لم يعد ممكنا أن نقرأ الأحداث التي تجري في
هذا البلد بحسن نية، لأننا لو فعلنا ذلك لما استطعنا أن نفهم شيئا، أي شيء، مما
يجري في بلادنا، بلاد الغرائب والعجائب.
ولفهم ما يجري في هذه الأيام، دعونا نقرأ
الأحداث هذه المرة بخبث، وسنكتفي في هذا المقال بالتوقف عند لقطتين اثنتين، ربما
تكون لهما صلة وثيقة جدا بطبخة 23 من نوفمبر.
إنهما لقطتان متزامنتان ومثيرتان، ورغم ذلك
فلم تجدا من يتوقف عندهما.
اللقطة الأولى جاءت من الشمال الموريتاني وهي
تخص حزب التحالف، أما اللقطة الثانية فقد جاءت من الشرق الموريتاني، وهي تخص حزب
تواصل .
اللقطة الأولى : النائب بداهية يقر ـ وبشكل مفاجئ ـ بهزيمته في نواذيبو، ويعلن
دعمه لمرشح حزب الكرامة، ذلك المرشح الذي كان يتهمه النائب بداهية بنفسه بأنه شريك
في المؤامرة التي تحاك ضد التحالف في نواذيبو.
والغريب أن الاعتراف بالهزيمة جاء بعد ساعات
قليلة من الاعتداء على النائب بداهية من طرف قوات الأمن في وقفة احتجاجية نظمها
أنصار التحالف ضد تلك النتائج التي سيعترف بها لاحقا النائب بداهية، ومن قبل أن
يتم إجراء أي تحقيق فيها، وذلك استجابة لأوامر صادرة من قيادة حزب التحالف.
اللقطة الثانية: أنصار تواصل يفضون اعتصامهم
بشكل مفاجئ، وذلك بعد أن ضربوا خيمة أمام مقر اللجنة المستقلة للانتخابات في
مقاطعة كوبني، وكذلك بعد أن احتجزوا عمال فرع اللجنة هناك، وفرضوا عليهم إعادة فرز
النتائج، والتي أثبتت إعادة فرزها بأن مرشح تواصل قد تعرض فعلا لعملية تزوير
واضحة.
فلماذا فض
أنصار تواصل اعتصامهم بشكل مفاجئ؟ ولماذا أوقفوا عملية إعادة الفرز التي
كانت لصالحهم؟
الإجابة على تلك الأسئلة قد تعيدنا قليلا إلى
الوراء، أي إلى مساء الثامن والعشرين من نوفمبر حيث اشتعلت احتجاجات قوية لأنصار
التحالف وتواصل في عدة مناطق من الوطن : ازويرات ـ انواذيبو ـ كيهيدي ـ بومديد
....
بعد ذلك بيومين سيعم الهدوء، وستتوقف
الاحتجاجات في كل مكان، رغم أن السلطات لم تحقق في أي نتيجة من تلك النتائج التي
تسببت في ظهور تلك الاحتجاجات.
الظاهر أن تلك الاحتجاجات قد توقف استجابة
لأوامر من قيادة الحزبين، بعض تلك الأوامر تحدثت عنه وسائل الإعلام علنا، وبعضها
ربما يكون قد توقف لأوامر تم إصدارها بشكل سري.
شاكس ثم فاوض
لقد أدت انتخابات 23 من نوفمبر إلى دخول
النظام في ورطة كبيرة جدا، خاصة بعد أن أظهرت اللجنة المستقلة للانتخابات ارتباكا
كبيرا، وأثبتت أنها غير مؤهلة إطلاقا لتنظيم أي انتخابات، حتى ولو كانت مجرد
انتخابات طلابية لاختيار رؤساء أقسام في إعدادية من ستة فصول.
كان على النظام أن يتصرف بسرعة كبيرة، للخروج
من الورطة، ولذلك فقد قرر أن يقبل بجملة من الأمور، حتى لا يزداد حجم الاحتجاجات،
وحتى لا تنسحب المعارضة المشاركة، ومن هذه الأمور:
1 ـ أن يمنح لحزب تواصل رئاسة "المعارضة
الدستورية"، والتي لاشك أن الحزب كان يستحقها في ضوء نتائج انتخابات 23 من
نوفمبر، وذلك لأنه حصد أعلى نتائج بعد الحزب الحاكم، وربما يكون قد حصد في الشوط
الأول أكثر من 12 نائبا. لم يجد النظام خيارا آخر لأن بقية الأحزاب المعارضة ( التحالف والوئام) لم يكن بالإمكان أن
يُقفز بها فوق تواصل، حتى ولو بالغ النظام في تزوير النتائج لصالح تلك الأحزاب.
المهم أن تواصل سيفرح بالمعارضة الدستورية،
وسينسى إلى حين، بأنه ساهم في تشريع أسوأ انتخابات عرفتها البلاد.
وهنا أنبه إخوتنا في تواصل إلى ثلاثة أمور في
غاية الأهمية:
أولها : أن الأحزاب التي كان نوابها أكثر
عددا من نواب تواصل في البرلمان السابق لم تشارك في هذه الانتخابات (التكتل،
واتحاد قوى التقدم)، ولذلك فإن رئاسته للمعارضة الدستورية لم ينتزعها في ظروف
تنافسية طبيعية، لكي يستحق عليها التهنئة.
ثانيها: إن هذا البرلمان لن يعمر طويلا،
وسيتم نعيه في وقت قريب، فإما أن تبتلعه الأزمة التي حاول تجاوزها، وإما أن يبتلع
هو الأزمة، فيحله الرئيس بعد أن يكون قد أدى المهمة المطلوبة منه.
ثالثها: لقد كانت فاتورة12 نائبا فاتورة
قاسية جدا، ستدفعها البلاد، وستدفعها ديمقراطيتها الناشئة، ولا شك أن تواصل يتحمل
قدرا كبيرا من تلك الفاتورة.
2 ـ ومن الأمور التي ربما يكون قد قبل بها النظام
اضطرارا للخروج من ورطة انتخابات 23 من نوفمبر، والتي ربما تكون أيضا قد دفعت
بالرئيس مسعود لأن يعطي أوامره لأنصاره في نواذيبو بأن يوقفوا احتجاجاتهم، وبأن
يعترفوا بالنتائج، هو أنه ربما يكون الرئيس عزيز قد التزم للرئيس مسعود أن يعيد
تنصيبه على رئاسة البرلمان بدلا من النائب ولد أبيليل، أو أي نائب آخر من الحزب
الحاكم.
ربما تكون هكذا قد أعدت الطبخة، تلك الطبخة
التي بدأت بانتخابات هزيلة، وانتهت بصفقة هزيلة.
فهنيئا للرئيس عزيز بهذه المعارضة التي أنعم
الله عليه بها، والتي لم يجد يوما صعوبة في استغلالها. فهو كلما واجه أزمة اقتطع
جزءا من تلك المعارضة ليتجاوز بها تلك المهزلة، وذلك من قبل أن يرميها بعيدا، بعد
أن تكون قد أدت المهمة على أحسن وجه.
حفظ الله موريتانيا..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق