الثلاثاء، 29 مارس 2022

عن تطبيق "سلامتك" للحد من حوادث السير


سعيا منا في حملة "معا للحد من حوادث السير" للاستفادة من التقنيات الحديثة وتوظيفها فيما يخدم السلامة الطرقية، فقد قررنا أن نتقدم إلى الجهات المعنية بالسلامة الطرقية بتطبيق "سلامتك"، والذي كان قد اشتغل عليه منذ فترة أحد المهندسين المتخصصين في مجال تطوير التطبيقات، وقد أصبح اليوم هذا التطبيق جاهزا من الناحية الفنية.

نعم لقد أصبح هذا التطبيق جاهزا من الناحية الفنية، ولكن ومن أجل إطلاقه بشكل رسمي، فهو ما زال يحتاج إلى تعاون كل الجهات الحكومية المعنية بالسلامة الطرقية.

لقد صًمِّم هذا التطبيق ليغطي في المرحلة الأولى المحاور الطرقية التالية:

محور : نواكشوط ـ النعمة

محور : نواكشوط ـ ازويرات

محور : نواكشوط ـ نواذيبو

محور : نواكشوط ـ روصو

محور : روصو ـ سيلبابي

إن هذا التطبيق سيُمكن عند إطلاقه كل سالكي محاور الطرق أعلاه من معرفة دقيقة ومحينة لوضعية الطريق الذي يسلكونه، وذلك من خلال تحديد الأماكن التي توجد فيها حفر أو ألسنة رملية أو حيوانات أو عمليات صيانة وترميم أو سيارات متعطلة، وكذلك تلك التي توجد فيها سيارات الإسعاف وأرقام هواتف القائمين عليها، أو أي شيء آخر قد يحتاج سالك الطريق معرفته خلال استخدامه للطريق.

 ستكون كل هذه المعلومات متوفرة بإذن الله من خلال تطبيق "سلامتك" المجاني والسهل الاستخدام والتحميل على أي هاتف محمول. ونأمل في مرحلة لاحقة أن تكون هناك نشرة يومية عن وضعية الطرق في بلادنا موجهة إلى مستخدمي الطرق، وتبث عبر الإذاعة والتلفزيون، وتقدم المعلومات الموجودة على التطبيق، والتي يتم تحيينها بشكل شبه يومي.

ولأن تطبيق "سلامتك" يحتاج إلى معلومات دقيقة يتم تحيينها بشكل مستمر، فإن حملة معا للحد من حوادث السير ستكون بحاجة ماسة إلى شراكة أو تعاون مع الجهات التي تمتلك  تلك المعلومات من خلال نقاط التفتيش وممثلي بعض الإدارات على أهم المحاور الطرقية: الدرك الوطني؛ الشرطة الوطنية؛ أمن الطرق؛ سلطة تنظيم النقل الطرقي؛ مؤسسة أشغال صيانة الطرق؛  مصلحة السلامة الطرقية بوزارة الصحة...إلخ

ونظرا لأهمية هذا التطبيق فقد راسلنا العديد من تلك الجهات، ونأمل أن نحصل على ردود إيجابية في أسرع وقت ممكن للبدء في تفعيل هذا التطبيق الذي نأمل أن يساهم ـ وبشكل ملموس ـ  في الحد من حوادث السير.

أملنا كبير في أن تتعاون معنا تلك القطاعات في إطلاق هذا التطبيق، والذي سيكون له الأثر الإيجابي في مجال السلامة الطرقية، والتي تعتبر من أولويات رئيس الجمهورية، وقد لمسنا ذلك في حملة معا للحد من حوادث السير  يوم 28 مايو 2019 عندما سلمنا لفخامة الرئيس عريضتنا المطلبية، وكان في تلك الفترة يحضر لحملته الانتخابية لرئاسيات 2019.

لقد تبنى فخامة الرئيس كل المطالب التي قدمنا له في عريضتنا المطلبية، ووعد بتنفيذها إذا ما تم انتخابه رئيسا للجمهورية، ولذا، وفي سابقة من نوعها، فقد خصص أول اجتماع لمجلس الوزراء، بعد التنصيب وبعد اجتماع التعارف، لنقاش ملف السلامة الطرقية، وقد جاء في بيان أول مجلس وزراء في عهده بعد مجلس التعارف فقرة تقول : "يستعرض هذا البيان إحصائيات حوادث المرور ويحلل أسبابها الخاصة، ويقيم الإجراءات المتخذة للحد منها، مع اقتراح جملة من الإجراءات الجديدة لضمان السلامة الطرقية في بلادنا. ويتعلق الأمر، على وجه الخصوص، بإنشاء المجلس الوطني للسلامة الطرقية وبتنفيذ إستراتيجية فعالة في هذا المجال."  

وبالفعل فقد أنشئت لجنة وزارية مكلفة بالسلامة الطرقية، واعتُمدت إستراتيجية وطنية للسلامة الطرقية، ونُشرت سيارات الإسعاف على أهم المحاور الطرقية، وبدأ استخدام الرادارات لمراقبة السرعة، وأطلقت حملات وطنية في السلامة الطرقية، وأعلن في هذا الإطار عن جوائز سنوية لصالح أفضل شركة نقل وأحسن سائق ..إلى غير ذلك من الخطوات الهامة التي تم اتخاذها في هذا المجال، والتي كان لها الأثر الإيجابي في الحد من حوادث السير في بلادنا.

نعم أملنا كبير في أن تتعاون معنا القطاعات الحكومية والأمنية المعنية في إطلاق هذا التطبيق، والذي سيكون له بإذن الله الأثر الإيجابي في مجال السلامة الطرقية، والتي تعتبر من أولويات رئيس الجمهورية. ثم إن توفير معلومات دقيقة ومحينة لسالكي الطرق عن وضعية الطرق يُعَدُّ من صميم تقريب الإدارة من المواطن، وهو الشيء الذي حث عليه فخامة الرئيس في خطابه أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء.

وإذا كان قديما قد قيل : الرفيق قبل الطريق، فإننا في حملة معا للحد من حوادث السير نأمل أن ترد علينا الجهات المعنية بشكل إيجابي لنطلق في أقرب وقت ممكن حملة تحسيسية جديدة تحت شعار "التطبيق قبل الطريق".  




حفظ الله موريتانيا..

الخميس، 24 مارس 2022

قراءة "رياضية" في خطاب الرئيس!


سأحاول في هذا المقال أن أقدم قراءة رياضية لخطاب الرئيس الذي ألقاه اليوم أمام خريجي المدرسة الوطنية للإدارة والصحافة والقضاء، وذلك من خلال التوقف مع قانون التغيير الذي يقول بأن
C = A x B x D > X

إن هذا القانون هو الذي يحدد فرص نجاح التغيير، أي تغيير، والتغيير الذي يهمنا في هذا المقام هو التغيير المنتظر على مستوى الإدارة بعد خطاب الرئيس الذي تحدث فيه عن انعدام ثقة المواطن في الإدارة، وعن أوجه الخلل والتقصير اللذين تعاني منهما الإدارة الموريتانية.
يقول هذا القانون إن فرص نجاح التغيير الذي يمكن أن ننتظره على مستوى الإدارة بعد خطاب الرئيس، والذي سنرمز له بـالحرف(C) يساوي حاصل ضرب درجة الاستياء من الظاهرة المراد تغييرها، أي درجة الاستياء من ضعف الأداء الإداري والذي سنرمز له بالحرف (A) في معامل وضوح الرؤية الذي سنرمز له بالحرف (B) في مستوى الانجاز خلال الأيام والأسابيع القادمة والذي سنرمز له بالحرف (D) ويقول القانون بأن هذا الناتج يجب أن يكون أكبر من (X) والتي ترمز لكلفة التغيير.

والآن دعونا نتوقف مع هذه العناصر الثلاثة، والتي سيؤثر حاصل ضربها في معامل التغيير (C)، فإن كان حاصل ضربها مرتفعا كان معامل التغيير مرتفعا (C)، وإن كان منخفضا كان معامل التغيير منخفضا.

إن الحرف  (A)وكما قلنا سابقا يحدد درجة الاستياء أو مستوى الألم الحاصل من الظاهرة المراد تغييرها، والتي تعني هنا ضعف الأداء الإداري وفقدان المواطن لثقته في الإدارة، فمن المعروف بأنه كلما كانت درجة الاستياء قوية وعالية من ظاهرة معينة، فإن ذلك سيجعل تغييرها أسهل، والعكس صحيح، أي أنه كلما كان مستوى الاستياء ضعيفا فإن التغيير سيكون أصعب. لقد بين خطاب الرئيس أن حجم استياءه من ضعف الأداء الإداري وصل إلى مستوى عال جدا، كما أن مستوى استياء المواطن العادي من هذا الأداء مرتفع جدا، وهو ما يعني في المحصلة النهائية أن مستوى الاستياء من ضعف الأداء الإداري لدى الرئيس والمواطن مرتفع جدا.

أما الحرف (B) فيرمز إلى مستوى وضوح الرؤية، ومن الواضح جدا، وهذا ما ظهر في الخطاب، أن مستوى وضوح الرؤية بخصوص ضعف الأداء الإداري مرتفع جدا لدى الرئيس.

إن وضوح الرؤية بخصوص ضعف الأداء الإداري يقتضي التذكير بالنقاط التالية:

1 ـ أن الاعتماد على نفس الأساليب والعقليات والأشخاص الذين تسببوا في ضعف أداء الإدارة لن يؤدي إلا لمزيد من ضعف أداء الإدارة..إن تكرار نفس الأساليب سيؤدي حتما إلى نفس النتائج.

2 ـ أن تفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة هو شرط ضروري للإصلاح الإداري؛

3 ـ أن اختيار أصحاب الكفاءات وإبعاد عديمي الكفاءة والخبرة هو كذلك شرط أساسي للإصلاح الإداري؛

4 ـ أنه لا إصلاح إداري يمكن أن يتحقق دون حرب جدية على الفساد والمفسدين؛

5 ـ أن التكوين المستمر وتعزيز القدرات البشرية لابد منهما لتحقيق الإصلاح الإداري.

إن هذه النقاط الخمس هي التي تشكل أركان أو أعمدة الحرف (B)، والذي يرمز إلى  معامل وضوح الرؤية.

أما الحرف (D) ، والذي يمثل العنصر الثالث في قانون التغيير فهو يرمز إلى مستوى الإنجاز في الفترة الأولى التي تعقب البدء في التغيير، أي أنه بالنسبة لنا هنا فيعني الإنجاز على مستوى الإصلاح الإداري وبناء  ثقة المواطن بالإدارة خلال الأيام والأسابيع القادمة، فكيف سيكون الإنجاز على مستوى الإصلاح الإداري وتعزيز ثقة المواطن بالإدارة خلال الأيام والأسابيع القادمة؟ وهل ستشهد الأيام والأسابيع والأشهر القادمة تعيين الأكفاء وإبعاد الفاشلين في أداء مهامهم؟ وهل سيتم تفعيل مبدأ العقوبة والمكافأة؟ وهل ستتم إقالة ومحاسبة من ثبت فساده؟

شخصيا أتوقع ذلك، ولكن لا بد أن ننتظر ما سيحدث في الفترة المقبلة، وبذلك سيكون بإمكاننا أن نحدد مستوى الإنجاز (D)، مما سيمكننا من أن نحسب معامل التغيير على مستوى الإصلاح الإداري.

بهذا نكون قد أكملنا عناصر قانون التغيير الثلاثة، أما بخصوص الحرف (X) فهو

 يرمز لكلفة التغيير،  ولكل تغيير مقاومة وكلفة يجب أن تدفع مسبقا ومن قبل حصد ثمار التغيير، فالإصلاح الإداري له كلفته، ومن المؤكد بأنه سيجد مقاومة من طرف المستفيدين من الفساد الإداري، ومن المؤكد كذلك بأن الحرب على الفساد ستجد مقاومة شديدة  من طرف بعض فئات المجتمع، وحتى من بعض ضحايا الفساد.إن بعض المستفيدين من التغيير قد يقفون ضده، ولذا فإن الإصلاح الإداري قد يجد مقاومة في بداية الأمر، ولكنه في المقابل سيجد الكثير من المناصرين ولا يقاسون  من حيث العدد بأعداء الإصلاح، فأغلب الشعب الموريتاني وأغلب نخبه في غاية التعطش للإصلاح في عمومه، وللإصلاح الإداري  بشكل خاص.ثم إن الإصلاح الإداري هو تعهد من تعهدات الرئيس، بغض النظر عن أي شيء آخر، ولذا فلابد من العمل على تحقيقه، ومهما كانت كلفته التي ستدفع مسبقا من قبل أن تجنى ثماره.

 يبقى أن أقول بأن عملية الضرب لا الجمع هي التي تربط بين العناصر الثلاثة التي جاءت في قانون التغيير، ويعني ذلك من الناحية الرياضية أنه عندما يكون أي عنصر من هذه العناصر الثلاثة يساوي صفرا، فإن النتيجة النهائية ستكون صفرا، حتى ولو كانت قيمة العنصرين المتبقيين مرتفعة جدا، هذا على العكس، مما لو كانت العملية  التي تربط بين هذه العناصر هي عملية الجمع، ففي هذه الحالة يمكن أن نجد نتيجة كبيرة حتى ولو كان أحد العناصر يساوي صفرا، إذا ما كانت قيمة العنصرين المتبقيين عالية جدا.

ما أريد تبيانه هنا هو أنه إذا كان مستوى الانجاز الميداني خلال الفترة القادمة منعدما على مستوى الإصلاح الإداري لا قدر الله، فإن النتيجة ستكون في مجملها منعدمة، حتى ولو كانت الرؤية واضحة جدا بخصوص الإصلاح، وكانت درجة الاستياء من ضعف الأداء الإداري مرتفعة جدا كذلك.

لا يمكننا الآن أن نحكم على معامل التغيير بخصوص الإصلاح الإداري، وذلك على الرغم من قناعتنا بأن الرؤية واضحة جدا وأن درجة الاستياء من واقع الإدارة مرتفعة جدا، ذلك أن معامل التغيير لن يكون بالإمكان تحديده الآن، وسيبقى رهينا لحجم الإنجاز على مستوى الإصلاح الإداري خلال الأيام والأسابيع القادمة.على المستوى الشخصي فإني أتوقع إنجازا خلال الفترة القادمة، ولكن التوقع لا يمكن أن يعتمد في حساب معامل التغيير.

هذا هو ما يمكن قوله رياضيا عن الإصلاح الإداري المنتظر، أما إذا ما تركنا الرياضيات وتحدثنا بأدبيات التحليل السياسي عن الإصلاح الإداري المنتظر فسنقول في هذه الحالة بأن الرئيس قد أبدع في تشخيص الواقع من خلال خطاباته الثلاثة : خطاب وادان؛ خطاب الاستقلال؛ خطاب قصر "المرابطون". نعم لقد أبدع الرئيس في تشخيص الواقع من خلال تلك الخطابات الثلاثة، ولم يعد بالإمكان إضافة الجديد، ومن هنا فيمكن القول بأنه قد قدم نصف الحل من خلال التشخيص الدقيق للواقع، ويبقى النصف الآخر المتعلق باتخاذ الإجراءات اللازمة لتغيير الواقع. وفي اعتقادي الشخصي فإن تلك الإجراءات سيتم اتخاذها في أقرب الآجال، وعدم اتخاذها سيأتي بنتائج سلبية، فالتشخيص الجيد إذا لم تعقبه إجراءات فورية فسيكون ضرره أكثر من نفعه.

حفظ الله موريتانيا..

ماذا حقق حراك "ماني شاري كزوال"؟


كثيرا ما كان يسألني بعض الذين لا يفعلون شيئا مفيدا لصالح هذه البلاد، ومع ذلك لا يتوقفون عن طرح الأسئلة المثبطة على الآخرين، كثيرا ما كان يسألني أولئك في العهد السابق أسئلة من قبيل : ماذا حققتم في حراك "ماني شاري كزوال"؟ لماذا تستمرون في عبثكم هذا ؟ هل تمكنتم من تخفيض سعر "كزوال"؟

كنتُ أجيبهم دائما بنفس الجواب : لقد حققنا الكثير، صحيح أننا لم نتمكن من تحقيق مطلبنا بخفض أسعار المحروقات، ولكننا مع ذلك تمكنا من تحقيق شيء في غاية الأهمية لصالح المواطن الموريتاني، قد لا يدرك الكثيرون أهميته. لقد تمكنا بفعل وقفاتنا الأسبوعية التي امتدت لأكثر من سنة وشملت العديد من ولايات الوطن أن نوقف ـ وبشكل نهائي ـ الزيادات التي كانت تحصل في أسعار المحروقات بشكل متكرر ومستمر، وذلك على الرغم من انخفاض أسعارها عالميا.

ولتدركوا حجم ما كان يحدث من زيادات في أسعار المحروقات من قبل ظهور حراك "ماني شاري كزوال"، فسأعود بكم إلى فقرة من مقال سابق تحدثت فيه عن "السرقة بالتقسيط"، وقد جاء في تلك الفقرة من المقال المذكور أن الزيادات في سعر "كزوال" قد بلغت في مجموعها في السنوات الأربع من المأمورية الأولى للرئيس السابق حدود 40 زيادة، أي بمتوسط قدره 10 زيادات في كل سنة. ولأنه لا يمكننا أن نستعرض كل تلك الزيادات في مقال واحد، فإليكم ست زيادات تم تسجيلها في الأشهر التسعة الأولى من العام 2011.  في آخر يوم من شهر مارس من العام 2011 تم الإعلان عن زيادة بلغت 7.5 أوقية للتر ليصل بذلك سعر لتر "كزوال" في نواكشوط إلى 292.9 أوقية، وفي يوم 2 مايو تم الإعلان عن زيادة أخرى في حدود 4 أوقية ليصبح سعره 296.8 أوقية، وفي 19 من نفس الشهر تم الإعلان عن زيادة جديدة بلغت 6 أوقية ليصل السعر إلى 302.7 أوقية، وفي يوم 26 يونيو أعلن عن زيادة أخرى في حدود 5 أوقية فوصل بموجبها سعر اللتر إلى 307.6 أوقية، وفي يوم 28 يوليو 2011 أعلن عن زيادة جديدة في حدود 5 أوقية وصل بموجبها سعر اللتر 312.2، وفي يوم 19 سبتمبر أعلن عن زيادة أخرى بمقدار 4.5 أوقية فوصل سعر اللتر إلى 316.7 أوقية، وهكذا ظلت الأمور تسير بهذه الوتيرة إلى أن وصلنا إلى زيادة يوم الجمعة 6 سبتمبر 2013، والتي كانت بمقدار 1.8 أوقية فوصل سعر لتر "كازوال"  في العاصمة نواكشوط إلى سعره الحالي أي  384.6 أوقية.

لقد توقف النظام السابق عن الزيادات في أسعار المحروقات، ولا أظن أن النظام الحالي سيقدم على أي زيادة في سعر المحروقات رغم الحرب على أوكرانيا وما تسببت فيه من زيادة في أسعار المحروقات على المستوى العالمي، ويرجع الفضل في كل ذلك إلى الجهد التوعوي والنضالي الكبير الذي لعبه حراك "ماني شاري كزوال" من خلال أنشطته التي استمرت لفترة طويلة نسبيا، والتي، وحتى إن كانت لم تتمكن من خفض سعر المحروقات، إلا أنها جعلت من زيادتها مخاطرة كبيرة يصعب على أي نظام حاكم أن يُقدم عليها.

لقد خلقنا في حراك "ماني شاري كزوال" وعيا كبيرا بخطورة رفع أسعار المحروقات، وجعلنا من الحديث عن ارتفاع أسعار المحروقات من أهم المواضيع المتداولة في الخطاب السياسي المعارض، وفي أحاديث المواطنين في الصالونات، وقد كان هذا الموضوع شبه غائب في تلك الأحاديث، وهو الشيء الذي أدى في المحصلة إلى جعل النظام السابق يوقف الزيادات في أسعار المحروقات، وإلى جعل النظام الحالي يستشعر خطورة التفكير في أي زيادة في سعر المحروقات رغم الارتفاع العالمي في أسعارها.

أعرف أن  أكثر الذين يسألون اليوم عن حراك "ماني شاري كزوال" ويتباكون عليه بالغدو والآصال بدموع خداعة، لا يفعلون ذلك حبا في الحراك، فأغلبهم لا صلة له بالحراك، ولم يخرج يوما في أي وقفة من وقفاته، بل على العكس من ذلك فبعض أولئك عرفناه وهو يُحاول أن يفشل الحراك في أيام عزه، وبكل الوسائل المتاحة لديه.

فيا من تتباكون اليوم على حراك "ماني شاري كزوال" : لماذا لم تذرفوا دمعة واحدة عندما أوقفنا الحراك في عهد الرئيس السابق؟ لماذا لم تتذكروا الحراك عندما اختفى ـ وبشكل كامل ـ في آخر سنتين من عهد الرئيس السابق؟..لماذا تتذكروه الآن فقط؟

من المؤكد أنكم لا تمتلكون إجابة مقنعة، وأنا لا أنتظر منكم أصلا أي إجابة مقنعة أو غير مقنعة، وإنما أنتظر منكم المزيد من التعليقات المسيئة، فذلك هو ما تمتلكون، ولا يُلام الشخص إذا أنفق بكرم وسخاء مما يملك.

ولأن الشيء بالشيء يذكر، ولأن السؤال قد يذكر بالسؤال، فسأختم هذا المقال بالرد السريع على سؤال آخر كثيرا ما تم طرحه علي في الأخيرة: أين محاربة الفساد؟ ولماذا لا تتحرك ضد الفساد؟

لن تتأخر الإجابة كثيرا إن شاء الله،  وأرجو أن تأتيكم هذه الإجابة  في ثوب حراك توعوي قادر على أن يترك أثرا إيجابيا وملموسا في مجال محاربة الفساد.

حفظ الله موريتانيا..

الجمعة، 18 مارس 2022

ثلاثة ملفات كبرى لا احتمال لإغلاقها!


يدور حديث واسع منذ فترة عن محاولات للالتفاف أو لإغلاق بعض الملفات الكبرى، فهناك من يتحدث عن تبخر الحوار أو التشاور، وهناك من يتحدث عن هدنة غير معلنة مع الفساد، وهناك من يقول بأنه لا إصلاح يلوح في الأفق.

سأحاول في هذا المقال أن أعلق على هذه النظرة التشاؤمية بشيء من التحليل الاستشرافي، وذلك من خلال الإجابة على الأسئلة التالية:

هل تبخر الحوار أو التشاور؟

يمكنني أن أجزم تحليليا بأن الحوار قادم بإذن الله، وما يجعلني أجزم بذلك هو أن تطبيع الحياة السياسية كان من أبرز اهتمامات فخامة الرئيس خلال ما مضى من مأموريته.وهذه التهدئة كانت محل ترحيب وتثمين من كل الطيف السياسي، فهل من المحتمل أن يتم نسف ما تحقق من تهدئة سياسية خلال النصف الأول من المأمورية.

إن عدم تنظيم الحوار أو التشاور في أقرب وقت ممكن سيعني نسف كل الجهود التي بذلها الرئيس في التهدئة خلال ما مضى من مأموريته، وهو ما يعني العودة إلى عهد التجاذب والصدام بين المعارضة والموالاة.

ليس من المحتمل أن يتم نسف ما تحقق من تهدئة سياسية، وليس من المحتمل أن يلغى حوار تم الاستعداد له منذ فترة، وخلاصة القول في هذه الفقرة هي أن الحوار قادم بإذن الله، وإذا لم ينطلق هذا الحوار في أقرب الآجال فيمكنكم أن تحاجونني بهذا المقال.

هل هناك هدنة مع الفساد؟

يرى كثيرون أن هناك هدنة مع الفساد، ويبررون ذلك بالبطء في مسار ملف العشرية، وعدم فتح ملفات فساد ما بعد العشرية. نعم هناك بطء في مسار ملف العشرية، وربما تكون الملفات التي تم فتحها بخصوص فساد ما بعد العشرية ليست بالحجم المأمول. كل ذلك قد يكون صحيحا، لكن الراجح عندي تحليليا أن ملف العشرية لن يغلق من قبل أن يصدر القضاء حكمه فيه، والراجح عندي أكثر أن هناك ملفات عديدة ستفتح بخصوص ما وقع من فساد بعد العشرية.

إن حجتي في ذلك بالنسبة لملف العشرية هي أن الرئيس محمد الشيخ الغزواني لا يتسرع في اتخاذ القرارات، ولكنه عندما يقرر يصعب عليه أن يتراجع، فملف العشرية كان من الممكن إغلاقه من قبل فتحه، ولكن عندما تم فتحه فلم يعد واردا إغلاقه من قبل وصوله إلى القضاء. أما حجتي بالنسبة لفساد ما بعد العشرية فتتمثل في بعض الخطوات التي تم اتخاذها مؤخرا، والتي من أهمها إلحاق المفتشية العامة للدولة بالرئاسة وتعيين مفتش جديد، ودعمها بما تحتاج إليه من قدرات بشرية ومالية. كل هذا يوحي أن هناك إرادة سياسية قوية لتفعيل دور المفتشية العامة للدولة في المرحلة القادمة، وسيتأكد ذلك ـ بإذن الله ـ  في أقرب الآجال.

خلاصة القول في ملف الفساد هي أن الجدية في محاربة الفساد ستكون أوضح بإذن الله في المرحلة القادمة، ويمكنكم أن تحاجونني بهذا المقال إذا لم تكن أوضح في المرحلة القادمة. .

هل هناك إصلاح في الأفق؟

يرى البعض أنه لا أمل في الإصلاح، وأن الإدارة ستظل تعمل بنفس النهج وبنفس العقليات والأشخاص الذين أنتجوا هذا الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم، والذي تحدث عنه فخامة الرئيس بصراحة غير معهودة خلال لقائه بجاليتنا في اسبانيا.

إن الرئيس الذي تحدث أمام جاليتنا في اسبانيا عن هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه بلادنا، وهو الذي يدرك أيضا حجم التحديات الكبيرة التي يعيشها العالم حاليا : كورونا وما تسببت فيه من تأثيرات سلبية على المستوى الاقتصادي والاجتماعي؛ الحرب على أوكرانيا وما ستخلف من آثار اقتصادية صعبة إن هي استمرت؛ الوضعية المقلقة في مالي التي تجمعنا بها الجغرافيا والتداخل السكاني.

إن لرئيس الذي يدرك حجم الواقع المؤلم الذي تعيشه بلادنا، وحجم التحديات الكبيرة التي تواجه عالم اليوم والتي ستصل آثارها لبلادنا مما سيزيد الأمور تعقيدا، إن الرئيس الذي يدرك كل ذلك، ويدرك أيضا أنه هو من  يتحمل المسؤولية الأولى في تغيير هذا الواقع المؤلم الذي تعيشه البلاد لن يجد من سبيل لتغيير هذا الواقع المؤلم إلا من خلال التهدئة السياسية والحرب الجدية على الفساد، والبحث عن الكفاءات القادرة على تحقيق الإصلاح، فالإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا بالمصلحين.

بهذا المنطق التحليلي الاستشرافي فإنه بإمكاني أن أجزم تحليليا بأن الفترة القادمة ستكون ـ بإذن الله ـ فترة حوار وحرب جدية على الفساد وإصلاح إداري عميق، فهذا هو ما أتوقعه من فخامة الرئيس خلال الفترة القادمة، وهناك العديد من الإشارات التي تجعلني أتوقع ذلك.

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 16 مارس 2022

تعليق على مذكرة تقديم للقانون التوجيهي للتهذيب الوطني


حضرتُ للقاء الذي نظمه معالي وزير التهذيب الوطني وإصلاح النظام التعليمي،
 مساء الاثنين الموافق 14 مارس 2022، ببعض الهيئات والجمعيات المهتمة بالتمكين للغة العربية في موريتانيا، ويأتي هذا اللقاء ضمن سلسلة من اللقاءات التي تنظمها الوزارة لنقاش مسودة هذا القانون من قبل تقديمه في صيغته النهائية.

تضمنت مداخلتي التي قدمتها خلال هذا اللقاء جملة من النقاط كان من أبرزها :

أولا/  التذكير بما جاء في الورقة التي قدمناها في الحملة الشعبية للتمكين للغة العربية وتطوير لغاتنا الوطنية للمشاركين في مشاورات إصلاح التعليم، وهي المشاورات التي لم يتح لنا في الحملة أن نشارك فيها بشكل مباشر.

لقد طالبنا في تلك الورقة باعتماد اللغة العربية كلغة تدريس وحيدة لكل المواد في المرحلتين الابتدائية والثانوية، وبررنا تلك المطالبة بأربعة أسباب نعتقد بوجهاتها:

 1ـ أن التدريس بلغة أجنبية يعمق من حجم الفوارق الاجتماعية، ويجعل التعليم غير قادر على لعب دوره في الترقية الاجتماعية، ذلك أن التعليم بلغة أجنبية لا تستخدم داخل الأسرة، ولا في التعليم المحظري، ولا في الشارع، ولا في الأمكنة العامة سيفرض اللجوء إلى التعليم الخاص وإلى دفع أموال على الساعات الإضافية من أجل تمكين التلميذ من فهم تلك اللغة الأجنبية وفهم المواد التي تدرس بها، وتلك أمور ليست في متناول آباء التلاميذ المنحدرين من فئات هشة أو فقيرة؛

 2ـ أن كل التوصيات الصادرة من الخبراء ومن المنظمات الدولية المهتمة من قريب أو بعيد بقضايا التعليم ( اليونسكو، البنك الدولي ..) توصي بضرورة التدريس باللغة الأم؛

 3ـ أن التقرير الصادر عن اللجنة الوطنية للمنتديات العامة للتربية والتكوين في فبراير 2013، والذي أشرف عليه خبراء وطنيون، قد أوصى بالتعليم باللغة الأم على جميع مستويات النظام التربوي؛

4ـ أن بلادنا غير قادرة على توفير العدد الكافي من الأساتذة القادرين على تعليم المواد العلمية باللغة الفرنسية، ولقد أثبتت المسابقات الأخيرة حجم ذلك العجز. ثم إن الأساتذة الذين يُدَرِّسون المواد العلمية بلغة أجنبية يجدون صعوبة كبيرة في إيصال المعلومات بتلك اللغة، كما أن التلاميذ غير قادرين على استيعاب تلك المواد عندما تقدم لهم بلغة أجنبية فيجدون صعوبة كبيرة في تعلمها، ولعل النتائج المتدنية جدا جدا في اللغة الفرنسية لأصحاب الرتب الأعلى في باكالوريا 2021 لخير دليل على ذلك.

هذه الأسباب الأربع جاءت في الورقة بهذه الصياغة، أما في مداخلتي فقد تحدثت عنها بشكل أكثر اختصارا.

ثانيا/ التذكير بأهمية التفكير في المستقبل عند القيام بأي إصلاح

ومن النقاط التي أثرتها في مداخلتي نقطة تتعلق بضرورة التفكير في المستقبل عند صياغة القانون التوجيهي، ذلك أن المشاورات حول التعليم والخروج بتوصيات يتم تضمينها في قانون ليس مسألة عابرة يمكن القيام بها في أي وقت، وما سيتضمنه هذا القانون ستتأثر به الأجيال القادمة، ولذا فقد وجب الأخذ بعين الاعتبار النقاط الثلاث التالية:

1 ـ أن الرقمنة وتكنولوجيا المعلومات ستكون حاضرة في المستقبل بشكل قوي جدا، ولذا فليس من الحكمة تجاهلها في أي إصلاح تعليمي تُعنى به الأجيال القادمة..إن التطور في هذا المجال يسير بسرعة كبيرة جدا، ولا أحد يمكنه أن يجزم بأن المدرسة بعد عشر سنوات من الآن ستكون مشابهة من حيث الشكل ومناهج التدريس للمدرسة في الوقت الحالي.  

 2 ـ أن اللغة الانجليزية هي لغة العلم اليوم، والراجح أنها ستحافظ على هذه المكانة لفترة من الزمن، ولذا فإن أي انفتاح على اللغات الأجنبية في تعليمنا يجب أن يأخذ في الاعتبار هذه الحقيقة.

3 ـ أن اللغة الفرنسية تتراجع بشكل سريع، وسيكون من الظلم للأجيال القادمة أن نضيع أوقاتها في تعليم لغة تتراجع بوتيرة قوية.

وبخصوص اللغة الفرنسية فقد بينت في مداخلتي أنها "تقتات" في بلادنا على اللغة الرسمية واللغات الوطنية، فحضور هذه اللغة الزائد في التعليم والإدارة هو ما يعيق ترسيم اللغة العربية، وهو ما يحول أيضا دون تطوير لغاتنا الوطنية. إن الاستمرار في إعطاء هذه اللغة مكانة لا تستحقها في التعليم والإدارة سيعني في نهاية المطاف أن ترسيم اللغة العربية لن يكتمل، وأن تطوير لغاتنا الوطنية لن يتم. ومما يؤكد ذلك، وهذا مثال قدمته خلال مداخلتي أن الاستدعاء للباكالوريا التمهيدية للعام 2022 تم توجيهه من طرف الوزارة باللغة الفرنسية لشعبة الآداب الأصلية!!! أما بخصوص التأثير السلبي للغة الفرنسية على تطوير لغاتنا الوطنية، والتي لن تتطور إلا باستخدامها في المنابر السياسية والإعلامية، فيكفي أن نعرف أن بعض النواب الناطقين بتلك اللغات ما زال يصر على الحديث باللغة الفرنسية داخل البرلمان ويرفض أن يتحدث بلغته الأم، وذلك على الرغم من توفير الترجمة من وإلى اللغات الوطنية، وعدم توفيرها لمن يتحدث باللغة الفرنسية.

إنه لمؤسف حقا أن يبدأ بعض الفرنسيين في التخلي عن لغتهم الأم لصالح اللغة الانجليزية، وذلك في وقت نتمسك نحن فيه في هذه البلاد بتلك اللغة، وبطبيعة الحال فسيكون تمسكنا بتلك اللغة على حساب ترسيم لغتنا الرسمية، وتطوير لغاتنا الوطنية، وكذلك على حساب انفتاحنا على لغة العلم والعالم في هذه الفترة من تاريخ البشرية (الانجليزية).

ثالثا / بأي حرف ستكتب لغاتنا الوطنية؟

من النقاط التي أثرتها في مداخلتي نقطة تتعلق بكتابة اللغات الوطنية، فهناك من يرى بأن كتابتها بالحرف اللاتيني ستمكن الموريتانيين الناطقين بها من التواصل مع الناطقين بهذه اللغات في الدول الإفريقية الأخرى.

إن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو : هل التواصل مع الأخوة خارج الوطن أولى من التواصل مع الأخوة داخل الوطن؟

وإذا ما تحدثنا بمنطق تربوي بحت فإن كل الأطفال في بلادنا ـ ومهما كانت أعراقهم ـ يبدؤون بدراسة القرآن، أي أنهم يبدؤون بتعلم الحرف العربي، ولذا فسيكون من الأفضل أن أن يواصلوا تعلم لغاتهم الأم بذلك الحرف، بدلا من إجبارهم على تعلم الحرف اللاتيني في وقت مبكر. ثم إن ترسيخ الوحدة الوطنية يقتضي أن يتعلم الأطفال في وقت مبكر بنفس الحرف بدلا من الدخول في ازدواجية مبكرة أخرى، ولا شك أن الجميع يعي خطورة الازدواجية وما سببته لنا من مشاكل. ثم إن كتابة اللغات الوطنية بالحرف العربي ستسهل على التلاميذ غير الناطقين باللغات الوطنية تعلم تلك اللغات. وختاما لهذه النقطة فلابد من الإشارة إلى أن حضور اللغة العربية في إفريقيا في ازدياد مما يعني أن الحجة التي تقول بأن كتابة اللغات الوطنية بالحرف العربي ستحد من تواصل الناطقين باللغات الوطنية مع إخوتهم خارج موريتانيا قد لا تكون حجة وجيهة في كل الأحوال.

رابعا/ خطوة رمزية ولكنها ستكون مفيدة

ومما تحدثتُ عنه في مداخلتي المطالبة باتخاذ خطوة رمزية أرى أنها قد تساعد في تعزيز ثقة المواطن بالمدرسة العمومية. تتمثل هذه الخطوة في أن يتخذ معالي الوزير وكبار الموظفين في الوزارة قرارا بتدريس أبنائهم في مدارس عمومية..نفس الشيء يمكن أن يطالب به وزير الصحة وكبار الموظفين في الوزارة بخصوص التوجه إلى المستشفيات الوطنية للعلاج بدلا من الذهاب إلى خارج البلاد.

في الأخير لابد من القول بأن معالي الوزير كان مستمعا جيدا، وقد دون كل ما قيل خلال اللقاء، وظهر ذلك من خلال تعقيبه على المداخلات، ويبقى الأمل قائما بأخذ ما يمكن أخذه من تلك المداخلات.

إن الاستنتاج السريع الذي يمكن الخروج به من هذا اللقاء هو أن معالي الوزير كان شديد الحرص على الاستماع لكل الآراء وتدوين كل ما يتم تقديمه من أفكار ومقترحات، وتلك حسنة تحسب له.

 

حفظ الله موريتانيا..

الأربعاء، 9 مارس 2022

ماذا بعد فاجعة "ربينة العطاي"؟


يبدو أنه لابد من كتابة مقال آخر كتكملة لمقالي السابق الذي نشرته يوم أمس عن فاجعة "ربينة العطاي". بدءا لابد من القول بأننا أمام أزمة في غاية التعقيد، وكل الخيارات المتاحة أمامنا كدولة وشعب وحكومة ليست بالخيارات السهلة.

ولتقريب الصورة أكثر، علينا أن نتوقف مع النقاط التالية:

1 ـ إن الرئيس الذي يقود النظام الحاكم حاليا في مالي هو ضابط شاب قاد انقلابين عسكريين متقاربين زمنيا؛

2 ـ إنه على استعداد لأن يواجه الجميع بعقلية الانقلابي المتهور الأحمق : دول الجوار؛ المنظمات الإقليمية؛ فرنسا..إلخ؛

3 ـ إنه لا يتصرف وفق مصلحته كرئيس، ولا وفق مصلحة بلده مالي، ولو كان يتصرف وفق تلك المصلحة لكان حريصا ـ أشد الحرص ـ  على تقوية العلاقات مع موريتانيا (حكومة وشعبا)، خاصة وأن موريتانيا كانت قد رفضت أن تشارك في حصار وتجويع الشعب المالي، وعبرت عن استعدادها لأن تلعب دور الوسيط بين النظام القائم في مالي ومجموعة "الإيكواس"؛

4 ـ لا مشكلة لدى هذا الرئيس المتهور في أن يتحالف مع أسوأ الشركاء في العالم، وقد تحالف بالفعل مع المرتزقة الروس؛

5ـ ربما يكون هذا الانقلابي المتهور قد أصبح رهينة للروس وللمرتزقة الروس، ومن أصبح رهينة للروس يمكن أن يتوقع منه في مثل هذا الوقت أن يشعل حربا في غرب إفريقيا كما أشعلت الروس حربا في أوروبا؛

6 ـ ربما يكون هذا الانقلابي المتهور والأحمق هو من يقف بالفعل وراء المجازر المؤلمة التي ارتكبت في بلده ضد موريتانيين عزل، وربما تكون تلك العمليات من تدبير جهات في نظامه أو قوى خارجية تهدف إلى توتير الأجواء بين موريتانيا ومالي لتحقيق مصالح عسكرية أو اقتصادية أو سياسية..في كل الأحوال فإن الرئيس المالي يتحمل المسؤولية الكاملة في الحالتين، فهو إما أن يكون مسؤولا مباشرا عن هذه المجازر، وإما أن يكون مسؤولا عنها بشكل غير مباشر لرفضه للتعاون مع موريتانيا في هذا الملف، ولعدم قيامه  بأي تحقيق جدي يؤدي إلى الوصول إلى المجرمين ومعاقبتهم من بعد ذلك بما يستحقون من عقاب.

هذه النقاط السابقة تبين لنا أننا أمام وضعية في غاية التعقيد، خاصة وأن البلد الذي يقوده هذا الانقلابي المتهور، والذي لم يعد يسيطر على معظم أراضيه، تجمعنا به حدود طويلة جدا تصل إلى 2237 كلم، تمر بست من ولاياتنا، ويجمعنا به الكثير من المصالح والتداخل بين الشعبين.

إن التصرف السليم أمام هذه هي الوضعية الصعبة يتطلب الأخذ بأمرين في غاية التناقض على الأقل ظاهريا :

أولهما : الرد بحزم وقوة على الجرائم المتكررة للجيش المالي، والتي وصلت إلى أبشع أنواع الاستفزاز في الفترة الأخيرة؛

ثانيهما : الوقوف بقوة ضد أي محاولة لتوتير الأجواء وإشعال حرب في المنطقة، والتي يبدو أن هناك من يدفع إليها هذا الانقلابي الأحمق والمتهور الذي يحكم مالي حاليا. وحتى إذا لم يكن هناك من يدفعه إليها، فأن غباءه وتهوره يدفعانه إليها.

إن الوضعية في غاية التعقيد وهي تحتاج للجمع بين الحكمة والحزم..لابد من الحكمة حتى لا ندخل في حرب مع انقلابي متهور، ولابد من الحزم حتى نؤدب هذا الانقلابي المتهور، فكيف نجمع بين الأمرين؟

ربما يكون استدعاء السفير الموريتاني في باماكو، وطرد السفير المالي في نواكشوط، وغلق الحدود أمام التبادل التجاري بين البلدين، والمساهمة مع الدول الأخرى في المنطقة في حصار مالي..ربما تكون تلك هي ردود الأفعال المناسبة في هذا الوقت، وربما تساهم ردود الأفعال تلك إلى تحرك العقلاء من الشعب والجيش الماليين لتخليص بلدهم من نظام متهور يتصرف ضد مصالح الشعب المالي والدولة المالية.

 

حفظ الله موريتانيا... 

الثلاثاء، 8 مارس 2022

على هامش حادثة أو فاجعة "ربينة العطاي"


بدأت كتابة هذا المقال من قبل أن تتضح الصورة لي الكاملة لحادثة "ربينة العطاي" إن كان الأمر يتعلق فقط بمفقودين، أو فاجعة "ربينة العطاي" إن كان الأمر يتعلق بعملية قتل بدم بارد.

إن المتاح حاليا من أخبار حول هذه الحادثة أو الفاجعة يتمثل في تصريح لنائب باسكنو الذي أكد قتل 15 من مواطنينا، وتعزية لنائب عدل بكرو بمناسبة الفاجعة الأليمة، وبيان لوزارة الداخلية يتحدث عن بذل أقصى الجهود لتقصي المعلومات عن المفقودين والوقوف على حقيقة ما جرى.

وفي انتظار كشف الحقيقة والوقوف على ما جرى، وحينها سيكون لكل مقام مقال، فلا بأس من قبل ذلك بشيء من التحليل الذي سيحاول أن يقدم بعض الاستنتاجات والسيناريوهات ذات الصلة بالحادثة (إن كان الأمر يتعلق بمفقودين) أو الفاجعة (إن كان الأمر يتعلق بقتلى وهو الشيء الراجح حسب روايات الأهالي).

بمنطق تحليلي بحت يمكننا أن نقول:

(1)

لا مصلحة إطلاقا للنظام القائم في مالي في فتح جبهة جديدة مع بلادنا، والتي تشكل حاليا الرئة الوحيدة أو شبه الوحيدة لهذا البلد المحاصر، وربما تشكل مستقبلا وسيطا بين مالي ودول الحصار، وتتأكد أهمية موريتانيا أكثر بالنسبة لمالي بعد بدء عمليات تصدير القطن المالي عبر ميناء نواكشوط المستقل. لا مصلحة إطلاقا للنظام الحاكم حاليا في مالي في توتير العلاقات مع موريتانيا،هذا هو ما يقوله المنطق التحليلي البحت.

(2)

لا يمكن أن نعتبر سلسلة المجازر البشعة التي ارتكبها الجيش المالي ضد مواطنينا منذ مقتل الدعاة في يوم 9 سبتمبر من العام 2012، إلى آخر فاجعة إن تأكد ضلوع الجيش المالي فيها (فاجعة ربينة العطاي)، والراجح أنه ضالع فيها، مرورا بكل العمليات التي حدثت بين الفاجعتين..لا يمكن أن نعتبر أن سلسلة هذه الحوادث كانت نتيجة لأخطاء، وأنها غير مقصودة . إن كثرة تكرار مثل هذه الحوادث يسقط نهائيا فرضية الخطأ والفعل غير المقصود.

(3)

تشعر بعض الدول المجاورة بأن مصالحها الاقتصادية وربما السياسية في مالي قد تتراجع لصالح موريتانيا، كما تشعر فرنسا الدولة الاستعمارية بأنها تلقت صفعة قوية من طرف النظام الحاكم في مالي...مثل هذا الشعور هنا أو هناك قد تنتج عنه أفعال ميدانية على الأرض بتوقيع من عملاء في المنطقة للإضرار بمالي، وأقوى ضربة قد يتلقاها في الوقت الحالي النظام المالي هي توتير الأجواء مع موريتانيا من أجل غلق الحدود ببين البلدين، وإجبار موريتانيا بالتالي للانضمام إلى دول الحصار.

(4)

بعض مواطنينا في مالي لا يتخذ الاحتياطات الأمنية اللازمة التي يجب اتخاذها في المناطق المشبوهة وغير الآمنة في هذا البلد الشقيق والجار. إن تحرك مواطنينا في الأماكن غير الآمنة هو أمر في غاية الخطورة. المؤسف أننا خلال الأسابيع والأشهر الماضية لم نشاهد أي توعية للمواطنين بهذا الخصوص، فلا ندوات ولا برامج في التلفزة والإذاعة لتوعية مواطنينا في مالي بضرورة الابتعاد عن أماكن "الشبهات الأمنية"، ولا حملات توعوية في هذا المجال تم تنظيمها من طرف السلطات المحلية في الولايات الحدودية.

(5)

كل الخيارات يجب أن تُطرح بعد هذه الفاجعة باستثناء خيار الحرب أو الرد العسكري في حالة ثبت أن الجيش المالي هو المسؤول عن الفاجعة، وأنه يتعمد قتل الموريتانيين بدم بارد.

يمكن لجيشنا أن يرد، ويمكنه أن يكبد خسائر فادحة للجيش المالي ، ولكن ذلك سيجلب لبلدنا من الأضرار أكثر مما سيجلب له من مكاسب. نعم ستتضرر مالي أكثر، وهي متضررة أصلا وتعيش وضعية اقتصادية وأمنية في غاية التعقيد، ولكن ستتضرر أيضا بلادنا من أي توتر أو حرب في المنطقة، وللتذكير فإن  حدودنا مع مالي تصل إلى 2237 كلم، و تمر بنصف الولايات الموريتانية تقريبا (تيرس الزمور؛ آدرار؛ كيديماغا؛ لعصابه؛ الحوضين(. وهي من حيث الطول تأتي في الرتبة 14 عالميا، و3 إفريقيا.

ينضاف إلى ذلك أن هناك تداخلا بين الشعبين مما سيزيد من حجم الخسائر في حالة حدوث أي توتر أو حرب بين البلدين الشقيقين.

(6)

بعد هذه النقاط الخمس التي حاولت أن تقدم الصورة بكل أبعادها عن الوضعية الحالية يأتي السؤال التلقائي : وما العمل؟

إن الإجابة على هذا السؤال بمنطق تحليلي بحت تستوجب منا تقديم فرضيتين في حالة تأكد قتل عدد من الموريتانيين من طرف عناصر من الجيش المالي.

الفرضية الأولى : أن تكون هناك عناصر من الجيش المالي هي من اتخذت هذا القرار الأحمق بقتل مواطنين موريتانيين، ودون أن تتلقى أوامر عليا، وأن تكون قد فعلت ذلك استهتارا أو تنفيذا لمصالح دولة أو جماعة ما تريد توتير العلاقات بين موريتانيا ومالي في هذا الظرف بالذات.

في هذه الحالة سيكون من اللازم أن لا يطوى هذا الملف كما طويت ملفات من قبله، ذلك أن طي تلك الملفات دون عقاب هو الذي أدى إلى مزيد من ارتكاب مثل هذه المجازر. لابد في هذه الحالة أن ينال المجرمون عقابهم في أسرع وقت، وأن يكون ذلك العقاب علنيا وبمشاركة موريتانية وبتنفيذ من السلطات المالية العليا.

الفرضية الثانية : أن يحاول النظام في مالي حماية مرتكبي هذه المجزرة الأخيرة، كما حمى إخوة لهم من قبل، وأن يبقيَ التحقيق في الموضوع مجرد حبر على ورق كما حدث في السابق مع مجازر أخرى. في هذه الحالة يكون من واجب الحكومة الموريتانية أن تتخذ إجراءات قوية ورادعة للرد على جرائم النظام المالي، فتطرد السفير المالي وتغلق الحدود بين البلدين..صحيح أن هذه الإجراءات ستزيد من معاناة الشعب المالي، ولكن الصحيح أيضا أن موريتانيا لم يعد أمامها من خيار غير ذلك في ظل عدم استعداد النظام الحاكم في مالي للتجاوب مع المطالب الموريتانية المشروعة والمتمثلة في معاقبة مرتكبي جرائم قتل الموريتانيين في مالي والعمل على وقف هذا النوع من الجرائم بشكل نهائي.

حفظ الله موريتانيا...