لقد
تم تشريع "الموت الرحيم" أو "القتل الرحيم" أو "رصاصة
الرحمة" في بعض الدول الغربية، وكل هذه المصطلحات تعني في مجملها أن يتم القتل
العمد للمريض الذي استحال شفاؤه، والذي يعاني من آلام شديدة. وإذا كان مثل ذلك
القتل يمكن أن يشرع في بعض دول الغرب إلا أن تشريعه بالنسبة لنا نحن الذين أنعم
الله علينا بنعمة الإسلام ليس محل نقاش أصلا، فلا يجوز تحت أي ظرف قتل أي نفس
بشرية، ولا إزهاق أي روح مهما كان حجم العذاب الذي تعاني منه.
ولكن
إذا تعلق الأمر بمادة ولدت أصلا بلا روح، أي أنها ولدت منذ ولدت وهي ميتة، وإذا
كنا نرى هذه المادة تتعذب وتهان وتتألم في كل يوم تطلع شمسه، ألا يجوز لنا في هذا
الحالة أن نستخدم أسلوب "الموت الرحيم" أو "الشطب الرحيم"
فنريح هذه المادة من العذاب ومن الإذلال الذي تتعرض له في كل حين؟ أليس من الأسلم
أن نحذف هذه المادة التي لم يُعمل بها في أي يوم من الأيام، وذلك حتى لا نظل نهين
الدستور الموريتاني في كل حين.
صحيح
أن الكثير من مواد الدستور الموريتاني تتعرض يوميا للإهانة، ولكن ما تتعرض له
المادة السادسة من الدستور الموريتاني فهو شيء آخر لا يمكن مقارنته بما تتعرض له أي
مادة أخرى من هذا الدستور. الطريف في الأمر أن العقيد المتقاعد والذي تحدث في
مقاله الأخير عن تعطيل الكثير من مواد الدستور الموريتاني تجاهل عن قصد المادة
السادسة، والتي تعتبر هي المادة الأكثر تعطيلا في الدستور الموريتاني!
فهذه
المادة تهان في كل حين في وزارة التعليم وفي كل المؤسسات التعليمية التابعة لها.
ـ تهان في كل المكاتب وفي كل الإدارات، وفي كل التقارير والمراسلات الإداري، ويحرم إعداد التقارير بها في أكبر شركة موريتانية (اسنيم).
ـ تهان عند كل عملية اكتتاب يتم فيها تهميش أصحاب الشهادات العربية.
ـ تهان في أغلب خطابات المسؤولين والموظفين كبارا كانوا أم صغارا.
ـ تهان في فواتير المياه والكهرباء.
ـ تهان في الوصفات الطبية.
ـ تهان في لوائح حجاجنا إلى الأراضي المقدسة، وهي اللوائح التي تكتب عادة باللغة الفرنسية.
ـ تهان في كل المكاتب وفي كل الإدارات، وفي كل التقارير والمراسلات الإداري، ويحرم إعداد التقارير بها في أكبر شركة موريتانية (اسنيم).
ـ تهان عند كل عملية اكتتاب يتم فيها تهميش أصحاب الشهادات العربية.
ـ تهان في أغلب خطابات المسؤولين والموظفين كبارا كانوا أم صغارا.
ـ تهان في فواتير المياه والكهرباء.
ـ تهان في الوصفات الطبية.
ـ تهان في لوائح حجاجنا إلى الأراضي المقدسة، وهي اللوائح التي تكتب عادة باللغة الفرنسية.
ـ
تهان حتى في الدعوات التي توجه بمناسبة الاحتفال بيوم اللغة العربية، وقد وجهت هذه
الدعوات ذات مرة باللغة الفرنسية حتى من دون ترجمة، ففي المرة الوحيدة التي تم
فيها الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية بشكل لائق تم توجيه الدعوات باللغة
الفرنسية، وكان ذلك في يوم 18 ديسمبر من العام 2010 . ففي ذلك اليوم تعهد الوزير
الأول حينها بتطوير اللغة العربية، وقال في خطابه الاحتفالي بأن موريتانيا ستبقى
بلدا ناقص السيادة، ما لم يتم الاعتناء باللغة العربية، وجعلها لغة إدارة وعمل.
تلك الكلمة مع مع أمور أخرى لا
يتسع المقام لبسطها أقامت القيامة في هذه البلاد، فأصدرت الأحزاب السياسية بيانات
التنديد والاستنكار، وكادت الأمور أن تخرج عن السيطرة في جامعة نواكشوط التي شهدت
مناوشات عرقية. كل تلك الأحداث دفعت بوزير التعليم العالي حينها إلى زيارة الجامعة
على عجل، وكان الهدف الوحيد من تلك الزيارة هو أن يؤكد معالي الوزير لطلاب
جامعة نواكشوط ولكل الموريتانيين بأن الحكومة لا تفكر إطلاقا في تعريب الإدارة،
وبأنه لا مساس بالوضع القائم.
هذه
القيامة التي قامت في يوم 18 ـ 12 ـ 2010 بسبب إساءة الوزير الأول للغة الفرنسية،
لم تتكرر في يوم 27 ـ 09 ـ 2015 عندما نشرت بعض المواقع، وعلى لسان
شاهد عيان، بأن الوزير الأول الحالي قد تشنج في مكتبه وضرب الطاولة غاضبا
عندما قدم له وزير الداخلية تقريرا باللغة العربية، وبأنه ـ أي الوزير الأول ـ قد
قال : " نحن هنا نعمل باللغة الفرنسية لا باللغة العربية".
فبأي
منطق تقوم قيامة موريتانيا عندما يساء للغة الفرنسية، وذلك في الوقت الذي تغيب فيه
ردود الأفعال حتى ولو كانت مجرد ردود خجولة عندما يساء للغة العربية، والتي يُقال
لنا بالغدو والآصال بأنها هي اللغة الرسمية في هذه البلاد؟
وبأي
منطق يخلد يوم اللغة الفرنسية بأسبوع حافل بالأنشطة (أسبوع الفرانكفونية)، وبحضور
وزيرة الثقافة، ولا يخلد يوم اللغة العربية إلا بساعة من نهار وبحضور الأمين
العامة لوزيرة الثقافة، هذا هو ما حدث في العام الماضي، وهذا هو ما قد يحدث في هذا
العام.
وبأي
منطق لا يتذكر الجميع تهميش لغاتنا الوطنية (البولارية والسنونكية والولفية) إلا عندما
تتم المطالبة بإعادة الاعتبار للغتنا الرسمية (اللغة العربية)، وذلك في وقت لا
يتذكرون فيه تهميش هذه اللغات عندما يكون ذلك التهميش لصالح اللغة الفرنسية؟
ألم
يحن الوقت لأن نظهر شيئا من الشجاعة أو شيئا من الوقاحة، إذا شئتم، فنقرر أن نبدل
المادة السادسة من الدستور الموريتاني التي كانت تقول : "اللغات الوطنية هي
العربية والبولارية والسنونكية والولفية واللغة الرسمية هي العربية"
بمادة جديدة تقول " اللغات الوطنية هي الفرنسية والفرنسية والفرنسية
والفرنسية، واللغة الرسمية هي الفرنسية".
إن
لغاتنا الوطنية تذل وتهان جميعها من طرف اللغة الفرنسية، فلا اللغة العربية أصبحت
هي اللغة الرسمية للبلاد،ولا اللغات الوطنية تم الاهتمام بها، وذلك كله بسبب هيمنة
اللغة الفرنسية، فالذين كان من المفترض بهم أن ينشغلوا بالدفاع عن اللغات الوطنية
( البولارية والسنونكية والولفية) بوصفها لغات أم بالنسبة لهم، قد شغلوا عن الدفاع
عن تلك اللغات بالدفاع عن اللغة الفرنسية، ونفس الحال ينطبق على بعض الذين كان من
المفترض بهم أن يدافعوا عن اللغة العربية بوصفها لغة أم بالنسبة لهم.
اليوم
عندما يطالب أي موريتاني بأن تعاد اللغة الفرنسية إلى حجمها الطبيعي تقوم قيامة موريتانيا،
ويحتج الآلاف من الخريجين باللغة الفرنسية، أما عندما يساء إلى اللغة العربية فلا
تجد من يتحرك أبدا، ولا تسألونني عن عشرات الآلاف من العاطلين عن العمل الذين
يحملون شهادات بالعربية، والذين يهمشون عند كل اكتتاب بسبب هيمنة اللغة الفرنسية،
لا تسألونني عن أولئك فهم ليسوا إلا غثاء كغثاء السيل.
إن
اللغة الفرنسية لم يأت ذكرها في الدستور الموريتاني ولا بشطر كلمة، وهي ليست اللغة
الأم لأي موريتاني، ولا هي بلغة ديننا الذي يجمعنا، وفضلا عن كل ذلك فإن مكانتها
في العالم أصبحت تتراجع بشكل لافت فلماذا نصر نحن هنا في هذه الأرض على أن نعطيها مكانة لا
تستحقها؟
ألم
يحن الوقت لأن نكشف زيف المغالطات التي تقول بأن اللغة الفرنسية هي لغة ضرورية
للتواصل فيما بيننا، وبأنها ضرورية للتواصل مع الأشقاء في الدول المجاورة؟
ألم
يذكر آخر تقرير للمنظمة الدولية للفرانكفونية بأن نسبة من يتحدث قليلا أو كثيرا
باللغة الفرنسية في موريتانيا لا تتجاوز 13% ؟
فلماذا
يتم التركيز على نسبة 13% من المجتمع التي تتحدث باللغة الفرنسية مع لغاتها الأم
ولا يتم الاهتمام ب87% من الموريتانيين تجهل اللغة الفرنسية بشكل كامل؟
أليس
من المستغرب أن يخف الحماس لدى الفرنسيين للدفاع عن لغتهم لصالح اللغة الانجليزية،
وذلك في الوقت الذي يتزايد فيه حماس أهل هذه البلاد للدفاع عن الفرنسية؟
ألم
يحن الوقت لأن تتوقف هذه المغالطات والخدع ؟ ألم تكشف آخر الإحصائيات بأن اللغة
العربية تحتل الرتبة الرابعة عالميا من حيث الانتشار وبنسبة 6.06% بينما تحتل
اللغة الفرنسية الرتبة التاسعة وبنسبة لا تتجاوز 3.05% ؟
ألم
يحن الوقت لأن يقول كل موريتاني وبأعلى صوته : عاشت اللغة العربية..عاشت
البولارية..عاشت السنونكية..عاشت الولفية. أما الفرنسية فإذا كان لابد لها من
العيش معززة مكرمة، فليكن ذلك في فرنسا لا في موريتانيا.
رحم الله
"مرتضى جوب" الذي كان يقول : "نحن لا ندافع عن لغة فرنسا.. بل عن
لغاتنا الوطنية والتي من بينها العربية."
وسلام
على الوزير السابق "صو آبو دمبا"، يوم رفض أن يتحدث في التلفزيون
الرسمي باللغة الفرنسية، وأصر على أن لا يتحدث إلا باللغة العربية أو بالبولارية.
وسلام
على نائب مقاطعة "بوكي" السابق السيد "سي صمبا" الذي رفض ذات
يوم برلماني مثير أن يتحدث باللغة الفرنسية، وأصر على أن لا يتحدث إلا بلغته
الأصلية، أي بالبولارية، وكانت تلك سابقة من نوعها في الجمعية الوطنية.
لقد
حان الوقت لأن يعلم الموريتانيون المدافعون عن لغاتنا الوطنية: البولارية
والسنونكية والولفية بأنهم يرتكبون خطأ جسيما عندما لا يطالبون بمنح اللغة العربية
المكانة التي تستحق، ولقد حان الوقت أيضا لأن يعلم المدافعون عن اللغة العربية بأن
دفاعهم عن العربية سيبقى عملا ناقصا إذا لم يشرك معه الدفاع عن بقية لغاتنا
الوطنية.
إنه
علينا جميعا أن نضع لغاتنا الوطنية في سلة واحدة، وأن ندافع عنها باعتبارها في سلة
واحدة، وعلينا أن نعلم جميعا بأن أي تمكين للغة الفرنسية سيكون على حساب لغاتنا
الوطنية (العربية، البولارية، السنونكية،
الولفية).
حال
النخب الموريتانية مع اللغة الفرنسية يذكرني بفتوى غريبة للشاعر أبي نواس، أجاز
بها لنفسه شرب الخمر عندما اختلف الفقهاء حول شرب النبيذ.
فعندما
أباح العراقي ( أبوحنيفة ) النبيذ وحرم الخمر، وحرمهما معا الحجازي (الشافعي).
أستنبط أبو نواس من ذلك فتوى غريبة، أحل بها لنفسه شرب الخمر:
أباح العراقيُّ النبيذَ وشُرَبَـــــــهُ.........................وقال حرامان المدامة والسًّــــكْرُ
وقال الحجازيُّ الشرابان واحدٌ ... ......................فحلِّت لنا من بين قوليهما الخمر
أباح العراقيُّ النبيذَ وشُرَبَـــــــهُ.........................وقال حرامان المدامة والسًّــــكْرُ
وقال الحجازيُّ الشرابان واحدٌ ... ......................فحلِّت لنا من بين قوليهما الخمر
ومن
قبل أن اختم هذا المقال فإن هناك أربعة أمور يجب التذكير بها بمناسبة يوم اللغة
العربية هذا :
1
ـ إن تهميش اللغة العربية تتساوى فيه
السلطة الحاكمة والمعارضة، فتهميش السلطة واضح لأنه بإمكانها أن تعطي للغة العربية
المكانة التي تستحق، ولكنها لم تفعل ذلك. وتهميش المعارضة لهذه اللغة واضح أيضا،
فهذه المعارضة وبمختلف أحزابها لم تصدر في أي يوم من الأيام بيانا تدافع فيه عن
تهميش اللغة العربية والتي هي اللغة الرسمية للبلاد، ولم يحدث أن تقدم أي نائب
معارض بطرح سؤال شفهي في البرلمان عن تهميش اللغة العربية.
2
ـ أن بقاء الحال على حاله هو لصالح اللغة
الفرنسية، فكلما بقت الأمور على حالها فإن ذلك سيصعب مستقبلا من إعادة الاعتبار
للغة الرسمية للبلاد . فعلى من يسكت على هذا الحال أن يعلم بأن سكوته يعد "عملا
نضاليا" للتمكين للغة الفرنسية في هذه البلاد.
3
ـ على الذين يرفعون شعار إعادة الاعتبار للمقاومة أن يعلموا بأنهم يخادعون أنفسهم،
فعن أي شعار يتحدثون ولغة المستعمر تتمتع بمكانة تفوق مكانة كل لغاتنا الوطنية؟
عاشت
اللغة العربية..
عاشت
البولارية..
عاشت
السنونكية..
عاشت
الولفية.
أما
الفرنسية فإذا كان لابد لها من العيش معززة مكرمة، فليكن ذلك في فرنسا لا في
موريتانيا.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق