ما حدث في فاتح
ابريل، كان حدثا عظيما يستحق أن نتوقف عنده قليلا، فأن تقتحم مجموعة من العاطلين
عن العمل من حملة الشهادات القصر الرئاسي، وأن تفرض ـ ولأول مرة في تاريخ
موريتانيا ـ اعتصاما داخل القصر الرئاسي فذلك من الأحداث التي تستحق التأمل.
إن عملية اقتحام
القصر الرئاسي والتي قادها بعض العاطلين
عن العمل الشجعان، لابد وأن تلفت الانتباه على ظاهرة البطالة التي تفتك بعشرات
الآلاف من شباب البلاد، دون أن تجد من يهتم بها، أو يعمل من أجل الحد منها.
وهذه الظاهرة لم
يتم تجاهلها فقط من طرف الأنظمة
المتعاقبة، وعلى رأسها النظام الحالي الذي كان من أكثر الأنظمة تجاهلا لها، وإنما
تم تجاهلها كذلك من طرف الأحزاب السياسية، ولم تحظ باهتمام لائق من طرف الكتاب
والمثقفين، ولم تهتم بها الصحافة المستقلة كاهتمامها بقضايا أخرى أقل خطورة وأقل
ضررا بالمجتمع.
ومن هنا جاءت
أهمية هذه العملية النوعية، والتي يجب أن يُجعل من تاريخ حدوثها (فاتح ابريل) يوما
وطنيا للعاطل عن العمل في موريتانيا، يجعل منه العاطلون عن العمل مناسبة سنوية
للفت الانتباه على هذه المأساة التي لا تجد من يهتم بها رغم بطشها وفتكها بالشباب
الموريتاني.
إن عملية اقتحام
القصر الرئاسي يوم أمس تأتي في إطار سلسلة
من الاعتصامات والاحتجاجات الغير مسبوقة، وهي اعتصامات واحتجاجات تبعث في مجملها
رسائل إيجابية للمظلومين أينما كانوا، وسلبية للظالمين أينما كانوا، ويمكن تلخيص
تلك الرسائل الإيجابية والسلبية في النقاط التالية:
1 ـ لقد اتسعت ثقافة الاحتجاج السلمي في موريتانيا،
وتطورت تطورا ملحوظا في الفترة الأخيرة. ولم يعد المظلومون والمهمشون والمستضعفون
ينتظرون وسيطا يبلغ شكاويهم ومظالمهم لمن يهمه الأمر. ومن الملفت للانتباه أن الاحتجاجات
أصبحت أكثر اتساعا في القرى منها في المدن، وفي عواصم المقاطعات منها في عواصم
الولايات، وهذا يعني أن المواطن الأكثر تعرضا للظلم وللتهميش، أصبح هو الأكثر
استعدادا للاحتجاج والتظاهر.
2 ـ لقد أصبحنا
من حين لآخر نسمع عن عمليات احتجاج واعتصامات نوعية، مما يعني أن من بين المظلومين
من أصبح يفكر من خارج الصندوق، وهذا مما
يبشر أصحاب المظالم، ويزعج في الوقت نفسه كل ظالم. وفي هذا الإطار يمكن أن نذكر
قافلة المظالم التي جاءت من "نواذيبو" سيرا على الأقدام، والتي شكلت
تطورا لافتا ونوعيا في أساليب الاحتجاج. كما يمكن ذكر بعض أصحاب المظالم الذين استطاعوا
أن يستغلوا زيارات الرئيس استغلالا إيجابيا، لعرض مظالمهم بالصوت وبالصورة على
الرئيس، كما أجبروا التلفزيون على إظهار مظالمهم في إطار تغطيته المباشرة لزيارات الرئيس. كما
يمكن أن نذكر أيضا أطول احتجاج أمام القصر، وهو الاحتجاج الذي قادته نساء ريفيات من
قرية "ادويرارة"، وهي القرية التي لم تكن معروفة لدى الكثير من الموريتانيين من قبل ظهور لافتة "ادويرارة" الصفراء، والتي ظلت ترفرف
أمام القصر الرئاسي لعدة شهور.
3 ـ إن من ميزة
هذه الاحتجاجات والاعتصمات أنها تتوجه بمظالمها مباشرة إلى القصر الرئاسي، وإذا
كان ذلك يعكس ضعف أداء الحكومة، إلا أنه أيضا يعكس مدى الوعي المتنامي للمحتجين الذين أصبحوا يدركون بأن عدم حل مشاكلهم يتحمله أولا
وأخيرا من في القصر الرئاسي، حتى تلك الأخطاء التي يرتكبها الوزراء والموظفون فالرئيس
هو الذي يتحملها لأنه هو الذي عينهم، ولأنه هو الذي لم يحاسبهم.
إن التوجه بشكل مباشر إلى القصر الرئاسي ، وتحميل
الرئيس جميع المظالم التي تحدث في البلاد، هو من القواسم الإيجابية لموجة
الاحتجاجات والاعتصامات العارمة التي تشهدها البلاد. وإن ذهاب أصحاب المظالم فرادى
وجماعات إلى القصر الرئاسي هو الذي سيجعلهم يبتدعوا أساليب نوعية لإيصال مظالمهم
للرئيس. و تدافع أصحاب المظالم إلى القصر الرئاسي، هو الذي سيساعد في سقوط الحواجز
النفسية والأمنية التي تحول بين أصحاب المظالم،والرئيس الذي عليه أن يعلم بأن
الحواجز النفسية قد سقطت منذ مدة، وأن الحواجز الأمنية قد سقطت في فاتح ابريل، مما
يعني بأن أصحاب المظالم قادمون، إن لم يجدوا من يذهب إليهم ويعمل على حل مشاكلهم
وهمومهم...
تصبحون وأنتم في
القصر الرئاسي...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق