إذا ما أردتم أن تكشفوا الغطاء عن المشهد
السياسي في العام 2018، وإذا ما أردتم أن تميطوا اللثام قليلا عن أبطال ذلك
المشهد، وإذا ما أردتم أن تتعرفوا على أدق التفاصيل الصغيرة التي ستصنع ذلك المشهد،
فما عليكم إلا أن تتأملوا قليلا في تفاصيل اللحظة السياسية الحرجة التي نعيشها
الآن.
إن القراءة الفطنة لمفردات هذه اللحظة التي
نعيش اليوم ستكشف لنا عن الكثير من تفاصيل المشهد السياسي في العام 2018، والذي
لابد أنه سيكون أكثر سوءا من المشهد الحالي، إذا ما ظل المسار الديمقراطي يسير وفق
الخط البياني الحالي.
لقد تم تنظيم استحقاقات 2007 في مناخ سياسي
أقل سوءا من الانتخابات الرئاسية التي تم تنظيمها في يوليو 2009، ويبدو أن هذه
الأخيرة ستكون أحسن بكثير من حيث مستوى الشفافية ومن حيث المشاركة من انتخابات 23
نوفمبر 2013.
ويمكننا القول بأنه ومنذ انتخابات 2007 ظل
التراجع هو السمة الأبرز لمسارنا الديمقراطي، فكانت كل انتخابات تأتي من بعد أخرى
تكون أسوأ منها، مما يعني بأن انتخابات 2018 ستكون أسوأ بكثير من الانتخابات
السيئة التي سيتم تنظيمها بعد أقل من شهر.
ستكون ملامح المشهد السياسي والانتخابي في
العام 2018 أكثر قبحا من ملامح المشهد القبيح الذي نعيشه اليوم، وسيزداد ذلك القبح
بشاعة كلما أمطنا اللثام عن أبطال ذلك المشهد.
والآن دعونا نمط اللثام قليلا عن أولئك
الأبطال.
1 ـ اللجنة المستقلة للانتخابات: إن اللجنة
المستقلة التي ستشرف على انتخابات 2018، ستكون أقل استقلالية من اللجنة الحالية، وهي
اللجنة التي كانت بدورها أقل استقلالية من اللجان التي سبقتها.
ولأنه يصعب أن نتخيل لجنة مستقلة للانتخابات
أكثر فشلا وأقل استقلالية من اللجنة الحالية، فإنه قد يكون من الممكن أن يتم
الاحتفاظ بهذ اللجنة الحالية للإشراف على انتخابات 2018 مع إحداث بعض التغييرات
القليلة، لجعلها أكثر سوءا. فربما يتم استبدال الحكماء السبعة، وما هم بحكماء،
بجنرالات سبعة، وذلك من أجل تقوية الصلة بين اللجنة المشرفة على الانتخابات
والقوات المسلحة، حتى يزداد المشهد سوءا.
ويبدو أن بوادر تلك الصلة قد بدأت تظهر من
الآن، خصوصا إذا ما صحت تلك التسريبات التي تقول بأن اللجنة الحالية قد منحت صفقة
طباعة بطاقات الناخب لمطبعة تابعة للمؤسسة العسكرية.
2 ـ الأحزاب: على العكس من اللجنة المستقلة
فإن الأحزاب التي ستشارك في انتخابات 2018 لن يكون من بينها أي حزب من الأحزاب
الموجودة اليوم. فمن الملاحظ بأن أحزابا قليلة من تلك الأحزاب التي شاركت في
الانتخابات التشريعية والبلدية السابقة هي التي تمكنت من المشاركة في الانتخابات
الحالية (التحالف، الحزب الجمهوري الديمقراطي، الاتحاد من أجل الديمقراطية
والتقدم). أما أغلب الأحزاب المشاركة في الانتخابات الحالية، فإنها لم تكن موجودة أصلا
في فترة تنظيم الانتخابات البلدية والتشريعية الماضية (الحزب الحاكم، تواصل،
الوئام، الحراك، الكرامة ...).هذه الظاهرة العجيبة ستزداد مع انتخابات 2018 لدرجة
قد تجعلنا نتوقع أن لا يشارك في انتخابات 2018أي حزب من الأحزاب المشاركة في
الانتخابات الحالية، وهذا ربما يكون هو المقصود بتجديد الطبقة السياسية، والتي
تحولت إلى تجديد للأحزاب السياسية.
3 ـ القبائل : سيزداد نفوذ ودور القبائل في
انتخابات 2018، وإذا كان هذا الدور قد بدأ خجولا منذ بلديات 1986، إلا انه ظل ينمو
ويتطور باستمرار مع كل موسم انتخابي جديد، وذلك من قبل أن يحقق قفزة نوعية في
الانتخابات الحالية، وهي قفزة جعلتنا نتوقع بأن القبيلة ستكون هي صاحبة الكلمة
الأولى والأخيرة في انتخابات 2018.
4 ـ القواعد الحزبية : إذا كانت تربية
المناضلين وتوعيتهم سياسيا هي واحدة من الأدوار السياسية للأحزاب، فإن هذا الدور
سيختفي تماما قبل انتخابات 2018، وستصبح القواعد الحزبية، خصوصا الأقل تعليما، هي
التي تقوم بتربية قيادات الأحزاب، وبتوجيه تلك القيادات للأخذ بتطلعات القواعد.
وقد ظهرت بوادر هذا الانقلاب في الأدوار في بعض القرارات الحزبية التي تم اتخاذها
مؤخرا.
5 ـ السلطة الحاكمة: ستزداد ضعفا أمام القبائل والجهات والأعراق،
ولكنها ستزداد في المقابل قوة وغطرسة أمام المعارضة. وستتعمد السلطة على إذلال المعارضة
وإهانتها، لأنها تعلم بأنها كلما بالغت في إذلال المعارضة، وفي إهانتها، فإنها
ستجد من بين أحزاب تلك المعارضة من يشرع لها ذلك الإذلال وتلك الإهانة.
6 ـ المعارضة : لن تكون هناك معارضة في
انتخابات 2018، وكلما سيكون هناك، إذا ما ظل المسار الديمقراطي يسير وفق منحناه الحالي،
أغلبية حاكمة تنشطر مع كل موسم انتخابي لتعود إلى الاندماج بعد اكتمال العملية
الانتخابية.
7 ـ الأخلاق والقيم الديمقراطية: هذه ستختفي
تماما من المشهد، بل إن الأحزاب في العام 2018 ستبدأ في التنافس العلني فيما بينها
من أجل إضفاء بعد انتهازي على العمل السياسي. وربما، تسمعون في تلك لانتخابات عن
أحزاب صغيرة تعلن ـ وبكل وقاحة ـ عن الأسعار التي تقبل أن ترشح باسمها لائحة بلدية
أو نيابية. وربما تسمعون أيضا عن وجيه يعلن عن تنظيم مناقصة بين الأحزاب الصغيرة،
وذلك للوصول إلى سعر مقبول يدفعه ذلك الوجيه عن رعاياه الذين سيرشحهم في تلك
الانتخابات.
وفي الأخير، فإنه عليكم أن تعلموا جيدا بأن
كل تلك المظاهر البائسة التي ستطفو على المشهد السياسي في انتخابات 2018، بأنها
تصنع الآن، وبأنكم أنتم من يصنعها الآن، وذلك لأنكم قد قبلتم بأن تصوتوا في انتخابات
2013 التي ستشكل تراجعا كبيرا عن الانتخابات
التي سبقتها.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق