لا أخفيكم بأني ترددت
كثيرا في الكتابة إليكم، ولا أخفيكم بأن كل من حولي كان يقول لي دائما بأنه لا
فائدة ترجى من الكتابة للحكماء السبعة، فهم حتما سيدلون بشهادة زور، وهم قطعا سيفعلون
كل ما تطلبه منهم السلطة، سيفعلونه وهم صاغرون، واستسمجكم في هذه العبارة فهي ليست
من عندي، وإنما يقولها الناس من حولي.
حقا إننا نعيش أزمة
قيم مخيفة، إننا نعيش أزمة قيم وصلت إلى الحد الذي جعل أغلب أهل هذه البلاد لا
يتوقع من شيخ طاعن في السن، يمتلك من الخبرات والتجارب ما يمتلك، لا يتوقع منه أن
يمتنع عن تقديم شهادة زور، وقد جاء في الصحيحين
عن عبد الرحمن بن أبي بكرة رضي الله عنه
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ((أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ
بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ - ثَلَاثًا - ؟ قُلْنَا: بَلَى يا رَسُولَ اللهِ. قَالَ:
الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ،
فقالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ)) فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا
حتَّى قُلْنَا: لَيْتَهُ سَكَتَ .
حقا إننا نعيش أزمة قيم
مخيفة وصلت إلى الحد الذي جعلنا لا نتوقع من شيخ طاعن في السن من المفترض أنه قد
أصبح يفكر في آخرته أكثر من دنياه، ومن المفترض بأنه قد أصبح يعمل من أجل أن يختم
مساره الوظيفي الطويل بخاتمة حسنة تذكرها له الأجيال الموريتانية جيلا بعد جيل، لا
نتوقع من مثل هذا الشيخ أن يفعل ما يمليه عليه واجبه الديني والوطني والأخلاقي، بل
إن الكثير منا يجزم بأن هذا الشيخ لن يتردد ـ ولو للحظة ـ في تقديم شهادة الزور، ولن يتردد في
أن يختم عمره الوظيفي، وأن يختم آخر أيامه في هذه الدنيا الفانية بعار سيخلد له التاريخ،
وسيلاحق أبناءه وأحفاده، أحفادا بعد أحفاد .
حقا إننا نعيش أزمة
قيم مخيفة، ولو لم نكن نعش تلك الأزمة لما احتاج كاتب هذه السطور لأن يوجه لأشخاص
بمقامكم رسالة كهذه، ولو لم نكن نعش تلك الأزمة لكان الموريتانيون يتوقعون اليوم
من حكماء اللجنة المستقلة للانتخابات ومن كبار موظفيها أن يؤدوا واجبهم الذي
أقسموا على تأديته أمام المجلس الدستوري في يوم الأربعاء الموافق 13 يونيو 2012،
ففي هذا اليوم أقسم كل من : الدكتورعبد الله ولد اسويد احمد؛ وأحمد ولد أغناه الله؛
ومولاي احمد ولد حسني؛ وممد ولد احمد؛ والأستاذ با محمد الأمين؛ ومحمدن ولد باكاه؛ والدكتورة
مانتيتا تاندجا، أقسموا بالقسم التالي: "
"أقسم بالله العلي العظيم أن أؤدي وظائفي بإخلاص وعلى الوجه الأكمل،
وأن أزاولها بحياد تام مع مراعاة قوانين الجمهورية الإسلامية الموريتانية، وأن
أحافظ على سرية المداولات وذلك حتى بعد انتهاء وظائفي". فلو لم نكن نعش أزمة قيم لما
كنا بحاجة لأن نذكر هؤلاء الحكماء السبعة بقسمهم هذا، ولكن ولأننا نعش أزمة قيم
مخيفة فقد أصبح أغلب الموريتانيين على يقين بأن مثل هذا القسم قد لا يمنع هؤلاء الحكماء
السبعة من أن يقدموا شهادة الزور إذا ما طلب منهم تقديمها، ومن المؤكد بأنه سيطلب
منهم ذلك.
شخصيا لم أصل إلى حد
اليأس والإحباط، ولا زلت أمتلك بصيص أمل في الحكماء السبعة، ولا زلت أحتفظ بنسبة
احتمال قد لا تصل إلى 10% تقول بأن ضمائر الحكماء السبعة قد تصحو، وبأن وطنيتهم قد
تتغلب على ترغيب وترهيب الحاكم، وبأنهم قد يرفضون المشاركة في شهادة الزور وبأنهم
قد يمتنعون عن تقديمها إذا ما طُلب منهم ذلك.
إنه مجرد احتمال ضعيف،
ولكن نظرا لأهمية الاستفتاء ولما قد يترتب عليه من مخاطر لا قدر الله، فقد ارتأيت أن
أجري خلف سراب 10% ، وأن أكتب للحكماء السبعة ولكبار موظفي اللجنة هذه الرسالة،
فمن يدري فربما تلقى في قلب أحدهم أو في قلوبهم أجمعين قبولا حسنا.
أيها الحكماء، ولا شك
بأنكم أكثر حكمة مني..
أيها العقلاء، ولا شك
بأنكم أرجح عقلا مني..
يا أصحاب التجارب
والخبرات، ولا شك بأنكم أكثر خبرة وتجارب مني..
إنكم تعلمون أكثر مني
بأن هذا الاستفتاء الذين تشرفون عليه اليوم قد جاء نتيجة لحوار غاب عنه طيف كبير
من النخبة السياسية الموريتانية، وأنتم تعلمون أكثر مني بأن الاستفتاءات يجب أن
تجرى في جو توافقي، ويتأكد الأمر عندما تكون هذه الاستفتاءات قد يترتب عليها تغيير
بعض الرموز الوطنية.
أيها الحكماء، أيها
العقلاء، يا أصحاب التجارب والخبرات
إنكم تعلمون أكثر مني
بأن هذا الاستفتاء لا يتعلق بقضايا ملحة وذات أولوية حتى يكون هناك ما يبرر
الاستعجال في تنظيمه في ظل غياب حوار شامل، وفي ظل غياب جو توافقي.
أيها الحكماء، أيها
العقلاء، يا أصحاب التجارب والخبرات
إنكم تعلمون أكثر مني
بأن هذا الاستفتاء غير دستوري، وذلك بعد أن أسقطه مجلس الشيوخ ب 33 صوتا مقابل 20
صوتا في يوم الجمعة الموافق 17 مارس 2017،
تعلمون ذلك وبنص فقرة من المادة 99 من الدستور الموريتاني تقول بلغة قانونية فصيحة
وصريحة : "لا يصادق على مشروع مراجعة إلا إذا صوت عليه ثلثا (3/2) أعضاء
الجمعية الوطنية وثلثا (3/2) أعضاء مجلس الشيوخ ليتسنى تقديمه للاستفتاء." وأرجو أن تكرروا قراءة عبارة "ليتسنى تقديمه للاستفتاء".
أيها الحكماء، أيها
العقلاء، يا أصحاب التجارب والخبرات
إنكم تعلمون أكثر مني
بأن هذا الاستفتاء قد جاء نتيجة لحوار غير شامل، وبأنه قد تم تنظيمه في جو غير
توافقي، وبأنه غير دستوري، وبأنه لا يتعلق بقضايا ملحة، وبأنه قد يزيد من تعميق
الاستقطاب والخلاف بين الموريتانيين لدرجة قد تجعل الموريتانيين ولأول مرة في
تاريخهم يرفعون أكثر من علم، ويمتلكون أكثر من وثيقة دستورية، ويتغنون بأكثر من
نشيد، ولا شيء أكثر خطورة وأدعى إلى القلق من ذلك. إنكم تعلمون بالإضافة إلى كل
ذلك بأن تنظيم الاستفتاءات قد لا يكون من صلاحيات لجنتكم، وبأنه حتى ولو كان من صلاحياتها،
فإن مأموريتكم قد انتهت، ولذلك فإن إشرافكم على هذا الاستفتاء هو في الأصل محل جدل
قانوني وجيه.
إنكم تعلمون كل ذلك
أكثر مني، ولذلك فقد كان من المفترض بمن هو في سنكم وبرجاحة عقلكم، وبخبرتكم أن
يرفض الإشراف على مثل هذا الاستفتاء، وأن يقدم استقالته إذا ما حاولت السلطة
الحاكمة أن تفرض عليه تنظيم هذا الاستفتاء. ذلك هو ما كان يجب عليكم فعله، ولكن لا
بأس، فدعونا نقبل معكم أضعف التأويلات والحجج، ودعونا نقل معكم ومع غيركم بأن
الحوار قد شاركت فيه المعارضة المسؤولة، ولم تغب عنه إلا المعارضة الطائشة، وأن
الأجواء التوافقية غير ضرورية لتنظيم الاستفتاءات، وأن القضايا التي سيتم عليها
الاستفتاء هي قضايا ملحة وعاجلة وذات أولوية، وأن تنظيم الاستفتاء من صلاحيات
لجنتكم، وأن مأموريتكم مثلها مثل كل المأموريات يمكن أن يتم تمديدها في أي وقت،
سنقول كل ذلك، دعونا نقل كل ذلك، بل وأكثر من ذلك، ولكن دعونا نتفق على شيء واجد،
لا يمكن أن يختلف على تأويله، ولا على تبريره الحكماء ولا غيرهم من عامة الناس، لا
يمكن لأي كان أن يشرعه، ولا أن يبرره بأي حجة، حتى ولو كانت حجة واهية وضعيفة
جدا..
إن هناك أمرا يتفق
عليه الجميع وهو عدم جواز التزوير، وحرمة تقديم شهادة الزور، ونحن اليوم لا نطلب
منكم سوى شيء واحد : وهو أن لا تقبلوا التزوير، ونحن هنا لا نتحدث عن التزوير الذي
يسبق عملية التصويت، نحن نتحدث فقط عن التزوير الذي سيقع أثناء عملية التصويت،
وأثناء إعداد المحاضر، وعند الفرز، وعند عد البطاقات المصوتة ب"لا" و
تلك التي صوتت ب"نعم".
هذا هو ما نريده منكم
يا حكماء، وقد يكفيكم فعل هذا لتكتب لكم عند الموريتانيين خاتمة حسنة قد تنسيهم كل
ما مضى من العمل غير الصالح الذي يوجد في صحائف لجنتكم.
أيها الحكماء إن
التاريخ البخيل في منح الفرص، سيمنحكم في يوم الخامس من أغسطس فرصة، كما منح
للشيوخ في يوم السابع عشر من مارس فرصة، فهل ستستغلونها كما استغلوها، فترفعوا من
مكانة لجنتكم كما رفعوها هم من مكانة مجلسهم، أم أنكم ستضيعونها، فتجلبون لأنفسكم
ولأبنائكم ولأبناء أبنائكم عارا سيظل يلاحقهم إن بقت لهذه البلاد باقية، والتي لا
شك بأن بقاءها سيوضع على المحك بعد أن يختلف أهلها على علمهم وعلى نشيدهم وعلى
مؤسساتهم الدستورية، وعلى ما يقترب من ثمانية أبواب من دستورهم، وعلى ما يزيد على
23 مادة من هذا الدستور.
يبقى أن أقول بأني
على قناعة شبه تامة بأن أغلبية الشعب الموريتاني ستقاطع هذا الاستفتاء، وبأن
أغلبية الأقلية التي ستشارك ستصوت ب"لا" على التعديلات الدستورية، ولذلك
فإن إسقاط التعديلات الدستورية بتدني نسبة المشاركة، وبارتفاع نسبة المصوتين
ب"لا" سيكون في اعتقادي وفي اعتقاد الكثير من متابعي الشأن العام هو
الاحتمال الأقوى، هذا إن ضمنت لجنتكم الحد الأدنى من الشفافية عند التصويت وعند
فرز النتائج.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق