لم
يعد يمتلك النظام القائم من نقاط القوة غير نقطة قوة واحدة ويتيمة، وتتمثل نقطة
القوة اليتيمة هذه في ضعف معارضته وفي عدم قدرتها على التنسيق فيما بينها من أجل
خلق حراك قوي، فاعل، ومؤثر.
تلك حقيقة علينا أن نسلم بها، وعلينا أن نطرح من
بعد التسليم بها السؤال التالي: ما هو الشيء الذي على المعارضة أن تفعله إذا ما
أرادت أن تنتزع من النظام القائم نقطة قوته اليتيمة والوحيدة؟
إن
الإجابة الجادة على هذا السؤال تفرض علينا أن نبتعد عن تقديم حلول نظرية أو مثالية
لا يمكن تنزيلها على أرض الواقع في أيامنا هذه، كالقول بضرورة توحيد المعارضة
وجمعها بكل أطيافها في كيان واحد.
إن
الإجابة الجادة على هذا السؤال تفرض علينا أن نقدم حلولا ممكنة التحقق في مثل هذه
الظرفية التي تعاني فيها المعارضة الموريتانية من الكثير من المشاكل والعوائق التي
لا يتسع المقام لبسطها، ولا يناسب الظرف للحديث عنها.
إن
الإجابة الجادة على هذا السؤال تتطلب في مرحلتها الأولى تنسيق وتوحيد أنشطة المعارضين،
وذلك من قبل البدء في التفكير في توحيد الاستراتيجيات أو توحيد الكيانات.
إنه
من السهل جدا ـ في هذه الفترة بالذات ـ توحيد أنشطة المعارضين من داخل المنتدى مع
المعارضين من خارجه، وهناك العديد من المطالب التي يمكن أن تشكل إجماعا للمعارضة الموريتانية
وبكل أطيافها، الشيء الذي سيسهل توحيد أنشطتها وجهودها حول تلك المطالب، ومن
المطالب التي يمكن أن تلتف حولها المعارضة
الموريتانية، وأن تشكل ـ بالتالي ـ نشاطا
مشتركا لها، يمكننا أن نذكر:
1
ـ نشاط مشترك لحماية الدستور من أي تعديل قد يمس المادة 99 ، وذلك من أجل غلق
الباب نهائيا في وجه أي مأمورية ثالثة أو أي تغيير في طبيعة النظام السياسي من
شأنه أن يعيق التناوب السلمي على السلطة.
2
ـ نشاط مشترك يرفض تنظيم الحوار أو على الأصح، المونولوج، الذي وعد الرئيس بتنظيمه
بعد ثلاثة أو أربعة أسابيع، مع دعوة كل رافضي ذلك الحوار من داخل المنتدى ومن
خارجه للمشاركة في هذا النشاط الرافض الحوار.
3
ـ نشاط مشترك يتعلق بضرورة تفعيل كل
القوانين المتعلقة بمكافحة الرق، وبضرورة العمل على ترسيخ اللحمة بين مكونات الشعب
الموريتاني.
4
ـ نشاط مشترك يتعلق بغلاء المعيشة، ويطالب بتخفيض أسعار المواد الأساسية وعلى
رأسها أسعار المحروقات.
5
ـ نشاط مشترك يتعلق بالبطالة وبالوقوف ضد التسريح الجماعي للعمال.
إن
هذه القضايا مع أخرى لم يأت ذكرها هي محل إجماع للطيف المعارض وبمختلف مكوناته،
فلماذا لا يتم التفكير في نشاط مشترك حول واحدة من هذه القضايا؟
ولماذا
لا يتم التفكير في نشاط احتجاجي غير مسبوق حول واحدة من هذه القضايا الخمس على أن
يشارك في ذلك النشاط كل أطياف المعارضة في موريتانيا؟ ولماذا لا يتم رفع شعار
"مائة ألف محتج في الشارع"؟ أو "99 ألف محتج في الشارع" إذا
ما وقع الاختيار على نشاط موحد ضد تعديل الدستور وضد المساس بالمادة 99 من هذا
الدستور؟
إن
مجرد الدعوة إلى نشاط احتجاجي في العاصمة نواكشوط يشارك فيه مائة ألف محتج سيربك
السلطة القائمة، وسيجعلها تعيد حساباتها، ولكن هل يمكن الدعوة إلى مثل هذا النشاط؟
وهل يمكن تنظيم مثل هذا النشاط؟
في
اعتقادي بأن الدعوة لمثل هذا النشاط، وتنظيمه من بعد ذلك، هي من الأمور الممكنة
التحقق، خاصة في مثل هذه الظرفية التي عم فيها الاستياء من النظام القائم، وتساوى
في ذلك الأغنياء والفقراء، الشباب والشيوخ، الرجال والنساء، الموالون والمعارضون،
سكان المدن وسكان الأرياف. فلماذا لا يتم استغلال هذا الاستياء العارم واستثماره
في تنظيم أنشطة احتجاجية كبرى وغير مسبوقة؟ ولماذا لا يتم البدء في ذلك، ومن الآن؟
إن
هناك جهات معارضة عديدة يجب أن تشارك في مثل هذه الأنشطة، ويجب أن تكون ممثلة في
لجان التحضير والإشراف على تلك الأنشطة، ومن هذه الجهات:
1
ـ المنتدى وكل الأحزاب والحركات التي تعارض من خارج المنتدى.
2
ـ الشباب المعارض سواء كان منخرطا في أحزاب سياسية أو في حركات أو في تجمعات
شبابية، أو لم يكن منخرطا في أي تجمع. يمكن للشباب أن يتولى التعبئة والدعاية
(ميدانيا وعلى مواقع التواصل الاجتماعي) لهذه الأنشطة المقترحة.
3
ـ رجال الأعمال الذين ليسوا في صف النظام، وعلى هؤلاء أن يتولوا الكلفة المالية
للأنشطة المقترحة.
4
ـ الجاليات في الخارج، والتي يمكن لها أن تشارك في التكاليف المالية للأنشطة،
وكذلك في التعبئة لتلك الأنشطة من خلال دعوة الأهل والأقارب في أرض الوطن للمشاركة في هذه
الأنشطة المقترحة.
على
هذه الجهات الأربع أن تتحمل مسؤولياتها، وأن تبذل كل ما يمكنها بذله، وعليها أن
تعلم بأنه قد آن الأوان لتوحيد وتنسيق الجهود فبلادنا تتخبط في أزمات عديدة، وهي
ليست محصنة ضد المخاطر التي يمكن أن يتسبب فيها تفاعل تلك الأزمات.
إن
على التكتلات والأحزاب والحركات والشباب ورجال الأعمال والجاليات الموريتانية في
الخارج أن تعي خطورة اللحظة الحرجة التي تمر بها البلاد، وعليها أن توحد وأن تنسق
جهودها للضغط على النظام من أجل إجباره على الدخول في حوار جدي يؤسس لمرحلة
انتقالية تمهد لديمقراطية حقيقية تحمي مبدأ التناوب السلمي على السلطة، وتبعد
الجيش ـ وبشكل كامل ـ عن السياسة.
إن
مجرد الإعلان عن مسيرة بمائة ألف محتج سيربك النظام، وإن إخراج مائة ألف محتج إلى
الشارع من بعد ذلك سيساعد في خلق توازنات جديدة بين السلطة والمعارضة.
فهل
ستتكاتف الجهود أم أنه سيكون علينا أن نتوقع المزيد من الحوارات العبثية ، والمزيد
من القرارات الارتجالية، والمزيد من التسيير الأحادي الذي لن يؤدي إلا لمزيد من
الأزمات؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق