إني أحلم بأن أستيقظ ذات يوم على وطن حقيقي، يكون انتماء المواطن فيه للوطن من قبل أن يكون للقبيلة، أو للجهة ، أو للعرق، أو للشريحة.
الأحد، 12 ديسمبر 2010
تسريبات أنبيكت لحواش ...وثيقة رقم (1)
لا وثائق في المقاطعة الجديدة يمكن تسريبها. لا وثائق، لا مباني، لا شهادة باكالوريا، لا أنشطة للإتحاد من أجل الجمهورية، لا قطع نقدية من فئة خمسين أوقية، لا لحوم بيضاء، لا احتفالات مخلدة لليوم العالمي لمحاربة الفساد.
لا شيء يمكن تسريبه من هناك، حتى ولو تم ترحيل جوليان آسانج ـ إمعانا في عقابه ـ إلى المقاطعة الجديدة، وتم فرض الإقامة الجبرية عليه هناك، بعد أن يتم منحه قطعة أرضية بين المنزل الافتراضي للحاكم، والمنزل الافتراضي للعمدة، وذلك في إطار مساعدة عاجلة تقدمها المقاطعة الموريتانية الجديدة لحكومة أستراليا المتضررة.
لا شيء إطلاقا، ولكن ما الذي كان سيحدث فعلا لو تم ترحيل جوليان آسانج إلى مقاطعة أظهر؟ وهل كان سيتحول إلى كائن أليف، وديع، مطيع، لو تم تعيينه صحفيا رسميا في التلفزيون؟ وهل كان سيسرب تقارير لو تم تعيينه مراسلا دائما للوكالة الموريتانية للأنباء في أنبيكت لحواش؟ وهل كان سينهار عصبيا لو تم إجباره للخضوع لدورة تدريبه في الصحافة الالكترونية لشهر كامل، في محطة الإذاعة الجهوية بمدينة النعمة؟
وهل كان سَيُعِد ـ بعد الانهيار العصبي ـ تقارير عن التطور العمراني المذهل الذي عرفته أنبيكت لحواش في صبيحة السادس من أغسطس أي منذ عامين من قبل تأسيسها؟ وهل كان سيحدث العالم عن "نبض التنمية" في المقاطعة الجديدة؟ وهل كان سيتحدث عن نبض الثقافة فيها؟ وهل كان سيطالب بأن تكون مقاطعة أظهر عاصمة للثقافة الإسلامية بعد أن عجزت العاصمة عن تمثيل ذلك الدور؟ وهل كان سَيَدَّعي بأن موريتانيا قادرة على أن تفوز بكل الكؤوس القارية والعالمية لو شكلت فريقا من شباب المقاطعة الجديدة؟ وهل كان سَيُعِد برامج عالمية عن "موريتانيا الأشباح" تقدم للعالم أشباح مقاطعة الأشباح؟ وهل كان سيستضيف نخب أشباح المقاطعة في "منتدى" للأشباح؟ وهل كان سيسرب وثائق تؤكد للعالم بأن الحكومة الموريتانية اضطرت لتأسيس مقاطعات جديدة لكي تستثمر الأموال الفائضة لديها، وذلك بعد أن وفرت مستشفيات، ومدارس، وشوارع عريضة، وملاعب، ومسارح، ومكتبات في كل مقاطعات البلاد القديمة؟ وهل كان سيسرب للعالم أن رئيس الفقراء لم يعد في بلده فقير جائع مما اضطره على الإنفاق ـ ببذخ ـ على الشجر؟ وهل كان سيتمكن من إقناع العالم بأن مقاطعة أظهر مقاطعة مباركة، تم تأسيسها في العهد المبارك، وهي تتميز ببركتها عن كل المقاطعات في العالم؟ وهل كان سيكشف للعالم بأننا ببركة مقاطعة أظهر أصبحنا في غنى عن مساعدات وهبات كل دول العالم؟ وأننا أصبحنا نشق الطرق، ونشيد المدارس والمستشفيات، وننشئ شركات النقل البري والجوي، ونغرس الشجر على حساب ميزانية مقاطعة أظهر، ودون الحاجة لأي مساعدات خارجية؟
فبالتأكيد سيكون مثيرا ترحيل مؤسس موقع ويكيليكس الالكتروني، إلى موقع أنبيكت لحواش الافتراضي، ليقدم للعالم تسريبات جديدة، من أحدث مقاطعة جديدة، في موريتانيا الجديدة.
وعلى ذكر موريتانيا الجديدة، فهل تتذكر ـ عزيزي القارئ ـ آخر مرة سمعت فيها كلمة موريتانيا الجديدة في التلفزيون، أو على لسان واحد من الثمانمائة ألف "مناضل" في الاتحاد من أجل الجمهورية؟ وبِمَ تفسر هذا التراجع الخطير في استخدام كلمة موريتانيا الجديدة لدى الأغلبية وملحقاتها، وملحقات ملحقاتها؟ هل السبب في اعتقادك يعود إلى أن مستخدمي هذه الكلمة اكتشفوا أن مصطلح موريتانيا الجديدة لا يختلف ـ لغة ولا اصطلاحا ـ عن مصطلح موريتانيا القديمة؟ أم أن السبب يعود ـ حسب وجهة نظرك ـ إلى أن لكل مصطلح عمر افتراضي لا يمكن أن يتجاوزه؟ فالعمر الافتراضي لمصطلح موريتانيا الجديدة انتهى مع استقبالات الرئيس في مدينة النعمة، كما انتهى قبل ذلك العمر الافتراضي لمصطلح الأزمة الأخلاقية، وكما انتهى الأسبوع الماضي العمر الافتراضي لمصطلح الحرب على الفساد بالتحاق حزب عادل بالأغلبية، تخليدا لليوم العالمي لمحاربة الفساد؟
للحصول على إجابات على هذه الأسئلة، وعلى غيرها من الأسئلة التي قد تخطر ببالك، أو تلك التي قد لا تخطر ببالك، أنصحك بأن لا تقرأ هذه المراسلات الخطيرة، التي جرت بين جهة محلية وأخرى أجنبية، وهي مراسلات لم ـ ولن ـ يتم تسريبها من موقع ويكيليكس، حتى وإن تم ترحيل مؤسسه إلى أنبيكت لحواش، التي لن يجد فيها ـ بالتأكيد ـ أي وثيقة يسربها.
الوثيقة (1):
كتب فقير موريتاني يعيش تحت خط الفقر، طبقا للمقاييس الدولية والمحلية، رسالة افتراضية، إلى فقير افتراضي في فنزويلا، يحدثه فيها عن أحوال الفقراء في موريتانيا، بعد مرور ستة عشر شهرا على تنصيب أول رئيس للفقراء في موريتانيا الجديدة القديمة. يمكن هنا لسكان مدينة الطينطان و لمناضلي التكتل، بصفة خاصة، أن يقارنوا في ستة عشر حرفا، أو ستة عشر كلمة، أو ستة عشر صفحة، أو ستة عشر مجلدا، بين ستة عشر شهرا من حكم الرئيس المؤتمن، وستة عشر شهرا من حكم رئيس الفقراء. ويمكن تسليم الإجابات لنائب مقاطعة أظهر، أو لشيخها، أو لممثل جائزة شنقيط فيها، أو لدار الكتاب في انبيكت لحواش، أو لمقدم برنامج الرؤساء في الميزان.
نص الرسالة:
صديقي الفنزولي..
بعد التحية،
يؤسفني أن أقول لك في هذه الرسالة بأن أحوال أصدقائك الفقراء، في بلدك الثاني (موريتانيا) ليست بخير. ويؤسفني أن أقول لك ـ كذلك ـ بأن رئيس الفقراء في موريتانيا لا يتعامل مع الفقراء، كما يتعامل معهم رئيس الفقراء في فنزويلا.
فأنت قد لا تصدق بأني أنا الفقير الذي أعيش تحت خط الفقر، قد فشلت ـ كما فشل غيري من الفقراء ـ في أن ألتقي برئيس الفقراء ولو لمرة واحدة. وأنت ربما لا تصدق بأن رئيس الفقراء في موريتانيا لا يزال يرفض ـ عكس رئيسكم ـ أن يفتح أي قناة للاتصال بالفقراء الذين انتخبوه ذات يوم عصيب من أيام يوليو.
لقد عرفت بلادنا سيولا و أمطارا، كما عرفت بلادكم في الآونة الأخيرة سيولا وأمطارا. ولكن الفرق بين رئيسنا ورئيسكم، وكلاهما يلقب برئيس الفقراء، هو أن رئيسكم فتح قصره لبعض أسر الفقراء الذين هدمت الفيضانات مساكنهم، وقام بإيوائهم في القصر، في لفتة إنسانية رائعة، و أعطى أوامر صارمة لعمال القصر بأن يحسنوا معاملتهم وضيافتهم. ولا أخفيك ـ يا صديقي الفنزولي ـ بأني تمنيت وأنا أتابع صور أولئك الفقراء، وهم يتمددون على أسرة القصر، لا أخفيك بأني تمنيت لحظتها ـ ورغم حبي لوطني ـ أن أكون فقيرا فنزوليا، لا فقيرا موريتانيا.
أما رئيس الفقراء في بلدنا فإنه بخل على المشردين في المدن والقرى المنكوبة، بمجرد زيارة تفقدية يواسيهم فيها. بل أنه اشتغل عن معاناتهم بإطلاق مواكب لغرس الشجر، طبل لها كثيرا الإعلام الرسمي، والذي فاته أن مليون شجرة التي قرر الرئيس أن يغرسها خلال السنوات الخمس القادمة، قد تمكنت منظمة لبنانية غير حكومية، تابعة لحزب الله، أن تغرسها فعلا في أقل من عشرة أشهر. وقد كانت الشجرة المليون، هي الشجرة التي غرسها سيد المقاومة حسن نصر الله، أمام منزله في حارة احريك، بالضاحية الجنوبية.
صديقي العزيز، إن أحوالنا في موريتانيا ليست بخير، خاصة مع التزايد المذهل في أسعار المواد الأساسية، والتي وصل بعضها إلى مستويات مخيفة، لم يصل إليها من قبل. و أرجو ـ بالمناسبة ـ أن تفكر معي في طريقة ما، يمكن من خلالها أن ترسل لي يوميا ما أستهلكه من مواد غذائية ـ وهو قليل ـ من بلدك، مع العلم أني سأرسل لك أثمان تلك المواد بسعرها الفنزولي، مع هامش ربح معتبر خاص بك.
والمؤلم حقا ـ يا صديقي ـ أن كثيرا من السلع في بلادنا يرتفع سعرها بمستويات لا تتناسب مع ارتفاع سعرها العالمي. بل أن بعضها ارتفع سعره دون أن يكون هناك أي ارتفاع عالمي. فأسعار النقل بين المدن قد ارتفعت بشكل مذهل تزامنا مع تخطيط العشوائيات. وأسعار اللحوم البيضاء قد ارتفعت هي الأخرى، نتيجة لظهور حمي الوادي المتصدع. والفارق هنا بين رئيسنا ورئيسكم، هو أن تجار بلدكم لا يستطيعون أن يفكروا إطلاقا في استغلال الفقراء في بلدكم . أما رئيسنا فإنه ظل يتفرج على استغلال الفقراء الذين انتخبوه، بتفرجه على تلك الارتفاعات في الأسعار دون أن يتدخل.
صديقي العزيز، يقال إن رئيس الفقراء في بلدكم يوفر في بعض الأحيان رواتب على الأمومة، أي أن الأم التي تتفرغ لتربية أبنائها يتم توفير راتب لها. أما في بلدنا ـ يا صديقي العزيز ـ فإنه لا يعوض للأمهات المتفرغات لتربية أبنائهن، بل أنه لا يوجد أي اهتمام بتشغيل وتوظيف العاطلين عن العمل، خاصة أصحاب الشهادات الجامعية، وبالأخص من تم تكوينه منهم باللغة الدستورية للبلد.
لقد تراجع كثيرا الاهتمام بحملة الشهادات العاطلين عن العمل في عهد رئيس الفقراء، والذي لا يزال يتجاهل همومهم ومعاناتهم. ولقد أصبح بعض هؤلاء العاطلين عن العمل يصرخ "واطائعاه" ، ويحن إلى عهد معاوية، والذي ظل، رغم ما عُرف في عهده من ظلم وفساد، يفتح فرصا تمنح لبعض حملة الشهادات العاطلين عن العمل تعويضات، على شكل راتب متواضع، تبقيهم على قيد الحياة، في انتظار فرصة قد لا تأتي.
صديقي العزيز، أرجو في الأخير ـ إذا لم تتمكن من أن ترسل لي استهلاكي اليومي من بلدك ـ أن تبحث لي عن أي عمل في بلدكم، حتى ولو تعلق الأمر بغسل الصحون، أو بتسلية الحيوانات، هذا مع العلم بأني أملك شهادات جامعية متعددة.
أرجو أن تهتم بالأمر، فأوضاعنا في موريتانيا لم تعد تطاق..
بلغ سلامي لتشفايز..
صديقك الفقير من موريتانيا.
وإلى الأحد القادم إن شاء الله، في مراسلة جديدة، تكشفها وثيقة جديدة، تتحدث عن الشباب، والإرهاب ، وأشياء أخرى في أنبيكت لحواش.
تصبحون على رئيس للأغنياء..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق