ذكرني الفيسبوك بمنشور قصير جدا كتبته في مثل هذا اليوم من العام
الماضي، وكان التذكير في محله. المنشور كتبته بعد نيل حكومة المهندس اسماعيل ولد
بده ولد الشيخ سيديا لثقة البرلمان الموريتاني في مثل هذا اليوم من العام الماضي,
وهذا نص المنشور : "خلاصة الكلام: من المهم أن تنال الحكومة ثقة
ممثلي الشعب، ولكن الأهم من ذلك هو أن تنال ثقة الشعب بنفسه."
بالفعل نالت حكومة المهندس محمد ولد بلال ثقة البرلمان الموريتاني،
كما نالتها من قبل ذلك حكومة المهندس إسماعيل ولد الشيخ سيديا، وقد صوت لحكومة ولد
بلال 131 نائبا بنعم مقابل 128 نائبا صوتت لحكومة ولد الشيخ سيديا، أي بزيادة 3
أصوات، وصوت ضدها 16 نائبا مقابل 19 نائبا صوتت ضد حكومة ولد الشيخ سيديا، أي أن
أصوات الرافضين نقصت ب3. في حين امتنع نائبان عن التصويت لحكومة ولد بلال، وصوت
نائبان بالحياد لحكومة ولد الشيخ سيديا.
بالفعل نالت حكومة معالي الوزير الأول محمد ولد بلال ثقة البرلمان
الموريتاني، وتمت إقامة مأدبة عشاء لصالح النواب، تماما مثل ما حدث مع حكومة ولد
الشيخ سيديا، ولكن السؤال الأهم هو : هل ستنال تلك الحكومة ثقة الشعب الموريتاني
الذي انتخب ذلك البرلمان؟
إذا ما أرادت حكومة معالي الوزير الأول محمد ولد بلال أن تنال ثقة
الشعب الموريتاني، فإن ذلك يتطلب منها أن تشتغل بجدية على جبهتين اثنتين : أولهما
وهي الأهم جبهة الإنجاز، والثانية جبهة تسويق ذلك الانجاز، وهي لا تقل أهمية عن
الأولى.
لقد أصبح من المعلوم بداهة في عالم اليوم بأن الإنجازات إذا لم تسوق
إعلاميا بشكل جيد فإنها تبقى ناقصة إن لم أقل معدومة. كما أصبح من المعلوم أيضا بأن
الإنجازات العادية إذا ما وجدت تسويقا إعلاميا جيدا فإنها تتحول إلى إنجازات كبرى.
تلك حقيقة لم تدركها ـ أو لم تهتم بها ـ حكومة ولد الشيح سيديا، فهل
سيكون الأمر مختلفا بالنسبة لحكومة ولد بلال؟
وكأمثلة على عجز الإعلام الحكومي في فترة ولد الشيخ سيديا، فإليكم هذه
الأمثلة الثلاثة:
(1)
لستُ على اطلاع كامل بعمل مندوبية تآزر، وليس بمقدوري أن أقيم عملها
خلال العام الماضي، ولكن، وبحكم عضويتي في لجنة متابعة صندوق كورونا، والتي تعاني
هي بدورها من ضعف إعلامي كبير، فبحكم عضويتي في تلك اللجنة، وبحكم اطلاعي على كل
التفاصيل المتعلقة بدعم الأسر الهشة، فإنه يمكنني أن أقول ـ وبكل اطمئنان ـ بأن مندوبية
تآزر أدت عملا رائعا بخصوص تقديم المساعدات النقدية والعينية للأسر الهشة، والمؤسف
أن هذا العمل الرائع لم يجد تسويقا إعلاميا يليق به، بل على العكس من ذلك فقد تعرض
لحملة تشويه غير مسبوقة، مرت بثلاث مراحل:
المرحلة الأولى / عند إبرام الصفقة : لقد راج حينها بأن المندوبية أجَّرت
عشرات السيارات، وأنفقت مبالغ طائلة لإيصال مبالغ تافهة للمستفيدين. والحقيقة أن
هذه الصفقة كانت صفقة غير مسبوقة من حيث الكلفة، ذلك أن كلفتها الإجمالية لم تصل
إلى 50 مليون أوقية قديمة، ولم تصل نسبتها من المبلغ الكلي إلى 2% ، وقد كانت كلفة
تحويل المبلغ إلى كل أسرة أقل بكثير من الكلفة التي تحسبها وكالات تحويل الأموال،
مع أن الفارق بين عملية التحويل في الحالتين هو فارق كبير جدا.
المرحة الثانية /عند الانطلاقة الميدانية : لقد راج مع الانطلاقة الميدانية بأن مندوبية
تآزر تعمل على نشر العدوى بكوفيد 19 من خلال فرقها التي تقوم بعمليات توزيع
المساعدات النقدية. والحقيقة أن هناك فحوصا أولية تم إجراؤها لبعض أعضاء الفرق في
بعض الولايات تحدثت عن وجود إصابات، ولكن، وبعد العودة إلى العاصمة نواكشوط، وبعد
إجراءات فحوص أخرى أكثر دقة تبين عدم إصابة المعنيين.
المرحلة الثالثة /عند توزيع المبالغ النقدية: وهنا راج بأن عمليات توزيع المساهمات النقدية قد صاحبها
الكثير من المحسوبية وعدم الشفافية، والحقيقة أن المندوبية قد سلمتنا في لجنة
متابعة صندوق كورونا لائحة بمائتي ألف أسرة مستفيدة، تظهر فيها صور وأسماء وبصمات
وأرقام هواتف كل المستفيدين من هذه العملية. هذه اللائحة تمكن أي منحدر من أي قرية
موريتانية من معرفة المستفيدين في قريته بالأسماء والصور، ويمكنه بعد ذلك أن يعرف
هل استفاد فقراء قريته أم لا؟ كما أنها تمكن من إجراء اتصال هاتفي بعينات عشوائية
من عدة قرى وتوجيه الأسئلة إليهم بخصوص الظروف التي تسلموا فيها تلك المساعدات
النقدية.
من المؤكد بأن العملية شابتها بعض النواقص التي يصعب أن يسلم منها أي
عمل بهذا الحجم، ولكنها في المجمل كانت عملية غير مسبوقة، خاصة من حيث الكلفة ومن
حيث الشفافية، تلك هي الخلاصة التي يمكن أن يخرج بها كل من اطلع على تفاصيل هذه
العملية، وهي العملية التي تحولت ـ للأسف الشديد ـ في أذهان الكثيرين بسبب ضعف
أداء الإعلام الحكومي إلى صفقة مريبة،
نقلت العدوى إلى المواطنين في قراهم، وشابها الكثير من عدم الشفافية عند التوزيع!!
(2)
لستُ راضيا ـ كمتابع للشأن العام ـ عن أداء وزير التنمية الريفية،
ولكن عدم الرضا عن أداء الوزير لن يمنعني من القول بأن هذا الوزير قد تعرض لحملة
انتقاد واسعة بسبب صورة غير موفقة. في
الأسبوع الثالث من شهر أغسطس الماضي نظم وزير التنمية الريفية عدة زيارات لعدة
ولايات، وقام بتدشين وزيارة العديد من المشاريع المتنوعة التابعة لقطاعه. هذه
الزيارة التي شملت العديد من المشاريع تم اختزالها في لقطة واحدة وثقتها صورة، وهي
لقطة تتمثل في إشراف معالي الوزير رفقة الكثير من معاونيه، وعدد كبير من ممثلي
السلطات الجهوية على عملية تسليم تسعة رؤوس من الماعز لمواطنة في إحدى قرى الوطن.
هذه الصورة التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي كانتشار النار في
الهشيم هي التي بقت عالقة في أذهان المتابعين، وأصبح الكثير من المتابعين على
قناعة تامة بأن الوزير لم يقم بأي عمل خلال زيارته تلك غير منح تسعة رؤوس من
الماعز لإحدى المواطنات الفقيرات.
هذا الخطأ الفادح يتحمله في الأساس المستشار الإعلامي في الوزارة والذي
يبدو أنه لا يقدر خطورة التقاط ونشر مثل هذه الصور، في مثل هذا الوقت الذي أصبحت
فيه الصورة هي الأكثر تأثيرا في الإعلام بشقيه التقليدي والحديث.
ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإنه لن يفوتني هنا أن أشير إلى بعض الصور
غير اللائقة التي يتعمد بعض الوزراء ومن ورائهم الإعلام الرسمي إلى نشرها وجعلها عناوين
للأخبار الرئيسية في وسائط الإعلام الرسمي.
لا يليق بوزير أن يظهر في صورة تتصدر الأخبار الرئيسية في الإعلام
الرسمي وهو يتسلم من سفير دولة أجنبية خمس سيارات، أو أن يظهر آخر وهو يتسلم من
سفير آخر عددا من ماكنات الخياطة، أو يظهر ثالث وهو يتسلم من سفير دولة أجنبية 25
وحدة معلوماتية، كما حدث يوم الجمعة الماضي الموافق 04 سبتمبر مع معالي وزير التعليم
العالي والبحث العلمي وتقنيات الإعلام والاتصال.. مثل هذه الهدايا المتواضعة جدا
لا يليق بوزير أن يتسلمها من سفير دولة أجنبية، بل لا يليق بأمين عام لوزارة أن
يتسلمها، وليس من المناسب أن يُجْعل منها خبرا رئيسيا يتصدر نشرات الإخبار في
التلفزيون والإذاعة الرسميتين..هذا النوع من الهدايا المتواضعة يكفي أن يتسلمه
مدير القطاع المعني في الوزارة.
(3)
في يوم 9 ديسمبر من العام 2019 أعطى الوزير الأول السابق إشارة انطلاق
الأشغال لتأهيل المحور الطرقي (بوتلميت _ألاك). لم تنطلق الأشغال أو توقفت، وكثر
الحديث عن ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي.
الوزير الأول الحالي، وخلال عرض برنامجه أمام الحكومة، قال بأن
الأشغال ستستأنف يوم الاثنين الموافق 07 سبتمبر، وأنها ستنتهي قبل الموعد المحدد
(25 فبراير 2022).
الوزير الأول بين أن تأخر استئناف الأشغال يعود إلى إغلاق الحدود بسبب
كورونا، وأن الحكومة هي التي قررت وقف الأشغال إلى حين وصول مكتب الرقابة الذي
تعاقدت معه.
تغييب مثل هذه المعلومة التي هي في صالح الحكومة فتحت المجال لانتقاد
الحكومة بسبب طول توقف الأشغال في هذا المقطع الحيوي من طريق الأمل.
تلكم كانت مجرد ثلاثة أمثلة سريعة من بين أمثلة عديدة أخرى كان يمكن
تقديمها كأدلة على ضعف أداء الإعلام الحكومي، وسأكتفي في هذا المقام بتلك الأمثلة
على أن أقدم في فرصة أخرى ـ إن شاء الله ـ بعض المقترحات التي من شأنها أن تَحُدَّ
من ضعف أداء الإعلام الحكومي إن تم الأخذ بها.
حفظ الله موريتانيا...