هناك حقيقة
لم يعد بالإمكان أن نتجاهلها، وتتلخص تلك الحقيقة في أن الأقطاب السياسية الثلاثة التي
تقود حاليا المشهد السياسي في البلاد لم تعد قادرة على التستر على عجزها ولا على
فشلها الذريع..
فالمعارضة
عاجزة عن تحقيق شعارها الذي رفعته منذ عام تقريبا، أي شعار فرض الرحيل.
والمعاهدة
عاجزة عن جر الأغلبية والمعارضة إلى طاولة الحوار رغم مرور ما يزيد على سبعة أشهر
على إعلان ميلاد مبادرة الرئيس مسعود، والتي أعيد إعلان ميلادها للمرة الثانية، والتي
ربما يعاد إعلان ميلادها للمرة الثالثة أو الرابعة.
والنظام
الحاكم عاجز هو بدوره عن تنظيم أية انتخابات لأسباب تقنية ولأسباب سياسية لا يلوح
في الأفق أنها ستنفرج قريبا.
إننا أمام
ثلاثة أطراف سياسية عاجزة عن القيام بأي فعل سياسي، ويبدو أنها ستظل عاجزة إلى أن
يقضي الله أمرا كان مفعولا.
والمصيبة أن
هذه الأطراف الثلاثة لا تريد أن تعترف بعجزها، بل إنها تتظاهر بثقة زائفة ليست
ناتجة عن قوة ذاتية، وإنما هي ناتجة ـ بالأساس ـ عن ضعف الخصوم وعجزهم الواضح عن أي
فعل سياسي أو نضالي مهما كانت طبيعته.
أوَ ليس من
حق النظام الحاكم أن يشعر بثقة زائفة فهو إن التفت يمينا فلن يرى إلا معاهدة عاجزة
عن إجباره على القبول بمبادرة الرئيس مسعود، وإن التفت شمالا فلن يرى إلا معارضة
أصبحت عاجزة حتى عن تنظيم مسيرة أو مهرجان مشترك للمطالبة بالرحيل؟
أوَ ليس من
حق المعارضة أن تشعر بثقة زائفة، فهي إن التفت يمينا فلن ترى إلا معاهدة عاجزة لا
تملك إلا الانتظار والانتظار ويكفيها فخرا أن النظام والمعارضة لم يرفضا علنا مبادرتها
حتى وإن كانا قد رفضاها ضمنا؟ وإن التفتت شمالا فلن ترى إلا نظاما يتآكل من الداخل
ويزداد ضعفا يوما بعد يوم؟
أوَ ليس من
حق المعاهدة أن تشعر بثقة زائفة وهي إن التفتت يمينا أو شمالا (لا أدري أيهما
أنسب) فلن ترى إلا نظاما عاجزا لا يملك من مقومات البقاء إلا أن الله أنعم عليه
بمعارضة تعارض نفسها أكثر مما تعارض النظام الحاكم؟ وإن التفت شمالا أو يمينا (لا
أدري أيهما أنسب) فلن ترى إلا معارضة عاجزة لا تملك من مقومات البقاء إلا أن الله
أنعم عليها بنظام يعارض نفسه أكثر مما تعارضه المعارضة؟
لقد رفعت
المعارضة شعار الرحيل ليس لأنها قادرة على فرض الرحيل، وإنما لأنها كانت تتوقع ـ
ولا زالت ـ بأن النظام القائم قد يُرحل نفسه بنفسه بسبب كثرة الأخطاء التي يرتكبها.
ولعل من أبرز
إيجابيات النظام القائم أو من أبرز سلبياته (لا أدري أيهما أنسب) هي أنه بطش
بأنصاره من قبل خصومه ( مدير العقارات ولد أباته، المفوض ولد الداده، وزيرة الخارجية
الناهة، وزير الصحة الذي يعد من أبرز كتاب
النظام، وظلت الحرب على الأنصار متواصلة حتى وصلت إلى أقوى المناصرين : محمد ولد
بوعماتو).
لو كانت هذه
الحرب التي يقودها النظام الحالي على أنصاره تدخل في إطار الحرب على الفساد لصفق لها
كل ضحايا الفساد بأياديهم و بأرجلهم، وغالبية الشعب الموريتاني هو ضحية للفساد. ولكن
المشكلة أن الحرب على الأنصار لا علاقة لها إطلاقا بالحرب على الفساد.
فعن أي حرب
على الفساد يمكننا أن نتحدث ما دامت الحصيلة بعد أربع سنوات من الحرب الشرسة على
الفساد والمفسدين هي تعيين وزير من وزراء معاوية، وقيادي في حزب سياسي على رأس
مفتشية الدولة؟
وأي حرب على
الفساد يمكننا أن نتحدث ما دامت الحصيلة هي تعيين أول من جُرد من مهامه بسبب
الفساد (حسب ما قيل حينها) على رأس الوزارة التي كان يجب أن يتم تخصيصها للإطار الأكثر
كفاءة ونزاهة في البلد لكونها معنية بالملف الأكثر تعقيدا (تخطيط الأحياء
العشوائية)؟
إن تحصيل
الضرائب هو مسألة في غاية الأهمية، ولا يمكن لأي حرب على الفساد أن تنجح دون
الاهتمام بتحصيل الضرائب، ولكن أوَ ليس اختيار الموظفين الأكفاء هو الخطوة الأسهل والأهم
لضمان نجاح أي حرب على الفساد؟
وبالتأكيد
فإن تلك الخطوة السهلة والمهمة لم تبدأ حتى الآن، مما يعني أن الحرب على الفساد لم
تبدأ بعد، فالتعيينات منذ مجيء النظام
الحالي لم تعتمد ولا في مرة واحدة على الكفاءة والاستقامة.
إن الحرب على
الأنصار التي يقوم بها النظام لا تدخل في إطار الحرب على الفساد، وإنما تدخل في
إطار معارضة النظام لنفسه، وفي جهوده المتواصلة لترحيل نفسه بنفسه. وبالمقابل فإن المسيرات
والمهرجانات التي ستنظمها أحزاب المنسقية بشكل منفرد ليس الغرض منها هو إجبار النظام
على الرحيل، وإنما على العكس، فهي لطمأنة النظام، ولتشجيعه على مواصلة رفضه
للاعتراف بوجود أي أزمة سياسية.
إنه نوع من
الإيثار الغريب الذي أصبح يطغى على فعل طبقتنا السياسية، تلك الطبقة التي كانت
معروفة، وإلى وقت قريب بأنانيتها.
فالنظام
يحارب أنصاره ليس لأن ذلك يدخل في إطار الحرب على الفساد، وإنما لأنه قد يساعد في
تحقيق شعار المعارضة الذي عجزت عن تحقيقه، أوَليس هذا هو من أسمى أنواع الإيثار
السياسي؟ أجيبوني يرحمكم الله.
أما المعارضة التي قررت تنظيم مسيرات ومهرجانات حزبية
منفردة فإنها لم تفعل ذلك لغرض فرض الرحيل، وإنما فعلته لتَصدم أنصارها الذين جاؤوها
بكثرة في بداية رفعها لشعار الرحيل، ولتصيبهم بالإحباط خدمة للنظام القائم، أوَليس
هذا هو من أسمى أنواع الإيثار السياسي؟ أجيبوني يرحمكم الله.
أما المعاهدة
ـ والتي سأخصص لمبادرتها مقالي القادم ـ فهي ليست في عجلة من أمرها، فستظل تنتظر،
وتنتظر، وتنتظر، فمن يدري فربما يصلها شيء من إيثار النظام وإيثار المعارضة ،
فيتذكرانها بخير، ويقررا من باب الإيثار السياسي أن يقبلا بها بعد أن يكون النظام
قد فشل في ترحيل نفسه، وبعد أن تكون المعارضة قد فشلت في فرض بقائه (أي النظام الحاكم)
.
تصبحون على
طبقة سياسية غير عاجزة..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق