أعرف أن هناك
أشكالا عديدة من الظلم تحدث على أرض الجمهورية الإسلامية الموريتانية، ولكني لم
أكن أعتقد أن الأمر قد يصل إلى هذا الحد، ولم أكن أعتقد أن الحراس القادمين من
ازويرات، والذين يرابطون على مشارف العاصمة منذ 20 يوما ودون أن يسمح لهم "رئيس
الفقراء" بالدخول إلىها، ليسمعوه أنينهم، يواجهون خصما كهذا.
يقول السيد "الشيخ
ولد بايه" في فيديو تم تداوله بشكل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه
"امتلأ " من المال، ويقول بأنه كان يتقاضى، وبشكل قانوني، ثلاثة إلى
أربعة مليارات من الأوقية في كل عام، وهذا يعني بأنه تقاضى ما بين العام 2005 إلى
2010 ما يقترب من 20 مليار أوقية من أموال الشعب الموريتاني المغلوب على أمره.
نحن هنا لا نتحدث
إلا عن وظيفة واحدة من وظائف السيد "الشيخ ولد بايه"، وهي وظيفته التي
كان يشغل في الرقابة البحرية.
فالشيخ ولد بايه له وظائف عديدة أخرى، منها أنه عمدة
لزويرات، ومنها أنه هو من كلفه الرئيس عزيز بإنشاء شركة للحراسة، والتي يرأس اليوم
مجلس إدارتها، وهي الشركة التي يعتصم العشرات من عمالها على مشارف العاصمة منذ
عشرين يوما. ومن وظائف "ولد بايه" الأخرى أنه مستشار لوزير الصيد، ومنها
أيضا أنه هو كبير مفاوضي موريتانيا مع الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالصيد، ويمكنكم
أن تتخيلوا ما يمكن أن يجنيه كبير المفاوضين من أموال ضخمة، إذا ما تعلق الأمر
بالمفاوضات المرتبطة باتفاقيات الصيد البحري مع الاتحاد الأوروبي.
وبالعودة إلى
واحدة من وظائف "ولد بايه"، وبالعودة إلى اعترافاته هو، لا أحد غيره،
فإن هذا الرجل ظل يتقاضى في كل يوم، ولخمس سنوات على الأقل، من تلك الوظيفة لوحدها : 11 مليون أوقية ( وهو ما
يعني أنه كان يتقاضى 460 ألف أوقية تقريبا
عن كل ساعة من نهار أو من ليل)، وبالطبع، فإن هذا المبلغ الذي كان يتقاضاه "ولد
بايه" من وظيفة واحدة من وظاائفه العديدة، كان يكفي لتوفير رواتب لما يزيد
على 100 حارس من حراس ازويرات..أي أنه يكفي لإعالة 100 أسرة في ازويرات، ولكن،
يبدو أن هذا الرجل لا يريد لتلك الأسر أن تعيش بكرامة، ولذلك فقد طرد من العمل من كان يعيلها، وحرمه من الراتب، وذلك رغم
أن "ولد بايه" نفسه، كان وباعترافاته الموثقة بالصوت والصورة، قد تعهد لهؤلاء
العمال بأن يزيد أجورهم ب10%، وأن لا يفصل
منهم أحدا، ولكنه بدلا من أن يفي بتعهداته تلك، قام يفصل عدد كبير من العمال،
ويحرمانهم من رواتبهم المتواضعة، أما زيادة 10%. فلا مجال
للحديث عنها هنا.
فأي فساد هذا؟
وبأي منطق يتقاضى موظف واحد 11 مليون أوقية في كل يوم، في حين يحرم
المئات من العمال من رواتبهم الشهرية، رغم أنها لا تتجاوز في مجموعها ما
يتقاضاه ذلك الموظف في يوم واحد من وظيفة واحدة من وظائفه العديدة؟
يحتج البعض بأن من
بين عمال ازويرات بعض العسكريين المتقاعدين، وبأنه قد آن الأوان لكي يتركوا
وظائفهم لعمال آخرين لم يصلوا إلى سن التقاعد، وللإجابة على هؤلاء أقول بأن هناك
عددا كبيرا من الشباب من بين العمال المعتصمين على مشارف العاصمة، ثم إن مدير الشركة
التي فصلتهم هو أيضا عسكري متقاعد، وقد شغل العديد من الوظائف من قبل منها: قيادة
أركان، إدارة شركة الكهرباء، إدارة قطاع
الجمارك، وكذلك الحال أيضا بالنسبة لرئيس مجلس إدارة الشركة، وهو أيضا من
العسكريين المتقاعدين، وهو نفسه "ولد بايه" الذي نتحدث عنه هنا.
فكيف يتم تجاهل
تقاعد المدير ورئيس مجلس الإدارة في هذه الشركة، ولا يتم الحديث إلا عن تقاعد عدد
من الحراس البسطاء الذين أنشئت الشركة
أصلا لتشغيلهم من بعد تقاعدهم من الجيش، والذين لا يملكون أي وظيفة أخرى يعيلون
بها أسرهم غير وظيفة الحراسة؟
ثم إذا ما صدقنا بأن
الأمر يتعلق بالوصول إلى سن التقاعد، فلماذا يتم فصل عشرات الشباب الذين ما تزال
تفصلهم عقود من الزمن عن الوصول إلى سن التقاعد؟
فيا "ولد عبد
العزيز"، ويا "ولد بايه"، ويا "ولد الريحة" اتقوا دعوات
العشرات من المظلومين الذي يعانون منذ عشرين يوما من البرد والجوع والعطش على مشارف العاصمة نواكشوط.
حفظ الله
موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق