السبت، 27 يوليو 2024

هل تحتاج العاصمة نواكشوط لوزارة خاصة بها؟


تعاني العاصمة نواكشوط منذ عقود من مشاكل في منتهى التعقيد ومن تحديات بالغة الصعوبة، فهذه العاصمة التي دخلت في عقدها السابع، ما تزال تعاني من مشاكل معقدة وتحديات صعبة نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ مشكل العطش، فانقطاع الماء يتكرر كثيرا في كل ولايات العاصمة، وهناك أحياء عديدة ما تزال تشرب من الماء المنقول على العربات التي تجرها الحمير؛

2 ـ مشكل الكهرباء، لا تختلف الكهرباء عن الماء، فانقطاعها يتكرر كثيرا في مختلف مناطق العاصمة؛

3 ـ مشكل غياب صرف صحي، فعاصمتنا ربما تكون العاصمة الوحيدة في العالم التي لا يوجد بها صرف صحي؛

4 ـ مشكل القمامة، لم نتمكن حتى الآن من إيجاد حل جذري لمشكل القمامة في عاصمتنا؛

5 ـ مشكل تهالك الطرق وفوضى حركة السير، فيوميا تحدث اختناقات مرورية في العديد من الشوارع وملتقيات الطرق، وقد لا تعود تلك الاختناقات المرورية لأسباب موضوعية، وإنما تعود في الأساس إلى السلوك الخاطئ للسائق الموريتاني؛

6 ـ تفشي الجريمة، وخاصة في أوساط الأطفال القصر والمراهقين؛

7- مشكل "الكزرة"، وأن العاصمة نواكشوط بلا حدود مضبوطة، فهي تتسع يوميا.

يُخَيَّل إليَّ في بعض الأحيان بأننا بحاجة ماسة إلى إنشاء وزارة خاصة بالعاصمة نواكشوط تتفرغ لمواجهة المشاكل والتحديات أعلاه، هذا إن كانت وزارة واحدة تكفي، فربما يحتاج الأمر إلى تشكيل لجنة وزارية لمواجهة المشاكل والتحديات التي تعاني منها العاصمة.

و يُخَيَّل إليَّ في أحايين أن مشاكل العاصمة نواكشوط وصلت إلى مستوى بالغ من التعقيد جعل حلها أمرا في غاية الصعوبة، حتى وإن استحدثت وزارة خاصة، أو شكلت لجنة وزارية لمواجهة تلك المشاكل، ولذا فالحل قد يكون في التفكير في  تأسيس عاصمة جديدة، كما فعلت بعض الدول، خاصة وأن هناك دراسات  تتحدث عن إمكانية غرق العاصمة نواكشوط مستقبلا.

قد يقول قائل إن المشاكل التي تعاني منها العاصمة نواكشوط موجودة وربما بشكل أكثر حدة في مختلف ولايات ومدن الوطن، فلماذا التركيز على العاصمة نواكشوط  دون بقية الولايات والمدن؟

إن التركيز على العاصمة نواكشوط جاء لثلاثة أسباب أعتقد بوجاهتها.

السبب الأول : أنه يوجد بالعاصمة نواكشوط أكثر من ربع سكان موريتانيا، وهو ما يعني أن حل مشاكل العاصمة هو في حقيقته وجوهره حل لمشاكل  عدد كبير من الموريتانيين، يزيد على ربع إجمالي سكان البلاد؛

السبب الثاني : أن نواكشوط هي عاصمة البلاد وواجهتها، ولذا فلا ينطبق عليها ما ينطبق على بقية ولايات الوطن، ومن هنا حُقَّ لها أن تجد اهتماما خاصا من طرف الحكومة، قد لا تحظى به بقية ولايات ومدن الوطن.

السبب الثالث : غياب الانتماء للعاصمة نواكشوط، فلكل ولاية نخبها السياسية والثقافية والإعلامية التي تتحدث باسمها، والتي تُطالب بإيجاد حلول لمشاكلها، أما العاصمة نواكشوط فلا تجد من يتحدث باسمها بصفتها مدينته أو ولايته، حتى أولئك الذين ولدوا فيها فقليل منهم من يشعر بالانتماء إليها.

لا يعني هذا الكلام أني أتجاهل خطورة الهجرة من المدن الداخلية إلى العاصمة، والتي لا يمكن القضاء عليها إلا من خلال الالتفات تنمويا إلى المدن في الداخل لتثبيت السكان فيها. 

إن حل مشاكل السكان في كل ولايات الوطن هو أمرٌ مطلوب، بل وملح جدا، وإن عصرنة كل عواصم الولايات يجب أن تبقى من أولويات العمل الحكومي، ولكن ذلك كله لا يمنع من القول بأن العاصمة نواكشوط أولى من غيرها بالاهتمام، وذلك لأنها أولا هي عاصمة الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وثانيا لأنها يوجد بها ما يزيد على ربع سكان موريتانيا. 

#منتدى24_29

حفظ الله موريتانيا..


الخميس، 18 يوليو 2024

أي حكومة نريد؟


إننا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" نأمل في 
أن تكون الحكومة القادمة التي ستشكل بعد تنصيب فخامة الرئيس، حكومة كفاءات وطنية، قادرة على تحقيق الوعود والالتزامات الانتخابية التي جاءت في برنامج رئيس الجمهورية (طموحي للوطن)، وخصوصا ما يتعلق منها بالتزاماته في مجال محاربة الفساد والتمكين للشباب وعصرنة الإدارة وإصلاحها.

نعم لحكومة تحارب الفساد

إننا في "منتدى 24 ـ 29" نأمل  أن تكون الحكومة القادمة حكومة قادرة على محاربة الفساد بجدية وصرامة، وقادرة على أن تُجَسِّد عمليا العبارة الشهيرة التي قالها المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني وبنبرة قوية في خطاب افتتاح حملته الانتخابية: " لن يكون هناك مكان بيننا لمن يُصرُّ على مدِّ يده للمال العام، كائنا من كان، ولن يُراعى في ذلك أي اعتبار".

إننا نريدها حكومة قادرة على أن تحقق تطلعات الشعب الموريتاني الذي صوت للمرشح غزواني بنسبة 56.12%، صوت له، وهو يأمل أن تكون المأمورية الثانية مأمورية حرب جدية على الفساد والمفسدين؛

إننا نريدها حكومة تدرك جيدا، و تعي جيدا، أن استمرار الفساد لم يعد يهدد الاقتصاد فقط، بل أصبح يهدد كذلك كيان البلد وتماسكه، وتهديد الفساد لتماسك بلدنا وأمنه لم يعد أقل خطورة من تهديد الإرهاب أو المخدرات أو الانقلابات، وهو ما يعني أن المحافظة على أمن البلد وتماسكه في السنوات القادمة لن تكون ممكنة إلا إذا كانت هناك حربٌ جدية ضد الفساد والمفسدين.

نعم لحكومة تُجَسد مأمورية الشباب

إننا نريدها حكومة قادرة على أن تُجسد شكلا ومضمونا التزام المرشح غزواني بجعل مأموريته الثانية مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب، أي أننا نريدها حكومة قادرة على التعامل بشكل جيد واحترافي مع الملفات التي تَعْنَي الشباب بشكل مباشر، وخاصة منها ما يتعلق بإصلاح التعليم، وترقية التكوين المهني، ومحاربة البطالة، والحد من انتشار الجريمة وتفشي المخدرات في صفوف القصر والمراهقين، وتطوير البنى التحتية الثقافية والرياضية، ودعم المقاولات الشبابية، وتشجيع المواهب والإبداع والابتكار في صفوف الشباب.

كما نُريدها حكومة قادرة على إشراك الشباب في صنع القرار، وذلك من خلال ضخ دماء جديدة من أصحاب الكفاءات الشبابية كلما كان ذلك ممكنا، مع إبعاد كل من تحوم حوله شبهة فساد، وكل من مُنح سابقا العديد من الفرص، وجُرب في حكومات سابقة، وفي عهود سابقة، وأثبت فشله وعجزه عن تأدية المهام الموكلة إليه.

نعم لحكومة تُنْهِي مشاكل الماء والكهرباء والعلف

إننا في "منتدى 24 ـ 29" نريدها حكومة قادرة على أن تجعل من المأمورية الثانية للرئيس محمد الشيخ الغزواني مأمورية لوضع حلول جذرية ونهائية لمشاكل انقطاعات الماء والكهرباء في المدن، ولمشاكل نقص العلف أو ارتفاع سعره في الأرياف، ويزداد الأمر إلحاحاً بالنسبة للعلف في ظل ما تشهده الجارة الشقيقة مالي من مشاكل أمنية، ومن عدم استقرار سياسي، لا أحد يستطيع أن يتكهن بمآلاته.

لم يعد من المقبول أن تستمر نفس المشاكل المتعلقة بالماء والكهرباء والعلف، سنة بعد سنة، وعقدا بعد عقد، ونظاما بعد نظام، دون أن تجد حلولا جذرية ونهائية.

في شهر إبريل الماضي، عَبَّر فخامة رئيس الجمهورية عن أسفه لاستمرار الحديث عن وجود نقص في المياه والكهرباء، وكان ذلك على هامش زيارة له لمدينة نواذيبو عاصمتنا الاقتصادية، وما يحدث في العاصمة نواكشوط وبقية المدن الأخرى من انقطاعات للماء والكهرباء معروف لدى الجميع، ولا نحتاج لأن نذكر به هنا، واستمرار هذا الحال على حاله لم يعد مقبولا، ولذا فلا بد من رفع الصوت بالقول :  لا خير في حكومة قادمة لا تستطيع أن تضع حلولا جذرية ونهائية لانقطاعات الماء والكهرباء في المدن، ولنقص العلف وارتفاع سعره في الريف.

نعم لحكومة تأخذ العبر من الأزمات

قد يكون من المهم التذكير ببعض الأزمات العالمية والإقليمية التي حدثت في السنوات الأخيرة، والتي لم تسلم بلادنا من نتائجها السلبية، وكل هذه الأزمات تقول بلغة منذرة بالخطر، لا تقبل أي تأويل،  بأن الاكتفاء الذاتي من الغذاء لم يعد مجرد مطلب وطني شديد الإلحاح، بل أصبح أكثر من ذلك مطلبا سياديا ووجوديا يرتبط به مصير بلدنا، ومن تلك الأزمات التي على الحكومة القادمة أن تأخذ منها الدروس والعبر، نذكر:

1 ـ جائحة كورونا وما صاحبها من إغلاق للحدود واختلال في التموين بالسلع والمنتجات؛

2 ـ إغلاق معبر الكركرات لعدة أسابيع خلال شهر أكتوبر من العام 2020، وما صاحب ذلك من ارتفاع كبير في أسعار الخضروات، بل واختفائها تماما من أسواقنا المحلية؛

3 ـ حرب أوكرانيا، وما صاحبها من ارتفاع كبير في الأسعار، وخاصة أسعار القمح.

مثل هذه الأزمات يمكن أن يحدث مستقبلا، وربما بشكل أكثر خطورة، ولذا فإننا بحاجة إلى حكومة قادرة على أن تحقق خلال المأمورية الثانية لرئيس الجمهورية اكتفاءً ذاتيا من الخضروات يضمن توفرها في السوق بشكل دائم وبأسعار مقبولة سواء أغلق معبر الكركرات أو فُتح، ونحن بحاجة كذلك إلى حكومة قادرة على أن تحقق اكتفاء ذاتيا من الحبوب الأساسية، وخاصة القمح، وذلك بعد أن قطعنا خطوات كبيرة في مجال تحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز، ونحن بحاجة إلى حكومة قادرة على أن تشيد مصانع لتحقيق اكتفاء ذاتي من اللحوم البيضاء والحمراء ومن الألبان ومشتقاتها، ولِمَ لا، تصدير الفائض؟

أيعقل أن يستمر بلدٌ أنعم الله عليه بثروة حيوانية كبيرة في استيراد الألبان وبعض مشتقاتها، وإنفاق مبالغ ضخمة من العملات الصعبة على ذلك؟

أيعقل أن يستمر بلدٌ أنعم الله عليه بواحد من أغنى الشواطئ في العالم بالسمك في استيراد "السردين"، وإنفاق مبالغ كبيرة من العملات الصعبة على ذلك؟

إننا نريد حكومة قادرة على أن تخلق في مأمورية الشباب هجرة شبابية واسعة إلى الزراعة عموما، وإلى  "شمامة" خصوصا، هجرة أكبر من هجرة الشباب إلى التنقيب عن الذهب، وهجرته إلى الولايات المتحدة، وبذلك تصيب حكومتنا التي نُريد عدة تحديات في مقتل، وبرمية واحدة، ومن تلك التحديات: الحد من البطالة، تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وقف هجرة الشباب إلى الخارج.

نعم لحكومة تستمر في الإنجاز

إننا نريدها حكومة تستمر في الإنجازات على المستوى الاجتماعي، ولا تتوقف عن العمل لصالح الفئات الهشة، مع ضرورة توسيع دائرة المستفيدين في المأمورية الثانية، وذلك من خلال العمل على تخفيض أسعار المواد الأساسية، وخاصة المحروقات، ليستفيد أكبر عدد ممكن من المواطنين من الخدمة الاجتماعية للدولة، ونريدها كذلك حكومة تستمر في إصلاح التعليم، وفي تشييد المدرسة الجمهورية، وفي هذه الجزئية لابد من لفت الانتباه إلى ضرورة البحث عن وزير كفء ليتولى حقيبة التعليم لعدة سنوات قادمة، وذلك حتى يتمكن من تحقيق إصلاح كبير على مستوى طموح الرئيس.

في المأمورية المنتهية مر بوزارة التهذيب الوطني وإصلاح التعليم أربعة وزراء ـ أو خمسة إذا ما حسبنا عملية اندماج وتفكك الوزارة ـ  في خمس سنين، وهو ما يعني أنه لا وزير من بين الخمسة وجد فترة كافية لتحقيق أي إصلاح، وهو ما يعني أيضا ـ وهذا ليس أقل أهمية ـ أنه لا يمكننا أن نحمل أي وزير من الوزراء الخمسة البطء في عملية إصلاح التعليم، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أنه لا أحد من أولئك الوزراء مُنِح ما يكفي من وقت لتحقيق أي إصلاح يذكر.

نعم لحكومة إصلاح

ختاما، وبكلمة واحدة،  إننا في المنتدى نريد حكومة قادرة على الإصلاح، ولا إصلاح يمكن أن يتحقق دون وزراء مصلحين، يمتلكون القدرة والرغبة في الإصلاح، وفي تحقيق كل ما التزم به فخامة رئيس الجمهورية للمواطن الموريتاني في برنامجه طموحي للوطن.

#منتدى24_29

حفظ الله موريتانيا..

الاثنين، 15 يوليو 2024

عن أسئلة الفساد الصعبة


كثيرا ما يُطرح عليًّ السؤال : هل تعتقد أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني سيحارب الفساد في مأموريته الثانية؟

فإن أجبتُ بنعم طُرِح عليَّ سؤال آخر : ولماذا لم يُحاربه بشكل واسع وصارم في مأموريته الأولى؟

الفساد، وكما قلتُ في أكثر من مقال، ليس خصما ضعيفا، ومحاربته ليست نزهة، والقضاء عليه أو على الأصح الحد منه، لا يمكن أن يتم في طرفة عين، ولا حتى في مأمورية واحدة. 

في المأمورية المنتهية تمت إعادة هيكلة المؤسسات الرقابية، فأصبحت محكمة الحسابات تنشر تقاريرها بانتظام، وألحقت المفتشية العامة للدولة برئاسة الجمهورية، واستعيدت بعض الأموال المنهوبة. 

هل هذا يكفي؟ بالتأكيد لا، ولكن دعونا نقارن بين حملة رئاسيات 2019 وحملة رئاسيات 2024، فتلك المقارنة ستجعلنا نتوقع أن محاربة الفساد في المأمورية الثانية ستختلف كثيرا عن محاربته في المأمورية الأولى.

في حملة 2019 لم يتعهد المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني للشعب الموريتاني بمحاربة الفساد، بل أكثر من ذلك، فإن كلمة "فساد" لم تأت على لسانه ـ ولو لمرة واحدة ـ في كل خطاباته في كل المدن التي زارها في حملة 2019 ، وكان ذلك متفهما لمن كانت له القدرة على فهم تعقيدات تلك اللحظة، وقراءة أحداثها قراءة معمقة. 

كان المرشح غزواني يدرك في تلك الفترة أن الأولوية يجب أن تُعطى لتأمين التناوب السلمي على السلطة، وهو تناوب كان في خطر كبير، فبدون تأمين التناوب السلمي على السلطة وتحصينه تحصينا كاملا، فلا مجال لمحاربة الفساد، ولا لأي جهد إصلاحي في أي مجال آخر، فالاستقرار السياسي هو شرط أساسي يجب أن يتحقق أولا من قبل أي حديث عن أي إصلاح.

وعلى العكس من خطابات المرشح غزواني في حملة 2019، والتي لم يأت فيها أي ذكر للفساد، ولا أي وعد حتى ولو كان خجولا بمحاربته، فسنجد أن محاربة الفساد كانت حاضرة وبقوة في كل خطابات المرشح في حملة  2024، ففي كل ولاية من ولايات الوطن أكد المرشح وبلغة فصيحة وصريحة بأنه لن يقبل بأي فساد في مأموريته القادمة، لذا فلا يمكن أن نتوقع أبدا من المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني أن لا يحارب الفساد ـ وبصرامة ـ  في مأموريته الثانية.

لنكتفي الآن بهذا القدر من الإجابة على السؤال الأول، ولنطرح أسئلة أخرى لا تقل أهمية حول محاربة الفساد.

في أي خندق أو قطب سياسي يوجد المفسدون؟

إن المفسدين يوجدون حصرا في أغلبية الرئيس الداعمة له، فهم لا يوجدون في المعارضة بكل تأكيد، وهذا أمرٌ طبيعي جدا، فالمعارضة لا تمارس تسيير شؤون البلاد، ولذا فإن الحرب على الفساد ستكون حربا داخل الأغلبية، وضحاياها سيكونون في الأغلب من داعمي الرئيس.

والآن، لنطرح السؤال الأهم : ماذا سيحدث إن بدأ الرئيس حربه على الفساد بإقالة مفسد ما، وليكن المفسد (س)، وسجنه بعد ذلك طبقا لأحكام القضاء؟  

في فسطاط الأغلبية سيحدث الآتي :

1 ـ هناك طائفة كبيرة من الأغلبية الداعمة للرئيس ستحاول بكل ما تملك من نفوذ أن تُربك تلك الخطوة وتفشلها في مهدها، وذلك لأنها تُدرك بأنها ستتضرر كثيرا من أي حرب جدية على  الفساد؛

2 ـ هناك طائفة ثانية من الأغلبية الداعمة للرئيس، وليست بالقليلة، لن تتحمس لإقالة أي مفسد وسجنه، وذلك لأن دعمها كان في الأصل من أجل أن تنال نصيبها من الفساد، ولذا فهي لن تتحمس لأي حرب جدية على الفساد؛

3 ـ هناك طائفة ثالثة من الأغلبية الداعمة، وهي الأقل،  ستدعم الرئيس في أي خطوة يتخذها ضد الفساد والمفسدين.

هذا عن الأغلبية، فماذا سيحدث في فسطاط المعارضة عندما يُحاسب الرئيس المفسد (س) على فساده؟

صحيح أن المعارضة لا تمارس الفساد لبعدها عن تسيير شؤون البلد، ولكن الصحيح أيضا هو أن ردود أفعال المعارضة تكون سلبية دائما عند فتح أي ملف فساد، ومن الراجح أن المعارضة ستعتبر ـ كما اعتبرت سابقا ـ أن محاسبة المفسد (س) تدخل في إطار تصفية الحسابات، وأنه لا صلة لها بالحرب على الفساد، فالمعارضة إذا كانت تنتقد بقوة في خطاباتها فساد الأنظمة، إلا أنها في الغالب الأعم لا ترغب في أن تُحارب تلك الأنظمة الفساد، فمحاربة الفساد من طرف تلك الأنظمة تعني فقدان المعارضة لواحد من أهم شعاراتها التي تقتات عليها سياسيا وإعلاميا وشعبيا.

هذا عن المعارضة والأغلبية، فماذا عن المجتمع التقليدي؟

عندما يُحاسب المفسد (س) فإن قبيلته ستسارع إلى التضامن معه، وستطرح السؤال المعهود لماذا ابننا دون غيره من المفسدين؟

إن محاربة الفساد لابد أن تبدأ بمفسد أو بمجموعة من المفسدين، ولكل مفسد قبيلة أو شريحة أو جهة لن تتردد في الدفاع عنه، عندما يعاقب على فساده.

مما سبق يمكننا أن نقول بأنه عندما يبدأ الرئيس في محاسبة مفسد أو مجموعة من المفسدين على فسادهم وسوء تسييرهم، فإن الذي سيحدث بعد ذلك، هو أن الجزء الأكبر من أغلبيته الداعمة سيقف بشكل غير معلن في صف المفسد، والجزء الأكبر من المعارضة سيقف هو الآخر في صف ذلك المفسد بحجة أن ما يتعرض له يدخل في إطار تصفية الحسابات، ولا علاقة له بمحاربة الفساد، هذا فضلا عن وقوف طائفة من المجتمع التقليدي (القبيلة أو الشريحة أو الجهة) في صف المفسد دفاعا عن ابنها، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن الرئيس لن يجد أي سند شعبي فاعل ومنظم في أي خطوة يتخذها في مجال محاربة الفساد.

ومن هنا ـ وبهذا أختم ـ  تبرز أهمية تأسيس حلف وطني داعم لمحاربة الفساد، يقف مع الرئيس في أي خطوة يتخذها في محاربة الفساد، والحاجة لتأسيس مثل هذا الحلف، هي واحدة من أهم الأسباب التي جعلتنا نؤسس "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية".

#منتدى24_29 

حفظ الله موريتانيا..


الأربعاء، 10 يوليو 2024

هذا ما نتوقع في مأمورية الشباب


بعد أيام قليلة ستبدأ مأمورية رئاسية جديدة، تختلف عن كل المأموريات التي سبقتها، سواء منها المأمورية المنتهية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، أو مأموريات الرؤساء السابقين، فالمأمورية القادمة ستكون بإذن الله أول مأمورية للشباب، أي أنها ستكون مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب.

فماذا تعني لنا في "منتدى 24 ـ 29 لدعم ومتابعة تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية" مأمورية الشباب القادمة، وماذا نتوقع أن يتحقق فيها لصالح الشباب الموريتاني؟

إن من قرأ بعمق البرنامج الانتخابي لفخامة رئيس الجمهورية (طموحي للوطن)، واستمع بشكل جيد لخطاباته في الحملة، ستتولد لديه قناعة تامة بأن مأمورية الشباب القادمة ستتميز بمَلْمَحَيْنِ أساسيين، أولها يتعلق بطبيعة الملفات التي ستُحظى بالأولوية في هذه المأمورية، وثانيهما يتعلق بالواجهة الإدارية والسياسية التي ستتشكل ـ وبتدرج ـ  في المأمورية القادمة.

أولا/ عن الملفات ذات الأولوية

إن مأمورية الشباب تعني لنا في "منتدى 24 ـ 29" أولا ومن قبل أي شيء آخر،  أن تُحظى كل الملفات ذات الصلة بالشباب بأولوية كبيرة، وخاصة ما يتعلق منها بإصلاح التعليم، وترقية التكوين المهني، ومحاربة البطالة، والحد من انتشار الجريمة وتفشي المخدرات في صفوف القصر والمراهقين، وتطوير البنى التحتية الثقافية والرياضية، ودعم المقاولات الشبابية، وتشجيع المواهب والإبداع والابتكار في صفوف الشباب، دون أن ننسى المحاربة الصارمة للفساد، وذلك نظرا لأن شريحة الشباب هي الأكثر تضررا من تفشي الفساد، ولا يمكن ـ بأي حال من الأحوال ـ  أن نتحدث عن الاهتمام بالشباب دون أن تكون هناك محاربة جدية للفساد.

إن التركيز على الملفات ذات الصلة بالشباب، ومنحها الأولوية القصوى في العمل الحكومي، يجب أن يكون هو السمة الأبرز في مأمورية الشباب، وثمار ذلك ستصل بكل تأكيد لكل الشباب، ومن بعد ذلك يأتي ـ وفي درجة ثانية ـ  ضخ دماء جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام.

ثانيا / عن الواجهة الإدارية والسياسية

من المهم جدا أن تُضخ دماء شبابية جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام خلال المأمورية القادمة، والتي يُراد لها أن تكون مأمورية بالشباب ومن أجل الشباب، ولا يعني ذلك مجرد الاكتفاء بصورة شكلية من خلال "تشبيب" تلك الواجهة عمريا، دون أن يكون هناك "تشبيب" في الجوهر لأساليب العمل الإداري والسياسي للنظام ليكونا أكثر قدرة على مواجهة التحديات القائمة، والتي لم يعد بالإمكان مواجهتها بنفس الأساليب الإدارية والسياسية القديمة التي أثبتت عدم فعاليتها في مواجهة تلك المشاكل والتحديات.

من المهم جدا أن تُضَخَّ دماء جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام خلال مأمورية الشباب القادمة، ولكن ذلك يجب أن يكون وفق ضوابط صارمة، حتى لا تتحول العملية إلى عملية شكلية، وحتى لا يتم تمييع مأمورية الشباب وإفراغها من محتواها الذي يحلم به الشباب ونحلم به جميعا، ولعل من أبرز تلك الضوابط:

1 ـ أن يكون حاضرا في أذهاننا جميعا أن الهدف من ضخ دماء شبابية جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية للنظام، ليس فقط  من أجل الوصول إلى صورة شكلية، من خلال الدفع ببعض الشباب إلى واجهة العمل السياسي والإداري، وإنما الهدف منه هو إحداث تغيير جوهري وعميق في أساليب العمل الإداري والسياسي للنظام خلال المأمورية القادمة، فمأمورية الشباب ليست مجرد عملية ميكانيكية يتم بموجبها إبعاد الموظفين أو السياسيين من أصحاب التجربة الذين تجاوزوا مرحلة الشباب،  والدفع بالشباب ـ أي شباب ـ  إلى الواجهة الإدارية والسياسية.

2 ـ إن الشباب الذين يجب أن يُدفع بهم إلى الواجهة الإدارية أو السياسية للنظام هم أولئك الشباب الذي يمتلكون ما يكفي من مؤهلات ضرورية للقيام بالمهام التي ستوكل إليهم، وأن لا يكون قد عُرِف من بينهم من مارس من قبل الأساليب التقليدية التي نريد القضاء عليها في مأمورية الشباب، ومن هنا فيجب الحذر ـ كل الحذر ـ من الدفع بأي شاب إلى الواجهة يحمل صفة من الصفات التالية:

ا ـ من يتبنى خطابا قبليا أو جهويا أو شرائحيا أو عرقيا، ويجعل بالتالي انتماءه العرقي أو الشرائحي أو القبلي الضيق فوق انتمائه الوطني؛ 

ب ـ من لا يستطيع أن يتحرر من الأساليب النفعية أو الانتهازية التي طبعت العمل السياسي خلال الفترات الماضية، ولتوضيح الصورة أكثر فسنقدم لكم مثالا من العهد السابق.

لقد حاول الرئيس السابق، وربما تفاديا للربيع العربي، أن يؤسس أحزابا شبابية، تحت شعار "تجديد الطبقة السياسية"، فظهر الحراك الشبابي وملحقاته، ولكن المشكلة أن الشباب الذين قادوا تلك المشاريع السياسية، نقلوا جميع أمراض الطبقة السياسية التقليدية إلى مشاريعهم الحزبية الجديدة، وظهر أن تلك الأحزاب ما هي إلا محاولة لخلق عناوين شبابية ومساحات خلفية تُدار فيها معارك جديدة بين أقطاب الأغلبية التقليدية.

كانت فكرة تأسيس أحزاب شبابية فكرة رائعة، بغض النظر عن الدوافع لها، ولكن إخراج تلك الفكرة، ومسار تنفيذها، كان في منتهى السوء، فكانت الحصيلة أن ظهرت أحزاب شبابية جمعت كل أمراض الأحزاب التقليدية، وأضافت إليها ضعف التجربة والخبرة لدى مؤسسيها، مما نتج عنه في المحصلة النهائية ظهور أحزاب شبابية أكثر شيخوخة في العمل السياسي من الأحزاب التقليدية. 

ج ـ هذا عن الواجهة السياسية للنظام، أما بخصوص الواجهة الإدارية فيجب أن يُحمى ضخ دماء جديدة في الإدارة بضوابط ليست أقل صرامة، منها الحذر من أن تتحول عملية تجديد الواجهة الإدارية للنظام إلى عملية توريث بعض المناصب الإدارية لأبناء وأقارب الموظفين السامين في الدولة تحت شعار "تجديد الواجهة الإدارية"، فهذه نقطة يجب الانتباه إليها كثيرا، ولا يعني ذلك حرمان الشباب المنحدرين من أسر لها تاريخ طويل في العمل الإداري من الظهور في أي واجهة جديدة، وإنما يعني أن تكون الكفاءة هي المعيار الأساسي المعتمد في تجديد الواجهة، وذلك بدلا من الوساطة وكل أساليب التحايل الأخرى التي قد يستخدمها البعض للالتفاف على شعار تجديد الواجهة الإدارية.

وكما قلتُ سابقا، فإن مأمورية الشباب لا تعني ـ بأي حال من الأحوال ـ  إقصاء غير الشباب من الواجهة الإدارية والسياسية للنظام خلال السنوات الخمس القادمة، بل إن الاحتفاظ بغير الشباب من الموظفين من ذوي الخبرة والسيرة المهنية الحسنة في الإدارة، والاحتفاظ بغير الشباب من السياسيين الأكفاء في الواجهة السياسية، هما شرطان أساسيان لنجاح مأمورية الشباب.

 إن من يجب التخلص منه في المأمورية القادمة، هم أولئك الموظفين الذين جُرِّبُوا في مهام كثيرة في العهود الماضية، وأثبتوا فشلهم، وأولئك الذين ثبُت فسادهم وبالأدلة القطعية، وبخصوص السياسيين فإن من يجب إبعاده عن الواجهة في مأمورية الشباب هم أولئك السياسيين الذين لم تعد لديهم أي مصداقية لدى المواطن، وأصبحت دعايتهم للنظام تأتي بنتائج سلبية.   

3 ـ إن التدرج  في تجديد الواجهة الإدارية والسياسية هو أمرٌ مطلوب، بل وضروري جدا، لإنجاح مأمورية الشباب، ولذا فعلينا أن لا نتوقع أن نفتح عيوننا في أول يوم من مأمورية الشباب على حكومة شبابية أو على واجهة إدارية أو سياسية شبابية. 

إن المطلوب هو أن تُضَخَّ بعض الدماء الشبابية في الحكومة القادمة، وأن تُضَخَّ ـ كلما كان ذلك ممكنا ـ دماءً جديدة في الواجهة الإدارية والسياسية، وأن يظل ضخ الدماء الجديدة في تصاعد مستمر، عاما بعد عام، وحكومة بعد حكومة، إلى أن نصل في نهاية مأمورية الشباب (العام 2029) إلى واجهة سياسية وإدارية يطغى عليها حضور الشباب، وذلك تمهيدا لتمكين الشباب بشكل كلي فيما بعد العام 2029.  

#منتدى24_29

حفظ الله موريتانيا..


السبت، 6 يوليو 2024

الأمن أولا


الأمن بالنسبة للدول كالصحة بالنسبة للأفراد، فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى، وكذلك الأمن بالنسبة للدول فهو تاج على رؤوس الدول الآمنة والمستقرة لا تراه إلا الدول التي تعاني من صراعات عرقية أو حروب أهلية.

فهل فيكم مثلا من يحب أن يُشاهد والده يتسول عند ملتقيات الطرق في دمشق؟ 

وهل فيكم من يحب أن يشاهد والدته تُصارع من أجل البقاء على قيد الحياة في مخيم للاجئين الموريتانيين في مالي؟.

لنعلم جميعا أن بلادنا ليست محصنة ضد ما جرى وما يجري في بعض الدول العربية والإفريقية من حروب وفتن داخلية، ولنحمد الله على نعمة الأمن في بلادنا، فهي نعمة عظيمة، لا تقدر بثمن، وعند فقدانها ـ لا قدر الله ـ ستدركون بأن كل المطالب الأخرى هي مجرد مطالب ثانوية من الدرجة الثالثة أو الرابعة، فلنحافظ على هذه النعمة العظيمة بالابتعاد عن نشر كل ما من شأنه أن يُنمي الكراهية أو يؤجج الصراع بين مكوناتنا الوطنية أو يؤدي إلى أعمال شغب أو عنف يتضرر منها الأبرياء.

إن السبب الأول الذي جعلنا في "منتدى 24 ـ 29" ندعم المرشح الفائز محمد ولد الشيخ الغزواني هو قناعتنا الراسخة أنه هو المرشح الوحيد القادر على توفير الأمن لبلادنا في هذه الظرفية العصيبة من تاريخ منطقتنا، والتي تكثر فيها الانقلابات، وتتنامى فيها الحركات المسلحة، ويتسع فيها صراع ونفوذ القوى العظمى.

ونحن في المنتدى على قناعة تامة بأن الأمن في بلادنا لا يمكن أن نحافظ عليه في السنوات القادمة إلا إذا طبقنا برنامج "طموحي للوطن" بصرامة وفاعلية، خصوصا في مرتكزاته الإصلاحية التي تحدثنا عنها في بياننا التأسيسي:

1 ـ محاربة الفساد بشكل جدي وصارم، فتفشي الفساد أصبح يهدد اليوم تماسك بلدنا واستقراره، وإذا لم نحارب الفساد بجدية فإن أمن بلادنا سيبقى دائما في خطر؛

2 ـ التمكين للشباب.. لن ننعم في هذه البلاد بالأمن في السنوات القادمة، إذا لم نطلق برامج طموحة لإنقاذ شبابنا من تفشي الجريمة، وتعاطي المخدرات، والتسرب المدرسي، وانتشار البطالة، وتنامي روح اليأس والإحباط.

3 ـ إصلاح الإدارة والاعتماد على أصحاب الكفاءة والاستقامة في تنفيذ برنامج "طموحي للوطن"، فالإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا بالمصلحين، أي بتعيين أصحاب الكفاءة المشهود لهم بالاستقامة ونظافة اليد من المال العام.

إن تحصين بلادنا أمنيا خلال المأمورية القادمة، يحتاج لجيش وطني قوي وإلى قوات أمن يقظة، ويحتاج كذلك، وبدرجة ليست أقل، إلى الاهتمام بالشباب، ومحاربة الفساد، وإصلاح الإدارة، وقد احتلت هذه الملفات الثلاثة الصدارة في التزامات المرشح الفائز، وفي خطاباته في الحملة، ولذا فعلى كل داعمي الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الصادقين والمخلصين في دعمهم، أن يساعدوه في الوفاء بما التزم به للشعب الموريتاني الذي صوت له بنسبة 56.12%، ومكنه ـ بالتالي ـ من الفوز في الشوط الأول من انتخابات 29 يونيو 2024.   

#منتدى24_29 

 حفظ الله موريتانيا..

الثلاثاء، 2 يوليو 2024

أخطاء لجنة الانتخابات تتحملها المعارضة أولا


لا يهدف هذا العنوان الذي قد يبدو مثيرا للبعض لاستقطاب القراء، وإنما يهدف إلى تفنيد مغالطة ترسخت لدى الكثير من المهتمين بالشأن العام، مفادها أن المعارضة هي الضحية دائما لأخطاء لجنة الانتخابات وتقصيرها، وأنها ـ أي المعارضة ـ  لا تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في كل ما قد يشوب عمل لجنة الانتخابات من أخطاء وتقصير.

لنعد قليلا إلى الوراء..

(1)

في وقت لم تكن فيه البلاد تمر بأي أزمة سياسية، وتحديدا في يوم 14 مايو 2020، أصدرت الأحزاب الممثلة في البرلمان بياناَ مشتركا جاء في فقرته الختامية  "تأمل أحزاب الموالاة والمعارضة الممثلة في البرلمان أن تُفضي خطوات التنسيق الحالي إلى الدخول في مرحلة جديدة، تُمهد لنقاش القضايا الجوهرية للبلاد، ووضع تصور لمعالجتها، وفق جدول زمني متفق عليه."

بطبيعة الحال، وكما هو معلوم، فإن هذا البيان صدر بتوجيه من فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، والذي أظهر ومنذ وصوله إلى الحكم حرصا كبيرا على فتح صفحة جديدة مع المعارضة، قائمة على الحوار والتشاور.

بعد صدور هذا البيان قرر حزب تواصل أن ينسحب من منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان، وقد انتقد بشدة ما أسماه بعملية التسلل إلى التشاور من خلال تنسيقية أحزاب تشكلت في الأصل للتصدي لجائحة كورونا. 

تقدمت تنسيقية الأحزاب الممثلة في البرلمان ب "خارطة طريق من أجل تشاور شامل بين القوى السياسية"، والمهم، وهذا هو ما يعنينا في هذا المقام، أن الخارطة تضمنت بندا في أعلاها تحت عنوان :  "إصلاح المنظومة الانتخابية"

ويعني ذلك أنه كانت هناك إرادة سياسية قوية لدى رئيس الجمهورية لإصلاح المنظومة الانتخابية من قبل الدخول في أي استحقاقات انتخابية.

 (2)

بعد الكثير من التعثر المفتعل، وحرصا من رئيس الجمهورية على إطلاق تشاور مع المعارضة، فقد استقبل الرئيس منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان في يوم 17 أغسطس 2021،  وفي يوم الأربعاء 6 إبريل 2022 كلف الوزير الأمين العام للرئاسة بالإشراف على عمل اللجنة التحضيرية للتشاور، وفي يوم  16 إبريل 2022 انطلقت أشغال اللجنة التحضيرية للتشاور الوطني، وفي يوم 16 مايو 2022 انسحب قطب التناوب الديمقراطي الذي يتشكل من حزب الصواب ومشروع حزب "الرك"، والذي يتمثل في حقيقته في المزاج المتقلب للنائب بيرام الداه اعبيد، من جلسات التشاور، ليتم لاحقا تعليق ذلك التشاور.

(3)

بعد فشل ذلك التشاور والذي كان سيناقش فيه الجميع ملف "إصلاح المنظومة الانتخابية"، ونظرا لاقتراب موعد الاستحقاقات التشريعية والبلدية والجهوية، وحرصا من رئيس الجمهورية على تنظيم انتخابات في جو توافقي أطلقت وزارة الداخلية تشاورا مع الأحزاب السياسية المعترف بها في يوم 12 يوليو 2022،، وتم الاحتفال بتوقيع نتائجه مساء الاثنين 26 سبتمبر 2022، وقد وقعته كل الأحزاب المعترف بها في موريتانيا باستثناء حزب واحد. هذا الاتفاق تضمن العديد من النقاط المهمة، كان من بينها ـ وهذا هو ما يهمنا هنا ـ  الاتفاق على تشكيل اللجنة المستقلة للانتخابات ، وقد تم تشكيل هذه اللجنة بالتناصف بين الأغلبية والمعارضة.

(4)

أشرفت لجنة الانتخابات بتشكيلتها الجديدة على انتخابات 13 مايو 2023، وهي الانتخابات التي شهدت الكثير من الأخطاء وأوجه التقصير، وقد أصدرت أغلب الأحزاب في المعارضة والأغلبية بيانات تندد بالتزوير الواسع الذي عرفته تلك الانتخابات.

ولذا فقد كان من الضروري جدا أن تنظم الأحزاب السياسية (معارضة وموالاة) حوارا جديدا يتضمن من بين أمور أخرى ملف الانتخابات، وذلك لتجنب تكرار الخروقات العديدة التي شابت انتخابات مايو 2023.

وهنا أيضا، وحرصا من رئيس الجمهورية إلى إطلاق حوار جديد مع المعارضة جاء "الميثاق الجمهوري" بمبادرة من حزبين معارضين، وقد تضمنت خارطة طريق هذا الميثاق العديد من البنود المهمة، كان على رأسها بندٌ جاء فيه بالحرف الواحد : " القيام، على وجه الاستعجال، بدراسة معمقة لمنظومتنا الانتخابية، وإذا اقتضى الحال الشروع في الإصلاحات المناسبة بما يعزز نظامنا الديمقراطي، بغية تجاوز الوضع المترتب عن الانتخابات الأخيرة، وتفعيل المقتضيات القانونية في مجال الانتخابات، وضمان تفادي أي خلاف انتخابي في المستقبل".

كان من الواضح أن هناك إرادة حقيقة للاستفادة من تجربة انتخابات مايو 2023، وتصحيح الاختلالات التي عرفتها، وذلك من أجل تنظيم انتخابات رئاسية في ظروف أفضل. 

لم تتحمس أحزاب الأغلبية لهذا الميثاق، ولكن حرص رئيس الجمهورية على تنظيم حوار مع المعارضة ألزمها بالموافقة عليه، وقد تم توقيع هذا الميثاق من طرف الحكومة ممثلة في وزير الداخلية، وثلاثة أحزاب : الإنصاف ـ التكتل ـ اتحاد قوى التقدم.

رفضت أحزاب المعارضة الحوار الذي دعا إليه الميثاق الجمهوري، وكان من نتائج ذلك أنه تم تنظيم الانتخابات الرئاسية تحت إشراف نفس اللجنة التي لم توفق سابقا في تنظيم انتخابات تشريعية وبلدية تحظى بالحد الأدنى من المصداقية.

الآن، يمكننا أن نخرج بالاستنتاجات التالية:

أولا / أن المعارضة وخاصة منها تواصل والنائب بيرام هي من كان يقف خلال المأمورية الماضية ضد الحوار، والذي يفترض فيه أن يتضمن من بين أمور أخرى إصلاح المنظومة الانتخابية؛

ثانيا/ أن الذي وقف ضد إعادة تشكيل لجنة الانتخابات الحالية، وتصحيح الاختلالات التي عرفتها انتخابات 13 مايو 2023 ، هو المعارضة التي رفضت المشاركة في حوار شامل على أساس وثيقة الميثاق الجمهوري، هذا إذا ما استثنينا حزبي التكتل واتحاد قوى التقدم اللذين يعتبران هما المبادران بالميثاق الجمهوري؛

ثالثا / أن أخطاء لجنة الانتخابات الحالية يجب أن تتقاسمها المعارضة والأغلبية مناصفة، وذلك لكونهما قد تقاسما تشكيلها مناصفة. طبعا يستثنى من ذلك الأخطاء المترتبة على حجب التمويل، أو ممارسة النفوذ والضغط على اللجنة، فتلك أخطاء تتحملها الحكومة لوحدها، ولكن مثل هذه الأخطاء لا يذكر في سرديات المعارضة حاليا؛

رابعا/ صحيح أن الخروقات كانت كبيرة في انتخابات مايو 2023، ولكن الصحيح أيضا أن لجنة الانتخابات صححت الكثير من أخطائها في الاستحقاقات الحالية، ولعل أبرز تلك التصحيحات هو نشرها لكل المحاضر على منصتها، ومن المعروف أن المعارضة كانت تحتج سابقا بسب غياب المحاضر، ولكنها هذه المرة لا تستطيع أن تحتج بسبب غياب المحاضر، وذلك بعد أن أصبحت متاحة للجميع بعد نشرها للعموم؛

خامسا/ رغم كل ما سبق، فما تزال المعارضة ترفض الاعتراف بنتائج الانتخابات وتهنئة الرئيس المنتخب، وما زال الرئيس المنتخب يصر على تنظيم حوار جديد مع المعارضة، وقد أكد ذلك في برنامجه الانتخابي، وفي خطابته في الحملة، وأخيرا في التهنئة التي بعث بها إلى الشعب الموريتاني بمناسبة فوزه؛

سادسا/ ربما تنقضي المأمورية القادمة والمعارضة ترفض للحوار، وربما تأتي انتخابات 2029 دون أن تحضر لها المعارضة، وهو ما سيرجح خسارتها من جديد في تلك الانتخابات، وهو ما يعني أنها ستعيد نفس ردود الفعل غير الديمقراطية، والتي عودتنا عليها مع كل استحقاقات، وهي ردود تبدأ بعدم الاعتراف بالنتائج، وربما تصل إلى احتجاجات، وذلك من قبل دخولها في سبات عميق لا تستيقظ منه إلا قبيل انتخابات جديدة لتشارك فيها دون تحضير، وهو ما يعني أنها ستجد نفسها أمام محطة فشل جديدة لا تجد ما تبررها به إلا القول بتزوير الانتخابات ورفض الاعتراف بنتائجها.

ويبقى السؤال : متى ستعترف المعارضة بنتائج الانتخابات الرئاسية؟

جواب : عندما تكون هي الفائز.

ومتى ستفوز؟

عندما تعترف بفشلها وتجري نقدا ذاتيا، تحضيرا للانتخابات القادمة.


حفظ الله موريتانيا..


الاثنين، 1 يوليو 2024

قراءة أولية في نتائج رئاسيات 2024


تحتاج النتائج المعلنة لانتخابات 2024 الرئاسية إلى قراءة معمقة، تستخلص منها الدروس والعبر التي قد تفيدنا مستقبلا في تطوير ديمقراطيتنا، والتحسين من أداء كل الأطراف الفاعلة فيها، ولكننا قبل ذلك قد نكون بحاجة إلى قراءة أولية للنتائج، نسجل من خلالها بعض الملاحظات الأولية، والتي قد نعود إليها مستقبلا بتحليل أعمق
.

المرشح الفائز: خطاب قوي وحملة مرتبكة

فاز المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني، وكما كان متوقعا، في الشوط الأول من الانتخابات، وبنسبة 56.12%، وجاء هذا الفوز نتيجة لما تحقق في المأمورية المنتهية من إنجازات، وخاصة في مجال التدخل لصالح الفئات الهشة، كما جاء أيضا نتيجة لخطاب قوي جدا أكد فيه المرشح، وفي كل محطات الحملة، أن المأمورية القادمة، ستكون مأمورية للتمكين للشباب ومحاربة الفساد، ولستُ هنا بحاجة إلى القول بأن هذين الشعارين كان لهما الوقع الكبير في قلوب وعقول الناخبين، فمحاربة الفساد كانت وستبقى هي المطلب الأكثر إلحاحا لدى الشعب الموريتاني، والتمكين للشباب كان وسيبقى أهم مطلب في بلد شاب، يعاني فيه الشباب من تحديات كثيرة من أبرزها البطالة، والتسرب المدرسي، وتفشي الجريمة، وتعاطي المخدرات، وفقدان الأمل، وتنامي روح الإحباط واليأس.

 لقد وُفق المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني في اختيار شعارين يمكن القول بأنهما الشعاران الأقوى والأكثر قدرة على استقطاب الناخبين، ووُفِق كذلك في خطاباته التي أكد فيها جميعا أنه سيحارب الفساد بصرامة، وأنه سيمكن للشباب في مأموريته القادمة، ويمكننا أن نقول في هذا المجال ـ وبكل اطمئنان ـ  أنه إذا كان هناك من أو ما يدين له المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني في فوزه، فسيكون شعار محاربة الفساد والتمكين للشباب، ولذا فإن ما ينتظر من المرشح بعد تنصيبه هو رد الجميل لهذين الشعارين، وذلك من خلال العمل على محاربة الفساد والتمكين للشباب، واختيار من سيعينه على ذلك من أغلبيته الداعمة، والتي لا يدين لها بفوزه هذا، فقد كان أداء حملتنا في المجمل باهتا، وفي اعتقادي أن الفارق الكبير في نسبتي المشاركة في رئاسيات 2019 و2024، والذي وصل إلى 7% لهو أكبر دليل على ضعف أداء حملتنا، فهذه النسبة التي تراجعت عن التصويت ليست محسوبة على مرشحي المعارضة، فكل من كان يفترض فيه أن يصوت للمعارضة فقد صوت لها، وإنما هي محسوبة على مرشحنا، وربما لم تصوت لاعتقادها أنه لا يحتاج تصويتها للفوز، أو ربما لأن الحملة لم تصل إليها ولم تدعوها للتصويت، وهذا هو الاحتمال الأقوى، ومما يعززه أن هناك قرى ريفية تأكد أنه لم يأتيها من يُطالبها بالتصويت للمرشح محمد ولد الشيخ الغزواني.

وفي اعتقادي أنه لو اشتغلت حملة المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني بنفس الكفاءة والجدية التي اشتغلت بها حملة المرشح حمادي ولد سيدي المختار لحصل المرشح محمد الشيخ الغزواني على أكثر من 65% في الشوط الأول.

هناك أمثلة واضحة يمكن أن نقدمها على ضعف أداء حملتنا في هذه الانتخابات، ولكننا لن نتحدث عنها الآن، وذلك لأن المقام لا يتسع لها، هذا فضلا عن كونه غير مناسب لذكرها.

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أن المرشح محمد ولد الشيخ الغزواني نجح بفضل ما قدم في مأموريته المنتهية، وكذلك بفضل شعاراته القوية التي رفعها في حملته الانتخابية، ولا منة لطواقم الحملة عليه في هذا الفوز، ويعني هذا أن المرشح غزواني سيكون في مأموريته القادمة حرا من أي التزام لأي جهة كانت، وسيبقى التزامه الوحيد هو برنامجه الانتخابي "طموحي للوطن" الذي قدمه للناخب، وشعاراته القوية التي رفعها في الحملة، واستقطبت له الكثير من المصوتين، ولذا فلنا أن نتوقع خلال المأمورية القادمة حربا صارمة على الفساد، وتمكينا بَيِّناً للشباب.

المرشح بيرام : المعارض الأكثر شعبية

للمرة الثالثة يتمكن المرشح بيرام الداه اعبيد من حسم الرتبة الثانية في الانتخابات الرئاسية، وقد حسمها هذه المرة بنسبة أعلى (22.10%). ففي انتخابات 2014 تمكن المرشح بيرام من احتلال المرتبة الثانية وبنسبة 8.67% ، وقد قيل حينها وهو قول له ما يبرره بأن بيرام تمكن من الحصول على تلك الرتبة نتيجة لمقاطعة المعارضة.

وفي رئاسيات 2019 تمكن أيضا من احتلال المرتبة الثانية، وبنسبة أعلى وصلت إلى 18.58 %، وقد قيل حينها وهو قول له ما يبرره كذلك بأن بيرام حصل على تلك الرتبة لأنه كان هو الوحيد الذي ترشح من شريحته في تلك الانتخابات.

في رئاسيات 2024، وفي ظل مشاركة المعارضة، وفي ظل وجود مرشح آخر من الشريحة تمكن المرشح بيرام من احتلال المرتبة الثانية وللمرة الثالثة، وبنسبة أعلى من السابق (22.10%) ، وبذلك يؤكد بيرام ـ سواء اختلفنا معه أو اتفقنا ـ أنه بات اليوم يمثل المعارض الأكثر شعبية في موريتانيا.

ولكن، المرشح بيرام بدلا من أن يستغل هذه النتائج الجيدة، ويعمل على طمأنة جميع المكونات سعيا للوصول إلى الرئاسة مستقبلا، اختار بدلا من ذلك أن يرفض النتائج، وأن يدعو إلى العنف، وهو إن لم يتراجع وبشكل سريع عن تلك الدعوة  فسيخسر كثيرا. 

سيخسر كثيرا لأن الشعب الموريتاني شعبٌ مسالم، لن يقبل بدعوات العنف، والغرب لم يعد كما كان، وذلك ما على المرشح بيرام أن يدركه، فإذا كانت دعوات العنف كانت تجد احتضانا في الماضي في الغرب، فالأمر أصبح اليوم مختلفا، والغرب يُدرك اليوم أن أمن موريتانيا واستقرارها، وهي التي توجد في منطقة غير آمنة، يصب في مصلحته.

تواصل : الحزب المعارض الأقوى 

دفع حزب تواصل برئيسه حمادي سيدي المختار مرشحا لرئاسيات 2024، وذلك في ظل ثلاثة تحديات كبيرة كان يمر بها الحزب:

أولها، أن الحزب كان قد شهد أكبر هجرة في تاريخه، وكان أغلب المهاجرين من قياداته في الصف الأول؛

ثانيها، أن الحزب يعاني اليوم من ضائقة مالية، وذلك بعد أن غادره رجال أعماله، وبعد أن انحسرت موارده المالية؛

ثالثها، أن الحزب لم يحسم قرار ترشح رئيسه إلا في وقت متأخر جدا، إن لم أقل في الوقت بدل الضائع.

ورغم كل هذه التحديات الكبيرة، فقد تمكن مرشح الحزب من أن يحقق نتيجة معتبرة، وأن يحصد المركز الثالث بجدارة، وبنسبة 12.76%، وذلك على الرغم من أنه لم يجد ـ عكس مرشحي المعارضة الآخرين ـ أي دعم من خارج حزبه من أي مكون معارض.

هذه النتيجة المعتبرة حققها الحزب بإمكاناته الخاصة، وبقواعده الحزبية، ودون أي دعم من أي جهة سياسية خارج الحزب، وإذا كان الحزب قد حصل على أصوات من خارجه، فسيكون ذلك نتيجة للوعد الذي أطلقه رئيسه خلال الحملة بتطبيق الشريعة الإسلامية في حال فوزه.

لقد أثبتت هذه الانتخابات أن حزب تواصل هو الحزب المعارض الأقوى، بل هو الحزب الأكثر تماسكا ومؤسسية في موريتانيا، فهو يعمل بشكل مؤسسي، ولذا فقد تبدلت رئاسته لأكثر من مرة، وهجره بعض قادته، وانحسرت موارده، ومع ذلك بقيت  قواعده الشعبية متماسكة، وربما أكثر تماسكا مما كانت عليه من قبل. كما أن بنيته الهيكلية لم تتأثر سلبا بما حدث، وقد أظهرت في الانتخابات الأخيرة أنها ما تزال قادرة على أن تغطي كل مكاتب التصويت بممثلين يمتلكون ما يكفي من مؤهلات، وأنها قادرة كذلك على الدفع بالعديد من الشباب المتحمس إلى الميدان ليخوضوا واحدة من أفضل الحملات التحسيسية الميدانية التي شاهدناها في هذه الانتخابات.

خلاصة القول في هذه الفقرة هي أنه إذا كان مرشح حزب تواصل لم يتمكن من الحصول على الرتبة الثانية التي كان يطمح لها، وله الحق ـ كل الحق ـ في أن يطمح لها، إلا أنه في المقابل تمكن من خلال هذه الانتخابات أن يؤكد أن حزبه خرج من كل الهزات التي عرفها مؤخرا، وهو أقوى مما كان، وأن قواعده الشعبية ما تزال في غاية التماسك، وأنها جاهزة لأن تعبر عن تماسكها وصلابتها كلما دعيت لذلك.   

المرشح العيد والخسارة اللغز

لم يكن مفاجئا أن يحتل المرشح العيد محمدن امبارك الرتبة الرابعة في رئاسيات 2024، ولكن المفاجئ حقا، بل والصادم، أن يحتل هذه الرتبة بنسبة متدنية جدا لم تتجاوز 3.57%.

كانت التوقعات المتفائلة تقول بأن المرشح العيد سيحصل على الرتبة الثالثة، وكانت التوقعات المتشائمة تقول بأنه سيحصل على الرتبة الرابعة، ولكن بفارق بسيط جدا مع صاحب الرتبة الثالثة. أما أن يكون الفارق مع صاحبة الرتبة الثالثة يقترب من 10% فهذا أقل ما يمكن أن يقال عنه هو أنه صادم جدا.

هناك أسباب وجيهة قد نفسر بها تأخر العيد إلى الرتبة الرابعة، منها أن تحالف جود انقسم إلى فسطاطين في وقت مبكر من بعد تأسيسه، فسطاط دعم العيد وفسطاط دعم سوماري، ومنها رواج شائعة تقول بأن العيد دُفِع به إلى الترشح للتأثير على مرشح آخر، وأنه يتلقى الدعم من أحد رجال الأعمال الداعمين للسلطة.

وبغض النظر عن مدى صحة تلك الشائعات، فالمؤكد أن حملة العيد عانت من عجز مالي كبير، وحتى لو افترضنا جدلا صحة تلك الشائعات، فإنها لا تكفي وحدها لتفسير لغز خسارة العيد، وحصوله على نسبة 3.57% فقط، من أصوات الشعب الموريتاني.

نظريا، يمكن القول بأن المرشح العيد هو المرشح المثالي للمعارضة، فهو عمريا ينتمي إلى فئة الشباب، ومن حيث التخصص فهو قانوني، وقد انتخب في البرلمان لمرتين، وهو رئيس سابق لميثاق لحراطين، ومناضل منذ صغره، وخريج من مدرسة أعرق حزب معارض، وصاحب خطاب وطني يحاول أن يكون خطابا جامعا، فلماذا لم يصوت له جمهور المعارضة، ما دام يجمع كل هذه الصفات التي يفترض أنها هي الصفات المطلوبة في المرشح الرئاسي لدى الناخب المعارض؟

ما حدث مع المرشح العيد في رئاسيات 2024، هو بالضبط ما حدث مع مرشح المعارضة "المثالي" في رئاسيات 2019. في تلك الرئاسيات كان المرشح محمد ولد مولود يمثل من الناحية النظرية المرشح الأمثل للمعارضة في تلك الانتخابات، وذلك بعد أن أفنى الرجل عمره وهو يناضل في صفوف المعارضة، وكان يُصوت لمرشحيها دائما في الانتخابات الرئاسية، وكان يتخذ مواقفه وفقا للمزاج المعارض، ومع ذلك فلم يمنحه جمهور المعارضة في رئاسيات 2019 أكثر من 2.44% من الأصوات المعبر عنها.

لم أجد تفسيرا للغز خسارة العيد وحصوله على نسبة متدنية جدا في رئاسيات 2024، كما أني لم أجد من قبل ذلك تفسيرا للغز خسارة محمد مولود وحصوله على رتبة متدنية في رئاسيات 2019، وعلى المعارضة أن تدرس هذه الظاهرة الغريبة من نوعها، وأن تبحث لها عن تفسير، فبأي منطق يتكرر حصول "مرشح المعارضة المثالي" على أسوأ النتائج في الانتخابات الرئاسية؟

 نصيحة من معارض سابق إلى مرشحي المعارضة

تعودتُ بعد كل انتخابات رئاسية على أن أوجه النصح لمرشحي المعارضة، وفي الماضي كنتُ أوجه ذلك النصح من موقع المعارض، واليوم سأوجهه من موقع الداعم لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، وذلك لقناعتي بحرص فخامته على أن تبقى المعارضة قائمة وقادرة على أن تلعب دورها المطلوب منها في أي نظام ديمقراطي.

تعود مرشحو المعارضة أو بعضهم أن يرفضوا النتائج في كل انتخابات يشاركون فيها، وقد يُطالب بعضهم بالنزول إلى الشارع رفضا للتزوير الذي تقوم به لجنة الانتخابات، ولم يحدث في كل تاريخ الانتخابات الرئاسية في موريتانيا أن قررت المعارضة أن تقيم أداءها ولو لمرة واحدة، وذلك من خلال نقد ذاتي تحدد فيه أسباب فشلها المتكرر.

لستُ هنا للدفاع عن لجنة الانتخابات، فأنا أعتبر نفسي ضحية من ضحاياها الكثر، ولكن ما أريد أن أقوله هنا هو أنه على المعارضة ـ إذا ما أرادت أن تحسن من أدائها مستقبلا ـ  أن تتحمل نصيبا من أخطائها، وأن تتحمل كذلك نصيبا من أخطاء لجنة الانتخابات، وذلك لكونها شريكة ـ وبالتناصف ـ في اختيار حكماء تلك اللجنة.

لقد أثبتت الطريقة الحالية في اختيار حكماء اللجنة فشلها أكثر من مرة، فالمعارضة تختار دائما نصف حكماء اللجنة، ومع ذلك فهي تسارع دائما عند الإعلان عن نتائج  الانتخابات إلى اتهام اللجنة بممارسة التزوير، وتحميل السلطة المسؤولية الكاملة عن ذلك التزوير.

قد يكون من المهم مستقبلا تغيير أسلوب اختيار الحكماء، وأن يتم اختيارهم من المجتمع المدني ومن الشخصيات المستقلة التي تحظى بتزكية من الأغلبية والمعارضة.

وعموما، فعلى المعارضة الموريتانية أن تغير من طبيعة ردود فعلها على فشلها المتكرر في الانتخابات الرئاسية، وعليها بدلا من أن تحمل المسؤولية في فشلها للجنة الانتخابات وللسلطة الحاكمة، أن تجري نقدا ذاتيا لأدائها لاستخلاص الدروس والعبر التي قد تفيدها مستقبلا في منافسة مرشحي النظام.

لقد اشتغلتُ كثيرا في العام 2017 على التحضير لملف رئاسيات 2019، ونشرتُ في تلك الفترة سلسلة من المقالات الموجهة لقادة المعارضة تحت عنوان : "حتى لا نضيع فرصة 2019"، وكان من أهم ما خَرجتْ به تلك السلسلة من المقالات أن المعارضة لن تشكل منافسا جديا لمرشح النظام، إلا إذا أخذت بجملة من الإجراءات التحضيرية، لعل من أبرزها :

1 ـ أن تبدأ مبكرا في التحضير الفعلي للانتخابات الرئاسية، فإذا كانت المعارضة تطمح فعلا للفوز في رئاسيات 2029، فعليها أن تبدأ من الآن في التحضير لتلك الانتخابات؛

2 ـ أن تشكل في أول سنة من المأمورية القادمة لجنة عليا لصياغة البرنامج الانتخابي التوافقي لمرشح المعارضة في رئاسيات 2029، وقد يُكتفى بمبادئ عامة أو عناوين كبرى لهذا البرنامج الانتخابي؛

3 ـ أن يوكل لتلك اللجنة مهمة تحديد الصفات أو المواصفات التي يجب أن تتوفر في المرشح التوافقي للمعارضة؛

4 ـ بعد تحديد الصفات أو المواصفات المطلوبة في الترشح يمكن لتلك اللجنة أن تبدأ في استقبال ملفات المعارضين الراغبين في الترشح، وذلك لتختار من بينهم من تتوفر فيه أغلب صفات المرشح التوافقي المحددة سلفا ليكون هو المرشح التوافقي للمعارضة، أو على الأقل مرشحها الرئيسي الذي تلتف حوله أغلب الأحزاب والتشكيلات السياسية المعارضة؛

5 ـ  أن تعمل على طول المأمورية القادمة وفق استراتيجية واضحة تسعى إلى تعزيز استقلالية المؤسسات ذات الصلة بالعملية الانتخابية (المجلس الدستوري، لجنة الانتخابات ...إلخ).

هذا هو ما يجب أن تشتغل عليه المعارضة مستقبلا، بدلا من الانشغال برفض نتائج الانتخابات الحالية، والدخول من بعد ذلك في سبات عميق لا تستيقظ منه إلا قبيل رئاسيات 2029، فتعلن عن ترشيحات فوضوية، تؤدي بها إلى خسارة جديدة في مسار خسائرها المتكررة، ولتبدأ من بعد ذلك في ردود أفعالها التقليدية، أي رفض نتائج الانتخابات، وتحميل الخسارة للجنة الانتخابات والسلطة والحاكمة، وذلك من قبل الدخول في نوم عميق لا تستيقظ منه قبل العام 2034 لتكرر من جديد مسارها العبثي القديم الجديد.   

حفظ الله موريتانيا..