الأحد، 31 يوليو 2011

هدية خاصة بالرئيس بمناسبة الشهر المبارك


لقد ارتأيت أن أهدي لكم صورة نادرة جدا بمناسبة حلول الشهر المبارك، وكذلك بمناسبة مرور عامين على تنصيبكم. وهذه الصورة أعتقد أنها هي أفضل ما يمكن أن يهديه مواطن فقير مثلي، لرئيس مثلكم، ينافس ثلاثة من رؤساء العالم على لقب رئيس الفقراء.
سيدي الرئيس، إن لقب رئيس الفقراء ليس مجرد لقب عادي يمكن أن تمنحه ثلة من السياسيين المتزلفين تميل حيث السلطة مالت، ولا أن تمنحه شرذمة من العاملين في الإعلام الرسمي جُبِلت على منح أعظم الألقاب لكل حاكم مادام حاكما، ولا أن يمنحه طابور من "جنود الرأي" ليس فيه من يستطيع أن يفكر ـ ولو لساعة واحدة ـ بعقله بدلا من بطنه، ولا يمكن أن تمنحه حفنة من الموظفين الفاشلين، والذين يحاولون أن يعوضوا النقص في الكفاءة ، وفي أدائهم الوظيفي، من خلال التزلف الفاضح لكل من يحكم البلاد.
إن لقب رئيس الفقراء يحتاج الساعي إليه إلى "ألبوم" نادر من الصور، كهذه الصورة التي أهدي لكم اليوم، وهي صورة لواحد من رئيسين ينافسونكم على لقب رئيس الفقراء، وإن كان صاحبها يفضل لقب صديق الشعب. إنها صورة للرئيس الإيراني "أحمدي ناجد"، التقطها صدفة أخوه الأصغر، عن طريق هاتف محمول، ونشرتها جريدة "الوفاق"، قبل أن تنشرها في اليوم التالي معظم الصحف العالمية، وبالأخص الأمريكية منها. ويظهر الرئيس الإيراني في هذه الصورة وهو يغط في نوم عميق، على فراش عادي جدا، ويلتحف بغطاء عادي جدا، لا يختلف عن الفراش والغطاء المتاح لأي فقير إيراني.
تلك صورة من صور عديدة منحت للرئيس الإيراني لقب رئيس الفقراء، وهو لقب لا يستطيع حتى خصوم الرجل أن يجادلوا في استحقاقه له، وإن كان بإمكانهم أن ينتقدوه في مجالات أخرى، ليس من بينها ـ بالتأكيد ـ الابتعاد عن هموم الفقراء الإيرانيين، أو تبديد المال العام.
سُئِل الرئيس الإيراني ذات مرة من طرف قناة " فوكس" الأمريكية عن الذي يُحَدِّث به نفسه، عندما ينظر إلى المرآة صباحا بعد أن أصبح رئيسا للجمهورية؟
أجاب "أحمدي نجاد": أنظر إلى الشخص الواقف في المرآة، وأقول له تذكر أنك لست سوى خادم بسيط، لديك اليوم مهمة شاقة جدا، وهي خدمة الشعب الإيراني.
وفي أول أيامه في القصر، تبرع الرئيس الإيراني بكل السجاد الفاخر في القصر، لأحد الجوامع في طهران، وأبدله بسجاد عادي جدا، وبسيط جدا، كالذي يظهر في الصورة. كما أنه قام بإغلاق قاعة كبيرة مزركشة ومزخرفة بشكل رائع كانت مخصصة لاستقبال كبار رجال الدولة، وأبدلها بقاعة عادية للاستقبال، خالية من كل شيء، باستثناء بعض الكراسي الخشبية العادية جدا.
وكثيرا ما كان يظهر الرئيس الإيراني رفقة عمال البلدية، وكأنه عامل نظافة بسيط، بيده مكنسة يكنس بها الشوارع المحيطة بمنزله وبمكتبه الرئاسي.
ولقد فرض الرئيس الإيراني على وزرائه أن يوقعوا على وثيقة فيها شروط عديدة، من بينها أن الوزير سيبقى فقيرا كما كان فقيرا، وأن حساباته في المصارف، وحسابات أقاربه ستظل مراقبة، فلا يجوز للوزير المعين، ولا لأي من أقربائه، أن يستفيد من أي مورد من موارد الدولة.
وكان الرئيس الإيراني هو أول من وقع على تلك الوثيقة بعد أن صرح بممتلكاته "الضخمة"، والتي كانت عبارة عن سيارة "بيجو 504موديل 1977"، ومنزل قديم وصغير ورثه عن أبيه في أحد أفقر أحياء طهران، وقد تم بناؤه منذ أربعين عاما، وهو المنزل الذي لا زال يرفض الرئيس الإيراني أن ينتقل منه إلى أي منزل آخر. هذا فضلا عن حسابين أحدهما فارغ تمامًا، والثاني يستقبل فيه راتبه كأستاذ جامعي، ووجد فيه ما يعادل 250 دولارا.
هذا هو كل ما يملكه رئيس دولة نفطية تعد واحدة من أغنى وأقوى دول الشرق الأوسط.
والرئيس الإيراني الذي رفض ـ وبإصرار عجيب ـ أن ينفق دولارا واحدا في كل حملاته الانتخابية، ليس له أي راتب شخصي، بعد أن أصبح رئيسا للبلاد، فهو يعتبر نفسه أمينا على أموال الشعب الإيراني، تلك الأموال التي لا يجوز له أن يأخذ منها راتبا ـ حتى ولو كان متدنيا ـ مقابل عمله كرئيس . كما أنه يرفض ـ خلافا لكل رؤساء دول العالم ـ أن يخصص ميزانية في القصر، لإعداد طعام للرئيس ولعائلته، مكتفيا بسندويشات قليلة، وبشيء من الجبن والزيتون تعده له زوجته يوميا، وسط استغراب وذهول كل العاملين في القصر.
والرئيس الإيراني أصر على أن يبيع طائرته الرئاسية، ليشتري بثمنها طائرة شحن تحول أرباحها لخزينة الدولة الإيرانية. وعندما سألوه عن الطريقة التي سيتنقل بها، أجابهم بأنه سيسافر كما يسافر الركاب العاديون، في طائرات عادية.
ولا يزال الرئيس الإيراني يرفض أن تعلق صوره الشخصية في أي مبنى حكومي لأن ذلك يشكل إهدارا للمال العام. كما أنه يرفض أن يعد له أي استقبال رسمي في زياراته الداخلية، فلا سجاد أحمر يبسط له، رغم أنه يقود دولة تصدر أفخر أنواع السجاد لكل بقاع العالم، ولا صور كبيرة أو صغيرة ترفع عند الاستقبال، ولا سيرة ذاتية لغرض المدح، ولا يتزاحم الإيرانيون لمصافحته، ولا يصفقون له لا بأياديهم ولا بأرجلهم، ولا يلوحون له، ولا يبتسمون له بتزلف، لا شيء من كل ذلك.
ولقد أجمع الشعب الإيراني بمواليه وبمعارضيه على أن الرئيس الإيراني، يعيش كما يعيش الفقراء الإيرانيون، إن لم يكن يعيش بشكل أسوأ.
ذلكم واحد من الثلاثة الذين يتنافسون معكم على لقب رئيس الفقراء.
أما الثاني فكنت قد حدثتكم عنه في رسالة مفتوحة سابقة: إنه رئيس فقراء فنزويلا.
ويتفق كذلك الشعب الفنزويلي بمعارضيه وبمواليه،على أن الرئيس الفنزويلي لا يترك فرصة يمكن أن يرفع بها من شأن فقراء بلده إلا واستغلها، حتى ولو أجبره ذلك على أن يتقاسم طعامه وفراشه في القصر مع بعض المشردين من فقراء بلده.
وللاختصار فسأكتفي هنا بتقديم صورة واحدة من ألبوم منافسكم الثاني على اللقب. إنها صورة الرئيس الفنزويلي، وهو يفتح أبواب قصره الرئاسي، لاستقبال 25 أسرة فقيرة، لكي تقيم معه في القصر، بعد أن تضررت مساكن تلك الأسر من الأمطار والفيضانات. وقد أعطى الرئيس الفنزويلي تعليماته الصارمة لكل عمال القصر، بضرورة الاهتمام بالفقراء خلال مقامهم في القصر الرئاسي، وذلك قبل أن يعوضهم عن مساكنهم المهدمة بمساكن لائقة.
لقد تذكرت الآن عشرات المنازل المنهارة، في عشرات القرى الموريتانية التي غرقت في العام الماضي، وتحضرني الآن صورتكم وأنتم مشغولون عن الغرقى بغرس شجيرات في مشروع غرس مليون شجرة الذي لم يعد اليوم يذكره ذاكر.
سيدي الرئيس، إن المنافسة على لقب رئيس الفقراء ليست منافسة عادية، خاصة وأنها منافسة تخوضونها مع رئيسين يقدمان في كل يوم صورا مبهرة ورائعة يصعب تصديقها.
وهذه المنافسة هي التي جعلتني أطلب منكم في رسالة سابقة كتبتها لكم باسم حَمَّال، أثناء إضراب الحمالين في السنة الماضية، أن توجهوا دعوة للعشرات من الحمالين لحضور حفل عشاء في القصر، بمناسبة فاتح مايو 2010، وتستمعوا لمعاناتهم وأنينهم دون وسيط، لأنهم أولى من غيرهم للتحدث عن معاناتهم. ولقد كان بالإمكان أن تجدوا حلا لبعض مطالبهم العادلة، وأن تعتذروا لهم عن البعض الآخر من المطالب التي قد يصعب تحقيقها في ذلك الوقت.
ولقد قلت لكم في تلك الرسالة بأن الحمالين أولى بعشاء فاخر في القصر الرئاسي، ولو لمرة واحدة في العمر، من أولئك الذين تتكرر دعوتهم ـ بمناسبة وبغير مناسبة ـ رغم أنهم هم من رشف المحيط بكل حيتانه، وابتلع النفط بكل مشتقاته، وأكل الحديد بكل شوائبه، ونهب الزراعة بكل محاصيلها.
فتواجد بعض البسطاء في القصر الرئاسي، كان سيمنحكم لقطة دعائية في غاية الأهمية، أنتم في أمس الحاجة إليها. وهي لقطة كانت ستتناقلها الفضائيات العالمية، كما تناقلت استضافة الرئيس الفنزولي ل25 أسرة فقيرة في قصره الرئاسي، أو كما تناقلت صورة الرئيس الإيراني وهو ينام على فراشه المتواضع.
وإنني اليوم ـ وبمناسبة الشهر الكريم ـ أجدد طلبي لكم بفتح أبواب القصر أمام الفقراء، كما يفعل منافسوكم على لقب رئيس الفقراء.
فَلِمَ لا تنظمون إفطارا يوميا في القصر تستقبلون فيه بعض فقراء البلد؟ كالمعوقين مثلا، أو الحمالين، أو بعض سكان أحياء الترحيل، أو بعض العائدين من ليبيا أو من الإمارات أو من ساحل العاج، أو نساء "أدويراراة" اللواتي طال اعتصامهن أمام قصركم، فتسمعون من أولئك الفقراء،عن قرب، وبشكل مباشر، وتشاركونهم همومهم ولو لليلة واحدة من ليالي الشهر المبارك.
ولِمَ لا تدعون مثلا شباب بسمة وأمل لإفطار في القصر، لكي تشجعوهم على الأدوار الكبيرة التي يقومون بها لصالح فقراء البلد، خاصة في هذا الشهر الكريم؟
ولِمَ لا تمنحوهم قطعة أرضية لكي يشيدوا عليها مركزا صحيا لصالح الفقراء، وذلك بعد أن حصلوا ـ ومن خلال جهودهم الخاصة ـ على التمويل الكافي لتشييد ذلك المركز؟
أليست جمعية بسمة وأمل الشبابية أولى بقطعة أرضية من غيرها؟ ألا تستحق تلك الجمعية واحدة من تلك القطع التي توزع في كل مجلس وزراء على رجال أعمال وشركات ليس في سجل أي منها شق تمرة تبرعت به لفقير واحد من فقراء البلد؟
سيدي الرئيس، في الأخير، وبمناسبة حلول شهر رمضان، فإني أذكركم بطلب سابق، كنت قد خصصت له رسالة مفتوحة سابقة، ويتعلق ببناء مسجد في قصر المؤتمرات. فلا يليق بقصر المؤتمرات، الذي يستقبل الكثير من الندوات والمؤتمرات، أن يظل بلا مسجد رغم وجود مساحة واسعة لتشييده. ولا يليق بالشناقطة أن يشاهدوا وهم يصلون في العراء، في أفخم قصر لديهم، تم تجهيزه بكل شيء، إلا من مسجد تقام فيه الصلاة.
وفقنا الله جميعا لما فيه خير البلد، وإلى الرسالة الثانية والعشرين إن شاء الله.

الجمعة، 22 يوليو 2011

تحدثت وثائق سونمكس فقالت (1):


لم أكن أرغب إطلاقا في أن أتحدث عن ملف قضائي، لكن محاولات البعض الحثيثة لمغالطة الرأي العام من خلال سلسلة من المقالات والبيانات والتصريحات المنحازة للمتهمين، أجبرتني على التحدث، خاصة أن الأمر يتعلق بملف خطير وشائك تسبب في إهدار ربع احتياطي البلاد من العملات الصعبة في فترة قصيرة جدا لا تتجاوز ستة أشهر.
لم يعد من الممكن السكوت عن 11 مليار أوقية اقرضها البنك المركزي لسونمكس مخالفا بذلك كل القوانين المعمول بها، ورغم ذلك فلم تُسدد للبنك، وحتى يومنا هذا، أوقية واحدة من ذلك المبلغ الضخم الذي تبخر خلال أشهر معدودة، وتحول إلى مجرد أرقام زائفة في وثائق مشبوهة، أعدت بطرق بدائية وسخيفة جدا.
لقد تم نهب ذلك المبلغ الضخم في ظروف اقتصادية صعبة جدا عاش فيها فقراء البلد ظروفا قاسية، وقاسية جدا، أدت بهم إلى الخروج في ثورة جياع واسعة، لم تشهد البلاد لها مثيلا.
وبالعربي الصريح، لم يعد من الممكن السكوت لأن في ذلك المبلغ الضخم نصيبا لعجوز أمبود، إحدى أهم شخصيات رسائلي المفتوحة، والتي قلت عنها في واحدة من تلك الرسائل بأنها ربما تكون قد تمنت أن تكون ناقة لأحد الأكابر بدلا من أن تكون مواطنة موريتانية، وذلك لكي تملأ بطنها من قمح المفوضية وسونمكس، والذي كانت تشاهده ينقل ويوزع على نوق وأبقار الأكابر كأعلاف، في الوقت الذي كانت فيه هي تبيت الليالي المتوالية، تتضوع جوعا، في قرية كل أهلها جياع، تابعة لمقاطعة "أمبود"، وهي المقاطعة التي تعد من أفقر مقاطعات البلاد.
وإذا كان من الممكن أن أسكت عن نصيبي الشخصي من ذلك المبلغ الضخم، فإني لا أستطيع أن أسكت عن نصيب تلك العجوز، ولا عن نصيب غيرها من شخصيات رسائلي المفتوحة.
شلت يداي إن سكت.
لقد آلمني أن تجوع تلك العجوز ويجوع معها مليون ونصف المليون من فقراء البلد الذين يعيشون تحت خط الفقر، في عام خصصت فيه الدولة 49 مليون دولار من احتياطها من العملات الصعبة لتثبيت أسعار المواد الغذائية الأساسية، بل ولتوفيرها مجانا للمواطنين الأكثر فقرا إذا ما استدعت الضرورة ذلك.
وآلمني أكثر أن يجتمع كتاب وسياسيون و نشطاء من المجتمع المدني لأسباب جهوية، أو سياسية، أو مزاجية حتى، فيغالطون تلك العجوز، ويغالطون معها شعبا بكامله، فيدعون بأن من بدد تلك الأموال الطائلة ليس هو من بددها، وأن من أهدر تلك المبالغ الخيالية ليس هو من أهدرها.
هكذا هي نخب هذا البلد تظهر دائما حيث يجب أن تختفي، وتختفي حيث يجب أن تظهر، تسكت عما يجب أن يقال، وتقول ما كان من الأفضل لها أن تسكت عنه.
فويل لتلك النخب من "عجوز أمبود"، وويل لهم من فقراء البلد إذا ما جمعهم صعيد واحد في يوم عصيب قادم لا محالة، ستدنو فيه الشمس من الرؤوس، وسيلجم فيه العرق كثيرا من خلق الله ، ولن تضيع في ذلك اليوم حبة قمح واحدة، لا لعجوز أمبود، ولا لأي فقير موريتاني آخر.
لقد كان حريا بأولئك الكتاب والنشطاء والساسة أن يؤازروا الحملة الوطنية لإنقاذ الثروة السمكية مثلا، والتي تحاول أن تقف ـ بإمكانياتها المتواضعة ـ ضد تجفيف منابع الاقتصاد الوطني، أو أن يؤسسوا لجنة لمؤازرة سونمكس التي تم إفلاسها بشكل متعمد، بدلا من تأسيس لجان لمؤازرة متهمين تشير كل الدلائل بأنهم هم من بدد تلك الأموال الضخمة.
لنطرح السؤال: كيف تم تبديد 11 مليار أوقية بتلك الطريقة المستفزة ؟
دعونا ننبش قليلا بعض الوثائق والتقارير والمحاضر المتعلقة بذلك الملف، ودعونا نقرأ تلك الوثائق بعيون محايدة إذا أمكن، أو منحازة ـ إذا كان لابد من الانحيازـ لعجوز أمبود، ولغيرها من جياع البلد. واعذروني إن انحزت للفقراء فأنا واحد منهم، وأعذروني ـ كذلك ـ إن انحزت لضحايا الفساد، فأنا واحد من ضحايا الفساد الذين يعتقدون بأنهم هم الذين عليهم أن يحاربوا الفساد، دون انتظار لمن يخوض عنهم تلك الحرب بالوكالة، ولهذا أسسنا "ضحايا ضد الفساد"، في محاولة لاستقطاب ضحايا الفساد الإيجابيين.
تقول الوثائق بأنه في يوم 22 إبريل 2008 وقع السيد مولاي العربي مدير سونمكس وقتها مع محافظ البنك المركزي قرضا بقيمة 45 مليون دولار رغم أن القوانين لم تكن تجيز للبنك التعامل إلا مع المؤسسات المالية.
واشترط البنك شرطين: أولهما توطين جميع المبيعات المتحصلة من القرض في حساب لدى البنك المركزي، وهو ما لم يحدث حيث لم تحول أوقية واحدة إلى البنك المركزي في عهد السيد مولاي العربي (والذي سأخصص له الجزء الأول من هذا المقال )، وهو ما يعني أن الشرط الأول لم يلتزم به هذا المدير الذي ظل يحول المبالغ المتحصلة إلى الحساب رقم502 في البنك الوطني الموريتاني، والمعروف شعبيا ببنك ولد "أنويكظ".
أما الشرط الثاني فهو أن لا تتعامل سونمكس مع أي بنك وسيط دون إذن من البنك المركزي، وهو الشرط الذي لم يحترمه كذلك السيد مولاي العربي ولا لمرة واحدة.
الخلاصة: إن السيد مولاي العربي أخل وبشكل كامل بشرطي القرض اللذين اشترطهما البنك المركزي مقابل تقديم القرض لسونمكس، فلماذا لم يشكو البنك المركزي أمام القضاء المدني في الوقت المناسب؟ ذلك مجرد سؤال على الهامش.
أما فيما يخص تسيير القرض وبقية الأمور الأخرى المرتبطة بالملف والتي يدور حولها نقاش حاد، فسأتعرض لها في هذا المقال من خلال ست نقاط:
أولها: لم يكن لمولاي العربي أي شريك في تسيير القرض وإنفاقه لا جهة وصية، ولا لجنة للصفقات، ولا لجنة للمشتريات، ولا مستشارين. لقد أنفق مولاي العربي تلك المبالغ الضخمة بقرارات فردية لم تكن سديدة وهو ما سنبينه لا حقا، وحتى لو كانت تلك القرارات صائبة وجاءت بحصيلة إيجابية للشركة، وهو ما لم يحدث، فإنها ستبقى قرارات خاطئة يمكن أن يحاسب عليها السيد مولاي العربي، لأنها تخالف ـ وبشكل صارخ ـ ما تنص عليه مسطرة قوانين تسيير المؤسسة.
ثانيها: قبل أسبوع من توقيع القرض كان مولاي العربي قد عقد صفقات لتوريد ما تتجاوز قيمته 30مليون دولار، وهو ما يعادل 67% من قيمة القرض.
ثالثها: تعامل السيد مولاي العربي مع شركة واحدة لتوفير40 ألف طن من الأرز، وهو ما حرم شركة سونمكس من الاستفادة من المنافسة بين الشركات العالمية، لتوفير تلك الكميات الضخمة. ولقد شاب تلك الصفقة العديد من الشبهات، وهي شبهات يمكن حصرها في النقاط الفرعية التالية:
1 ـ لقد تم شراء تلك الكمية الضخمة في وقت بلغت فيها الأسعار العالمية لمادة الأرز مستويات عالية، ومع ذلك فقد اشترى السيد مولاي العربي بسعر يفوق بكثير حتى الأسعار العالمية المرتفعة وقتها، وبفارق يزيد على 2.5 مليار أوقية حسب وثيقة لمؤسسة SGS المتخصصة في المجال، وهذا الفارق لوحده، أقول هذا الفارق لوحده، وأكرر هذا الفارق لوحده، يفوق نصف سلفة ( OFID) والتي تم بموجبها رهن المقر الاجتماعي للشركة وبعض مخازنها، مقابل تلك السلفة المثيرة للجدل. يا لجان المؤازرات اتقوا الله في أنفسكم وفي فقراء هذا البلد.
2ـ إن شركة ( Novel) التي تم التعاقد معها لتوفير 40 ألف طن من الأرز لم تتجاوز كل مبيعاتها من الأرز 28 ألف طن خلال العام 2007. كما أن كل واردات شركة سونمكس في العام نفسه لم تتجاوز في مجموعها 24 ألف طن، أي نصف الكمية تقريبا التي تم شراؤها دفعة واحدة، وبأسعار خيالية، حتى من قبل التوقيع على القرض.
3ـ لم يكن هناك ما يبرر شراء تلك الكميات الضخمة خصوصا إذا ما علمنا بأن الاتفاق لا يلزم الشركة بتوفير تلك الكمية بشكل فوري، بل يعطيها عدة أشهر لتوفير تلك الكمية، وهو ما عجزت عنه الشركة في وقت لاحق، ولم يترتب على ذلك العجز أي مراجعة للأسعار التي انخفضت عالميا. ولقد نجحت شركة سونمكس بعد إقالة مولاي العربي في أن تراجع أسعار 15 طن من الأرز مع الشركة الموردة، لم يكن قد تم استلامها في عهد مولاي، وتمكنت من تخفيض سعر تلك الكمية بنسبة 31% من السعر المتعاقد عليه مع السيد مولاي العربي.
4ـ عندما فشلت سونمكس في توفير المبلغ المطلوب لتسديد ثمن الصفقة الأخيرة في مهلة لم تتجاوز ثلاثة أيام فقط منحتها الشركة الموردة، عندما فشلت سونمكس في توفير المبلغ في تلك المدة القصيرة جدا، ما كان من الشركة الموردة إلا أن رفعت دعوى ضد سونمكس، وقد كسبتها. في حين أن مولاي العربي لم يرفع دعوى ضد الشركة الموردة، ولم يراجع معها الأسعار، رغم أنها أخلت ـ وبشكل صارخ ـ ببنود الاتفاق، عندما عجزت عن توفير الكميات المتعاقد عليها في الآجال المحددة في الصفقة.
5 ـ لقد كانت الكمية المتعاقد عليها موزعة على النحو التالي: 8 آلاف طن من الأرز العالي الجودة، و32 ألف طن من الأرز الأقل جودة، ومع ذلك حسبت ( Novel) السعر الإجمالي بسعر الكمية الأعلى جودة، والتي لم تكن تمثل سوى 20% من الكمية الكلية المتعاقد عليها.
6ـ لم يكن شراء هذه الكمية الضخمة وبأسعار خيالية قبل موسم الخريف له ما يبرره، خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار الطاقة الاستيعابية لمخازن سونمكس، والحالة المزرية لبعض تلك المخازن، وهو ما أدى في النهاية إلى تلف كميات معتبرة، وبيع بعض المواد بأسعار زهيدة لقرب انتهاء تاريخ الصلاحية، بل إن بعضها تم بيعه فيما بعد كعلف حيواني، كما حدث مع 200طن من الألبان المجففة.
وبعد إقالة مولاي العربي، وفي محضر التسليم مع ولد آكاط سجل مولاي العربي 9 مليارات على أنها قيمة المخزون الذي تركه في مخازن سونمكس، وذلك لإعطاء صورة غير حقيقية للشركة. وهذا المبلغ يمثل 81% من مبلغ القرض، ويعني ذلك من بين أمور أخرى، بأن التسرع في شراء تلك الكميات الضخمة من الأرز، وبأسعار خيالية لم يكن بالقرار الرشيد، خاصة أنها ستفقد نسبا عالية جدا من قيمتها وهي لا تزال في مخازن الشركة.
7ـ إن هذه الكمية التي تم شراؤها بأسعار خيالية تمثل ثلث الاستهلاك الوطني من مادة الأرز، وتمثل نصف ما تستورده البلاد من الأرز لعام كامل، فهناك ثلث تتم تغطيته من خلال الإنتاج المحلي. فلماذا تم شراء نصف الواردات السنوية من مادة الأرز دفعة واحدة، ومن عند شركة واحدة، وبأسعار تفوق الأسعار العالمية، والتي كانت تبلغ في وقت الشراء مستويات مرتفعة جدا؟ وهل يعقل أن نقبل تلك التصرفات المشبوهة من مدير غبي؟ وكيف إذا تعلق الأمر بمدير يشهد له الجميع بالذكاء، وخريج واحدة من أرقى الجامعات؟
رابعها : لقد رهن السيد مولاي العربي الملكية العقارية رقم (1010/T vol 6 F°66 ) للبنك الوطني الموريتاني مقابل ضمان لسلفة من (OFID) تبلغ خمسة ملايين دولار، ولقد تم تقديم مغالطات كبيرة حول ذلك الرهن، وهي مغالطات يمكن تفنيدها من خلال النقاط الفرعية التالية:
1 ـ إن رهن ذلك العقار تم في يوم 5 مارس 2008 في عهد مولاي العربي، والعقار لازال حتى يومنا هذا مرهونا للبنك الوطني (بنك أهل نويكظ) ولم يرفع عنه الرهن ولو ليوم واحد عكس ما هو شائع.
2 ـ إن ما رُفِع عنه الحجز هو الضمانة المصرفية للبنك الوطني، والتي استعادها البنك الوطني، بعد أن قبل البنك المركزي أن يتحمل ضمان سلفة (OFID)، بدلا من البنك الوطني، الشيء الذي زاد من أعباء البنك المركزي، وزاد من ديونه على شركة سونمكس.
3ـ يقول السيد ولد أنويكظ بأن رهن العقار هو مقابل كل ديون بنكه على شركة سونمكس، وهو ما جعله يرفض أن يعيد لسونمكس العقار المذكور بعد أن تحمل البنك المركزي ضمان سلفة (OFID)، وبالتالي رفع الحجز عن ضمانة البنك الوطني . ويحتج ولد انويكظ بالمادة 15 من اتفاقية الرهن. في حين تدعي سونمكس بأن الرهن كان فقط مقابل سلفة (OFID)، لذلك فسونمكس تعتقد أن من حقها أن تستعيد الرهن . المهم أن الرهن لم تستعده سونمكس بعد أن تم تسليمه للبنك الوطني في يوم 5 مارس2008، لا في عهد ولد آكاط، ولا في عهد ولد الوافي، ولا في عهد المدير السابق، ولا في عهد المدير الحالي، الذي تم تعيينه منذ أيام معدودة.
4 ـ لم يتم إشعار مجلس إدارة الشركة برهن العقار المذكور، ولم يتم ذكره في كل محاضر تبادل المهام التي تمت بين مولاي العربي وولد آكاط ، ولا تلك التي تمت بين ولد آكاط وولد الوافي بعد ذلك، بل إن ولد آكاط لم يعلم أصلا برهن العقار المذكور، ولم يعلم به ولد الوافي الذي جاء بعد ذلك، إلا بأيام قليلة قبل إقالته.
5 ـ لم يسجل ولد أنويكظ الرهن عند إدارة العقارات إلا بعد مرور عامين وخمسة أشهر على عملية الرهن نفسها، وتحديدا في يوم 08 ـ 08 ـ 2010 ، وقد دفعت سونمكس مبلغ 14.760.140 أوقية كرسوم لتسجيل الرهن.
6 ـ إن عملية رهن عقار سونمكس تمت بين شخصين فقط، وكأنها تتعلق بملكية خاصة للسيد مولاي ولد العربي. ولقد تعمد مولاي وولد أنويكظ إخفاءها عن الجميع، ولأسباب سأترك للقارئ الحرية في تحديدها. فمولاي لم يُشعر بها مجلس إدارة الشركة، ولم يذكرها في محاضر تبادل المهام. أما ولد أنويكظ فلم يسجلها عند إدارة العقارات حفاظا على سرية العملية، ولم يعلن عملية الرهن إلا بعد أن اضطر لذلك، عندما بدأت سونمكس تطالب باستعادة عقارها، بعد أن علمت بأنه قد تم رهنه لولد أنويكظ منذ سنتين وزيادة.
خامسها: لقد حاول البعض أن يجعل من السيد مولاي العربي نموذجا فريدا من نوعه في مجال تسيير سونمكس، وفي ذلك القول مغالطات كبرى، ففضلا عن الأخطاء التي تحدثت عنها سابقا، فيمكن أن أضيف هنا الأدلة التالية على فشل السيد مولاي العربي في تسيير سونمكس.
1 ـ لنعد قليلا إلى سونمكس قبل شهر واحد من استلام القرض الضخم، ولنستمع هنا إلى شهادة شخص له صلة قوية بالسيد مولاي العربي، لنستمع إلى شهادة ولد أنويكظ بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على تعيين مولاي العربي مديرا للشركة.
يقول ولد أنويكظ بأن سونمكس بعد ثلاث سنوات من تسيير مولاي العربي، وتحديدا في الشهر الذي سبق القرض كانت في وضعية صعبة جدا، لدرجة أصبح فيها البنك خائفا على ديونه في ظل غياب أي ضمانة لتلك الديون. وما قاله ولد أنويكظ في هذه الجزئية كان صحيحا فالشركة حينها كانت في وضعية مزرية.
2 ـ في اعتقادي الشخصي أن 50 مليون دولار التي تم تسليمها للسيد مولاي العربي، ليتصرف فيها كما يشاء، وكأنها ممتلكات خاصة، لو تم تسليمها لمدير متوسط الكفاءة، ومتوسط الاستقامة لكان حال الشركة يختلف عن حالها البائس الذي تتخبط فيه اليوم. فالشركة كان من المفترض لها أن تنتعش ـ على الأقل ـ في الأشهر الستة التي عقبت ضخ 50مليون دولار في شرايينها، وهي الأشهر الستة التي سبقت إقالة مولاي العربي، وهي نفسها الأشهر التي تم فيها إنفاق القرض كله.
3 ـ لقد حدثت مغالطات كبيرة في بعض الأرقام أثناء التسليم، وكان الهدف من تلك المغالطات أن تظهر الشركة وكأنها في وضعية جيدة.
فقد تم تسجيل مبلغ 1.8 مليار وقية على أنه رصيد للشركة لدى الخزينة العامة، وأن هذا الرصيد سيتم تحويله إلى البنك المركزي. ولم يكن السيد مولاي العربي يتحدث عن ذلك الرصيد أثناء اجتماعاته بمحافظ البنك المركزي وبمدير الخزينة العامة لأنه كان يعلم جيدا بأن الخزينة العامة تطالب سونمكس بديون تفوق بكثير ذلك المبلغ مما جعلها ترفض تحويله لحساب سونمكس في البنك المركزي. كما أنه أفي محضر التسليم تم إخفاء مبالغ ضخمة أخرى تصل إلى مليار وثمانمائة مليون أوقية كانت عبارة عن ضرائب على الشركة، وعن ديون لأصحاب المطاحن.
4 ـ تم تقديم شركة الإيداع والترانزيت SMCTT والتي أنشأها السيد مولاي العربي دون علم مجلس الإدارة على أنها كانت فكرة رائدة من نوعها، لأن تلك الشركة حققت وفي مدة قصيرة أرباحا لا بأس بها.
والحقيقة أن تلك الشركة التي ولدت بشكل غير شرعي، قد حققت فعلا أرباحا لا بأس بها، استفاد منها أربعة أشخاص ساهموا في السنوات الماضية بجهودهم الجبارة في تدمير سونمكس. وهذه الأرباح كانت بمثابة خسائر إضافية لسونمكس لأنها كانت على حسابها.
لقد حرمت تلك الشركة سونمكس من الاستفادة من تنافس شركات الإيداع والعبور . ولقد احتكرت تلك الشركة خدمات تخليص وتفريغ كل المواد المستوردة باسم سونمكس، مع زيادة سعر تفريغ الطن من 420 أوقية كانت تدفعها سونمكس لشركات الإيداع قبل ميلاد SMCTT ، إلى 1020 أوقية للطن أصبحت سونمكس مجبرة لدفعها لشركة الإيداع الجديدة عن كل طن يتم استيراده، أي بزيادة كلفة قدرها 166%. كما أن سونمكس كانت توفر للشركة"الرائدة" مكاتب ومخازن بشكل مجاني، هذا فضلا عن سلفة ظلت تدفعها سونمكس في كل عام للشركة "اللقيطة". وقد بلغت السلفة حتى في الأعوام التي لم تستورد فيها سونمكس حبة أرز واحدة 128 مليون أوقية!!
5 ـ رغم أن السيد مولاي العربي تم منحه أياما إضافية بعد إقالته ليتصرف بمطلق الحرية في شركة سونمكس المنهارة، حيث منح سلفة بعد إقالته لكل العاملين في الشركة ولمدة عامين كاملين، وهي سلفة أثارت شكوكا كثيرة، وقيل بأنها لضمان الولاء. كما أنه قام بتسديد ديون بلغت 138.250.000 أوقية بعد إقالته، إلا أن ذلك كله لم يمنعه من دخول حساب الشركة سرا، في فترة إدارة ولد آكاط، وهو ما تسبب في إلقاء القبض عليه والتحقيق معه.
سادسها: أيضا من القضايا التي أثارت جدلا كبيرا في هذا الملف هي شخصية غودينو وتقريره المثير، ولتصحيح بعض المغالطات المتعلقة بهذه النقطة فيمكننا القول:
1ـ إن غودينو من المدققين والمحققين الجيدين، وقد حقق في ملفات شائكة، وله مؤلفات عديدة، ولا يعني ذلك ـ بأي حال من الأحوال ـ بأن حياته الشخصية لا تخلو من فضائح.
2ـ عكسا لما قيل حتى في البرلمان، فغودينو جاء على حساب سونمكس، ولم يأت متطوعا، ولا على حساب جهة أخرى. ويكفي هنا أن نعرف بأن ولد أنويكظ الذي يعتبر من أكبر المتضررين من تقرير غودينو، اعترف بأن غودينو جاء على حساب سونمكس، وإن كان قد انتقد قدومه لأنه لم يكن في إطار مناقصة. كما انتقد كذلك التعويضات المقدمة له لأنها في نظره كانت مرتفعة جدا.
3 ـ لم يستطع أي من خصوم غودينو أن يشكك أو يفند المعلومات التي جاءت في تقريره الذي أعده بمهنية عالية. كلما هنالك هو أن المتضررين من التقرير حاولوا أن يركزوا على الحياة الخاصة لغودينو، فلنفترض جدلا أن غودينو كان شيطانا، ألا يمكن أن نصنف ما جاء في تقريره ـ مادمنا غير قادرين على تفنيده علميا ـ على أنه يدخل في إطار " صدقك وهو كذوب".
4 ـ هناك نائب دافع بحماس عن أحد المتهمين اعتذر عندما اطلع على بعض المعلومات التي نُقلت له من تقرير غودينو، واعترف بأنه قد تمت مغالطته بمعلومات قدمت له من عند أحد الأطراف. وبالطبع كان على النائب أن يكون أكثر شجاعة، وأن يعترف علنا بأنه كان ضحية لمعلومات مغلوطة.
وللحديث بقية...
تصبحون على الحقيقة.....

الأحد، 10 يوليو 2011

أسئلة للشباب




لماذا لا يزال الشباب الموريتاني تحكمه وتوجهه الخلافات الفكرية و الحزبية و العرقية في حين استطاع الشباب في الدول الشقيقة والمجاورة تجاوز تلك الخلافات؟
وكيف استطاع الشباب المصري والتونسي واليمني تجاوز الخلافات التقليدية ولم يستطع الشباب الموريتاني ذلك؟
وكيف تمكن شباب الإخوان في مصر من أن يقود الجماعة ويجرها إلى المشاركة في الثورة رغم رفضها في البداية؟ ولِمَ لم يتمكن الشباب هنا من قيادة الطبعة الموريتانية من الإخوان إلى الحراك الشبابي؟ أو أن يقودها لأي شيء آخر؟
وكيف تمكن الشباب الناصري في مصر من ذلك رغم أن الحزب الناصري أعلن أنه هو الذي يقود الثورات ولن يقبل أن تقوده حفنة من الشباب؟ ولماذا لم يتمكن الشباب هنا من قيادة الطبعة الموريتانية للناصرية إلى الحراك الشبابي؟ أو أن يقودها لأي شيء آخر؟
ولماذا في هذا الزمن الذي أصبح فيه شباب الدول الشقيقة يقود التغيير لا زال الشباب الموريتاني يقبل بأن يقوده رجال من الماضي بأساليب وبأفكار وبعقليات بالية؟
وكيف استطاع الشاب الإخواني والشاب الوفدي والشاب الناصري أن يتجاوزوا خلافات تشكيلاتهم التقليدية وأن يلتحموا ـ كالبنيان المرصوص ـ في ميدان التحرير بوصفهم شباب مصر لا شباب حركات وتشكيلات سياسية؟ ولماذا لم يستطع شبابنا نحن أن يقلدهم في ذلك وهو الذي يقلدهم في كل شيء؟ ولماذا لم يستطع شبابنا أن يلتحم في ساحة "أبلوكات" أو في ساحة 1 مايو بوصفه شباب موريتانيا لا شباب حركات وإيديولوجيات وأحزاب متصارعة ومتناحرة؟
وكيف تجاوز الشباب القومي والشباب الإسلامي في مصر خلافاتهم رغم أن منشأها كان هناك ولم يستطع شبابنا نحن أن يتجاوز تلك الخلافات ؟
و لماذا عندما ينشأ خلاف بين القوميين والإسلاميين هنا تظهر عشرات الأقلام الشبابية من كلا الطرفين تنبش أرشيف خلافات الإخوان والناصريين في مصر وفي غيرها؟ ولماذا تختفي تلك الأقلام عندما نحتاجها في قضايا وطنية كبرى؟
ولماذا يدخل بعض الموريتانيين في سبات عميق ولا يستيقظ إلا في الاحتفالات المخلدة لثورة عبد الناصر؟ وأيهما أولى بأن يحتفل به الشباب الموريتاني: ثورة يوليو 1952 أم ثورة يناير 2011؟
ولماذا يدخل البعض الآخر في سبات أعمق ولا يستيقظ إلا ليحتفل بيوم استشهاد صدام حسين؟ ولماذا تدخل فئة أخرى في سبات أطول ولا تستيقظ إلا في مثل هذا اليوم ولكن لتنتقد وتسب صدام حسين؟
وهل يجب أن تظل مشاكل الشباب الموريتاني محصورة في معرفة ما إن كان صدام قد عاش مستبدا أو مات شهيدا؟ أو أن تظل محصورة في معرفة هل كان عبد الناصر قائد ثورة أم قائد انقلاب؟ وهل كان القذافي مفكرا صاحب نظرية ثالثة أم كان مجنونا تسكنه ثلاث شياطين؟
وهل الإخوان هم الذين ظلموا عبد الناصر أم أن عبد الناصر هو الذي ظلمهم؟
وبماذا سيستفيد شبابنا إن تفرغوا لنبش ذلك الأرشيف؟
ولماذا يستطيع شبابنا أن يتوحد لمناصرة الأشقاء ولا يستطيع أن يتوحد لمناصرة أي قضية وطنية مهما كانت أهميتها؟
ولماذا لا يشارك شباب الزنوج في القضايا الوطنية الكبرى ولا يشاركون إلا في القضايا التي يعتقدون أنها تخصهم دون غيرهم؟
وإذا كان من الممكن أن نختلف لأسباب فكرية أو عرقية أو سياسية حول بعض القضايا الوطنية أليست هناك قضايا لا يمكن الخلاف عليها؟
ألا يشكل مثلا نهب ثروتنا السمكية تهديدا مباشرا للشاب الزنجي؟
ألا يتساوى في تلك الكارثة وفي ذلك التهديد الشاب الموريتاني الناصري والشاب الموريتاني البعثي و الشاب الموريتاني الإخواني والشاب الموريتاني التكتلي والشاب الموريتاني التحالفي والشاب الموريتاني الموالي والشاب الموريتاني اليساري و الشاب الموريتاني السنغالي والشاب الموريتاني المغربي والشاب الموريتاني الصحراوي والشاب الموريتاني الكوبي ......؟؟؟؟؟
أليس الشباب الموريتاني بغض النظر عن انتماءاته هو المعني الأول بحماية تلك الثروة؟ وهل يعول الشباب على الأطفال الذين لا يمكنهم الآن أن يفعلوا شيئا لحماية ثروتهم؟ أم يعول على كهول موريتانيا وشيوخها الذين هرم من هرم منهم في الفقر، وهرم من هرم منهم في رغد العيش، وبالتالي لم يعد "تجفيف منابع الاقتصاد" يعني لهم شيئا كثيرا؟
ولِمَ لم يجتمع الشباب حتى الآن حول هذه القضية الوطنية والتي لا يمكن احتكارها فكريا أو سياسيا أو عرقيا لأنها قضية وطنية من المفترض أنها تهم الجميع؟
ألا يشكل إنقاذ الثروة السمكية فرصة نادرة لأن يجتمع الشباب الموريتاني في ميدان واحد؟
ولماذا لا يستطيع الشباب أن يُجمع على حماية ثروات بلده التي تنهب كما أجمع في السابق على مناصرة القضية الفلسطينية مثلا؟
أجيبوني يا شباب يرحمكم الله...
تصبحون على شباب متجدد.....

الأحد، 3 يوليو 2011

أفكار "ثورية" لتجديد فقراء موريتانيا!!!



ماذا لو قرر الرئيس بعد دعوته المبكرة لتجديد طبقة السياسيين، وبعد دعوته المتأخرة لتجديد طبقة المزارعين أن يدعو لتجديد فقراء البلد؟
وماذا لو قرر الرئيس أن يجدد طبقة الفقراء، خاصة منها 47 % التي تعيش تحت خط الفقر، والتي ظلت تحتكر الفقر و تتوارثه "كابرا" عن "كابر"، وفقيرا عن فقير خلال العقود الأخيرة؟ وماذا لو قرر الرئيس أن يحارب الفقر والفقراء، وأن يَحْرُم الفقراء من احتكار "نعمة" الفقر لعقود أخرى؟ وماذا لو قرر الرئيس أن يأتي للفقراء بفقراء جدد تآمرت عليهم الأنظمة البائدة، وحرمتهم من حقهم في الانضمام إلى الأغلبية الفقيرة في هذا البلد ؟ فكان كلما اقترب أحدهم من حمى الفقر، عينته تلك الأنظمة في وظيفة سامية، أو منحته صفقة عمومية ليجد حلمه قد تبدد تماما، فينقلب على عقبيه وهو حاقد على النظام الذي تآمر عليه وحرمه من أن يكون فقيرا.
لقد أصبح تجديد طبقة الفقراء يشكل مطلبا ملحا، وهو سيظل أكثر إلحاحا من مطلب تجديد طبقة السياسيين أو تجديد المزارعين.
ورغم أن الدعوة لتجديد طبقة الفقراء قد تشكل صدمة كبيرة للفقراء الذين انتخبوا الرئيس، والذين لم يكونوا يتوقعون منه أن ينقلب عليهم، ويسلبهم احتكار الفقر بعد أن فشلت الأنظمة السابقة ـ رغم محاربتها العلنية للفقراء ـ في أن تنتزع منهم ميزة احتكار الفقر.
واليوم، ونحن نعيش عصر الثورات، لم يعد مقبولا حرمان أغنياء موريتانيا من الالتحاق بإخوتهم الفقراء، لأن ذلك قد يؤدي إلى زرع الأحقاد، وقد يتسبب في ثورة أغنياء، قد تخلف أضرارا أشد وأخطر من الأضرار التي سببتها ثورة الجياع في عهد "الرئيس المؤتمن". علينا أن ننتصر لأغنياء البلد، قبل أن ينتصروا هم لأنفسهم ويعلنوها ثورة على الفقراء ورئيسهم.
وعلى الفقراء أن يعلموا بأن للأغنياء الحق المطلق في الطموح لأن يكونوا فقراء.
وعليهم أن يعلموا بأن رئيسهم ظل خلال السنوات الثلاث الماضية من حكمه وفيا لهم، ولم يُعرف عنه أنه أقصى أو طرد أي فقير من "نعيم" الفقر إلى "جحيم" الثروة، رغم كل الإشاعات المغرضة للأغلبية الداعمة له، والتي تدعي ـ زورا وبهتانا ـ بأن رئيس الفقراء يحارب الفقر والفقراء.
لم يحارب رئيس الفقراء الفقر بل على العكس بذل جهودا جبارة وحثيثة لكي يوزع "المتاح" من الفقر ـ وما أكثره ـ على جميع الموريتانيين، كما وزع "المتاح" من العدالة ـ وما أقله ـ على جميع الموريتانيين.
لقد ظل رئيس الفقراء منذ وصوله للحكم، يسد أبواب الرزق بابا بابا، ويغلق نوافذه نافذة نافذة، على طريقة "بيت بيت دار دار". وذلك لكي ينعم جميع الموريتانيين بنعيم الفقر، سواء منهم من صوت له في الانتخابات الرئاسية، أو من صوت ضده.
لم يرفع رئيس الفقراء ـ المولع برفع شعارات تجديد الطبقات ـ شعار تجديد الفقراء، لأنه يعلم أن الفقر يختلف عن السياسة وعن الزراعة. فالزراعة لا تستطيع أن تشغل كل الموريتانيين، والسياسة أيضا لا تستطيع ذلك. ومن هنا ـ ولتحقيق المتاح من العدالة ـ جاءت الدعوة إلى ضرورة تجديد الطبقة السياسية وتجديد المزارعين، لكي لا يظل بعض الموريتانيين يحتكر لوحده السياسة أو الزراعة. أما الفقر في موريتانيا الجديدة فإنه يسع جميع الموريتانيين، وإفقار غني ودمجه في حياة الفقراء لا يتطلب بالضرورة ظلم فقير وإخراجه من دائرة الفقر ليحل محله الغني الذي تم إفقاره.
ولأن الأنانية من طبع الفقراء، فقد لا يقبل بعض متطرفي الفقراء أن يدمج معهم الأغنياء. حتى ولو علموا بأن دمج الأغنياء معهم في حياة الفقر لا يعني بالضرورة إخراجهم من تلك الدائرة. أنا شخصيا ومن باب "الإيثار" فإني على استعداد كامل لأن أتنازل عن موقعي في خريطة الفقر لأي غني يريده. مع الاستعداد للاعتذار علنا عن احتكاري لهذا الموقع عقودا من الزمن في الوقت الذي ظل هو فيه يرزح في حياة الترف ودون أن تتيح له الأنظمة المتعاقبة فرصة شريفة للهبوط إلى الموقع الذي كنت ـ ولازلت ـ أحتكره.
وعلى الفقراء أن يعلموا بأن للرئيس الحق الكامل في أن ينقلب عليهم كما انقلب على باقي أغلبيته، وعلى كل داعميه من سياسيين ووجهاء ورجال أعمال ....
فمن حق الرئيس إذا ما فشل في إفقار كل الموريتانيين أن يُجبر بعض الفقراء على ترك عروشهم الخاوية في جمهورية الفقر الجديدة لأقلية غنية استعصى عليه إفقارها في سنواته الثلاث الماضية. وذلك رغم جهوده الجبارة في هذا الإطار. وهي جهود أقدرها للرئيس وأعترف بها رغم أنني من معارضيه.
فليس من العدل أن يحتكر فقير موقعا متميزا في خريطة الفقر لعدة سنوات متتالية في الوقت الذي يوجد فيه غني لم تتح له الفرصة لأن ينعم ـ ولو لأيام معدودات ـ بالحياة مع فقراء الأعماق، أو مع الفقراء الجدد. ولعل من المفارقات الغريبة أننا رغم أننا نعيش في بلد الترحال إلا أن رياح الترحال لم تصل إلى بعض الأغنياء لكي ترحل بهم إلى عالم الفقر، وهي أيضا لم تصل إلى الفقراء لكي ترحل ببعضهم إلى عالم الترف.
لقد أصبح من الضروري أن يحصل الأغنياء المظلومون على تمييز إيجابي يساعد في دمجهم في حياة الفقر النشطة. ويمكن أن يتم ذلك الدمج من خلال زيادة الضرائب أو من خلال حرمانهم من الصفقات العمومية. كما يمكن سن قوانين تجرم توظيف كل من له صلة بهم وتخصيص الوظائف القليلة المتاحة للأسر الأكثر فقرا، والتي تضم أكثر من ثلاثة عاطلين عن العمل من حملة الشهادات. وفي هذه الجزئية يمكن الاستفادة من التمدرس الإجباري الذي كان يفرضه المستعمر الفرنسي لإجبار بعض الأسر على تعليم أبنائها في مدارسه. فعلى رئيس الفقراء أن يفرض "التوظيف الإجباري" على الأسر الأكثر فقرا حيث يفرض على كل أسرة فقيرة تضم على الأقل ثلاثة من العاطلين عن العمل التضحية بأحد أبنائها، وتقبل توظيفه للحد من احتكار أسر بعينها لمقاعد دائمة في خريطة الفقر، في الوقت الذي توجد فيه أقلية غنية محرومة من ولوج حياة الفقر التي تنعم فيها غالبية الشعب الموريتاني.
لقد أصبح من اللازم أن تشعر الأقلية الغنية في هذا البلد بأنها ليست مهمشة، و بأن هناك تمييزا إيجابيا لصالحها سيمكنها من الالتحاق ـ في القريب ـ بأغلبية الشعب الموريتاني القابعة تحت خط الفقر.
وعلى حكومة التراكمات أن تسارع في إفقار القلة الباقية من المجتمع، وذلك من خلال التمييز الإيجابي لصالح الأغنياء، طبقا للتعليمات السامية لرئيس الجمهورية والهادفة لإفقار كل الشعب الموريتاني. وعليها أن تكون حذرة حتى لا يخدعها بعض الفقراء الذين قد يتظاهرون بأنهم أغنياء سعيا للاستفادة من التمييز الإيجابي، الذي يجب أن يتم تطبيقه بشكل شفاف، حتى لا يستفيد منه إلا غني استطاع أن يثبت بأنه لم ينعم بالفقر يوما واحدا خلال الثلاثين سنة الأخيرة على الأقل.
ففقراء البلد قد يتحولون جميعا إلى أغنياء يعيشون كما يعيش الأغنياء، إذا ما علموا بأن هناك تمييزا إيجابيا لصالح الأغنياء. وربما تكون تلك هي الطريقة الوحيدة المتاحة للقضاء على الفقر في موريتانيا، على الأقل ظاهريا.
إن التجارب السابقة أثبتت أن المواطن الموريتاني الفقير بإمكانه أن يكون غنيا إذا ما أراد، والغني أيضا بإمكانه أن يكون فقيرا في مواسم توزيع القطع الأرضية، أو أثناء توزيع لحوم الأضاحي القادمة من السعودية، أو حتى في أوقات توزيع أسماك زهيدة. ومن هنا فلا بد من الحذر حتى لا ينحرف التمييز الإيجابي عن أهدافه النبيلة فيستفيد منه الفقراء المتحايلون بدلا من الأغنياء المهمشين.
إن السلوك الغريب للمواطن الموريتاني قد فند "نظرية النصف"، و التي وإن كانت نظرية صحيحة عدديا إلا أنها خاطئة في جوهرها.
تقول نظرية النصف ـ والتي لن تسمعوا بها عند غيري ـ إن نصف الشعب الموريتاني أمي وتقول إن النصف الآخر ليس بالأمي. ولكنكم عندما تتأملون سلوك النصف المتعلم فستعلمون أن نظرية النصف غير دقيقة، فسلوك النصف المتعلم لا يختلف عن سلوك النصف الجاهل.
وتقول هذه النظرية إن نصف الشعب الموريتاني يعيش تحت خط الفقر أي أن بطونه جائعة، أما النصف الثاني فهو ليس بالجائع حسب هذه النظرية . والحقيقة أن النصف الثاني أكثر جوعا من النصف الأول، لأن قلوبه هي الجائعة وليست بطونه. ولتأكيد ذلك فيكفي أن نتأمل أي طابور أمام أي متجر من متاجر التضامن فسنجد أن أصحاب القلوب الجائعة يأتون دائما قبل قدوم أصحاب البطون الجائعة.
وتقول نظرية النصف إن نصف الشعب الموريتاني مفسد، وكأن النصف الثاني هو نصف صالح. والحقيقة أن الفساد محمول في جينات النصف الثاني، ولا يحول بين "النصف الصالح" والفساد إلا سوء الحظ أوحسنه، لا أدري أي العبارتين تناسب المقام.
وتقول النظرية أيضا بأن نصف الشعب الموريتاني تجار، وتنسى أن نصفه الآخر مشاريع تجار.
وتقول كذلك نظرية النصف إن نصف الشعب الموريتاني موال بالعلن، ومعارض في السر. وتنسى تلك النظرية أن نصف الشعب الآخر معارض في العلن، وموال في السر.
إن تلك الخصوصية الموريتانية تستدعي من حكومة التراكمات أن تكون يقظة جدا، عندما تبدأ في تطبيق قانون التمييز الإيجابي لصالح الأغنياء ، وعليها أن تتعامل مع ذلك القانون بنفس الحماس الذي طبقت به حرفيا برنامج رئيس الجمهورية الانتخابي الهادف إلى إفقار كل الشعب الموريتاني بغض النظر عن القبيلة أو الجهة أو العرق أو الانتماء السياسي.
تصبحون على تمييز إيجابي لصالح الأغنياء...