لم يعد خافيا أن "السفينة" قد امتلأت صفائحها بالثقوب والفجوات، وأنها قد خُرِقت في أكثر من موضع. ولم يعد خافيا كذلك أن من أخطر ما يهددها بالغرق هو تلك الثقوب والفجوات التي تُحدث خرقا في السلم والوئام الاجتماعيين، لذلك فقد كان من الملح والملح جدا أن تتشكل مبادرة وطنية تتخصص وتتفرغ في سد الثقوب والفجوات الأكثر خطورة، ثم تعمل بعد ذلك لمنع حدوث أي ثقوب جديدة، حتى تتمكن سفينتنا من العبور الآمن إلى الشاطئ دون الغرق في بحار مخيفة وموحشة، موجها كالطود العظيم، ونهارها كليلها حالك الظلمة، شديد الرهبة.
ميلاد مبادرة : لقد ولدت مبادرة "حراس المستقبل" في لحظة تاريخية فاصلة، تنفرد بعديد من الميزات لعل من أهمها:
أن ميلادها قد جاء قبيل الاحتفال بخمسينية الاستقلال بأسابيع معدودة وفي ذلك دلالات وإشارات كثيرة.
أن الإعلان عنها قد جاء في وقت كان فيه الكثير من الموريتانيين يبحث عن مشروع وطني هادف ينخرط فيه من أجل مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد مستقبل البلاد، بعيدا عن التجاذبات والصراعات السياسية الآنية.. الرسائل وردود الأفعال تؤكد هذه الحقيقة.
أن الإعلان عنها قد جاء في وقت انقسمت فيه النخبة حول الاسترقاق ومخلفاته إلى فريقين: فريق يتعامل مع الرق بسلبية فاضحة، وفريق آخر يتعامل معه بتطرف صادم.
لذلك فقد كان من الضروري جدا أن يولد مشروع جديد، لحلف جديد، يركز على ثلاث نقاط أساسية:
أولاهما: أن محاربة مخلفات الرق هي أولوية الأولويات لأنه لم يعد من اللائق ـ ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لميلاد الدولة الموريتانية ـ أن تظل هذه القضية مطروحة وبهذه الحدة.
ثانيهما: لا يمكن أن نفسر فشلنا كدولة أو كنخب في استئصال هذه الظاهرة ومخلفاتها بشكل نهائي بتفسيرات عنصرية، كعنصرية الدولة أو النظام، أو نفسرها بتحالف بعض الشرائح ضد شريحة معينة...إلخ
فالحقيقة أن الدولة لم تفشل في القضاء نهائيا على مخلفات الرق لأنها دولة عنصرية، وإنما فشلت لنفس الأسباب التي جعلتها تفشل في محاربة الجهل والفقر والتخلف رغم ما تمتلك من ثروات متنوعة. والمقارنة هنا لا تعني أننا ننظر لمشكل العبودية كنظرتنا للفقر أو للجهل أو لأي ظاهرة أخرى، وإنما هي مقارنة من أجل تفنيد نظرية عنصرية الدولة والشرائح التي يحلو للبعض أن يتحدث عنها كلما تحدث عن العبودية. ومن المؤكد أن هذه النظرية لا تساعد في القضاء على مخلفات الاسترقاق لأنها تقزم محاربة مخلفات الرق وتجعل منه مجرد ظاهرة تخص شريحة واحدة وليس قضية وطنية كبرى، نريدها نحن في "حراس المستقبل" أن تظل من أهم القضايا التي يجب أن يتنافس في محاربتها المتنافسون من أبناء هذا الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم وأعراقهم وشرائحهم الاجتماعية.
ثالثهما : على "حراس المستقبل" أن يستنهضوا الهمم ويستنفروا كل النخب وبالأخص أولئك الذين لا يزالون يتعاملون مع هذه الظاهرة بسلبية فاضحة. وهناك نوعان من التعامل السلبي أحدهما لا يهتم بالظاهرة أصلا، ولا يعتبرها من القضايا الشائكة التي تهدد مستقبل البلاد. وثانيهما وهو الأقل سلبية يكتفي بالحديث عن الظاهرة دون أن يقدم جهدا ميدانيا لمحاربة مخلفاتها وذلك نتيجة لاعتقاده الخاطئ أن الحكومة هي المعنية أولا و أخيرا بمعالجة مخلفات الاسترقاق. ومن هنا فعلى القائمين على حلف "حراس المستقبل" أن يهتموا بمجالين اثنين في إستراتيجيتهم لمحاربة مخلفات الاسترقاق.
المجال الأول : تقديم المقترحات للسلطة والضغط من أجل تنفيذها، وهذه المقترحات يجب أن تمتد لتشمل كل القضايا ذات الصلة بظاهرة الرق ومخلفاته كالفقر والجهل والفساد..
المجال الثاني: وهو ما أشار إليه الإعلان التأسيسي للحلف، فعلى "حراس المستقبل" أن يصمموا برامج عملية على مقاسهم، يكون بالإمكان تنفيذها بوسائلهم وبإمكانياتهم الخاصة، دون الحاجة لدعم السلطات. وهناك بعض المقترحات العملية التي ستترك للنقاشات الداخلية لأعضاء الحلف.
المهم أنه على "حراس المستقبل" أن يمتلكوا وسائل تمكنهم من أن يبتدعوا ويصمموا برامج قادرة على أن تصل للمزارع في حقله، ولربة البيت في كوخها، وللطالب في مدرسته، وللقروي في قريته. وأن لا يقتصر عمل الحلف على بعض الندوات والنقاشات والحوارات النخبوية التي لا يتجاوز صداها جدران القاعات التي تحتضنها.
ومن المصادفات اللافتة أنه في الوقت الذي كنت أكتب فيه عن "حراس المستقبل" كانت الفضائيات تنقل صورة "حسن نصر الله " الأمين العام لحزب الله وهو يغرس الشجرة المليون أمام بيته.
لقد استطاعت منظمة لبنانية غير حكومية وهي منظمة الجهاد للبناء الإنمائية أن تغرس لوحدها في أقل من عام واحد مليون شجرة. هذا في الوقت الذي لا نستطيع فيه نحن أن نجزم إن كانت الحكومة والأغلبية الداعمة لها ستتمكنان من غرس مليون شجرة في السنوات الأربع القادمة! وهذه المقارنة لا أوردها هنا لانتقاد مشروع غرس مليون شجرة في العاصمة، وإنما أوردها لتقديم حقيقة في غاية الأهمية أتمنى أن يعيها كل عضو من الأعضاء المائة والخمسين المؤسسين لحلف "حراس المستقبل". فبإمكان الحلف أن يحقق للمهمشين في هذا البلد ما عجزت الدولة الموريتانية أن تحققه لهم. والأمثلة أكثر من أن يتم حصرها، وهي لا تقتصر قطعا على مليون شجرة غرستها منظمة لبنانية غير حكومية في أقل من عام، في الوقت الذي لم تستطع فيه الحكومة اللبنانية أن تنجز مثل ذلك، وفي الوقت الذي تجعل فيه الحكومة الموريتانية من مشروع غرس مليون شجرة خلال أربع سنوات إنجازا عظيما حتى من قبل أن يكتمل. فهناك مثال آخر تقدمه منظمة غير حكومية أخرى هي "بنك غرامين" الذي أسسه "محمد يونس"، والذي قدم من التمويلات الصغيرة في "بنجلادش" ما لم تستطع الحكومة البنجالية أن تقدمه. وفي "الكويت" استطاعت منظمة "العون المباشر" أن تنجز في بعض دول إفريقيا من المشاريع الدعوية والتنموية ما لم تستطع "الكويت " ولا أي دولة خليجية أخرى أن تنجزه في تلك البلدان.
وتلك الأمثلة وغيرها، مما لا يتسع له المقام، تجعلنا في "حراس المستقبل" نعتقد بأنه بإمكاننا أن نضع بصمتنا الخاصة، وأن نحقق في مجال الوئام الاجتماعي ما فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيقه. و يمتلك الحلف العديد من الطاقات والقدرات التي قد تساعده في تحقيق ذلك، ومن هذه الطاقات والقدرات يمكنني أن أذكر:
1ـ لقد استقطب الفريق المؤسس للمبادرة تشكلة نادرة من الشخصيات الفكرية والثقافية والدينية والإعلامية والحقوقية والتي يمكن لها أن تشكل ـ بحق ـ فريقا متميزا للإصلاح وللوئام الاجتماعي.
2 ـ لهذا الفريق القدرة الكافية لأن يفكرـ بشكل استراتيجي واستشرافي ـ في كبريات القضايا وأن يستنبط لها حلولا جذرية، وأن يجسد تلك الحلول في صيغة عمل ميداني.
3ـ بإمكان هذه "الكتلة الوطنية" المشكلة للحلف أن تتحول إلى كتلة مغناطيس لجذب واستقطاب كل الوطنيين المخلصين والذين تشرأب أعناقهم منذ عشرات السنين إلى مشروع وطني طموح وجاد يوظف إمكاناتهم وقدراتهم الهائلة في عمل وطني كبير. فالكثير من أبناء هذا البلد قد طال انتظاره لعنوان جاد يحتضن الأفكار الجادة، لذلك فأمام حلف "حراس المستقبل" فرصة نادرة لأن يكونوا ذلك العنوان المفقود.
تحيين الأهداف وتطوير الوسائل:
في اعتقادي أن مستقبل "حراس المستقبل" يكمن في القدرة على التركيز على "أمهات" المشاكل التي يعاني منها البلد في الوقت الحالي والتي تهدد مستقبل وجوده، وذلك لتفادي أخطاء كثيرا ما تقع فيها نخبنا التي لا زال الكثير منها ـ وهو على أبواب العقد الثاني من الألفية الثالثة ـ يخاطبنا بخطاب الستينات والسبعينات ويصر على نبش " تراث" و "أرشيف" هموم ومشاكل الستينات ليستخرج لنا منها المشاكل والهموم التي يجب علينا أن نناضل من أجلها في العقد الثاني من الألفية الثالثة!
فإذا كان يشرع لنا في الستينات أو في السبعينات أن نحلم بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فإننا اليوم ـ للأسف الشديد ـ أصبح أقصى ما يمكننا أن نحلم به هو أن نصون وحدة وطننا المهدد في وحدته مثلما هو حال الدول العربية الأخرى كالسودان والعراق والبحرين واليمن و مصر...
وإذا كنا بالأمس القريب يحق لنا أن نُحَمل كل قطرة دم تسيل في أي بلد مسلم للغرب الكافر، فإننا اليوم لم يعد بإمكاننا أن نتجاهل الدماء الكثيرة التي تسكب على أراضينا بسبب قتال بعضنا للبعض الآخر لأسباب ترتبط بخلافات مذهبية أو عقائدية أو فكرية...
لقد أصبحت لدينا هموم ومشاكل وأحلام قد لا تتطابق تماما مع هموم ومشاكل وأحلام الستينات والسبعينات.
واليوم لم يعد بالإمكان أن نتقبل تقاعس النخب عن مسؤولياتها الاجتماعية بحجة التفرغ لكشف ومواجهة المؤامرات الخطيرة التي نتعرض لها صباحا ومساء من طرف الغرب الكافر أو الغرب الاستعماري.
ومع أنه لا أحد مهما كان مستوى براءته أو طيبته أو سذاجته، يمكن أن يشكك أو يقلل من حجم المؤامرات التي نتعرض لها من طرف الآخر، إلا أنه يمكننا مع ذلك أن نقول ـ ونحن مرتاحو البال ـ بأن أخطر مؤامرة تعرضت لها بلداننا تتمثل في تخلي النخب عن أدوارها وعن مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية.
فبأي منطق يمكن للنخب أن تعيش فراغا ـ وأقصد هنا الفراغ في العمل الاجتماعي والتطوعي والخيري ـ في بلد همومه ومشاكله بحجم همومنا ومشاكلنا؟
وأي شرع أجاز لهذا الفريق الرائع من نخبتنا الذي أسس "حراس المستقبل" أن يظل متفرقا وأن لا يجتمع إلا في أيامنا هذه، وبعد أن أصبح الماء يتسرب إلى داخل السفينة من خلال ثقوب وفجوات شتى؟
لقد تأخر هذا الفريق كثيرا في التشكل، ولكنه في النهاية اجتمع في حلف مبارك إن شاء الله. وهو حلف نرجو له أن يتيح لنا جميعا فرصة للتوبة من سنوات الانسحاب والتفرج على هموم وأوجاع البلد.
والحلف ـ وهذا من أهم ما يميزه ـ لا يقدم حلولا جاهزة لكبريات القضايا، وإنما يفتح غرفا للتفكير المتخصص في كل جوانب و أبعاد المشكل وذلك من أجل مساهمة الكل في وضع تصورات للحلول، وفي تنزيلها للواقع مع المشاركة في تنفيذها ميدانيا في إطار مبادرة وطنية تتحدد فيها قيمة الأعضاء ومكانتهم وفق الجهد الذي يقدمونه، ولا تتحدد وفق أي معيار آخر.
تصبحون وأنتم أعضاء في الحلف...
ميلاد مبادرة : لقد ولدت مبادرة "حراس المستقبل" في لحظة تاريخية فاصلة، تنفرد بعديد من الميزات لعل من أهمها:
أن ميلادها قد جاء قبيل الاحتفال بخمسينية الاستقلال بأسابيع معدودة وفي ذلك دلالات وإشارات كثيرة.
أن الإعلان عنها قد جاء في وقت كان فيه الكثير من الموريتانيين يبحث عن مشروع وطني هادف ينخرط فيه من أجل مواجهة التحديات الكبرى التي تهدد مستقبل البلاد، بعيدا عن التجاذبات والصراعات السياسية الآنية.. الرسائل وردود الأفعال تؤكد هذه الحقيقة.
أن الإعلان عنها قد جاء في وقت انقسمت فيه النخبة حول الاسترقاق ومخلفاته إلى فريقين: فريق يتعامل مع الرق بسلبية فاضحة، وفريق آخر يتعامل معه بتطرف صادم.
لذلك فقد كان من الضروري جدا أن يولد مشروع جديد، لحلف جديد، يركز على ثلاث نقاط أساسية:
أولاهما: أن محاربة مخلفات الرق هي أولوية الأولويات لأنه لم يعد من اللائق ـ ونحن نحتفل بالذكرى الخمسين لميلاد الدولة الموريتانية ـ أن تظل هذه القضية مطروحة وبهذه الحدة.
ثانيهما: لا يمكن أن نفسر فشلنا كدولة أو كنخب في استئصال هذه الظاهرة ومخلفاتها بشكل نهائي بتفسيرات عنصرية، كعنصرية الدولة أو النظام، أو نفسرها بتحالف بعض الشرائح ضد شريحة معينة...إلخ
فالحقيقة أن الدولة لم تفشل في القضاء نهائيا على مخلفات الرق لأنها دولة عنصرية، وإنما فشلت لنفس الأسباب التي جعلتها تفشل في محاربة الجهل والفقر والتخلف رغم ما تمتلك من ثروات متنوعة. والمقارنة هنا لا تعني أننا ننظر لمشكل العبودية كنظرتنا للفقر أو للجهل أو لأي ظاهرة أخرى، وإنما هي مقارنة من أجل تفنيد نظرية عنصرية الدولة والشرائح التي يحلو للبعض أن يتحدث عنها كلما تحدث عن العبودية. ومن المؤكد أن هذه النظرية لا تساعد في القضاء على مخلفات الاسترقاق لأنها تقزم محاربة مخلفات الرق وتجعل منه مجرد ظاهرة تخص شريحة واحدة وليس قضية وطنية كبرى، نريدها نحن في "حراس المستقبل" أن تظل من أهم القضايا التي يجب أن يتنافس في محاربتها المتنافسون من أبناء هذا الوطن بغض النظر عن انتماءاتهم وأعراقهم وشرائحهم الاجتماعية.
ثالثهما : على "حراس المستقبل" أن يستنهضوا الهمم ويستنفروا كل النخب وبالأخص أولئك الذين لا يزالون يتعاملون مع هذه الظاهرة بسلبية فاضحة. وهناك نوعان من التعامل السلبي أحدهما لا يهتم بالظاهرة أصلا، ولا يعتبرها من القضايا الشائكة التي تهدد مستقبل البلاد. وثانيهما وهو الأقل سلبية يكتفي بالحديث عن الظاهرة دون أن يقدم جهدا ميدانيا لمحاربة مخلفاتها وذلك نتيجة لاعتقاده الخاطئ أن الحكومة هي المعنية أولا و أخيرا بمعالجة مخلفات الاسترقاق. ومن هنا فعلى القائمين على حلف "حراس المستقبل" أن يهتموا بمجالين اثنين في إستراتيجيتهم لمحاربة مخلفات الاسترقاق.
المجال الأول : تقديم المقترحات للسلطة والضغط من أجل تنفيذها، وهذه المقترحات يجب أن تمتد لتشمل كل القضايا ذات الصلة بظاهرة الرق ومخلفاته كالفقر والجهل والفساد..
المجال الثاني: وهو ما أشار إليه الإعلان التأسيسي للحلف، فعلى "حراس المستقبل" أن يصمموا برامج عملية على مقاسهم، يكون بالإمكان تنفيذها بوسائلهم وبإمكانياتهم الخاصة، دون الحاجة لدعم السلطات. وهناك بعض المقترحات العملية التي ستترك للنقاشات الداخلية لأعضاء الحلف.
المهم أنه على "حراس المستقبل" أن يمتلكوا وسائل تمكنهم من أن يبتدعوا ويصمموا برامج قادرة على أن تصل للمزارع في حقله، ولربة البيت في كوخها، وللطالب في مدرسته، وللقروي في قريته. وأن لا يقتصر عمل الحلف على بعض الندوات والنقاشات والحوارات النخبوية التي لا يتجاوز صداها جدران القاعات التي تحتضنها.
ومن المصادفات اللافتة أنه في الوقت الذي كنت أكتب فيه عن "حراس المستقبل" كانت الفضائيات تنقل صورة "حسن نصر الله " الأمين العام لحزب الله وهو يغرس الشجرة المليون أمام بيته.
لقد استطاعت منظمة لبنانية غير حكومية وهي منظمة الجهاد للبناء الإنمائية أن تغرس لوحدها في أقل من عام واحد مليون شجرة. هذا في الوقت الذي لا نستطيع فيه نحن أن نجزم إن كانت الحكومة والأغلبية الداعمة لها ستتمكنان من غرس مليون شجرة في السنوات الأربع القادمة! وهذه المقارنة لا أوردها هنا لانتقاد مشروع غرس مليون شجرة في العاصمة، وإنما أوردها لتقديم حقيقة في غاية الأهمية أتمنى أن يعيها كل عضو من الأعضاء المائة والخمسين المؤسسين لحلف "حراس المستقبل". فبإمكان الحلف أن يحقق للمهمشين في هذا البلد ما عجزت الدولة الموريتانية أن تحققه لهم. والأمثلة أكثر من أن يتم حصرها، وهي لا تقتصر قطعا على مليون شجرة غرستها منظمة لبنانية غير حكومية في أقل من عام، في الوقت الذي لم تستطع فيه الحكومة اللبنانية أن تنجز مثل ذلك، وفي الوقت الذي تجعل فيه الحكومة الموريتانية من مشروع غرس مليون شجرة خلال أربع سنوات إنجازا عظيما حتى من قبل أن يكتمل. فهناك مثال آخر تقدمه منظمة غير حكومية أخرى هي "بنك غرامين" الذي أسسه "محمد يونس"، والذي قدم من التمويلات الصغيرة في "بنجلادش" ما لم تستطع الحكومة البنجالية أن تقدمه. وفي "الكويت" استطاعت منظمة "العون المباشر" أن تنجز في بعض دول إفريقيا من المشاريع الدعوية والتنموية ما لم تستطع "الكويت " ولا أي دولة خليجية أخرى أن تنجزه في تلك البلدان.
وتلك الأمثلة وغيرها، مما لا يتسع له المقام، تجعلنا في "حراس المستقبل" نعتقد بأنه بإمكاننا أن نضع بصمتنا الخاصة، وأن نحقق في مجال الوئام الاجتماعي ما فشلت الحكومات المتعاقبة في تحقيقه. و يمتلك الحلف العديد من الطاقات والقدرات التي قد تساعده في تحقيق ذلك، ومن هذه الطاقات والقدرات يمكنني أن أذكر:
1ـ لقد استقطب الفريق المؤسس للمبادرة تشكلة نادرة من الشخصيات الفكرية والثقافية والدينية والإعلامية والحقوقية والتي يمكن لها أن تشكل ـ بحق ـ فريقا متميزا للإصلاح وللوئام الاجتماعي.
2 ـ لهذا الفريق القدرة الكافية لأن يفكرـ بشكل استراتيجي واستشرافي ـ في كبريات القضايا وأن يستنبط لها حلولا جذرية، وأن يجسد تلك الحلول في صيغة عمل ميداني.
3ـ بإمكان هذه "الكتلة الوطنية" المشكلة للحلف أن تتحول إلى كتلة مغناطيس لجذب واستقطاب كل الوطنيين المخلصين والذين تشرأب أعناقهم منذ عشرات السنين إلى مشروع وطني طموح وجاد يوظف إمكاناتهم وقدراتهم الهائلة في عمل وطني كبير. فالكثير من أبناء هذا البلد قد طال انتظاره لعنوان جاد يحتضن الأفكار الجادة، لذلك فأمام حلف "حراس المستقبل" فرصة نادرة لأن يكونوا ذلك العنوان المفقود.
تحيين الأهداف وتطوير الوسائل:
في اعتقادي أن مستقبل "حراس المستقبل" يكمن في القدرة على التركيز على "أمهات" المشاكل التي يعاني منها البلد في الوقت الحالي والتي تهدد مستقبل وجوده، وذلك لتفادي أخطاء كثيرا ما تقع فيها نخبنا التي لا زال الكثير منها ـ وهو على أبواب العقد الثاني من الألفية الثالثة ـ يخاطبنا بخطاب الستينات والسبعينات ويصر على نبش " تراث" و "أرشيف" هموم ومشاكل الستينات ليستخرج لنا منها المشاكل والهموم التي يجب علينا أن نناضل من أجلها في العقد الثاني من الألفية الثالثة!
فإذا كان يشرع لنا في الستينات أو في السبعينات أن نحلم بالوحدة العربية من المحيط إلى الخليج، فإننا اليوم ـ للأسف الشديد ـ أصبح أقصى ما يمكننا أن نحلم به هو أن نصون وحدة وطننا المهدد في وحدته مثلما هو حال الدول العربية الأخرى كالسودان والعراق والبحرين واليمن و مصر...
وإذا كنا بالأمس القريب يحق لنا أن نُحَمل كل قطرة دم تسيل في أي بلد مسلم للغرب الكافر، فإننا اليوم لم يعد بإمكاننا أن نتجاهل الدماء الكثيرة التي تسكب على أراضينا بسبب قتال بعضنا للبعض الآخر لأسباب ترتبط بخلافات مذهبية أو عقائدية أو فكرية...
لقد أصبحت لدينا هموم ومشاكل وأحلام قد لا تتطابق تماما مع هموم ومشاكل وأحلام الستينات والسبعينات.
واليوم لم يعد بالإمكان أن نتقبل تقاعس النخب عن مسؤولياتها الاجتماعية بحجة التفرغ لكشف ومواجهة المؤامرات الخطيرة التي نتعرض لها صباحا ومساء من طرف الغرب الكافر أو الغرب الاستعماري.
ومع أنه لا أحد مهما كان مستوى براءته أو طيبته أو سذاجته، يمكن أن يشكك أو يقلل من حجم المؤامرات التي نتعرض لها من طرف الآخر، إلا أنه يمكننا مع ذلك أن نقول ـ ونحن مرتاحو البال ـ بأن أخطر مؤامرة تعرضت لها بلداننا تتمثل في تخلي النخب عن أدوارها وعن مسؤولياتها الاجتماعية والوطنية.
فبأي منطق يمكن للنخب أن تعيش فراغا ـ وأقصد هنا الفراغ في العمل الاجتماعي والتطوعي والخيري ـ في بلد همومه ومشاكله بحجم همومنا ومشاكلنا؟
وأي شرع أجاز لهذا الفريق الرائع من نخبتنا الذي أسس "حراس المستقبل" أن يظل متفرقا وأن لا يجتمع إلا في أيامنا هذه، وبعد أن أصبح الماء يتسرب إلى داخل السفينة من خلال ثقوب وفجوات شتى؟
لقد تأخر هذا الفريق كثيرا في التشكل، ولكنه في النهاية اجتمع في حلف مبارك إن شاء الله. وهو حلف نرجو له أن يتيح لنا جميعا فرصة للتوبة من سنوات الانسحاب والتفرج على هموم وأوجاع البلد.
والحلف ـ وهذا من أهم ما يميزه ـ لا يقدم حلولا جاهزة لكبريات القضايا، وإنما يفتح غرفا للتفكير المتخصص في كل جوانب و أبعاد المشكل وذلك من أجل مساهمة الكل في وضع تصورات للحلول، وفي تنزيلها للواقع مع المشاركة في تنفيذها ميدانيا في إطار مبادرة وطنية تتحدد فيها قيمة الأعضاء ومكانتهم وفق الجهد الذي يقدمونه، ولا تتحدد وفق أي معيار آخر.
تصبحون وأنتم أعضاء في الحلف...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق