لقد جاءت نظرية
"عزيز يعارض عزيزا" كمحاولة جريئة لفك العديد من الطلاسم التي تأتي تباعا
من القصر الرئاسي، تلك الطلاسم التي لا يمكن فكها إلا بالعودة لهذه النظرية. ولقد
أصبح مما لاشك فيه ـ على الأقل ـ بالنسبة لي،
بأن الرئيس "عزيز" يخطط ويسهر ـ بوعي أو بغير وعي ـ على مصلحة
المعارضة أكثر من حرص المعارضة نفسها على تلك المصلحة.
إن هناك ألغازا عديدة،
لا يمكن لنا فهمها إلا بالعودة لهذه النظرية، وسأكتفي في هذا المقال بذكر أربعة
منها :
اللغز الأول : لقد استغرب الكثير من المتابعين الجرأة التي
تعامل بها المرشح "عزيز" مع الوجهاء والوسطاء الانتخابيين الكبار أثناء
حملته الانتخابية، حيث كان ينتقدهم وبأقسى الألفاظ، ويصفهم علنا بالمفسدين، وهو ما
أدخل إدارة حملته في مشاكل عديدة مع أولئك الوجهاء والناخبين الكبار . ولقد اضطر
بعض رجال الأعمال المساندين له في حملته، إلى أن ينظم اجتماعات جانبية، وأن يتحمل
بعض النفقات الإضافية للاعتذار لأولئك الذين أغضبهم المرشح "عزيز" خلال زيارة
مدنهم أثناء حملته الانتخابية.
لقد تعامل المرشح
"عزيز" بخشونة وبجفاء كبير مع الناخبين الكبار أثناء حملته، رغم أنه كان
في أمس الحاجة لدعمهم، وعندما فاز في الانتخابات، ولم يعد بحاجة لدعم المفسدين،
بدأ يتعامل معهم بلباقة وبطيبة مثيرة للاستغراب،
وسارع في تعيينهم سفراء ورؤساء مجالس إدارة ومديرين ...
فلماذا تعامل المرشح
"عزيز" مع المفسدين بخشونة وهو بحاجة ماسة إلى دعمهم، ولماذا بعد نجاحه
تعامل معهم بأسلوب مغاير تماما، مع العلم بأن المفسدين ليس بإمكانهم أن يزيحوا
رئيسا من السلطة، وإن كان بإمكانهم أن يساعدوه في الوصول إليها في ظل انتخابات كتلك
التي تجري في بلدنا؟
لقد أصبح من الواضح،
خاصة بعد الربيع العربي بأن الشباب هم الذين بإمكانهم أن يسقطوا الأنظمة، فلماذا
اعتمد المرشح "عزيز" على الشباب أثناء حملته، وتخلى عنهم بعد تنصيبه
لصالح "العجزة المفسدين"؟ ذلك واحد من ألغاز الرئيس "عزيز"
الذي لا يمكن لنا أن نجيب عليه إلا بالعودة لنظرية " عزيز يعارض
عزيزا"..
اللغز الثاني: سارع
الرئيس "عزيز" بعد تنصيبه للتقرب من التواصليين، كما سارعوا هم إلى
التقرب إليه، ونتج عن ذلك التقارب أن شهدت الساحة السياسية أول تحالف يتم بين حزب
معارض وحزب من الموالاة في انتخابات تجديد ثلث مجلس الشيوخ، وهو ما مكن "تواصل"
من الفوز بمقعد جديد في مجلس الشيوخ. ولعلنا نتذكر جميعا كيف رفض الرئيس
"عزيز" وساطة أغلبيته في ملف رجال الأعمال، وقبل وساطة الشيخ العلامة
"محمد الحسن الددو"، هذا فضلا عن مشاركة الشيخ الفعالة في الحوار مع
السجناء المتهمين بالتطرف. كما نتذكر أيضا استضافة "محمد المختار الشنقيطي"
للندوة التي تم تنظيمها حول الغلو.هذا فضلا عن العديد من الانجازات التي كان من
المفترض أن تساهم في هذا التقارب ( قطع العلاقات مع العدو الصهيوني، فتح إذاعة
إسلامية، فتح جامعة إسلامية، مشروع المصحف الموريتاني، مشروع المسجد الموريتاني،
رواتب الأئمة، مهرجان المدن القديمة...). يضاف إلى ذلك استقبال الاتحاد الوطني
للطلاب في القصر، واستقبال رئيس حزب "تواصل" أكثر من مرة، دون أن ننسى
الاستقبال المثير لجماعة من الدعوة والتبليغ، والذي كان أول استقبال من نوعه.
وفجأة وبعد هذا كله
فإذا بالعلاقة بين الرئيس "عزيز" وحزب تواصل تسوء كثيرا، وتتوتر إلى
الحد الذي أصبحت تذكر فيه بالعلاقة السيئة التي كانت تربط الرئيس "معاوية"
بالإسلاميين.
ورغم أن هناك عوامل
عديدة ساعدت في هذا الجفاء الحاصل الآن بين الرئيس "عزيز" وحزب "تواصل"،
إلا أن ذلك لن يمنع من القول بأن الرئيس "عزيز"
هو الذي يتحمل النصيب الأكبر في هذا
الجفاء الحاصل، الشيء الذي يشرع لنا طرح سؤال اللغز الثاني من ألغاز الرئيس "عزيز"
: فلماذا تعمد الرئيس "عزيز" أن يغضب حزب "تواصل" في زمن
الربيع العربي، وفي وقت كان بإمكانه أن يكتسب هذا الحزب بجهود بسيطة؟
اللغز الثالث : نفس
الشيء حدث مع حزب "التكتل"، ففي الوقت الذي كان فيه هذا الحزب يسجل
مواقف قريبة جدا من مواقف النظام، وفي الوقت الذي كان فيه الحزب يتخذ مواقف لصالح
الجيش الموريتاني في حربه مع القاعدة، وهي مواقف كانت تغضب بعض الأحزاب المشكلة لمنسقية
المعارضة، لأنها كانت تعتبرها محاولة للتقرب من النظام الحاكم. في ذلك الوقت
بالذات اختار الرئيس "عزيز" أن يطلق تصريحه المثير للاستغراب والذي قال
فيه ما مضمونه إن الرئيس "مسعود" شخصية وطنية، و أن الرئيس "أحمد
داداه" لا يسعى إلا لمصالحه الشخصية، وأنه لا يطلب في لقاءاته معه إلا بعض المسائل
الخاصة ( تعيين فلان، أو منح صفقة لفلان)، عكس الرئيس "مسعود" الذي لا يتحدث إلا في القضايا العامة التي تهم
الوطن.
فلماذا أطلق الرئيس "عزيز"
ذلك التصريح في ذلك الوقت؟ ولماذا انتقد الرئيس "عزيز" رئيس التكتل بتلك
الطريقة في الوقت الذي امتدح فيه رئيس التحالف وهو يعلم مدى الحساسية بين
الزعيمين؟ ألم تكن هناك طريقة أخرى للتقرب من الرئيس "مسعود" غير هذه
الطريقة التي أغضبت الرئيس "أحمد" غضبا لم يغضبه على رئيس من قبل، بما في ذلك الرئيس" معاوية"، الذي لم
يطالب الرئيس" أحمد" بمحاكمته، وهي المحاكمة التي طالب بها في حق الرئيس"عزيز"؟
اللغز الرابع : يُنتقد
الرئيس "عزيز" من طرف بعض خصومه على أنه من مواليد السنغال. ولقد قام
الرئيس "عزيز" بأداء صلاة الغائب في "كيهيدي"، واستقبل آخر
فوج من المبعدين في "روصو"، ووعد بنبش القبور الذي أثار جدلا كبيرا وقت
الإعلان عنه، واتهم رسميا بعض الضباط بارتكاب جرائم ضد الزنوج الموريتانيين، وعين
ـ ولأول مرة في تاريخ البلد ـ العديد من الزنوج الموريتانيين في وظائف حساسة، لم
يعينوا فيها من قبل. واعتذر وزير الدولة للتعليم عن وعد الوزير الأول بالاهتمام
باللغة العربية بمناسبة الاحتفال بيومها 2010 بعد احتجاجات بعض الطلبة الزنوج في
الجامعة، وعين الرئيس "عزيز" أحد الطلاب الزنوج الذين قادوا تلك
الاحتجاجات في القصر الرئاسي في سابقة من نوعها. وكان أيضا الرئيس "عزيز" هو أول رئيس يؤسس
وزارة خاصة بالشؤون الإفريقية من قبل أن
يحلها. واشتهر الرئيس "عزيز" بحضوره لكل الأنشطة التي تقام في الدول
الإفريقية السوداء، مهما كانت درجة أهميتها، في الوقت الذي يتغيب فيه عن جل
الأنشطة العربية، بما فيها تلك التي يمكن أن تستفيد منها موريتانيا اقتصاديا.
ومع ذلك كله فقد أتاح
الرئيس "عزيز" الفرصة لأن يوصف بالعنصرية، وأعطى المبررات لميلاد حركة
"لا تلمس جنسيتي" التي قادت احتجاجات شارك فيها العديد من الموريتانيين
الزنوج، وكانت هذه الاحتجاجات هي الأخطر من نوعها في السنوات الأخيرة، بعد أن سقط
فيها الشاب "لامين ما نغان" في "مقامة".
فلماذا منح الرئيس
"عزيز" الفرصة والمبررات لبعض الموريتانيين الزنوج للقيام بمظاهرات
واحتجاجات عرقية مع العلم بأنه كان بالإمكان أن يتم تفادي تلك الاحتجاجات بشيء
قليل من التحسيس حول عملية الإحصاء الجارية؟
إن هذه الألغاز مع
غيرها من ألغاز لا يمكن الإجابة عليها إلا من خلال نظرية " عزيز يعارض
عزيزا"، تلك النظرية التي ستكون لنا معها عودة في مقالات قادمة، إن شاء الله.
تصبحون من أنصار
نظرية "عزيز يعارض عزيزا"....
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق