لقد
أصبح من الواضح جدا أن أساليبنا التقليدية في محاربة الجريمة لم تعد تجدي نفعا،
ومن هنا فقد بات من الضروري والملح وضع خطة جديدة أو على الأصح رسم إستراتيجية
متكاملة للحد من الجرائم في بلادنا، ويجب أن تقوم هذه الإستراتيجية على حقيقة
مفادها أن الحلول الأمنية مهمة، ولابد منها للحد من الجرائم، ولكنها لا تكفي
لوحدها، إن لم تسبقها وتصاحبها وتأتي من بعدها حلول أخرى في مجالات أخرى سيأتي
الحديث عنها في هذا المقال.
هناك
إجراءات "بعدية" يجب اتخاذها عندما تقع الجريمة، وهناك إجراءات أخرى
"قبلية"، ويمكن تسميتها بأنها إجراءات وقائية يجب اتخاذها من قبل وقوع
الجريمة.
ماذا
يجب فعله بعد وقوع الجريمة؟
إن
الإجراء الأهم الذي يجب اتخاذه بعد وقوع الجريمة هو المسارعة في إلقاء القبض على
المجرم، وفي العادة فإن الأجهزة الأمنية لا تقصر في هذا المجال، ولكن التقصير يأتي
من بعد ذلك، ويظهر جليا في عدم الصرامة في
تنفيذ العقوبات وفي عدم العمل بقول الله تعالى: "وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ
حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ". إذا لم تنفذ أحكام
الإعدام فيمن قتلته الشريعة، فلن تتوقف مثل هذه الجرائم البشعة التي تنسي الواحدة
منها في كل ما سبقها من جرائم بشعة.
صحيح
أن بلادنا قد وقعت على اتفاقيات دولية، ولكن ألا يمكن مراجعة هذه الاتفاقيات؟
أليست مصر مثلا أكثر استفادة من تلك المنظمات الدولية، وأكثر احتياجا للتمويلات،
ومع ذلك فهي لم توقع على تلك الاتفاقيات وتنفذ أحكام الإعدام علنا.
إن
حقوق الإنسان كما يراها الغرب قائمة على بعض الاختلالات البينة، منها أن هذا الغرب
"الإنساني جدا" مستعد لحماية "المجرم" وتضييع حقوق الضحايا،
فبأي منطق نحمي مجرما قاتلا من القتل الذي مارسه هو بنفسه ضد أشخاص أبرياء؟ أليس
في ذلك تشجيع له ولغيره من المجرمين لقتل المزيد من الأنفس البريئة؟
على
"أولي الألباب" أن يعلموا بأن الله جلَّ جلاله لم ينزل عليهم هذه الآية
لتلاوتها فقط، وإنما لتطبيقها والعمل بها.
قبل
وقوع الجريمة
إن
محاربة الشر أولى وأهم من محاربة الأشرار، وإن محاربة الجريمة وتجفيف منابعها أولى
وأكثر نجاعة من محاربة المجرمين. وتجفيف منابع الجريمة يقتضي منا أولا أن نبحث عن
القواسم المشتركة بين أغلب الجرائم التي تقع في بلادنا، وإن أي عملية بحث سريعة ستوصلنا
إلى أن القواسم المشتركة بين أغلب الجرائم البشعة التي تم تسجيلها في السنوات
الأخيرة تتمثل في:
القاسم
المشترك الأول هو أن مرتكبي هذه الجرائم أغلبهم شباب أو قُصَّر لم يدرسوا أصلا في
المدارس أو تسربوا في وقت مبكر من المدرسة؛
القاسم
المشترك الثاني هو أن أغلب هذه الجرائم البشعة التي تم تسجيلها في السنوات الأخيرة
كان وراءها أصحاب سوابق، وهذه تلفت الانتباه إلى مسألة في غاية الأهمية مفادها أن
العديد من المجرمين يتم إصدار أحكام مخففة ضدهم، وأن بعضهم يخرج بطريقة أو بأخرى
من السجن من قبل انتهاء تلك الأحكام المخففة. هناك نسبة معتبرة من السجناء تدخل السجن
وهي تحمل صفة "مجرم مبتدئ" أو "مشروع مجرم" أو "مجرم هاوِ"،
ولكنها لا تخرج من السجن إلا وبعد أن تكون قد اكتسبت صفة "مجرم محترف".
السجون في بلادنا أصبحت مدارس متخصصة لتخريج "مجرمين محترفين"
وب"شهادات عالية" في الإجرام".
القاسم
المشترك الثالث هو أن أغلب المجرمين يكونون تحت تأثير المسكرات و المخدرات لحظة
ارتكاب الجريمة، ولذا فإن محاربة الجريمة في بلادنا يجب أن تبدأ بمحاربة تعاطي
المخدرات في صفوف الشباب والقُصَّر. المؤسف هنا أن ما تخصصه وزارة الداخلية من
ميزانيتها لمحاربة المخدرات لا يتجاوز 60 مليون أوقية قديمة!
المؤسف
أكثر أن أنواع هذه المخدرات التي يستخدمها الشباب والقُصَّر متوفرة في الأسواق و بأسعار
زهيدة : الحبوب المهلوسة، الحشيش، الغراء ، العطور .
القاسم
المشترك الرابع هو أن أغلب جرائم القتل البشعة تم ارتكابها بأسلحة
"بيضاء" (سكاكين وسيوف) يمكن لأي مجرم أن يحصل عليها وبأسعار زهيدة.
إن
أي محاولة جدية للحد من هذه الجرائم يجب أن تأخذ بعين الاعتبار حقيقة مفادها أن
أغلب مرتكبي هذه الجرائم هم من القصر والشباب ومن أصحاب السوابق، ومن متعاطي
المخدرات، وأنهم يرتكبون جرائمهم بأسلحة "بيضاء" متاحة للجميع.
وانطلاقا
من تلك القواسم المشتركة، فهذه بعض النقاط التي يمكن أن تحدَّ من الجريمة في
بلادنا إن تم الأخذ بها:
1 ـ الاهتمام أكثر بالأسرة والعمل على الحد من
التفكك الأسري؛
2 ـ المسارعة
في إصلاح التعليم، والعمل على إعادة الاعتبار لمادتي التربية الإسلامية والتربية
المدنية؛
3 ـ إيواء الأطفال الذين فشلت ـ أو عجزت ـ أسرهم
عن تربيتهم وتعليمهم، وتكفل الدولة بتربيتهم وتعليمهم والبحث من بعد ذلك عن فرص
عمل لهم؛
4 ـ إنشاء مراكز ثقافية ورياضية في كل الولايات
والمدن لصالح الشباب والعمل على تنشيطها بشكل مستمر؛
5 ـ إنشاء مراكز متخصصة في علاج الإدمان؛
6ـ إنشاء المزيد من مراكز الإيواء والتدريب لصالح
الأطفال المشردين وأصحاب السوابق الإجرامية مع العمل على دمجهم في الحياة النشطة ؛
7 ـ إنشاء مراكز للتثقيف الحرفي (تكوبن مهني مبسط)
بما يلبي حاجة السوق، وبما يمكن من امتصاص أعداد من المتسربين من المدرسة؛
8 ـ تفعيل دور المجتمع المدني وحثه على العمل في
مجال التوعية ضد الجريمة وتعاطي المخدرات في أوساط الشباب والمراهقين.
9 ـ رسم سياسات اقتصادية واجتماعية تهدف إلى الحد من
اليد العاملة الأجنبية، ومحاولة إحلالها بيد عاملة وطنية مدربة؛
10 ـ إصلاح ودعم القطاع الأمني وإعادة الاعتبار لقطاع
الشرطة؛
11 ـ إصلاح قطاع السجون والقضاء؛
12 ـ تشديد العقوبة علي مستوردي وبائعي ومروجي
المخدرات وكل المؤثرات العقلية؛
13 ـ تشكيل مجالس داخل الأحياء ومن جماعات المساجد تتولى السهر على أمن
الحي، وإبلاغ الجهات الأمنية بكل ما يثير الشبهات داخل الحي.
14 ـ
تدريب العلماء والأئمة والدعاة الشباب على التقنيات الحديثة وحثهم على التواصل مع
الشباب من خلال مواقع التواصل الاجتماعي؛
15 ـ
تفعيل دور الإعلام بشقيه التقليدي والجديد في مجال التوعية والتوجيه خاصة ما هو موجه منه إلى الشباب والقُصَّر.
16 ـ
العمل بإلزامية التجنيد الإجباري أو على الأقل إلزامية الانخراط في الخدمة العامة
لفترة محددة.
ومن
قبل أن أختم هذا المقال فهذه بعض إجراءات السلامة التي على كل واحد منا أن يعمل
بها لحماية نفسه وذويه :
ـ
تجنب المرور بالشوارع الضيقة أو المظلمة وكل الأماكن المهجورة؛
ـ
تجنب قدر الإمكان إخراج الهاتف أو النقود أمام سالكي الشوارع والأمكنة العامة،
وخاصة في الليل؛
ـ
إذا كنت تقود سيارة فلا تتوقف في الأماكن المشبوهة، ولا تنخدع بالمفاجآت "المفخخة"
التي قد يضعها بعض المجرمين في طريقك من
أجل أن تتوقف؛
ـ
إذا اعترض طريقك بعض المجرمين من الشباب والمراهقين فلا تدخل معهم في معركة غير
متكافئة، فهؤلاء في العادة لديهم أسلحة بيضاء ومن أصحاب السوابق وهم تحت تأثير
المخدرات وعلى استعداد لارتكاب جريمة قتل من أجل الحصول على هاتف أو على مبالغ
زهيدة.
#معا_للحد_من_الجرائم
حفظ
الله موريتانيا...