الأحد، 3 ديسمبر 2017

عن ظهور نائب تواصلي في تيشيت

لقد أثار ظهور النائب التواصلي المختار ولد محمد موسى في تيشيت جدلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي، ومما زاد من حدة هذا الجدل أن هذا النائب التواصلي الذي لا صلة له بمدينة تيشيت، قد ظهر خلال استقباله للرئيس محمد ولد عبد العزيز وهو يتوشح العلم الجديد بعد ثلاثة أيام فقط من إصدار المنتدى ـ والذي لا
يزال حزب تواصل يتولى رئاسته ـ  بيانا جاء فيه : "إن "العلم" الذي سترفعه السلطة اليوم، هو في الحقيقة وليد اغتصاب واضح للدستور وتزوير فاضح لإرادة الشعب، وتدنيس لهذا اليوم المجيد، وإهانة لأجيال متلاحقة من الموريتانيين والضباط والجنود تربوا في ظله، وخنجر مغروس في صدر الوحدة الوطنية." كما أن هذا الظهور قد جاء كذلك ثلاثة أسابيع فقط من قبل انطلاق أعمال المؤتمر الثاني لحزب تواصل.
فلماذا اختار هذا النائب التواصلي لحظة سياسية بالغة الحرج كهذه، ليظهر فيها بهذا المظهر المستفز الذي لا ينسجم مع التوجه العام لا لحزب تواصل ولا وللمعارضة بشكل أعم؟
بعد ظهور النائب في تيشيت سارع  حزب  تواصل إلى إصدار تصريح صحفي أكد من خلاله أن تصرف النائب لا تمثل الحزب ولا تمثل نوابه، وأن الحزب سينتظر عودة النائب للاستيضاح منه حول الدوافع والمبررات التي جعلته يتخذ مثل هذه الخطوة.
قد يكون النائب المختار ولد محمد موسى قد تصرف بهذا التصرف تمهيدا لانسحابه أو لاستقالته من الحزب، ولن تكون هذه الاستقالة هي أول استقالة يقوم بها  نائب من حزب تواصل، ولكنها ستبقى هي أول استقالة غير ودية من طرف نائب وشخصية وازنة بحجم المختار ولد محمد موسى، ففي العام 2015 استقال النائب السابق للطينطان من الحزب، وفي العام 2016 استقال نائب الطينطان ورجل الأعمال ولد سيدي من الحزب، ولكن كل هذه الاستقالات تمت بطريقة ودية وبأسلوب في غاية الاحترام الشيء الذي رد عليه الحزب بطريقة ودية وبأسلوب في غاية الاحترام والتقدير للشخصيات المستقيلة.
الجديد هنا هو أن تصرف النائب المختار ولد محمد موسى لم يكن وديا، فإذا كان هذا النائب لم يتشاور مع الحزب من قبل اتخاذ خطوته المستفزة، فإن ذلك يعني بأن النائب قد تعمد الإضرار بالحزب من خلال خطوته هذه، فهذا النائب ليس مراهقا سياسيا، حتى نقول بأنه قد لا يعي خطورة ما أقدم عليه، بل هو  من أكثر قادة الحزب خبرة وتجربة، ولذلك فهو يعرف حجم الأضرار التي ستتسبب فيها مثل هذه الخطوة، فلماذا قرر هذا النائب أن يتصرف بهذا الأسلوب غير اللائق؟ فهل أراد بذلك أن يجر الحزب إلى مسار وإلى تخندق لا يرضى به الحزب، أم أنه أراد أن يحدث انشقاقا داخل الحزب، أو أنه أراد أن يشوش على الحزب من قبل مؤتمره الثاني، وأن يشوش كذلك على صورة الحزب لدى شركائه في المعارضة؟
لا شك أن مثل هذه الخطوة المستفزة ستشوش على صورة الحزب لدى شركائه، ولدى المعجبين به من غير المنتسبين له،  فحزب تواصل يعد من أهم الأحزاب السياسية في موريتانيا، سواء نظرنا إلى جانبه المؤسسي، أو إلى قدرته على الحشد أو إلى الانضباط الحزبي لمنتسبيه، أو إلى عددهم الذي تجاوز في حملة الانتساب الأخيرة حاجز المائة ألف منتسب.
حزب تواصل هو الحزب الموريتاني الوحيد الذي اجتمعت فيه كل نقاط القوة تلك، ولكنه في الوقت نفسه يمتلك نقاط ضعف، وهذه هي طبيعة الأشياء. ولعل نقطة الضعف الأكثر وضوحا، والتي على الحزب أن يعمل على مواجهتها هي أنه هو الحزب المعارض الأكثر إخلالا بالتوجهات العامة للمعارضة الموريتانية، وذلك على الرغم من أنه هو الحزب السياسي الوحيد الذي ينادي علنا بضرورة إضفاء بعد أخلاقي على العمل السياسي. فبالعودة إلى مواقف الحزب في السنوات الأخيرة، فسنجد بأن الحزب قد خرج عدة مرات عن إجماع المعارضة، واتخذ قرارات أحادية يوحي ظاهرها بأن الحزب قد غلب فيها المصلحة الحزبية الضيقة على المصالح العامة للمعارضة وعلى تطوير الديمقراطية في موريتانيا. فهذا الحزب كان قد شارك في حكومة مطبعة، وخرج في رئاسيات 2009 عن إجماع  الجبهة بمرشح رئاسي خاص به، وتحالف من بعد ذلك مع الحزب الحاكم في التجديد الجزئي لمجلس الشيوخ، وخرج منفردا من منسقية المعارضة ليشارك في انتخابات 2013 . إن كل هذه المواقف المنفردة التي اتخذها الحزب في السنوات الأخيرة هي التي جعلت البعض يتوقع أن يتخذ الحزب في الفترة القادمة مواقف منفردة وخارجة عن إجماع المعارضة، ولذلك فقد تجاهل بعض المدونين التصريح الصحفي الذي أصدره الحزب، وأصروا على أن الخطوة التي قام بها النائب المختار ولد محمد موسى ما هي إلا خطوة لجس النبض وللتمهيد لمواقف أخرى سيتخذها الحزب في وقت لاحق.
الشيء المؤكد هنا هو أن المعارضة الموريتانية ستجد نفسها وفي وقت قريب جدا أمام تحديات كبيرة، وأمام وضعية في غاية الالتباس، وهو الشيء الذي سيؤدي حتما إلى تعدد القراءات وإلى تباين المواقف داخل هذه المعارضة، ومن هنا وجب على كل أحزاب المعارضة أن تعمل على زرع وتقوية الثقة فيما بينها، فمثل ذلك هو الذي سيساعد في الخروج بموقف موحد من المستجدات ومن كل القضايا التي ستطفو على السطح في وقت قريب، وبطبيعة الحال فإن الخطوة التي قام بها النائب المختار ولد محمد موسى لا تساهم في تعزيز الثقة في صفوف المعارضة الموريتانية.
إن المعارضة الموريتانية مقبلة على أيام عصيبة وعلى تحديات كبيرة لن يكون بالإمكان مواجهتها إلا باتخاذ قرارات ومواقف مجمع عليها، مهما كانت تلك القرارات والمواقف.
إن الإجماع، حتى ولو كان على موقف خاطئ في ظاهره، سيبقى هو الموقف السليم، وإن خروج أي حزب معارض عن الإجماع في المرحلة القادمة سيشكل صفعة قوية للمعارضة وللعمل المعارض في مثل هذه الفترة الحرجة سياسيا.
لا يعني عدم حديث الرئيس محمد ولد عبد العزيز عن السياسية وعن الأزمة السياسية في مناسبتين متتاليتين (ذكرى الاستقلال؛ مهرجان المدن القديمة) بأن السلطة لن تقدم على قرارات سياسية في المرحلة القادمة، وقد يكون من بين تلك القرارات التي ستقدم عليها السلطة في الفترة القادمة الدعوة إلى انتخابات، الشيء الذي يستوجب من المعارضة قرارا موحدا إما بمقاطعة الانتخابات والعمل على إفشالها، أو بالمشاركة والعمل على انتزاع مكاسب انتخابية هامة، وسيبقى أي قرار إجماعي تتخذه المعارضة بالمشاركة أو بالمقاطعة هو القرار الصائب، وسيبقى الخروج عن الإجماع بمثابة خيانة، سواء كان ذلك الخروج بالمشاركة في الانتخابات في حال قررت المعارضة أن تقاطع، أو كان بالمقاطعة في حال قررت المعارضة أن تشارك في تلك الانتخابات.
وتبقى المقاطعة كخيار محتمل تحتاج إلى جهد احتجاجي كبير وواسع لإرباك المسار الانتخابي الشيء الذي غاب عن الفعل المعارض خلال الأشهر الماضية.
لقد ظهرت المعارضة في الفترة الماضية بروح استسلامية، وبلغ الاستسلام ذروته بظهور نائب من تواصل يستقبل الرئيس ومتوشحا في الوقت نفسه العلم الجديد، وهنا يبرز مظهر آخر من خطورة هذا التصرف الذي قام به النائب التواصلي، خاصة إذا ما علمنا بأن حزب تواصل هو الحزب المعارض الأكثر قدرة على تحريك الشارع، وهو أيضا الأكثر قدرة على تهدئته، وذلك لأنه يملك قاعدة جماهيرية منظمة قادرة على التحرك السريع والواسع عندما يطلب منها ذلك، وقادرة على التواري عن الأنظار عندما يشار إليها بذلك.
إن حزب تواصل هو الحزب الأكثر قدرة على قيادة المعارضة إلى ساحات الاحتجاج، ولكن، ونظرا للظرفية الدولية والمحلية فليس من المنصف أن نطلب الآن من هذا الحزب أن يكون رأس الحربة في العمل الاحتجاجي، ولكن في المقابل فإنه ليس من المقبول أيضا أن يكون هذا الحزب هو من يقود تيار الاستسلام ورفع الراية البيضاء في صفوف المعارضة الموريتانية.
ليس من الإنصاف أن نطلب من تواصل أن ينشغل فقط بالعمل الاحتجاجي في مثل هذا الوقت، ولكن، وفي المقابل فليس من المقبول منه أن ينشغل فقط ببناء مؤسسة حزبية قوية، وأن يترك كل الأمور الأخرى المتعلقة بالعمل المعارض.
بين هذا وذاك، ثمة مكانة تليق بحزب تواصل، ومن المؤكد بأن تصرف النائب المختار ولد محمد موسى لا يتناغم ولا ينسجم مع تلك المكانة.
إن مثل هذا الاستقبال الذي قام به النائب المختار ولد محمد موسى ليذكر باستقبالات الرئيس بيجل للرئيس ولد عبد العزيز، وإنه ليذكر بالمعارضة المحاورة وبالمعارضة المسؤولة التي لا صلة لها بالمعارضة، حتى وإن تسمت باسمها.     


حفظ الله موريتانيا..     

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق