سيحاول هذا المقال أن يتحدث عن فرص نجاح التغيير البناء من منطلق علمي بحت واعتمادا على القانون الرياضي الشهير الذي يعتبر آخر ما توصل إليه أهل الاختصاص في هذا المجال:
C = A x B x D > X
إن هذا القانون هو الذي يحدد فرص نجاح أي تغيير سواء كان ذلك التغيير تغييرا بناء أو مؤتمنا أو هادئا أو صادقا أو حتى تغييرا في ظل الاستقرار.
وللاختصار فإننا سنقتصر هنا على مظهر واحد من مظاهر التغيير البناء، وهو المظهر الأكثر إثارة والأكثر تشويقا في ذلك التغيير كله، أي الحرب على الفساد التي أثارت جدلا كبيرا، خاصة في الأسابيع الماضية، بعد أن تم توقيف رجال الأعمال الثلاثة.
يقول القانون بأن فرص نجاح التغييرـ أي تغييرـ التي يرمز لها بــ "سي" تساوي حاصل ضرب درجة الاستياء من الظاهرة في معامل وضوح الرؤية في معامل مستوى الانجاز في الأشهر الأولى. ويقول القانون بأن هذا الناتج يجب أن يكون أكبر من "الإكس" والتي ترمز لكلفة التغيير.
وقبل الحديث بشكل مفصل عن عناصر معادلة التغيير فإنه من المهم جدا أن نتحدث قليلا عن بعض المفاهيم المرتبطة بالتغيير وبقانونه، وهي مفاهيم قد تغيب عن كثير من المحللين والكتاب والدارسين.
1ـ سنختلف لا محالة في قياس بعض الظواهر الإنسانية لأن تلك الظواهر لا يمكن حسابها بشكل دقيق بالأرقام إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية معادلة التغيير.
2ـ لكل تغيير كلفة لا بد أن يتم دفعها مع البدء في التغيير نفسه. بخلاف عدم التغيير الذي لا يدفع الناس كلفتها إلا بشكل مؤجل ( وهذا سبب من أسباب عديدة تجعل الكثير من المستهدفين بالتغيير يتخذون مواقف سلبية منه ).
فالحرب على الفساد لا بد أن تصاحبها ـ مع أول رصاصة تطلق ـ كلفة قد تترك آثارا مؤلمة ومؤلمة جدا. أما في حالة ترك الفساد على حاله فإن ذلك قد لا تكون له انعكاسات مؤلمة في الوقت الحالي، رغم أنه سيؤدي إلى نتائج كارثية في المستقبل المنظور.
3 ـ كثيرا ما يتحول بعض المستفيدين من التغيير إلى خصوم وأعداء لذلك التغيير. و يمكن هنا ذكر المثبطين الذين يحاولون التشكيك في استحالة أي تغيير، رغم أن مصلحتهم في نجاح التغيير. كما أن هناك فئة الخاملين التي تعمل من أجل أن تبقى الأمور خاملة.
4 ـ إن هذا القانون يصلح لكل أشكال التغيير، سواء كان ذلك التغيير فرديا يخص الأفراد، أو كان تغييرا داخل مؤسسة، أو منظمة، أو دولة. والشيء الذي يتغير في الأساس هو حرف (دي) الذي يرمز لمستوى الانجاز في الفترة الأولى للتغيير . فهو يجب أن تكون مدته قصيرة جدا بالنسبة للأفراد، ومتوسطة بالنسبة للمنظمات والمؤسسات، وطويلة نسبيا بالنسبة للدول.
5ـ إنه عندما يكون أي عنصر من عناصر التغيير الثلاثة يساوي صفرا، فإن مستوى التغيير سيكون صفرا، لأنه حاصل عملية ضرب بين العناصر الثلاثة.
6 ـ إن من الأخطاء التي يقع فيها أغلب الكتاب هي النظر إلى نصف الكأس، وسواء منهم من ينظر إلى نصفها الفارغ، أو من ينظر إلى نصفها المملوء. علينا أن ننظر إلى الكأس بنصفيها الفارغ والمملوء. وهذا بالضبط هو ما تحاول معادلة التغيير أن تتحدث عنه بطريقة رياضية رائعة. فالبعض لسبب أو لآخر لا يرى من الحرب على الفساد إلا كلفتها، وهو بذلك ينتقدها انتقادا فظيعا. وأما البعض الآخر فهو لا يتحدث إلا عن إيجابيات تلك الحرب، وهو بالتالي يمدحها مدحا عظيما. أما من يحاول أن يتحدث عن الكلفة وعن النتائج في آن واحد ويقارن بينهما فإنه لا محالة سيقترب من الحقيقة. وإن كان ذلك الاقتراب سيسبب له متاعب كثيرة مع كلا الفريقين، وعلى حد سواء. قديما قالوا بأن قول الحقيقة يزيد عدد الأعداء.
7ـ إنه ليس من الممكن أن نغرق في تحليلات رياضية في مقال مكتوب لقراء من مستويات شتى، لذلك فسأكتفي هنا بتقديم معادلة التغيير. والمهم أن يعلم القراء أن لكل تغيير عناصر ثلاثة لا يمكن أن يحدث دونها، وأن حاصل ضرب تلك العناصر الثلاثة يجب أن يكون أكبر بكثير من كلفة التغيير.
العنصر الأول : مستوى درجة الاستياء من الظاهرة المراد تغييرها، وكلما ارتفع ذلك المستوى كلما أدى ذلك إلى نتيجة أكبر. وفي موضوعنا الذي نتحدث عنه فإنه يمكن القول بأن مستوى الاستياء من الفساد مرتفع جدا، فمجمل الأحاديث والكتابات والخطابات تتنافس كلها في تبيان خطورة تلك الظاهرة، لذلك فلن أتوقف كثيرا عند هذا العنصر.
والخلاصة بالنسبة لدرجة الاستياء هي أنها مرتفعة جدا.
العنصر الثاني : وضوح الرؤية والذي ترمز له المعادلة بحرف (بي ) وهو يستحق وقفة ليست بالقصيرة.
فقد تكون الرؤية واضحة بالنسبة لرئيس الجمهورية في حربه على الفساد. وقد يكون جادا، صادقا، في حربه تلك. ولكن هناك حقيقة في أدبيات التغيير لا يمكن تجاوزها هنا : ليس المهم أن يكون القائد على حق، ولكن المهم هو أن يستطيع أن يقنع أغلبية من يقود بأنه على حق.
إن هناك بعض المآخذ التي تشوش كثيرا على رؤية المواطن العادي لجدية هذه الحرب. وهي مآخذ يجب أن تصحح فورا، إذا ما أريد لهذا المواطن أن يشارك بجدية في الحرب على الفساد، ومن هذه المآخذ أذكر:
أولا : من المؤكد أن القضاء على الفساد يحتاج إلى ترغيب وترهيب، أي إلى عصا وجزرة. وإذا كنا ننقسم حول الأسلوب الذي استخدمت به العصا، حيث أن البعض يرى بأنها استخدمت بفظاعة ضد مجموعة دون أخرى، في حين أن البعض الآخر يرى أنها استخدمت بشكل مناسب، وبطريقة مناسبة لم تميز بين مجموعة ومجموعة. فإذا كنا نختلف على طريقة استخدام العصا، فإنه لا يحق لنا أن نختلف على طريقة استخدام الجزرة التي كانت سيئة جدا. فقد أعطيت الجزرة لمن لا يستحقها، هذا إذا ما تتبعنا كل التعيينات والتوشيحات التي تمت بعد التنصيب. بل أن هذه الجزرة قد تم إعطاؤها في بعض الحالات لبعض رموز الفساد، من خلال تعيينهم في وظائف حساسة. والخلاصة هنا أن نصف سلاح الحرب على الفساد، أي مبدأ المكافأة قد تم استخدامه بشكل سيء. أما النصف الآخر أي العصا أو العقوبة فهو محل خلاف كبير.
ثانيا : لقد شوشت كثيرا قضية رجال الأعمال الثلاثة على رؤية المواطن العادي لشفافية الحرب على الفساد. والغريب أن الدولة كادت أن تغلق هذا الملف بطريقة رائعة جدا، وبانتصار كبير، ولكنها ـ وهذا ما تفعله دائما ـ اختارت أن تشوش على ذلك العمل الرائع بقرارات غريبة جدا. فالراجح حسب ما يقال بأن البنك المركزي كان قد وقع اتفاقا مع رجال الأعمال، لاستعادة المبالغ المنهوبة. وهو ما يعني أن رجال الأعمال قد اعترفوا ضمنا بالتهمة الموجهة إليهم . كما يعني أيضا بأن الدولة كانت ستستعيد تلك المبالغ المنهوبة، ولو خلال فترة طويلة بلا كلفة تذكر. وهو ما كان سيعيد للدولة شيئا من هيبتها المفقودة. ولكن الحكومة اختارت ـ لسبب لا أفهمه ـ أن تفسد ذلك كله. واختارت أن تجعل لذلك الملف كلفة كبيرة على الحرب على الفساد. فبغض النظر عن الطريقة التي سيغلق بها ذلك الملف مستقبلا، فإنه لم يعد من الممكن إغلاقه إلا بكلفة كبيرة وكبيرة جدا كنا في غنى عن دفعها.
ونفس الشيء تمارسه الحكومة الآن. فبعد لقاء رئيس الجمهورية بنقابة الصحفيين، وبعد محاولة فتح وسائل الإعلام الرسمية أمام الجميع، وبعد أن أصبح الكل يتوقع بأن الأشياء ربما تتحسن في هذا المجال مستقبلا. بعد ذلك كله، اتخذت الحكومة قرارات لا معنى لها للتشويش على تلك الصورة الجيدة التي بدأت تتشكل. ومن تلك القرارات إطالة الحبس التحكمي لحنفي و زيادة تكاليف الطباعة على الجرائد المستقلة. إنه "الإبداع " في صناعة الخصوم وهو الشيء الذي يبدو أن حكومتنا تتقنه بشكل جيد.
على الحكومة أن تعلم بأن حنفي لا بد أن يخرج من السجن. فهناك رأي عام يقف في صفه، وهناك نقابة للصحافة ستكون قضية حنفي هي قضيتها الأولى، فهي أول تحد تواجهه تلك النقابة بعد تأسيسها. لذلك فإن من مصلحة الحكومة أن تطلق سراح حنفي فورا قبل أن تزيد عليها المتاعب، وقبل أن تزيد من الكلفة التي سيسببها لها سجن حنفي. فكل يوم سيمر دون إطلاق سراح حنفي لابد أنه سيزيد من شك المواطن العادي في استقلالية القضاء.
وعلى من يهمه الأمر، أن يعلم بأن حنفي من طينة من البشر لا ينفع معها ما ينفع مع غيرها، أي الترغيب بالمال أو الترهيب بالسجن . حنفي تنفع معه طريقة واحدة، وواحدة فقط، ورغم أنها ليست بالطريقة السهلة إلا أنها هي المتاحة: مبارزة الكلمة للكلمة والفكرة للفكرة والمقال للمقال.
ثالثا : من الأشياء التي تركت غيوما كثيفة على الرؤية العامة يمكن ذكر ارتباك الحكومة، وارتباك خطابها الساذج في أغلب الأحيان. فالتغيير يحتاج لخطاب قوي جدا، وواضح جدا، يساعد في اكتتاب جنود جدد من خلال إقناع الخاملين والمثبطين، بدلا من خطاب مشوش قد يؤدي إلى انسحاب الكثير من أنصار الحرب، في بداية مشوارها، وفي وقت تحتاج فيه كثيرا إلى أولئك الأنصار.
وحتى لا يبقى هذا الحديث نظريا، فإن من المهم بمكان إسقاطه على ملف رجال الأعمال. وذلك لتسجيل ثلاث ملاحظات أضرت بذلك الخطاب كثيرا.
الملاحظة الأولى : لقد فشلت الحكومة في إقناع المواطنين بأن ملف رجال الأعمال ليس ملفا انتقائيا. وإذا كان هناك من يتهم بالانتقائية في هذا الملف فسيكون الرئيس الأسبق "معاوية". الشيء الذي يثير الضحك ، على الأقل في هذا الملف . وإذا كان هناك من يتهم بأنه اختار مجموعة أغلبها من قبيلة واحدة أو من جهة سياسية واحدة فهو الرئيس الأسبق "معاوية " الذي اختار تلك الأسماء واتهمها. أما الحكومة الحالية فقد وجدت أمامها ملفا كبيرا لم يغلق بعد. وهي لم تضف إليه اسما جديدا، ولم تحذف منه كذلك اسما.
الملاحظة الثانية : فشلت الحكومة في أن تقنع المواطن العادي بأنها كانت مجبرة على فتح ذلك الملف، ولم يكن أمامها خيار آخر. فهي التي وعدت ـ في وقت سابق ـ ذلك المواطن بالمحاربة الجادة للفساد. ثم وجدت أمامها ملفا لعشرات المليارات المنهوبة لم يتم إغلاقه. فما الذي كان بإمكانها أن تفعل؟ وهل هناك طريقة أخرى تنسجم مع برنامجها للتعامل مع ذلك الملف؟
الملاحظة الثالثة : فشلت الحكومة في الرد على من يقول بأن رجال الأعمال يملكون أدلة تبرئهم من تلك المليارات المنهوبة. وعجزت عن طرح سؤال بديهي جدا، ووجيه جدا : فإذا كان رجال الأعمال يملكون أدلة، فلِمَ لم يظهروها في الوقت المناسب، عندما تم فتح ذلك الملف؟؟؟ ولماذا لم يقدموا تلك الأدلة يوم كان الشهود يزاولون مهامهم، ويوم كان من يتهمهم لم يزل يزاول مهامه؟ ولِمَ لم يقدموها يوم كان فيه القضاء رحيما بمن ينهب الأموال الكبيرة وقاسيا مع من يسرق القليل ؟؟؟ لو فعلوها لأغلق ذلك الملف نهائيا، ولو فعلوها لاستراحوا هم وأراحوا غيرهم.
رابعا : من الأمور التي تساهم في عدم وضوح الرؤية عدم فتح قنوات للمشاركة الشعبية في هذه الحرب. لقد ذكرت سابقا وبشكل مفصل في مقال تحت عنوان " إعلان حرب " بأن الحرب على الفساد، لن يكتب لها النجاح، إذا لم تصاحبها انتفاضة شعبية ضده. واليوم لن أضيف جديدا لما قد قلت في السابق، سوى أن هناك كلمة تحت الشمس سيقولها بعض الشباب، أرجو أن تكون بداية لإطلاق الشرارة الأولى لتلك الانتفاضة.
الخلاصة : إن مستوى وضوح الرؤية لم يزل ـ حتى الآن ـ منخفضا جدا.
العنصر الثالث: مستوى الانجاز في الفترة الأولى: إن هناك وضعية سيئة نعيشها الآن، وهناك وضعية أفضل نحلم بها، ومن المفترض أن تكون هناك خطة حكومية، تنقلنا من الوضعية السيئة التي نتخبط فيها إلى الوضعية الأفضل التي نحلم بها، في مدة زمنية تقدر بخمس سنوات.
ويقول الخبراء بأن ما نقوم به في الأشهر الأولى أوفي السنة الأولى هو الذي سيتحكم في طريقة سيرنا في السنوات الخمس القادمة. فالحرب على الفساد تتطلب أولا أن نعرف مستوى الفساد الذي نعيشه اليوم ( إننا من أسوأ الدول العربية تقريبا، أما عالميا فإننا في الرتبة 130 ) . كما تتطلب منا أيضا تحديد موقع نطمح للوصول إليه في السنوات الخمس القادمة، وهو الشيء الذي لم تفعله الحكومة حتى الآن، وربما يكون السبب في ذلك هو أنها لا تريد تحديد هدف يمكن قياسه ويمكن أن تحاسب عليه. ولتلافي ذلك الخطأ فإني سأفترض جدلا بأن الحكومة تسعى خلال الخمس سنوات القادمة لأن يكون بلدنا هو الأول عربيا من حيث مستوى الشفافية، وأن يحتل ـ على المستوى العالمي ـ الرتبة رقم 35.
الخلاصة : علينا أن ننتظر حتى تنشر لائحة العام الحالي فإذا استطعنا بعد عام من الحرب على الفساد أن نقفز إلى الرتبة 100 مثلا فذلك يعني أن هذا العنصر مرتفع جدا. أما إذا حافظنا على نفس المستوى فإن ذلك سيعني أن مستوى الانجاز في العام الأول يساوي صفرا مما يعني أن درجة التغيير كانت صفرا.
تصبحون تحت الشمس مع " شباب ضد الفساد" ...
C = A x B x D > X
إن هذا القانون هو الذي يحدد فرص نجاح أي تغيير سواء كان ذلك التغيير تغييرا بناء أو مؤتمنا أو هادئا أو صادقا أو حتى تغييرا في ظل الاستقرار.
وللاختصار فإننا سنقتصر هنا على مظهر واحد من مظاهر التغيير البناء، وهو المظهر الأكثر إثارة والأكثر تشويقا في ذلك التغيير كله، أي الحرب على الفساد التي أثارت جدلا كبيرا، خاصة في الأسابيع الماضية، بعد أن تم توقيف رجال الأعمال الثلاثة.
يقول القانون بأن فرص نجاح التغييرـ أي تغييرـ التي يرمز لها بــ "سي" تساوي حاصل ضرب درجة الاستياء من الظاهرة في معامل وضوح الرؤية في معامل مستوى الانجاز في الأشهر الأولى. ويقول القانون بأن هذا الناتج يجب أن يكون أكبر من "الإكس" والتي ترمز لكلفة التغيير.
وقبل الحديث بشكل مفصل عن عناصر معادلة التغيير فإنه من المهم جدا أن نتحدث قليلا عن بعض المفاهيم المرتبطة بالتغيير وبقانونه، وهي مفاهيم قد تغيب عن كثير من المحللين والكتاب والدارسين.
1ـ سنختلف لا محالة في قياس بعض الظواهر الإنسانية لأن تلك الظواهر لا يمكن حسابها بشكل دقيق بالأرقام إلا أن ذلك لا يقلل من أهمية معادلة التغيير.
2ـ لكل تغيير كلفة لا بد أن يتم دفعها مع البدء في التغيير نفسه. بخلاف عدم التغيير الذي لا يدفع الناس كلفتها إلا بشكل مؤجل ( وهذا سبب من أسباب عديدة تجعل الكثير من المستهدفين بالتغيير يتخذون مواقف سلبية منه ).
فالحرب على الفساد لا بد أن تصاحبها ـ مع أول رصاصة تطلق ـ كلفة قد تترك آثارا مؤلمة ومؤلمة جدا. أما في حالة ترك الفساد على حاله فإن ذلك قد لا تكون له انعكاسات مؤلمة في الوقت الحالي، رغم أنه سيؤدي إلى نتائج كارثية في المستقبل المنظور.
3 ـ كثيرا ما يتحول بعض المستفيدين من التغيير إلى خصوم وأعداء لذلك التغيير. و يمكن هنا ذكر المثبطين الذين يحاولون التشكيك في استحالة أي تغيير، رغم أن مصلحتهم في نجاح التغيير. كما أن هناك فئة الخاملين التي تعمل من أجل أن تبقى الأمور خاملة.
4 ـ إن هذا القانون يصلح لكل أشكال التغيير، سواء كان ذلك التغيير فرديا يخص الأفراد، أو كان تغييرا داخل مؤسسة، أو منظمة، أو دولة. والشيء الذي يتغير في الأساس هو حرف (دي) الذي يرمز لمستوى الانجاز في الفترة الأولى للتغيير . فهو يجب أن تكون مدته قصيرة جدا بالنسبة للأفراد، ومتوسطة بالنسبة للمنظمات والمؤسسات، وطويلة نسبيا بالنسبة للدول.
5ـ إنه عندما يكون أي عنصر من عناصر التغيير الثلاثة يساوي صفرا، فإن مستوى التغيير سيكون صفرا، لأنه حاصل عملية ضرب بين العناصر الثلاثة.
6 ـ إن من الأخطاء التي يقع فيها أغلب الكتاب هي النظر إلى نصف الكأس، وسواء منهم من ينظر إلى نصفها الفارغ، أو من ينظر إلى نصفها المملوء. علينا أن ننظر إلى الكأس بنصفيها الفارغ والمملوء. وهذا بالضبط هو ما تحاول معادلة التغيير أن تتحدث عنه بطريقة رياضية رائعة. فالبعض لسبب أو لآخر لا يرى من الحرب على الفساد إلا كلفتها، وهو بذلك ينتقدها انتقادا فظيعا. وأما البعض الآخر فهو لا يتحدث إلا عن إيجابيات تلك الحرب، وهو بالتالي يمدحها مدحا عظيما. أما من يحاول أن يتحدث عن الكلفة وعن النتائج في آن واحد ويقارن بينهما فإنه لا محالة سيقترب من الحقيقة. وإن كان ذلك الاقتراب سيسبب له متاعب كثيرة مع كلا الفريقين، وعلى حد سواء. قديما قالوا بأن قول الحقيقة يزيد عدد الأعداء.
7ـ إنه ليس من الممكن أن نغرق في تحليلات رياضية في مقال مكتوب لقراء من مستويات شتى، لذلك فسأكتفي هنا بتقديم معادلة التغيير. والمهم أن يعلم القراء أن لكل تغيير عناصر ثلاثة لا يمكن أن يحدث دونها، وأن حاصل ضرب تلك العناصر الثلاثة يجب أن يكون أكبر بكثير من كلفة التغيير.
العنصر الأول : مستوى درجة الاستياء من الظاهرة المراد تغييرها، وكلما ارتفع ذلك المستوى كلما أدى ذلك إلى نتيجة أكبر. وفي موضوعنا الذي نتحدث عنه فإنه يمكن القول بأن مستوى الاستياء من الفساد مرتفع جدا، فمجمل الأحاديث والكتابات والخطابات تتنافس كلها في تبيان خطورة تلك الظاهرة، لذلك فلن أتوقف كثيرا عند هذا العنصر.
والخلاصة بالنسبة لدرجة الاستياء هي أنها مرتفعة جدا.
العنصر الثاني : وضوح الرؤية والذي ترمز له المعادلة بحرف (بي ) وهو يستحق وقفة ليست بالقصيرة.
فقد تكون الرؤية واضحة بالنسبة لرئيس الجمهورية في حربه على الفساد. وقد يكون جادا، صادقا، في حربه تلك. ولكن هناك حقيقة في أدبيات التغيير لا يمكن تجاوزها هنا : ليس المهم أن يكون القائد على حق، ولكن المهم هو أن يستطيع أن يقنع أغلبية من يقود بأنه على حق.
إن هناك بعض المآخذ التي تشوش كثيرا على رؤية المواطن العادي لجدية هذه الحرب. وهي مآخذ يجب أن تصحح فورا، إذا ما أريد لهذا المواطن أن يشارك بجدية في الحرب على الفساد، ومن هذه المآخذ أذكر:
أولا : من المؤكد أن القضاء على الفساد يحتاج إلى ترغيب وترهيب، أي إلى عصا وجزرة. وإذا كنا ننقسم حول الأسلوب الذي استخدمت به العصا، حيث أن البعض يرى بأنها استخدمت بفظاعة ضد مجموعة دون أخرى، في حين أن البعض الآخر يرى أنها استخدمت بشكل مناسب، وبطريقة مناسبة لم تميز بين مجموعة ومجموعة. فإذا كنا نختلف على طريقة استخدام العصا، فإنه لا يحق لنا أن نختلف على طريقة استخدام الجزرة التي كانت سيئة جدا. فقد أعطيت الجزرة لمن لا يستحقها، هذا إذا ما تتبعنا كل التعيينات والتوشيحات التي تمت بعد التنصيب. بل أن هذه الجزرة قد تم إعطاؤها في بعض الحالات لبعض رموز الفساد، من خلال تعيينهم في وظائف حساسة. والخلاصة هنا أن نصف سلاح الحرب على الفساد، أي مبدأ المكافأة قد تم استخدامه بشكل سيء. أما النصف الآخر أي العصا أو العقوبة فهو محل خلاف كبير.
ثانيا : لقد شوشت كثيرا قضية رجال الأعمال الثلاثة على رؤية المواطن العادي لشفافية الحرب على الفساد. والغريب أن الدولة كادت أن تغلق هذا الملف بطريقة رائعة جدا، وبانتصار كبير، ولكنها ـ وهذا ما تفعله دائما ـ اختارت أن تشوش على ذلك العمل الرائع بقرارات غريبة جدا. فالراجح حسب ما يقال بأن البنك المركزي كان قد وقع اتفاقا مع رجال الأعمال، لاستعادة المبالغ المنهوبة. وهو ما يعني أن رجال الأعمال قد اعترفوا ضمنا بالتهمة الموجهة إليهم . كما يعني أيضا بأن الدولة كانت ستستعيد تلك المبالغ المنهوبة، ولو خلال فترة طويلة بلا كلفة تذكر. وهو ما كان سيعيد للدولة شيئا من هيبتها المفقودة. ولكن الحكومة اختارت ـ لسبب لا أفهمه ـ أن تفسد ذلك كله. واختارت أن تجعل لذلك الملف كلفة كبيرة على الحرب على الفساد. فبغض النظر عن الطريقة التي سيغلق بها ذلك الملف مستقبلا، فإنه لم يعد من الممكن إغلاقه إلا بكلفة كبيرة وكبيرة جدا كنا في غنى عن دفعها.
ونفس الشيء تمارسه الحكومة الآن. فبعد لقاء رئيس الجمهورية بنقابة الصحفيين، وبعد محاولة فتح وسائل الإعلام الرسمية أمام الجميع، وبعد أن أصبح الكل يتوقع بأن الأشياء ربما تتحسن في هذا المجال مستقبلا. بعد ذلك كله، اتخذت الحكومة قرارات لا معنى لها للتشويش على تلك الصورة الجيدة التي بدأت تتشكل. ومن تلك القرارات إطالة الحبس التحكمي لحنفي و زيادة تكاليف الطباعة على الجرائد المستقلة. إنه "الإبداع " في صناعة الخصوم وهو الشيء الذي يبدو أن حكومتنا تتقنه بشكل جيد.
على الحكومة أن تعلم بأن حنفي لا بد أن يخرج من السجن. فهناك رأي عام يقف في صفه، وهناك نقابة للصحافة ستكون قضية حنفي هي قضيتها الأولى، فهي أول تحد تواجهه تلك النقابة بعد تأسيسها. لذلك فإن من مصلحة الحكومة أن تطلق سراح حنفي فورا قبل أن تزيد عليها المتاعب، وقبل أن تزيد من الكلفة التي سيسببها لها سجن حنفي. فكل يوم سيمر دون إطلاق سراح حنفي لابد أنه سيزيد من شك المواطن العادي في استقلالية القضاء.
وعلى من يهمه الأمر، أن يعلم بأن حنفي من طينة من البشر لا ينفع معها ما ينفع مع غيرها، أي الترغيب بالمال أو الترهيب بالسجن . حنفي تنفع معه طريقة واحدة، وواحدة فقط، ورغم أنها ليست بالطريقة السهلة إلا أنها هي المتاحة: مبارزة الكلمة للكلمة والفكرة للفكرة والمقال للمقال.
ثالثا : من الأشياء التي تركت غيوما كثيفة على الرؤية العامة يمكن ذكر ارتباك الحكومة، وارتباك خطابها الساذج في أغلب الأحيان. فالتغيير يحتاج لخطاب قوي جدا، وواضح جدا، يساعد في اكتتاب جنود جدد من خلال إقناع الخاملين والمثبطين، بدلا من خطاب مشوش قد يؤدي إلى انسحاب الكثير من أنصار الحرب، في بداية مشوارها، وفي وقت تحتاج فيه كثيرا إلى أولئك الأنصار.
وحتى لا يبقى هذا الحديث نظريا، فإن من المهم بمكان إسقاطه على ملف رجال الأعمال. وذلك لتسجيل ثلاث ملاحظات أضرت بذلك الخطاب كثيرا.
الملاحظة الأولى : لقد فشلت الحكومة في إقناع المواطنين بأن ملف رجال الأعمال ليس ملفا انتقائيا. وإذا كان هناك من يتهم بالانتقائية في هذا الملف فسيكون الرئيس الأسبق "معاوية". الشيء الذي يثير الضحك ، على الأقل في هذا الملف . وإذا كان هناك من يتهم بأنه اختار مجموعة أغلبها من قبيلة واحدة أو من جهة سياسية واحدة فهو الرئيس الأسبق "معاوية " الذي اختار تلك الأسماء واتهمها. أما الحكومة الحالية فقد وجدت أمامها ملفا كبيرا لم يغلق بعد. وهي لم تضف إليه اسما جديدا، ولم تحذف منه كذلك اسما.
الملاحظة الثانية : فشلت الحكومة في أن تقنع المواطن العادي بأنها كانت مجبرة على فتح ذلك الملف، ولم يكن أمامها خيار آخر. فهي التي وعدت ـ في وقت سابق ـ ذلك المواطن بالمحاربة الجادة للفساد. ثم وجدت أمامها ملفا لعشرات المليارات المنهوبة لم يتم إغلاقه. فما الذي كان بإمكانها أن تفعل؟ وهل هناك طريقة أخرى تنسجم مع برنامجها للتعامل مع ذلك الملف؟
الملاحظة الثالثة : فشلت الحكومة في الرد على من يقول بأن رجال الأعمال يملكون أدلة تبرئهم من تلك المليارات المنهوبة. وعجزت عن طرح سؤال بديهي جدا، ووجيه جدا : فإذا كان رجال الأعمال يملكون أدلة، فلِمَ لم يظهروها في الوقت المناسب، عندما تم فتح ذلك الملف؟؟؟ ولماذا لم يقدموا تلك الأدلة يوم كان الشهود يزاولون مهامهم، ويوم كان من يتهمهم لم يزل يزاول مهامه؟ ولِمَ لم يقدموها يوم كان فيه القضاء رحيما بمن ينهب الأموال الكبيرة وقاسيا مع من يسرق القليل ؟؟؟ لو فعلوها لأغلق ذلك الملف نهائيا، ولو فعلوها لاستراحوا هم وأراحوا غيرهم.
رابعا : من الأمور التي تساهم في عدم وضوح الرؤية عدم فتح قنوات للمشاركة الشعبية في هذه الحرب. لقد ذكرت سابقا وبشكل مفصل في مقال تحت عنوان " إعلان حرب " بأن الحرب على الفساد، لن يكتب لها النجاح، إذا لم تصاحبها انتفاضة شعبية ضده. واليوم لن أضيف جديدا لما قد قلت في السابق، سوى أن هناك كلمة تحت الشمس سيقولها بعض الشباب، أرجو أن تكون بداية لإطلاق الشرارة الأولى لتلك الانتفاضة.
الخلاصة : إن مستوى وضوح الرؤية لم يزل ـ حتى الآن ـ منخفضا جدا.
العنصر الثالث: مستوى الانجاز في الفترة الأولى: إن هناك وضعية سيئة نعيشها الآن، وهناك وضعية أفضل نحلم بها، ومن المفترض أن تكون هناك خطة حكومية، تنقلنا من الوضعية السيئة التي نتخبط فيها إلى الوضعية الأفضل التي نحلم بها، في مدة زمنية تقدر بخمس سنوات.
ويقول الخبراء بأن ما نقوم به في الأشهر الأولى أوفي السنة الأولى هو الذي سيتحكم في طريقة سيرنا في السنوات الخمس القادمة. فالحرب على الفساد تتطلب أولا أن نعرف مستوى الفساد الذي نعيشه اليوم ( إننا من أسوأ الدول العربية تقريبا، أما عالميا فإننا في الرتبة 130 ) . كما تتطلب منا أيضا تحديد موقع نطمح للوصول إليه في السنوات الخمس القادمة، وهو الشيء الذي لم تفعله الحكومة حتى الآن، وربما يكون السبب في ذلك هو أنها لا تريد تحديد هدف يمكن قياسه ويمكن أن تحاسب عليه. ولتلافي ذلك الخطأ فإني سأفترض جدلا بأن الحكومة تسعى خلال الخمس سنوات القادمة لأن يكون بلدنا هو الأول عربيا من حيث مستوى الشفافية، وأن يحتل ـ على المستوى العالمي ـ الرتبة رقم 35.
الخلاصة : علينا أن ننتظر حتى تنشر لائحة العام الحالي فإذا استطعنا بعد عام من الحرب على الفساد أن نقفز إلى الرتبة 100 مثلا فذلك يعني أن هذا العنصر مرتفع جدا. أما إذا حافظنا على نفس المستوى فإن ذلك سيعني أن مستوى الانجاز في العام الأول يساوي صفرا مما يعني أن درجة التغيير كانت صفرا.
تصبحون تحت الشمس مع " شباب ضد الفساد" ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق