحتمال الأسوأ في المخاطرة، أما الاحتمال الثاني للمخاطرة، وهو ما تحقق في النهاية، فتمثل في انشغال الناس عن الرصاصات وعن كشف حقيقتها بالحديث عن وضعية الرئيس، وعن مدى قدرته على إدارة شؤون البلاد، ولذلك فقد شكل ظهور الرئيس لأول مرة من بعد اختفائه، وهو بصحة ليست بذلك السوء الذي كان يروج له مفاجأة كبيرة للشعب الموريتاني، كسب الرئيس من ورائها مكاسب سياسية كبيرة، وتم استقباله بحشود بشرية غير مسبوقة، وخرجت المعارضة من تلك المعركة بخسارة ثقيلة، وذلك على الرغم من أنها كانت في وضعية تسمح لها بأن توجه الضربة القاضية لسلطة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولكن المعارضة ـ وكعادتها ـ في تضييع الفرص، قد أضاعت تلك الفرصة، وذلك بسبب أنها تمتلك ـ وعلى العكس من الرئيس عزيزـ عقلية جامدة ومتحجرة.
تلكم كانت مجرد أمثلة من أمثلة أخرى عديدة لا يتسع المقام لتعدادها أو لبسطها، وهي تؤكد في مجملها بأن الرئيس عزيز يمتلك روحا مغامرة ومخاطرة، ولأن الرئيس عزيز ظل يكسب دائما مع كل مخاطرة جديدة، فإن ذلك قد جعله يتمادى في المخاطرة، وسيظل كذلك إلى أن يأتي اليوم الذي سيتكبد فيه خسائر جسيمة بسبب المخاطرة بقرار أو بموقف، وسيأتي ذلك اليوم حتما، وتلك هي سنة الحياة، ولكن، ومن قبل أن يأتي ذلك اليوم، فإنه علينا أن لا نتوقع من الرئيس عزيز أن يغير أسلوبه في إدارة شؤون البلاد، والذي يعتمد بالأساس على الارتجال والمخاطرة.
3 ـ لما أصيب الرئيس عزيز في مساء السبت 13 أكتوبر 2012 بما بات يعرف بالرصاصات الصديقة، هنا أيضا خاطر الرئيس عزيز مخاطرة كبيرة كادت أن تفقده السلطة، وذلك لما أخفى أخبار صحته، بل إنه أخذ يسرب بعض الأخبار والصور التي توحي بأنه يمر بوضعية حرجة جدا، وبأنه لم يعد قادرا على إدارة البلاد. استمر ذلك الوضع الغريب لمدة شهر وزيادة، كانت فيها سلطة الرئيس عزيز معرضة للخطر في كل ساعة وفي كل يوم من تلك الفترة الطويلة التي قضاها الرئيس في فرنسا، ولا أحد ـ إذا ما استثنينا قائد الجيوش والدائرة الضيقة جدا من الأقارب ـ يعلم شيئا عن الرئيس إلا من خلال ما يتم تسريبه من صور ومن مكالمات هاتفية تثير الشك أكثر مما تطمئن. كان في اختفاء الرئيس مخاطرة كبيرة، وكان من المحتمل جدا أن يتم الانقلاب عليه في تلك الفترة، وكان ذلك هو الاحتمال الأسوأ في المخاطرة، أما الاحتمال الثاني للمخاطرة، وهو ما تحقق في النهاية، فتمثل في انشغال الناس عن الرصاصات وعن كشف حقيقتها بالحديث عن وضعية الرئيس، وعن مدى قدرته على إدارة شؤون البلاد، ولذلك فقد شكل ظهور الرئيس لأول مرة من بعد اختفائه، وهو بصحة ليست بذلك السوء الذي كان يروج له مفاجأة كبيرة للشعب الموريتاني، كسب الرئيس من ورائها مكاسب سياسية كبيرة، وتم استقباله بحشود بشرية غير مسبوقة، وخرجت المعارضة من تلك المعركة بخسارة ثقيلة، وذلك على الرغم من أنها كانت في وضعية تسمح لها بأن توجه الضربة القاضية لسلطة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، ولكن المعارضة ـ وكعادتها ـ في تضييع الفرص، قد أضاعت تلك الفرصة، وذلك بسبب أنها تمتلك ـ وعلى العكس من الرئيس عزيزـ عقلية جامدة ومتحجرة.
تلكم كانت مجرد أمثلة من أمثلة أخرى عديدة لا يتسع المقام لتعدادها أو لبسطها، وهي تؤكد في مجملها بأن الرئيس عزيز يمتلك روحا مغامرة ومخاطرة، ولأن الرئيس عزيز ظل يكسب دائما مع كل مخاطرة جديدة، فإن ذلك قد جعله يتمادى في المخاطرة، وسيظل كذلك إلى أن يأتي اليوم الذي سيتكبد فيه خسائر جسيمة بسبب المخاطرة بقرار أو بموقف، وسيأتي ذلك اليوم حتما، وتلك هي سنة الحياة، ولكن، ومن قبل أن يأتي ذلك اليوم، فإنه علينا أن لا نتوقع من الرئيس عزيز أن يغير أسلوبه في إدارة شؤون البلاد، والذي يعتمد بالأساس على الارتجال والمخاطرة.
وتبقى كلمة عن الصرف الصحي
إن عدم توفر العاصمة نواكشوط على شبكة للصرف الصحي لا يشكل التحدي الوحيد أمام
القمة، ولكن، وعلى الرغم من ذلك فإننا سنتوقف مع مشكلة الصرف الصحي دون غيرها،
وذلك بسبب أن أمطار الخميس، والتي لم تصل إلى 20 ملم في أي مقاطعة من مقاطعات
العاصمة، قد ذكرتنا من جديد بأن هناك مخاطرة كبيرة في قبول تنظيم القمة العربية في
مثل هذا الموعد، ولقد كشفت تلك الأمطار بأنه لم يعد بالإمكان تجاهل مشكلة الصرف
الصحي، وبأنه لم يعد من اللائق أن تظل عاصمتنا بلا شبكة للصرف الصحي، وربما تكون
بذلك هي العاصمة الوحيدة في هذا العالم التي لا يوجد بها صرف صحي في العام 2016.
لقد كان من المفترض أن تكون هناك شبكة للصرف الصحي منذ العام 2013، على الأقل،
في مقاطعات: تفرق زينة ولكصر والسبخة، ولكن الرئيس عزيز وبقرار مرتجل ألقى
الاتفاقية التي كانت مبرمة مع شركة صينية، وذلك بحجة أن الكلفة كانت مرتفعة. في
نهاية العام 2015 تم الاتفاق مع شركة صينية أخرى، على أن تبدأ في العمل في العام
2016، وإذا ما سارت الأمور على ما يرام، وإذا ما تفاءلنا كثيرا، فإنه سيكون
بإمكاننا أن نحلم بشبكة للصرف الصحي في نهاية العام 2019، أي بعد أن يكون الرئيس
عزيز قد غادر السلطة، إذا ما تم احترام الدستور الموريتاني.
لقد تم تعطيل إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة نواكشوط لست سنوات، وهي
السنوات الست التي تفصل بين العام 2103 ( العام الذي كان من المفترض أن تنتهي فيه
أشغال الشركة الصينية التي تم إلغاء الاتفاق معها) والعام 2019 (العام الذي يفترض
فيه أن تنتهي أشغال الشركة الجديدة). لقد تم تعطيل إنشاء شبكة للصرف الصحي في
العاصمة نواكشوط لست سنوات بقرار مرتجل، وذلك بحجة أن الكلفة كانت كبيرة، ولكم
الآن أن تقدروا الخسائر الكبيرة التي ستتكبدها الدولة الموريتانية خلال ست سنوات
بسبب غياب شبكة للصرف الصحي في العاصمة، وأن تقارنوا ذلك الرقم الفلكي الذي ستحصلون
عليه من عملية التقدير تلك مع المبلغ "المتواضع" الذي كان سيمنح للشركة
الصينية إن هي كانت قد أكملت بناء شبكة للصرف الصحي في العام 2013. من المؤكد
بأنكم ستدركون ـ إذا ما قمتم بالمقارنة ـ بأننا
قد تكبدنا خسائر كبيرة بسب هذا القرار المرتجل
للرئيس.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق