اختارت اللجنة المستقلة للانتخابات أن تصدر
بيانها الأول في يوم خميس، واختار رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو أن يصدر بيانه
الأول في يوم الأحد الموالي لذلك الخميس، واختار العبد لله ـ ولأسباب غير وجيهة ـ
أن يجمع بين البيانين في مقال واحد.
صدر بيان الخميس (لا أقصد بيان مجلس الوزراء)
في نهاية أسبوع وفي نهاية شهر، بينما صدر بيان الأحد في بداية أسبوع وفي بداية
شهر.
كان بيان الخميس مفاجئا بينما كان بيان الأحد متوقعا.
وكان بيان الخميس غبيا بينما كان بيان الأحد
عنيدا.
كان بيان الخميس مفاجئا وغبيا لأنه لم يكن من
الحكمة ولا من المنطق أن تعلن اللجنة المستقلة للانتخابات عن موعد للانتخابات من
خلال بيان مكتوب، بل كان من المفترض أن يتم الإعلان عن ذلك الموعد من خلال مؤتمر صحفي تستدعى له كل الأحزاب
السياسية، وكل ممثلي الهيئات الدولية، هذا فضلا عن استدعاء الصحافة الوطنية
والدولية لتغطية المؤتمر المذكور. ويظهر بشكل جلي غباء بيان الخميس باختياره لموسم
الخريف كموعد لإجراء الانتخابات، ولا يتوقف غباء البيان عند هذا الحد، فهذا البيان
الذي أربك الجميع، والذي أصدرته اللجنة
المستقلة للانتخابات لتثبت استقلاليتها في اتخاذ القرارات، لم تستطع أن تثبت ذلك،
لأنها لم تستطع أن تحسم وقتا محددا لتلك الانتخابات، وإنما اكتفت باختيار مجال
مفتوح يمتد من 15 سبتمبر إلى 15 أكتوبر فأثبتت بذلك بأنها لا تمتلك من الجرأة
والاستقلالية ما يكفي لأن يجعلها قادرة على تحديد موعد نهائي للانتخابات. كما
أثبتت ـ في نفس الوقت ـ بأنها لا تمتلك من
الحكمة ما يكفي لأن يجعلها لا تتجرأ على إصدار بيان بهذا الحجم من قبل أن تتشاور
مع كل الأطراف المعنية بالعملية الانتخابية.
أما بيان الأحد فقد كان بيانا عنيدا ولكنه
أيضا كان بيانا ذكيا وجريئا.
وبغض النظر عن الموقف المتخذ من الحرب
الدائرة الآن بين النظام ومجموعة ولد بوعماتو، وسواء كان ذلك الموقف مؤيدا للنظام
أو لمجموعة بوعماتو أو لكليهما في نفس الوقت، مهما يكن ذلك الموقف ( شخصيا لم أحسم
موقفي حتى الآن) فإن الشيء الذي لا يمكن تجاهله هو أن رجل الأعمال محمد ولد
بوعماتو يمتاز بصفات تستحق أن نتوقف عندها في هذا المقال.
أولا: روح المخاطرة والمغامرة:
وتظهر تلك الصفة من خلال تتبع بعض المحطات في
حياة الرجل، فقد اتخذ الرجل خلال مسيرته بعض القرارات الجريئة، وهي قرارات كان من
نتائجها وصول المجموعة إلى هذا المستوى المالي الكبير الذي وصلت إليه.
وتعني تلك
الصفة، وهذا ما أظهره البيان الأول، بأن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو لن تكون
ردود أفعاله كردود أفعال رجال الأعمال الثلاثة عندما سارعوا إلى الانتساب للحزب
الحاكم، ولإقامة الولائم لقيادات الحزب ولأركان النظام، وذلك من أجل إيقاف الحرب
التي أطلقها النظام ضدهم في إطار حربه على الفساد، وذلك فيما بات يُعرف بملف البنك
المركزي.
فروح
المخاطرة عند رجل الأعمال محمد ولد
بوعماتو ستمنعه من المهادنة ومن الانحناء أمام العاصفة، وبالتالي فهو سيحارب بكل
ما يملك من أسلحة، ولن يتوقف حتى يربح كل شيء، أو يخسر كل شيء. ولن بقبل إطلاقا بنصف
خسارة أو بنصف ربح. وهذا هو عكس ما حصل مع رجال الأعمال الثلاثة، والذين رفعوا
الراية البيضاء في وقت مبكر، وذلك لكي تُطوى ملفاتهم بنصف خسارة وبنصف ربح فكان لهم
ما أرادوا.
ثانيا الذكاء
: تلك أيضا واحدة من صفات الرجل، ويكفي للتأكد منها أن نقرأ بتأمل بيان الأحد، فقد
أظهر البيان ما يلي:
1 ـ أن محمد ولد بوعماتو عمل جاهدا من خلال صياغة
بيانه الأول لأن يكسب كل الأنصار المحتملين فبعد شكر الأصدقاء الذين ساعدوه، وأولئك الذين يحاولون
القيام بذلك، تقدم أيضا بشكر أولئك الذين قال بأنهم يعانون في صمت، وأولئك الذين
يتساءلون.، هذا فضلا عن
الإشادة بولاء المعاونين والعمال. أيضا حاول ولد بوعماتو من خلال بيانه أن يثبت
لزبنائه ولعماله أيضا بأنه حريص كل الحرص على مصالحهم حتى في مثل هذا الوقت العصيب
الذي تمر به المجموعة.
إن هذا
الحرص الذي أظهره البيان من أجل كسب كل الأنصار المحتملين، أو من أجل تحييد أعداء
محتملين لم يجعله ينسى أن يُذكر الجمعية الموريتانية للبنوك بدورها المفترض، ولا
أن ينسى أن يخاطب كل من وقف في صف خصمه خاصة من المؤسسات العمومية أو الخصوصية
بلغة حادة جدا، ومشحونة بالوعيد.
2 ـ أظهر البيان أن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو
قد قرر أن يكون هو صاحب المبادرة، لا أن يكتفي بردود الأفعال، وذلك مما يدل على
ذكاء الرجل. فقرار إغلاق البنك بهذه الطريقة الذكية والشجاعة لابد أنه سيربك خصوم
الرجل كثيرا، وسيجعلهم ينتقلون من الفعل إلى ردة الفعل وهو ما سيكون في مصلحته.
3 ـ أظهر البيان أن رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو
لم يرتبك بعد الضربة الأولى، وأنه ظل متماسكا ومهتما بكل التفاصيل بما فيها تلك
الصغيرة جدا، وهذا أيضا مما يعكس ذكاء الرجل.
4 ـ حاول رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو في خاتمة بيانه
الأول أن يطمئن الأنصار وأن يؤكد لهم بأنه لن يستسلم، وأن هذا مجرد بيان مقاومة ستعقبه لفاءات فريبة وأن النصر
سيكون حليفه. ومما لا شك فيه بأن هذه الخاتمة قد صيغت بطريقة ذكية أراد ولد
بوعماتو أن يوحي من خلالها لأنصاره بأنه واثق من كسب الحرب دون أن يكشف لهم عن
مصدر تلك الثقة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق